سارة الزعفراني الزنزري (بوابة الحكومة التونسية)
سارة الزعفراني الزنزري (بوابة الحكومة التونسية)

في سابقة سياسية لافتة، عيّن الرئيس التونسي قيس سعيّد، المهندسة، سارة الزعفراني الزنزري، رئيسة جديدة للحكومة، لتصبح بذلك ثاني امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ البلاد بعد نجلاء بودن، التي كانت قد شغلت رئاسة الحكومة بين أكتوبر 2021 وأغسطس 2023. 

وجاء تعيين الزعفراني في لحظة دقيقة من تاريخ تونس، حيث أكد سعيّد على ضرورة "إحكام تناسق العمل الحكومي وتذليل العقبات لتحقيق انتظارات الشعب التونسي".

من هي سارة الزعفراني؟

ولدت سارة الزعفراني الزنزري في 26 يناير 1963 في تونس العاصمة، وتنتمي إلى جيل من المهندسات اللواتي شققن طريقهن في ميدان ظل طويلاً حكراً على الرجال. تخرجت من المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس في اختصاص الهندسة المدنية، وهو مسار أكاديمي يتطلب ست سنوات من الدراسة بعد البكالوريا.

 ثم تابعت مسيرتها الأكاديمية لتحصل على شهادة الماجستير في "الهندسة الجيوتقنية" من جامعة هانوفر في ألمانيا، متقنة إلى جانب لغتها الأم، اللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية، ما أعطاها قدرة على العمل في بيئة دولية متعددة التخصصات.

لم تكن الزعفراني طارئة على العمل الحكومي حين عُيّنت وزيرة للتجهيز والإسكان في 11 أكتوبر 2021، وهو المنصب الذي احتفظت به حتى تعيينها رئيسة للحكومة في مارس 2025، وكانت في الوقت نفسه مكلفة بتسيير وزارة النقل.

تجربة إدارية..و ثلاثة عقود

خلال 32 عامًا من العمل المتواصل في وزارة التجهيز والإسكان والبنية التحتية، ارتقت الزعفراني في سلم المسؤوليات، بداية من مهندسة أولى في إدارة الدراسات الفنية في سبتمبر 1989، وصولاً إلى منصب المديرة العامة لوحدة متابعة إنجاز مشاريع الطرقات السيارة وتحرير حوزة الطرقات في 2014، وهو المنصب الذي شغلته حتى توليها الحقيبة الوزارية في 2021.

ساهمت الزعفراني في إدارة ومتابعة عدد من أهم مشاريع البنية التحتية في البلاد، من بينها الطريق السيارة صفاقس – قابس، والطريق السيارة وادي الزرقاء – بوسالم، وهما من أهم شرايين النقل في تونس. 

كما تولّت مسؤوليات تقنية واستراتيجية تتعلّق بتحرير حوزة الطرقات في المدن ومراقبة إنجاز المنشآت الكبرى.

ولم يقتصر نشاطها المهني على الجانب التنفيذي، فقد شغلت عضوية مجالس إدارة لشركات استراتيجية مثل "شركة تونس للطرقات السيارة" و"شركة ميناء النفيضة".

وساهمت أيضا في إعداد كراسات المواصفات الفنية التونسية للمنشآت الهندسية، في مجالات تتعلّق بالخرسانة المسلحة، والهياكل المعدنية، وحماية المباني من النيران والرطوبة، ما يعكس دقة تخصّصها وعمق خبرتها الفنية.

وإلى جانب مؤهلاتها الهندسية، شاركت الزعفراني في دورات تدريبية مرموقة في معهد الدفاع الوطني، ومعهد القيادة الإدارية بالمدرسة الوطنية للإدارة.

 وخضعت كذلك لبرامج متقدمة في القيادة وتصرف الأزمات، وهي نقاط تُحسب لها خصوصاً في ظل وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي دقيق تمرّ به تونس، يتطلّب إدارة حكيمة وقرارات حاسمة.

وتسلمت الزعفراني رئاسة الحكومة خلفًا لكمال المدوري، وفي خضم تحديات اقتصادية خانقة، منها تفاقم الدَّين العام، وتراجع احتياطي العملة الصعبة، وأزمات معيشية تمس المواطن التونسي يوميًا، ناهيك عن الحاجة إلى إصلاحات هيكلية تمس منظومات التعليم والصحة والنقل.

ومع أن النساء التونسيات حققن مكاسب كبيرة منذ الاستقلال، إلا أن وصول سيدة إلى رئاسة الحكومة ما يزال يشكل استثناءً في المشهد السياسي العربي، وهو ما يجعل من تجربة الزعفراني محط اهتمام ليس فقط داخل تونس بل في مختلف أرجاء العالم العربي.

وقبل الزعفراني، كانت نجلاء بودن أول من فتح هذا الباب، عندما عيّنها الرئيس قيس سعيّد في سبتمبر 2021، لتكون أول امرأة ترأس حكومة في تاريخ تونس والعالم العربي.

و جاءت بودن من خلفية أكاديمية قوية، فهي مهندسة جيولوجية، وأستاذة في التعليم العالي، تحمل درجة الدكتوراه من المدرسة الوطنية العليا للمناجم في باريس. 

وقد عملت في عدة مناصب في وزارة التعليم العالي، وشاركت في برامج إصلاحية كبرى في مجال التعليم.

ومع أن تجربة بودن انتهت في أغسطس 2023 دون أن توضح الرئاسة التونسية الأسباب، إلا أن تعيين الزعفراني يُظهر أن رئاسة الحكومة لم تعد حكرًا على الرجال في تونس، وأن مشاركة المرأة في قيادة الدولة تتكرّس تدريجيا، ولو ضمن سياقات سياسية متغيرة.

احتجاجات أمام  المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات  محاكمة المعتقلين السياسيين
احتجاجات أمام المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات محاكمة المعتقلين السياسيين

تزامنا مع انطلاق الجلسة الثانية لمحاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، نفذ أنصار جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف حزبي معارض) وقفة احتجاجية، الجمعة، أمام المحكمة الابتدائية بتونس للتنديد بقرار القضاء التونسي إجراء المحاكمة عن بعد وللمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وردّد المحتجون هتافات مناهضة لنظام الرئيس قيس سعيد وللسلطة القضائية في البلاد، من ضمنها "عبّي عبّي (إملأ) الحبوسات (السجون) يا قضاء التعليمات" و "لا خوف لا رعب، السلطة بيد الشعب" و "الحرية الحرية للمعارضة التونسية".

وقبل يومين، أعلن 6 من المعتقلين السياسيين المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة" من بينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الدخول في إضراب عن الطعام ومقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد.

وندد المعتقلون، في بيان وجهوه إلى الرأي العام في البلاد نشرته تنسيقية عائلات المتعقلين السياسيين على صفحتها بـ "فيسبوك" بما اعتبروه " إصرار السّلطة على مواصلة سياسة التّعتيم على الملف إخفاءً للفبركة وطمسا للحقيقة".

بدورهما، أعلن كل من رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي والقيادي بحزب حركة النهضة رياض الشعيبي مقاطعة جلسات المحاكمة في هذه القضية، احتجاجا على " الغياب الكامل للحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة".

اعتداء على حقوق المعتقلين

وعن أسباب مقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، أكد رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي لموقع "الحرة" أن هذا القرار يعود إلى "غياب شروط المحاكمة العادلة".

وشدّد على أن هذا الشكل من المحاكمات "يحرم المتهمين من حقهم في الدفاع حضورياً والتفاعل المباشر مع القاضي وهيئة المحكمة".

وقال الشابي: "إن قرار المحكمة يعد اعتداءً على الحقوق الشرعية للمعتقلين لا يمكن المشاركة فيه، وهو مدخل لمحاكمة صورية لا يجب أن نكون جزءاً منها".

وأضاف أنّ من بين دوافع المقاطعة "الطبيعة الواهية للتهم الموجهة إلى المعتقلين، من قبيل الانضمام إلى وفاق إرهابي والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

واعتبر  أنّ هذه الاتهامات "تفتقر لأي معطى واقعي، وقد تم بناؤها فقط على شهادات أدلى بها شخصان مجهولا الهوية، دون تقديم أي دليل ملموس".

كما أشار الشابي إلى أنّ هذه المحاكمات تندرج ضمن "مسار سياسي هدفه ضرب المعارضة وتكميم الأفواه"، مؤكداً تمسّكه برفض الانخراط في ما اعتبره "انحرافاً خطيراً عن دولة القانون".

وبخصوص إعلان عدد من المعتقلين السياسيين الدخول في إضراب جوع، قالت الناشطة السياسية شيماء عيسى، في تصريح لموقع "الحرة"، إن الوضع الصحي للمضربين عن الطعام بدأ يسوء مقابل تمسك قضاة التحقيق في المحكمة بأن تكون المحاكمة لا حضورية للمتهمين، وهي سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ القضاء".

وأعربت عيسى عن تمسّك هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين وكذلك عائلاتهم بأن تكون جلسات المحاكمة حضورية وكشف الحقيقة وتمكين المتهمين من حقهم في مواجهة القضاء والإجابة عن أسئلتهم بكل "شجاعة" دفاعا عن أنفسهم.

وختمت بالقول" اليوم وللمرة الثانية سندخل إلى قاعة المحكمة ونجدد مطالبنا بأننا مستعدّون للمحاكمة شرط أن تكون عادلة ووفق المعايير القانونية".

وتعود قضية "التآمر على أمن الدولة" إلى فبراير 2023، إذ شنت قوات الأمن في تونس حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات سياسية معارضة للنظام ورجال أعمال وأمنيين.

"تهمة حاضرة ودليل مفقود"

من جانبها، أعربت منظمة العفو الدولية تونس عن بالغ قلقها إزاء استمرار محاكمة مجموعة من المعارضين والفاعلين في المجالين السياسي والمدني، فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، مندّدة بما اعتبرته " خرق واضح لضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع".

وجاء في بيان المنظمة أصدرته الخميس، بعنوان " قضية تآمر؟ التهمة حاضرة والدليل مفقود" أنه تم الزج بناشطين ومعارضين في السجون " دون أي سند قانوني واضح، وفي غياب تام لأدلة جدّية".

ودعا البيان في المقابل، إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن المعتقلين، وإسقاط التهم الموجهة إليهم، وتحميل السلطات التونسية مسؤولية صحة المعتقلين وضمان حقوقهم الإنسانية.

في السياق ذاته، قال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، لموقع "الحرة"، إن متابعة أطوار قضية التآمر على أمن الدولة تؤكد أن هذا الملف سياسي بامتياز وقد تضمن إخلالات إجرائية فضلا عن نسفه كل مقومات المحاكمة العادلة.

وتابع بأن هذه القضية " لم تعد خاضعة لمرفق العدالة، بل أصبحت خاضعة للسلطة التنفيذية وهي حقيقة ثابته يعلمها كل التونسيون".

وتبعا لذلك، طالب المتحدث بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإيقاف ما وصفها بـ "المسرحية السياسية" التي تستهدف رموز المعارضة في تونس.

"خطر حقيقي"

في أواخر مارس الماضي، قررت رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس عقد الجلسات المعينة خلال شهر أبريل الحالي، والمتعلقة بالقضايا الجنائية الابتدائية المنشورة بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب، وفق إجراءات المحاكمة عن بعد.

واعتبرت رئاسة المحكمة أنه تم اتخاذ هذا الإجراء، نظرًا لوجود "خطر حقيقي"، مع ملاحظة أن هذه الإجراءات سوف تتواصل إلى أن يقع البت في القضايا المنشورة (حوالي 150 قضية)، ومن بينها ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".

وذكرت المحكمة ذاتها، أنها اتخذت قرار المحاكمة عن بعد استنادًا إلى الفصل 73 من القانون عدد 16 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، والفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلق بإمكانية إجراء المحاكمة عن بعد.

وسبق لسعيد أن أكد خلال زيارة أداها إلى بعض الأحياء والأسواق بالعاصمة تونس، مطلع مارس المنقضي، أنه " لا يتدخل أبدا في القضاء وأن المسائل القضائية مكانها فقط في قصور العدالة".