تظاهرة منددة بالعنف ضد النساء في تونس ـ صورة أرشيفية

من القتل إلى التحرش مرورا بتصاعد خطاب الكراهية في العالم الافتراضي وعلى أرض الواقع على حد سواء، تواجه المرأة في تونس تحديات ومخاطر جمة، دفعت منظمات وجمعيات حقوقية في البلاد إلى دق ناقوس الخطر.

ففي العام الماضي سجلت البلاد نحو 22 جريمة قتل ضد النساء في مقابل 25 جريمة في عام 2023،بينما أشارت تقارير حقوقية وحكومية إلى أن العنف النفسي هو أكثر انواع العنف المسلط على النساء في تونس.

وقد بلغت نسبته 44.4 % تلتها نسبة العنف اللفظي بـ26.7% ثم العنف الجنسي ب15.6 % والعنف الاقتصادي بـ11.4 % ثم العنف الجسدي بـ5.3 %، وفق تقرير  المركز الحكومي "الكريديف".

في السياق ذاته،  كشف  تقرير لجمعية ""تقاطع من أجل الحقوق والحريات" (حقوقية نسوية) الأربعاء، عن رصد 99 حالة لخطاب كراهية كانت أغلبها موجهة للنساء، وذلك عقب تحليل 181 مقطع فيديو من برامج إعلامية تونسية.

وبيّن التقرير أن خطابات الكراهية تتم  إمّا بشكل مباشر عن طريق فتح نقاش يتعلق بالمرأة أو بشكل غير مباشر عن طريق الثلب والشتم بين الضيوف.

كما تم تصنيف أنماط هذا النوع من الخطاب إلى 50 حالة إهانة للمظهر الخارجي للمرأة، و22 حالة تتمثل في تقديم صورة نمطية عن المرأة و11 حالة تطبيع مع العنف والتحرش، فيما توزع  بحسب جندر أصحاب التصريحات إلى 38 رجلا و18 امرأة.

آثار سلبية

وعن آثار العنف المسلط على النساء، قالت  مديرة برنامج الجندر والأقليات في جمعية "تقاطع من أجل الحريات"، غفران الفريجي،  إن خطاب الكراهية  ينتج آثارا سلبية وتنجم عنه آثار نفسية ضارة تظهر بشكل خاص في الصحة العقلية والعاطفية.

وأوضحت الفريجي، في حديثها لموقع "الحرة"، أن هذا النوع من الخطابات يتسبب في حالات من القلق والاكتئاب والعزلة وقلة الثقة بالنفس.

كما يساهم في تطبيع السلطة الذكورية والأبوية مما يدفع بعض النساء إلى تبنّي هذه الخطابات من أجل نيل الرضا المجتمعي، وفق الفريجي.

وفي ما يتلعق بآثاره الاجتماعية، أكدت أنه يساهم في خلق بيئة غير مرحبة بالنساء ويعزز القوالب النمطية التي تقلل من أدوارهن داخل المجتمع، وهو ما يجعل مشاركتهن في الفضاء العام أكثر صعوبة فضلا عن تقييد حرية النساء في التعبير آرائهن.

وحذرت المتحدثة من تصاعد وتيرة خطاب الكراهية في تونس خلال الأعوام الأخيرة مؤكدة أنه "أدى إلى تطبيع العنف ضد المرأة وجعله جزءا من الخطاب المقبول اجتماعيا".

وتتفق الناشطة الحقوقية النسوية، نايلة الزغلامي، مع الآراء الحقوقية المجمعة على تنامي خطاب الكراهية ضد النساء في تونس.

وأكدت أن تفاقم مثل هذه الظواهر لا يمكن أن يساهم في بناء مجتمع سليم وخال من العنف بل سيزيد في تغذية ثقافة العنف والتسلط.

قتل النساء

"إن تقتيل النساء ظاهرة مفزعة في تونس والفراغ القانوني يُعمق الأزمة ويزيد في معاناة التونسيات" تقول الزغلامي لموقع "الحرة"، في سياق حديثها عن العنف المسلط على النساء.

وأضافت: "لقد نبهنا كجمعيات حقوقية نسوية من خطورة ظاهرة تقتيل النساء وتسجيل جرائم بمنتهى البشاعة في حقهن وطلبنا من السلطات التونسية ضرورة تحمل مسؤولياتها في ما يتعلق باستراتيجية مناهضة العنف ضد المرأة في تونس".

وسجلت تونس خلال العام 2023 نحو 25 حالة تقتيل للنساء مقابل 22 حالة العام الماضي، وفق تقارير نشرتها جمعيات حقوقية نسوية، واستنكرت فيها تنامي العنف ضد المرأة.

وفي هذا الخصوص، ترجع الزغلامي أسباب ارتفاع الجرائم المرتكبة ضد النساء إلى ما اعتبرته عدم تفعيل جانب الحماية في القانون عدد 58 لسنة 2017 والمتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.

وشددت على المنظمات والجمعيات الحقوقية في تونس، مرت إلى مرحلة جديدة تتمثل في المطالبة بإرساء بروتوكول تكميلي وسن قوانين جديدة تناهض العنف السيبراني وذلك بالنظر إلى أن خطاب الكراهية وغيره يتغذى في منصات التواصل الاجتماعي والمحامل الرقمية.

تعديل التشريعات

من جانبها، قالت غفران الفريجي، مديرة برنامج الجندرة والأقليات في جمعية "تقاطع من أجل الحريات"، إنه استنادا إلى التقرير المتعلق برصد خطاب الكراهية في وسائل الاعلام التونسية ووسائل التواصل الاجتماعي خاصة منها المسلطة ضد النساء، تم التأكيد على جملة من التوصيات.

وأوضحت الفريجي أن من ضمن التوصيات، دعوة الحكومة التونسية إلى تعديل التشريعات وسن قوانين تجرم بشكل واضح وصريح خطاب الكراهية ضد النساء.

كما نصت التوصيات على ضرورة تدريب الجهات الأمنية والقضائية عبر توفير برامج تدريبية متخصصة للقضاة والشرطة حول كيفية التعرف على خطاب الكراهية على الانترنات وجمع الأدلة الرقمية ومتابعة الجرائم الإلكترونية المتعلقة به.

كما طالب الحقوقيون بتجريم خطاب الكراهية والاعتراف به كشكل من أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي، ووقف خطاب التحريض ضد منظمات المجتمع المدني.

سارة الزعفراني الزنزري (بوابة الحكومة التونسية)
سارة الزعفراني الزنزري (بوابة الحكومة التونسية)

في سابقة سياسية لافتة، عيّن الرئيس التونسي قيس سعيّد، المهندسة، سارة الزعفراني الزنزري، رئيسة جديدة للحكومة، لتصبح بذلك ثاني امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ البلاد بعد نجلاء بودن، التي كانت قد شغلت رئاسة الحكومة بين أكتوبر 2021 وأغسطس 2023. 

وجاء تعيين الزعفراني في لحظة دقيقة من تاريخ تونس، حيث أكد سعيّد على ضرورة "إحكام تناسق العمل الحكومي وتذليل العقبات لتحقيق انتظارات الشعب التونسي".

من هي سارة الزعفراني؟

ولدت سارة الزعفراني الزنزري في 26 يناير 1963 في تونس العاصمة، وتنتمي إلى جيل من المهندسات اللواتي شققن طريقهن في ميدان ظل طويلاً حكراً على الرجال. تخرجت من المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس في اختصاص الهندسة المدنية، وهو مسار أكاديمي يتطلب ست سنوات من الدراسة بعد البكالوريا.

 ثم تابعت مسيرتها الأكاديمية لتحصل على شهادة الماجستير في "الهندسة الجيوتقنية" من جامعة هانوفر في ألمانيا، متقنة إلى جانب لغتها الأم، اللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية، ما أعطاها قدرة على العمل في بيئة دولية متعددة التخصصات.

لم تكن الزعفراني طارئة على العمل الحكومي حين عُيّنت وزيرة للتجهيز والإسكان في 11 أكتوبر 2021، وهو المنصب الذي احتفظت به حتى تعيينها رئيسة للحكومة في مارس 2025، وكانت في الوقت نفسه مكلفة بتسيير وزارة النقل.

تجربة إدارية..و ثلاثة عقود

خلال 32 عامًا من العمل المتواصل في وزارة التجهيز والإسكان والبنية التحتية، ارتقت الزعفراني في سلم المسؤوليات، بداية من مهندسة أولى في إدارة الدراسات الفنية في سبتمبر 1989، وصولاً إلى منصب المديرة العامة لوحدة متابعة إنجاز مشاريع الطرقات السيارة وتحرير حوزة الطرقات في 2014، وهو المنصب الذي شغلته حتى توليها الحقيبة الوزارية في 2021.

ساهمت الزعفراني في إدارة ومتابعة عدد من أهم مشاريع البنية التحتية في البلاد، من بينها الطريق السيارة صفاقس – قابس، والطريق السيارة وادي الزرقاء – بوسالم، وهما من أهم شرايين النقل في تونس. 

كما تولّت مسؤوليات تقنية واستراتيجية تتعلّق بتحرير حوزة الطرقات في المدن ومراقبة إنجاز المنشآت الكبرى.

ولم يقتصر نشاطها المهني على الجانب التنفيذي، فقد شغلت عضوية مجالس إدارة لشركات استراتيجية مثل "شركة تونس للطرقات السيارة" و"شركة ميناء النفيضة".

وساهمت أيضا في إعداد كراسات المواصفات الفنية التونسية للمنشآت الهندسية، في مجالات تتعلّق بالخرسانة المسلحة، والهياكل المعدنية، وحماية المباني من النيران والرطوبة، ما يعكس دقة تخصّصها وعمق خبرتها الفنية.

وإلى جانب مؤهلاتها الهندسية، شاركت الزعفراني في دورات تدريبية مرموقة في معهد الدفاع الوطني، ومعهد القيادة الإدارية بالمدرسة الوطنية للإدارة.

 وخضعت كذلك لبرامج متقدمة في القيادة وتصرف الأزمات، وهي نقاط تُحسب لها خصوصاً في ظل وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي دقيق تمرّ به تونس، يتطلّب إدارة حكيمة وقرارات حاسمة.

وتسلمت الزعفراني رئاسة الحكومة خلفًا لكمال المدوري، وفي خضم تحديات اقتصادية خانقة، منها تفاقم الدَّين العام، وتراجع احتياطي العملة الصعبة، وأزمات معيشية تمس المواطن التونسي يوميًا، ناهيك عن الحاجة إلى إصلاحات هيكلية تمس منظومات التعليم والصحة والنقل.

ومع أن النساء التونسيات حققن مكاسب كبيرة منذ الاستقلال، إلا أن وصول سيدة إلى رئاسة الحكومة ما يزال يشكل استثناءً في المشهد السياسي العربي، وهو ما يجعل من تجربة الزعفراني محط اهتمام ليس فقط داخل تونس بل في مختلف أرجاء العالم العربي.

وقبل الزعفراني، كانت نجلاء بودن أول من فتح هذا الباب، عندما عيّنها الرئيس قيس سعيّد في سبتمبر 2021، لتكون أول امرأة ترأس حكومة في تاريخ تونس والعالم العربي.

و جاءت بودن من خلفية أكاديمية قوية، فهي مهندسة جيولوجية، وأستاذة في التعليم العالي، تحمل درجة الدكتوراه من المدرسة الوطنية العليا للمناجم في باريس. 

وقد عملت في عدة مناصب في وزارة التعليم العالي، وشاركت في برامج إصلاحية كبرى في مجال التعليم.

ومع أن تجربة بودن انتهت في أغسطس 2023 دون أن توضح الرئاسة التونسية الأسباب، إلا أن تعيين الزعفراني يُظهر أن رئاسة الحكومة لم تعد حكرًا على الرجال في تونس، وأن مشاركة المرأة في قيادة الدولة تتكرّس تدريجيا، ولو ضمن سياقات سياسية متغيرة.