تتواصل الملاحقات القضائية في حق بعض الصحفيين التونسيين، في ظرف لوحت فيه نقابة الصحفيين التونسيين بتنفيذ إضراب عام في القطاع، وحشد الدعم لإلغاء المرسوم 54 المثير للجدل.
وقد نفذ عدد من الصحفيين وقفة احتجاجية الأربعاء، أمام المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، وذلك تضامنا مع الصحفي زياد الهاني الذي مثل أمام القضاء وتقرر الإبقاء عليه بحالة سراح على خلفية شكاية بتهمة "استخلاص فائدة دون وجه حق" على معنى الفصل 96 من المجلة الجزائية، تقدم بها ضده محامي نيابة عن جمعية محلّية.
يأتي ذلك بعد أيام من إفضاء الجلسة العامة العادية لنقابة الصحفيين التونسيين إلى إقرار مبدأ الإضراب العام في القطاع، مع تفويض المكتب التنفيذي للنقابة، لاختيار الموعد لتنفيذه.
وقالت النقابة في بيان الأحد، إن "الصحافة التونسية تعيش على وقع السيف المسلط على رقاب الصحفيات والصحفيين، وهو المرسوم 54 والسجن والتضييقيات والانتهاكات والتعتيم على المعلومة وظروف العمل البائسة وفرض القيود على العمل الصحفي".
وأشارت إلى أنها تعمل على حشد الدعم لإلغاء المرسوم 54 المسلط على الصحفيين مع الضغط لسراح جميع الصحفيين الذين يتم تتبعهم قضائيا وفقا لهذا المرسوم.
ويعد إقرار الإضراب العام في قطاع الإعلام في تونس، هو الأول منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021، وهو ما يثير التساؤل بشأن سياقاته وخلفياته.
محاكمات وانهيار للنظام الإعلامي
تعليقا على هذا الموضوع، قالت عضو نقابة الصحفيين التونسيين جيهان اللواتي إن تلويح النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بمبدأ الاضراب العام جاء على خلفية مطالبة الصحفيين يوم الجلسة العامة الأخيرة بالإضراب في ظل ما تشهده تونس من تراجع كبير في حرية التعبير والصحافة.
وأضافت اللواتي لموقع "الحرة" بأن هناك إجماع بين الصحفيين في تونس على الانهيار الكلّي للنظام الإعلامي على جميع المستويات، من ذلك التفقير المتعمد للصحفيين وانعدام أي إمكانية للولوج إلى المعلومة والنفاذ لها وهو ما يضرب أهم أساسيات العمل الصحفي على مستوى الحق الدستوري للمواطن في المعلومة.
ونددت بما اعتبرته " تعمّد السلطة إلى مضايقة واعتقال ومحاكمة الصحفيين والنشطاء والمعارضين السياسيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بتهم تتعلق بحرية التعبير على نص المرسوم 54 سيء الصيت".
ولفتت إلى أن السلطة التنفيذية في البلاد لا تعترف بالدور المدني والديمقراطي للصحافة وترى أن وظيفتها فقط نقل الخبر وحفظ للذاكرة.
وبخصوص واقع حرية الصحافة في تونس في الأعوام الأخيرة، شددت جيهان اللواتي على أن القطاع الإعلامي "يعيش تحت تهديد الملاحقات القضائية ما تسبب في خلق حالة من الخوف في غرف التحرير وحالة من الرقابة الذاتية لدى عدد من الصحفيين فضلا عن المحاولات المتكررة للسلطة لوضع اليد على الاعلام العمومي.
وكانت نقابة الصحفيين قد أشارت في تقريرها السنوي للفترة الممتدة من 1 مايو 2023 إلى موفى أبريل 2024 إلى أن تلك الفترة هي "الأخطر" من حيث المحاكمات والتتبعات القضائية في حق الصحفيين لافتة إلى أن نحو 39 صحفيا حوكموا على معنى المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.
وتشير تقارير حقوقية وإعلامية إلى أن أكثر من 60 شخصا خضعوا للمحاكمة في تونس بموجب المرسوم 54 منذ سنه 2022 فيما لا يزال العشرات منهم محتجزين في السجون بما يشمل صحفيين ومحامين ومعارضين.
عرقلة مبادرة تشريعية
في فبراير من العام الماضي، تقدمت مجموعة من نواب البرلمان بمبادرة تشريعية تهدف إلى تعديل بعض فصول المرسوم 54 خاصة تلك التي تضمنت عقوبات مشددة، في خطوة يؤكد النواب أنها تسعى إلى مواءمة ما جاء في المرسوم مع ما تضمنه دستور البلاد لسنة 2022.
وفي هذا السياق يقول رئيس لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان محمد علي سليمان لـ "الحرة" إن المبادرة التشريعية التي وقّعها نحو 40 نائبا ظلت في أروقة مكتب المجلس ولم يتم النظر فيها وإحالتها إلى لجنة الحقوق والحريات لافتا إلى أن أكثر من 60 نائبا تقدموا في يناير الماضي بطلب استعجال نظر فيها، غير أنه تواصل تعطيلها من قبل رئاسة البرلمان.
ويرى أنه من غير المعقول أن تواصل رئاسة البرلمان "احتجاز هذه المبادرة داخل المكتب وممارسة ضغوط لعدم وضعها في جدول الأعمال" معتبرا أن هذه الممارسات "تشكل اعتداء على حق النواب في التشريع".
وينص الفصل 24 من المرسوم 54 على أنه "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها 50 ألف دينار (16 ألف دولار)، كل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات، أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا للغير، بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني، أو بث الرعب بين السكان".
وفي هذا الخصوص، يشدد رئيس لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان محمد علي سليمان، على ضرورة تعديل هذا المرسوم أو إلغاؤه، مشيرا إلى أن المئات تم محاكمتهم بمقتضاه على نحو ضرب الحقوق والحريات في البلاد، مؤكدا أن النواب سيواصلون الضغط لتمرير المبادرة التشريعية رغم العراقيل التي تعترضها.
وسبق لرئيس البرلمان إبراهيم بودربالة أن تعهد في يوليو الماضي بإعادة النظر في هذا المرسوم بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في السادس من أكتوبر الماضي.
الرئيس ينفي
ورغم الانتقادات التي تعقب الملاحقات القضائية على معنى المرسوم 54، يؤكد الرئيس التونسي قيس سعيد، أنه "يرفض المساس بأي كان من أجل فكرة، فهو حر في اختياره وحر في التعبير".
وقال سعيد عقب لقائه بوزيرة العدل ليلى جفال في مايو الماضي " يتحدّثون كل يوم عن المرسوم 54 والفصل 24 منه، نرفض المساس بأيّ كان من أجل فكرة هو حرّ في اختياره، وحرّ في التعبير".
وينفي الرئيس سعيد "تتبع أي شخص من أجل رأي" مؤكدا رفضه "رفضا قاطعا أن يرمى بأحد في السجن من أجل فكره فهي مضمونة في الدستور".
يشار إلى أن تونس حلت في المرتبة 118 من جملة 180 بلدا، في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2024 الذي تصدره سنويا منظمة مراسلون بلا حدود .