الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)

تشهد العلاقات الدبلوماسية بين تونس وإيران تقاربا كبيرا في الآونة الأخيرة، رغم اتساع رقعة الحصار العالمي لنظام طهران.

وشاركت تونس، الجمعة، في الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، الذي جاء بطلب إيراني واحتضنته مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.

وقبل ذلك، وتحديدا في مايو الماضي زار الرئيس التونسي، قيس سعيد، إيران للمشاركة في مراسم تشييع الرئيس الراحل ابراهيم رئيسي، فيما أعلنت السلطات التونسية بعدها عن إلغاء التأشيرات للإيرانيين. 

وفي فبراير الماضي، أعلنت الخارجية التونسية في بلاغ عن تلقي ويزر الخارجية التونسية، حمد علي النفي، اتصالا من نظيره الإيراني عباس عراقجي، بحث الطرفان خلالها "سبل تعزيز أوجه التعاون" بين البلدين.

في المقابل، يثير التقارب الدبلوماسي بين تونس وإيران العديد من الأسئلة عن خلفياته ودلالاته، خصوصاً في ظل تزامنه مع خسارة طهران الكثير من نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.

"نزعة توسعية لإيران"

تعليقا عن دلالات التقارب التونسي الإيراني وانعكاساته، ترى المحللة السياسية، عايدة بن عمر، أنه مرتبط بثلاثة عوامل تتمثل في الإرث التاريخي والوضع الإقليمي والبعد الطائفي، فيما لم تخرج السياسة الخارجية للرئيس التونسي عن هذه الأبعاد الثلاث.

وقالت بن عمر، لموقع "الحرة"،  "تاريخيا تعتبر تونس مركز عبور حضارات وقوى كبرى قديما وحديثا لموقعها الجغرافي المتصل بالمعابر البحرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط والبرية بوابة الساحلين الشمالي والإفريقي الجنوبي..".

وأضافت أن هذه المعابر تعتبر "ممرات استراتيجية لا غنى عنها، واهتمام إيران باعتبارها قوة إقليمية ذات نزعة توسعية يقرأ في هذا السياق، وبالمقابل تجد تونس نفسها مضطرة للتعامل مع إدارات دول وشركات عابرة للحدود منذ نشأتها".

وأردفت قائلة إن "الوضع الإقليمي يعيش على وقع التنافس بين القوى الدولية، لذلك تسعى إيران إلى التموقع في الشمال الأفريقي وخلق نفوذ جديد في المنطقة".

ومن جانب آخر، اعتبرت بن عمر أن النظام الإيراني يرى في تونس "منطقة نفوذ طائفي وتاريخي من العهد الفاطمي ويحاول المراهنة على ذلك، كما يرى في الرئيس سعيد حليفا موثوقا يمرر من خلاله رؤية إيران التوسعية في الشمال الإفريقي".

وبخصوص انعكاسات هذا التقارب على تونس، أكدت المحللة السياسية عايدة بن عمر، أنه "أثر بشكل سلبي على قرارات الخارجية التونسية حيث كانت مواقفها مضطربة تجاه ما يحدث في ليبيا وسوريا والساحل الإفريقي". 

واستبعدت المتحدثة في المقابل، أن يؤدي هذا التقارب إلى عزلة دولية لتونس.

وقالت: "مهما بلغت العلاقات التونسية الإيرانية من تقارب، فلا يمكن مقارنتها بعلاقات هذا البلد المغاربية مع الولايات المتحدة الأميركية التي منحته صفة الحليف الاستراتيجي من خارج حلف الناتو كما أن الامتيازات التي يوفرها الجانب الأمريكي لا يمكن أن توفرها إيران".

وسبق لمحسن مرزوق الوزير المستشار للسابق للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي أن وجه في فبراير الماضي رسالة إلى سعيد دعاه فيها "للنأي بتونس وشعبها عن أتون الصراعات الدولية الرهيبة في المنطقة والعالم والتي تأخذ فيها إيران موقعا تبحث عن مصالح وأهداف لا ينبغي أن تكون تونس في علاقة بها ظاهرا أو باطنا".

"مأزق دبلوماسي"

من جانبه، رأى الصحفي المحلل السياسي، زياد المزغني، أن المنتقدين للسياسة الخارجية التونسية يرون أن تونس "لا تتحرك بعقلانية كبيرة" في إدارتها للملف الدبلوماسي وصل إلى حد توصيفه بـ "العبث الدبلوماسي".

وأوضح المزغني لموقع "الحرة" أن "تونس وضعت نفسها في مأزق دبلوماسي بعد أن تأثرت علاقتها مع شركائها التقليديين وهم الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية بسبب تقاربها مع طهران وهوما يفسره ما يراه مراقبون بغياب عقل ناظم للدبلوماسية التونسية يمكن أن يحدد التوجهات الكبرى لها حفاظا على مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية.

كما شدد على أن " سياسية ازدواجية المواقف التي تنتهجها الخارجية التونسية يجعل البلاد لا تستفيد من شراكتها مع الدول الغربية ولا من علاقتها بإيران وحلفائها"، لافتا إلى أنها بهذه السياسة ستخرج "الخاسر الأكبر" من الصراعات والمحاور.

وكان السفير الإيراني بتونس، مير مسعود حسينيان، قد صرح مطلع فبراير المنقضي أنّ "تونس وإيران تبحثان إمكانية تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة في أقرب وقت ممكن." 

وجاءت تصريحات المسؤول الإيراني في وقت كانت تستضيف فيه تونس الأسبوع الثقافي الإيراني – التونسي، وفجرت مشاركة مسؤولة إيرانية في مؤتمر حول "مكانة المرأة'' جدلا واسعا، إذ انتقد كثيرون مواقفها المناهضة لحقوق النساء في بلادها.

"تدمير التحالف الاستراتيجي"

في 23 فبراير 2025، حذّرت رئيسة حزب "الجمهورية الثالثة" المعارض، ألفة الحامدي، ممّا اعتبرتها "التداعيات الخطيرة لمحاولة قيس سعيد تدمير التحالف الاستراتيجي لتونس مع الولايات المتحدة الأمريكية و تطبيق نموذج فنزويلا في تونس".

وجاء في بيان نشره الحزب على حسابه بفيسبوك، "نذكر أن صوت الشعب التونسي لم يمنح أي تفويض لإضعاف علاقاتنا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية أو لتحويل تونس إلى منصة للنفوذ الإيراني في شمال أفريقيا."

وأضاف "إن نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات لا تعطي تفويضا لتغيير جذري في توجهات تونس الاستراتيجية كما لم يقدّم السيد قيس سعيد برنامجا انتخابيا شفّافا في الغرض وفي سياساته الخارجية والأمنية. وعليه، يهمّني تذكير كل مؤسسات الدولة الوطنية المعنية بما في ذلك هيكل الديبلوماسية التونسية بعدم وجوب اتبّاع تعليمات السيد قيس سعيد في هذا المجال". 

يشار إلى أنه منذ إقامتها إبان الثورة الإيرانية في 1979 شهدت العلاقات بين تونس وإيران حالات مدّ وجزر، ثم تعززت هذه العلاقات منذ إعلان سعيد عن إجراءات 25 يوليو 2021.

صورة أرشيفية من بلدة على الحدود بين البلدين
صورة أرشيفية لقوات أمن على الحدود بين تونس وليبيا

أعلنت "إدارة إنفاذ القانون بالإدارة العامة للعمليات الأمنية" في حكومة "الوحدة الوطنية" الليبية، "ضبط مركبات آلية لتونسيين مُعدة للتهريب"، عبر معبر رأس اجدير الحدودي بين تونس وليبيا.

وقال بيان صادر عن "إدارة إنفاذ القانون"، الإثنين، إنه "في إطار جهودها لمكافحة التهريب بجميع أشكاله، ووفقًا للقوانين واللوائح المعمول بها، ضبطت دوريات إدارة إنفاذ القانون بالإدارة العامة للعمليات الأمنية، عددا من المركبات الآلية التونسية داخل منفذ رأس اجدير البري".

وأشار إلى أن أصحابها "كانوا يمتهنون تهريب السلع والبضائع من ليبيا"، بالإضافة إلى "تهريب الوقود عبر خزانات مضافة بشكل غير قانوني إلى هذه المركبات"، حسب نص البيان.

وأضاف البيان أنه "تم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة بحق أصحاب هذه المركبات، وإحالتهم إلى مركز شرطة رأس اجدير، تمهيدًا لعرضهم على النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية".

وقالت مصادر مطلعة لـ"الحرة"، أن الإجراء الذي اتخذته السلطات الأمنية الليبية، "جاء ردا على إصدار المحكمة الابتدائية بمحافظة مدنين جنوبي تونس، حكم بالسجن لمدة 5 أعوام بحق ليبي، كشفت التحقيقات عن ضبطه بصدد تهريب كمية من الطحين إلى بلاده".

وعبرت منظمات أهلية في محافظة مدنين الحدودية مع ليبيا عن تخوفها من تسبب الأحداث الأخيرة في تدهور الوضع داخل المنطقة الحدودية بين تونس وليبيا، وحدوث اضطرابات على مستوى التنسيق الأمني بين البلدين.

وسبق للسلطات الليبية المتحكمة في معبر "راس جدير الحدودي بين البلدين"، أن أغلقت المعبر بين مارس ويوليو من العام الماضي، بسبب اضطرابات أمنية وسياسية في البلاد.

وأعلن الجانبان الليبي والتونسي إعادة فتح المعبر الحدودي في يوليو العام الماضي، مع تشديد الرقابة على حركة التبادل التجاري عبر المنفذ، لمنع تهريب المواد الأساسية المدعمة كالمحروقات والحبوب ومشتقاتها.

وتؤثر الاضطرابات التي يشهدها معبر راس اجدير الحدودي وقرارات غلقه المتكررة خلال الأعوام الأخيرة، في اضطراب النشاط التجاري والاقتصادي بين البلدين، حيث يستأثر بنحو 80 في المائة من حجم التبادل التجاري بينهما.