كشفت هيئة الدفاع عن الموقوفين في القضية التي تطلق عليها السلطات التونسية "التآمر على أمن الدولة" أن القضاء قرر محاكمة المتهمين يوم 4 مارس المقبل عن بعد ودون جلب المتهمين إلى المحكمة، في خطوة أثارت "استنكارا" واسعا في صفوف المعارضة في تونس.
وتنطلق أولى جلسات المحاكمة يوم 4 مارس المقبل وتشمل نحو 40 معارضا من مختلف الأطياف السياسية، بينهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي وغيرهم.
وتعود هذه القضية إلى فبراير 2023، إذ شنت قوات الأمن في تونس حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات سياسية معارضة للنظام ورجال أعمال وأمنيين.
ووجه القضاء وقتها تهما خطيرة للمعتقلين تصل عقوبتها إلى الإعدام كتكوين "مجموعة إرهابية" و"التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".
من جانب آخر، أثار القرار القضائي بمحاكمة المتهمين في قضية "التآمر" استنكار عدد من أحزاب المعارضة في تونس وعائلات المعتقلين وسط جدل بشأن مدى قانونية هذا الإجراء.
"انتهاك خطير"
أول ردود الفعل السياسية بشأن قرار المحكمة التونسية، جاء من جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف حزبي معارض) التي اعتبرت خلال مؤتمر صحفي الأربعاء، أن محاكمة المعتقلين السياسيين عن بعد بشكل غير علني يعد "انتهاكا خطيرا لحقوقهم ونسف للمحاكمة العادلة وتعتيم على الرأي العام ووسائل الإعلام ".
وقال القيادي في جبهة الخلاص الوطني، رياض الشعيبي، إن هذه المحاكمة تشكل فرصة لفضح زيف ادعاءات السلطة وفضح طبيعتها التسلطية والاستبدادية، فهي ترغب في إجراء محاكمة لا يراها ولا يسمع بها أحد ولا يطلع الرأي العام على التفاصيل والحقائق المتعلقة بهذا الملف".
وتابع الشعيبي، خلال المؤتمر الصحفي الذي بثته جبهة الخلاص على صفحتها بـ "فيسبوك"، أن "المطالب بإلحاق بقية المعارضين بالزنزانات هو إقرار بالمظلمة التي يتعرض لها المعتقلون في هذه القضية".
وبخصوص خطوات المعارضة ما بعد جلسة المحاكمة المقررة يوم 4 مارس 2025، أشار المتحدث إلى أن المعارضة ستكثف من اللقاءات الإعلامية بهدف "فضح ممارسات السلطة وكشف جرائمها في حق الموقوفين".
واعتبر الحزب الجمهوري، في بيان الخميس، أن محاكمة المتهمين في ما يعرف بـ "قضية التآمر على أمن الدولة" عن بعد ومنع جلبهم من السجن إلى قاعة المحكمة "انتهاكا صارخا لمبادئ المحاكمة العادلة".
وشدد الحزب على أن هذا الإجراء "يعمّق الانحراف الخطير الذي تشهده المنظومة القضائية، حيث يحرم المتهمون من حقهم المشروع في الحضور الجسدي أمام المحكمة، والتفاعل المباشر مع هيئة الدفاع والقضاة، وهو ما يقوّض ضمانات الدفاع ويمسّ بجوهر العدالة".
كما طالب القضاء بالتراجع عن هذا القرار الذي وصفه بـ "الجائر" داعيا القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني إلى تحمل المسؤولية من أجل "التصدي لهذا المسار الخطير، والدفاع عن استقلالية القضاء، وضمان محاكمات عادلة لكل المتهمين بعيدًا عن الضغوط السياسية والتجاوزات القانونية".
محاكمة علنية
من جانب آخر، طالبت عائلات المعتقلين السياسيين بعلانية الجلسات القضائية في محاكمة المتهمين وبتوفير كل ضمانات المحاكمة العادلة.
وقالت فايزة الشابي، زوجة المعتقل السياسي عصام الشابي، لموقع "الحرة"، "لقد طالبنا بضرورة علنية المحاكمة حتى يقف الشعب التونسي على حقيقة الملف ويطلع على وقائع القضية لأننا واثقون من زيف التهم الموجهة للمعتقلين".
وأضافت أنه على امتداد عامين من وجود الموقوفين على ذمة القضية في السجون، "تعاني عائلاتهم من الوصم والتنمر داخل المجتمع التونسي بسبب تهمة التآمر الموجهة للمعتقلين، فضلا عن حالات المنع من الزيارات للسجون وتردي الوضع الصحي للموقوفين".
وطالبت المتحدثة بكشف الحقيقة أمام التونسيين والتخلي عن سياسة التعتيم المنتهجة من السلطة في التعامل مع ملف المعتقلين.
وشددت على أن عائلات المعتقلين "لن يقبلوا أن تتم هذه المحاكمة في الغرف المظلمة وستتمسك بمطالبة محاكمة علنية".
وفي أبريل الماضي، انتقد الرئيس التونسي قيس سعيد إطالة أمد الإجراءات القضائية، وطالب بسرعة محاكمة المتهمين بـ “التآمر على أمن الدولة".
وقال سعيد، خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي في تونس: "بالنسبة لمَن تآمروا على أمن الدولة، ومازال عدد منهم يتآمرون على أمن الدولة، آن الأوان لتتم محاكمتهم محاكة عادلة".
كما أكد أن منظومة القضاء مستقلة ولا يتدخل في عملها، بينما تتهمه المعارضة باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين لإجراءات استثنائية بدأ فرضها في 25 يوليو 2021.
في المقابل، أثار القرار القضائي بإجراء المحاكمة عن بعد ومنع جلب المتهمين من السجن إلى قاعة المحكمة جدلا بشأن مدى قانونيته.
جدل قانوني
في هذا الخصوص، يعتبر عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، المحامي مختار الجماعي، أن النزاع حول علنية جلسة المحاكمة من عدمه يبقى نزاعا ثانويا مقارنة بالصبغة السياسية التي اكتستها هذه القضية في ظل "قضاء تتحكم فيه السلطة التنفيذية".
وقال الجماعي لـ "الحرة" إن إقامة جلسة محاكمة عن بعد تعد من الأشكال التي لم يعتدها القضاء التونسي وذلك بالنظر إلى مبدأين أساسيين في التقاضي.
والمبدأ الأول وفق الجماعي، يتمثل بالعلنية بما تتضمنه من فتح قاعات المحكمة أمام العموم لإجراء رقابته على أوراق الملف وكيفية تعاطي القضاء معه.
أما مبدأ المواجهة، فينطلق من ضرورة إحضار جميع الخصوم من متهمين ومحامين ونيابة عمومية لكي يعلم كل طرف ما يقدمه الطرف الآخر.
وتابع بأن المحاكمة عن بعد لا تتناسب مع المادة الجنائية باعتبارها "قضاء وجدان" تتطلب حضور المتهم ومحاميه فضلا عن التفاعل النفسي أثناء جلسة المحاكمة.
وشدد عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، أن هذا الإجراء القضائي يعكس ضعف المبررات التي قدمتها وزارة العدل لهذا الخيار والمتمثل في وجود خطر يحول دون إحضار الموقوفين إلى قاعة الجلسة.
ولفت إلى أن المحكمة تناقض نفسها من خلال دعوة من هم في حالة سراح للحضور في حين تمنع جلب المساجين.
وختم المتحدث بالقول" أول إجراء ستقوم به هيئة الدفاع في أولى جلسات المحاكمة هو طلب إحضار جميع المتهمين لتوجيه الأسئلة والاستفسارات وإجراء المكافحات الآنية "
في مقابل ذلك، رجّح الأمين العام لحزب "مسار 25 جويلية/يوليو" (داعم للسلطة) محمود بن مبروك، في حديثه لموقع "الحرة"، أن تكون الجهات القضائية قد استندت في اتخاذ قرارها إلى الفصل 141 مكرر من المجلة الجزائية وكذلك الفصل 73 من القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال.
وأوضح بن مبروك أن الفصل 141 ينص على أنه يمكن للمحكمة أن تقرر من تلقاء نفسها أو بطلب من النيابة العمومية أو المتهم، حضور المتهم المودع بالسجن بجلسات المحاكمة والتصريح بالحكم الصادر في شأنه باستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري المؤمنة للتواصل بين قاعة الجلسة لمنتصبة بها المحكمة والفضاء السجني المجهز للغرض.
كما يجوز للمحكمة في حالة الخطر الملم أو لغاية التوقي من إحدى الأمراض السارية أن تقرر العمل بهذا الإجراء دون التوقف على موافقة المتهم المودع بالسجن.
وأكد المتحدث أن الفصل 73 يخوّل لقاضي التحقيق أو لرئيس المحكمة إجراء أعمال البحث أو الإذن بانعقاد الجلسة بغير مكانها المعتاد.
كما يخول لهما أن يقررا استنطاق المتهم وتلقي تصريحات من يريان فائدة في سماعه باستعمال وسائل الاتصال السمعية البصرية الملائمة دون ضرورة لحضور المعني بالأمر شخصيا.
وتبعا لذلك، قال محمود بن مبروك إن الإجراءات القضائية الجديدة لن تؤثر على مجريات قضية التآمر على أمن الدولة معتبرا أنها "مجرد إجراءات وقائية احترازية لن تغير في منطوق الحكم".