احتجاجات سابقة في تونس

حذَّر مدير الديوان الرئاسي السابق في تونس من "انفجار اجتماعي وشيك"، وسط احتدام الأزمة الاقتصادية، بموازاة استمرار السلطات في التضييق على الحريات وقمع المعارضين.

ودفعت ملاحقة السلطة لعدد من المعارضين وحبس آخرين بعد 25 يوليو 2021، قادة أحزاب وحقوقيين إلى الخروج من تونس والاستمرار في معارضة نظام الرئيس التونسي قيس سعيّد.

ومن ضمن المعارضين التونسيين المقيمين بالخارج، مدير الديوان الرئاسي السابق والسياسي عماد الدايمي، الذي أقصته السلطات عن الانتخابات الرئاسية لعام 2024.

أطلق الدايمي مؤخرًا مشروعًا سياسيًا جديدًا يحمل شعار "التغيير الهادئ والمسؤول"، على أن يُعدَّ "برنامج حكم عقلاني والتصدي للشعبوية"، وفق الدايمي.

وقال المعارض التونسي لموقع "الحرة" إن الدافع الرئيسي لإطلاق مشروعه كان استثمار الديناميكية التي حصلت أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة وتحويلها إلى ديناميكية سياسية تفرض التغيير في البلاد.

وأضاف أنه عمل على تسخير الديناميكية في مشروع سياسي متين وتعبئة مدنية وجهد تواصلي فعال يعيد الثقة في العمل السياسي في البلاد، في ظل الفراغ السياسي الكبير والغياب التام لأي مبادرات سياسية وأي فعل للأحزاب التقليدية ومؤسسات المجتمع المدني.

والهدف، وفق الدايمي، "هو تحويل الغضب المتزايد في المجتمع إلى طاقة خلاقة، وتجميع كفاءات وإرادات وطنية من أجل بناء بدائل عقلانية وتقديم رؤية مبتكرة وشاملة تهدف إلى تجاوز الأزمات الكبرى والتحديات الخطيرة التي تعيشها البلاد، ووضع تونس على مسار الاستقرار والازدهار".

"معارضة ضعيفة في الخارج"

وبخصوص تحركات المعارضة التونسية في الخارج ومدى تأثيرها على السلطة في تونس، رأى مدير الديوان الرئاسي السابق أن هذه التحركات لا تزال "ضعيفة ومشتتة"، وليست في مستوى الحضور الكبير والنوعي للجالية التونسية في مختلف البلدان.

وأضاف: "رغم ذلك، فهي تزعج كثيرًا نظام قيس سعيّد، الذي لا يحتمل أي معارضة لسياساته وأي صوت يصل إلى التونسيين من خارج البلاد، بعد أن نجح في تدجين الإعلام وكتم أغلب الأصوات الحرة في تونس بالسجن والتنكيل والتضييق".

وتبعًا لذلك، قال: "نأمل بمبادرتنا الجديدة أن نحرك فئات واسعة من الكفاءات التونسية بالخارج عبر إدماجها في مشروع وطني متكامل يساهم في بناء مستقبل البلاد".

في المقابل، يتهم سعيّد، في مناسبات عديدة، خصومه السياسيين بـ "التآمر مع الخارج لزعزعة استقرار البلاد"، ويشدد على أن تونس تعيش "معركة تحرير وطني".

"ديكتاتورية عمياء"

ومنذ مطلع عام 2023، شنَّت السلطات الأمنية في تونس حملة اعتقالات واسعة لقادة سياسيين وصحفيين ومحامين وأمنيين ورجال أعمال، ليواجهوا قضايا مختلفة، أخطرها "التآمر على أمن الدولة".

وأثار ذلك قلقًا في الأوساط الحقوقية المحلية والدولية.

وتعليقًا على هذه الاعتقالات، قال الدايمي إنها "دليل واضح على أننا دخلنا طور ديكتاتورية عمياء لا تتورع عن استخدام أدوات القمع ضد مختلف المكونات السياسية والفكرية، وكل الفئات الاجتماعية دون استثناء، عبر استعمال قضاء تابع واقع تحت سلطة التعليمات والإذلال".

وتابع أن "هذه الحملة الشعواء ضد كل نفس معارض أو حر، والأحكام الثقيلة التي تُستصدر كل يوم ضد المعارضين، إنما تهدف إلى بث الخوف في المجتمع، وتعكس حالة الهلع التي يعيشها نظام قيس سعيّد بسبب تزايد حجم الغضب الشعبي ضده، ومحاولته التغطية على فشله الذريع بادعاء وجود مؤامرات تستهدفه".

من جانب آخر، وبخصوص أوجه التشابه بين نظام قيس سعيّد ونظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، رأى أنها تكمن في تركيز السلطة بيد رئيس الدولة، وتضييق المساحات المتاحة للمعارضة السياسية والحقوقية، وتدجين الإعلام الحكومي والخاص، إضافة إلى تراجع ضمانات الحريات العامة والفردية.

"انفجار اجتماعي وشيك"

في تقييمه للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس خلال عهد سعيّد، أكد مدير الديوان الرئاسي السابق أنها في "تدهور مستمر في ظل الفشل الذريع للنظام وعدم قدرته على التصدي للأزمات المتراكمة، وتسببه في أزمات إضافية بسبب نزعاته الشعبوية وغياب أدنى كفاءة في تسيير البلاد".

وشدد الدايمي على ما وصفه بـ "الكارثة الكبرى" التي تسبب فيها تنزيل قانون جديد للشيكات، وذلك دون دراسة لتأثيراته على الدولة، وهو ما أدى إلى انهيار الحركية الاقتصادية وإفلاس مئات الشركات الصغرى.

وكان قانون الشيكات الجديد، الذي حظرت بموجبه السلطات، بداية من فبراير 2025، تعامل التونسيين بالشيكات المؤجلة، قد أثار جدلًا وانتقادات واسعة للحكومة في تونس.

وقال الدايمي إن الحراك الاجتماعي المتصاعد، الذي انطلق مطلع هذا العام في مختلف الجهات، إلى جانب ارتفاع موجة الانتحارات التي شهدتها البلاد في الأسابيع الأخيرة، فضلًا عن العنف المتزايد في الملاعب الرياضية، كلها مؤشرات على تصاعد الاحتقان الاجتماعي الذي ينذر بانفجار اجتماعي وشيك دون أفق سياسي، وهو أخطر ما يمكن أن يصيب البلاد.

وبشأن السياسة الخارجية لتونس في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، اعتبر الدايمي أنه خلال سنوات الحكم الانفرادي الأحادي لسعيّد، انتكست الدبلوماسية التونسية وسارت إلى نهج انعزالي متوتر فاقد للرصانة والتوازن، ما أدى إلى فقدان تونس لشركائها، وجعل سياستها الخارجية مرتبكة وانفعالية، بلا هوية واضحة ولا رؤية استراتيجية، وفقه.

"الخروج من الأزمة"

للخروج من الأزمة الشاملة في تونس، قال الدايمي إن هذا الانسداد السياسي الخانق، والأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة، والانفراد التام بالقرار من طرف هرم السلطة ورفضه الحوار، يستوجب حراكًا مدنيًا وشعبيًا واسعًا.

وأضاف أن على هذا الحراك أن يتلقى دعم قوى سياسية وحقوقية وشبابية قادرة على ممارسة ضغط حقيقي يجبر السلطة على التراجع عن نهج التفرد، ويفرض عليها إجراءات لتخفيف الاحتقان، وإطلاق سراح مساجين الرأي، ورفع اليد عن القضاء، والعودة سريعًا إلى صندوق الاقتراع مع كل الضمانات لعدم التلاعب بإرادة المواطنين، كما حصل في الصائفة الماضية.

وشدد على أن هذا المسار يتطلب التفاف قوى وطنية مؤمنة بالتغيير حول بديل سياسي واضح المعالم، يستفيد من أخطاء المراحل السابقة، ويتضمن الإصلاحات الهيكلية التي لم تجرؤ المجموعة الوطنية على القيام بها بعد الثورة، ويجعل رفاهية المواطن وحقوق الأجيال القادمة في قلب الاهتمام. كما يتطلب الأمر بناء تحالف وطني واسع من أجل إنقاذ البلاد وإعادتها إلى سكة الانتقال.

يعاني اقتصاد تونس من عجز مزمن مع الصين وروسيا
يعاني اقتصاد تونس من عجز مزمن مع الصين وروسيا

يشهد الميزان التجاري التونسي خلال الأشهر الأولى من سنة 2025 تفاقما ملحوظا في العجز، حيث تضاعف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، متأثرا بشكل رئيسي بالمبادلات غير المتوازنة مع الصين وروسيا.

وأظهرت بيانات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) ارتفاع العجز التجاري لتونس خلال الشهرين الأولين من 2025 إلى ما يفوق 1.2 مليار دولار مقارنة بنحو 0.6 مليار دولار خلال العام الماضي.

وتكشف حصيلة المبادلات التجارية لهذا البلد المغاربي مع الصين عجزا يتجاوز 3 ملايين دولار تليه روسيا بما يفوق 1.6 مليون دولار، في مقابل ذلك تسجل هذه المبادلات فائضا مع بعض دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

وجاءت فرنسا في صدارة الدول التي حققت معها تونس فائضا تجاريا بنحو 1.7 مليون دولار تلتها ألمانيا بما يفوق 0.7 ميار دولار، فيما حلت الولايات المتحدة في الرتبة السادسة بفائض يناهز 700 ألف دولار.

في المقابل، أثار توجه تونس للمراهنة على الأسواق الصينية والروسية في المبادلات التجارية سجالا بشأن تداعياته على البلاد التي تشهد أوضاعا اقتصادية صعبة.

ضرورة مراجعة الاتفاقيات

تعليقا على هذا الموضوع، يرى الأستاذ الجامعي في الاقتصاد زهير الحلاوي أن العجز التجاري المتزايد مع الصين، والذي تجاوز سقف 3 ملايين دولار، يؤثر سلبا على التوازنات المالية في تونس.

وقال الحلاوي لموقع "الحرة" إن العجز مع الصين وروسيا بات يشكل عبئا إضافيا على الوضع الاقتصادي المتأزم في ظل هذه الأرقام المقلقة، وهو ما يبرز تساؤل جوهري؛ هل تستفيد تونس فعلا من شراكاتها التجارية مع هذين البلدين، أم أن هذه الاتفاقيات تخدم مصالح طرف واحد فقط؟

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
تحذيرات من التقارب بين تونس وإيران
تشهد العلاقات الدبلوماسية بين تونس وإيران تقاربا كبيرا في الآونة الأخيرة رغم اتساع رقعة الحصار العالمي لنظام طهران.
وقد شاركت تونس، الجمعة، في اشغال الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي الذي يأتي بطلب إيراني واحتضنته مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.

وأوضح أن الصين تمثل اليوم أحد أهم الشركاء التجاريين لتونس، لكن العلاقة تفتقد إلى التوازن، ذلك أن تونس تستورد من هذا البلد الآسيوي منتجات استهلاكية وصناعية بكميات ضخمة، في حين أن صادراتها إليها تظل محدودة للغاية.

وأشار إلى أن هذا الاختلال يؤدي إلى تزايد العجز التجاري ويضعف الصناعة المحلية التي تجد نفسها غير قادرة على منافسة المنتجات الصينية الأرخص.

وتابع، في السياق ذاته، بأن تدفق المنتجات الصينية بكثافة إلى السوق التونسية يؤثر سلبا على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث تغرق السوق بسلع منخفضة السعر، ما يضعف فرص الشركات التونسية في الصمود.

وبخصوص التبادل التجاري مع روسيا، فقد أكد الحلاوي أن العجز التجاري مع روسيا بدوره يمثل معضلة، إذ تعتمد تونس على واردات الطاقة والمواد الأولية الروسية، مما يجعلها عرضة للتقلبات في الأسعار وظروف السوق الدولية. 

ومع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، أصبح التعامل التجاري معها محفوفا بالمخاطر، مما قد ينعكس سلبا على الاقتصاد التونسي مستقبلا، وفقه.

وتبعا لذلك، دعا المتحدث الحكومة التونسية إلى مراجعة اتفاقيات التبادل التجاري مع الصين وروسيا وتعزيز الإنتاج المحلي لضمان مصلحة البلاد، فضلا عن تكثيف الجهود الدبلوماسية بهدف التنويع في الشراكات التجارية والبحث عن أسواق جديدة أكثر توازنا.

وسبق للمرصد التونسي للاقتصاد أن حذر في العام 2022 من تعمّق العجز التجاري لتونس مع الصين وتركيا وشدد على أنه يساهم في استنزاف احتياطي البلاد من العملة ويهدد، جديا، الإنتاج المحلي، داعيا إلى مراجعة الاتفاقيات التجارية معهما.

عجز هيكلي

من جانبه، أكد الخبير في الاقتصاد، هشام العجبوني، أن العجز التجاري في تونس هو عجز هيكلي وليس ظرفيا رغم توجه الحكومة التونسية خلال السنوات الأخيرة إلى التخفيض في التوريد بسبب ضعف الإمكانيات المالية للدولة.

وأوضح العجبوني أن هذا التوجه انعكس سلبا على مجال الاستثمار في تونس والذي تراجعت نسبته إلى ما دون 16 في المئة من الناتج الداخلي الخام، جراء عدم استيراد المواد الخام ونصف المصنعة والتجهيزات، وهو ما يشكل خطرا على البلاد مستقبلا.

من جانب آخر، دعت تونس في يوليو 2023 الى تعزيز وتنويع الشراكة بين القارة الافريقية ومجموعة 'البريكس' التي تقودها الصين وروسيا في خطوة فسرها مهتمون بالشأن الاقتصادي بالسعي التونسي نحو الانضمام لهذه المجموعة.

وتعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي هشام العجبوني، إن الدعوات للانضمام إلى "البريكس" يشكل كذبة كبرى لعدة اعتبارات أهمها أن 70 في المئة من الصادرات التونسية تتجه بشكل أساسي إلى الشركاء التقليديين في مقدمتهم دول أوروبا وهو ما لا يمكن أن تقوم بتعويضه الصين أو روسيا.

وشدد على أن التوترات التي تعيش على ضوئها منطقة الشرق الأوسط ستشكل تحديا أمام تونس في مسألة التأمين اللوجيستي للمبادلات التجارية مع جل البلدان الآسيوية.

يشار إلى أن التقارب التونسي الصيني عرف ذروته إثر الزيارة التي أداها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الصين في مايو من العامي الماضي، وتم توقيع عدة اتفاقيات تعاون بين البلدين.