رغم تقاطع الأحزاب المعارضة والمؤيدة لنظام الرئيس التونسي قيس سعيد في المطالبة بإرساء محكمة دستورية (أعلى هيئة قضائية) بالبلاد، إلا ان تجاهل الرئيس سعيد لهذه المطالب يثير تساؤلات بشأن الدوافع والأسباب.
وتكتسي المحكمة الدستورية كهيئة قضائية مستقلة أهمية بالغة، إذ من ضمن اختصاصاتها مراقبة دستورية القوانين والمعاهدات، فضلا على أنه في حال حصول شغور، يحل رئيس المحكمة مكان رئيس الدولة في حالة العجز التام أو الوفاة أو الاستقالة.
ورغم النص عليها في دستور البلاد لسنة 2014 وإعادة ضبط تركيبتها واختصاصها في دستور 2022، إلا أنها ظلت محل سجال سياسي تزداد حدته مع كل أزمة سياسية تشهدها تونس.
وفي الدستور التونسي الجديد لسنة 2022، تنص المادة 125 على أن المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتألف من تسعة أعضاء يتم تعيينهم بأمر من رئيس الجمهورية، إلا أن عدم تركيزها حتى اليوم يطرح تساؤلات بشأن الدوافع والأسباب.
لا موانع قانونية
تعليقا على تأخر إرساء المحكمة الدستورية بتونس، يؤكد المختص في القانون الدستوري معز الهادفي، أنه من الناحية القانونية لا توجد أي موانع تحول دون إرساء هذه المحكمة بتونس.
ويوضح الهادفي في حديثه لموقع "الحرة" أن دستور البلاد لسنة 2024 وكذلك الدستور الجديد لسنة 2022 نصّا صراحة على ضرورة إحداثها، لكن المشكلة الأساسية تكمن في غياب الإرادة السياسية ما قبل إجراءات 25 يوليو 2021 وما بعدها.
ويتابع في هذا الخصوص، بأن المحكمة الدستورية تمثل مؤسسة رقابية مهمة وهي الجهة الوحيدة المخولة بمراقبة دستورية القوانين والأوامر الرئاسية، لكن في ظل الوضع السياسي الراهن، نرى أن السلطة التنفيذية وخاصة رئيس الجمهورية لا يرغب في وجود هيئة قضائية مستقلة قد تحد من سلطاته أو تعيد النظر في قراراته، وبالتالي لم يتم اتخاذ أي خطوات جديدة لإتمام عملية تشكيل المحكمة.
وشدد أستاذ القانون الدستوري على أن المحكمة الدستورية إحدى الركائز الأساسية لأي نظام ديمقراطي، وعدم وجودها يعني غياب الرقابة على القوانين واحتمال تمرير نصوص تتعارض مع الدستور، مما قد يؤدي إلى تضييق الحريات وتغول السلطة التنفيذية.
وفي ديسمبر الماضي، صوّت البرلمان التونسي على عدم تخصيص اعتمادات مالية للمحكمة الدستورية في موازنة 2025، في خطوة أعقبتها مطالب عدة من الأحزاب والمنظمات الحقوقية بضرورة إحداث هذه المحكمة.
لا يريد رقابة أو مساءلة
من جانبه، يرى منسق ائتلاف صمود (ائتلاف مدني) حسام الحامي، أن كل المؤشرات تدل على أن الرئيس التونسي قيس سعيد لا يسعى لإحداث المحكمة الدستورية حتى يتخلص من كل مساءلة أو مراقبة للقوانين التي يصدرها.
وقال الحامي لموقع "الحرة" إن العديد من المراسيم الرئاسية التي أصدرها سعيد وأبرزها المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة الاتصال والمعلومات كانت تهدف للتضييق على الحريات وملاحقة كل من يعارض النظام القائم رغم الانتقادات الحقوقية الواسعة، كان يمكن أن تسقطها المحكمة الدستورية لو تم إحداثها.
وأوضح بأن السعيد كان يشدد دائما على أهمية المحافظة على الأمن القومي، ويتجاهل في المقابل أن المحكمة الدستورية أيضا من مقومات المحافظة على الأمن القومي للبلاد، لافتا إلى أن سعيد كان من أبرز منتقدي المنظومات السابقة التي لم تنجح في إحداث هذه المحكمة وهو أيضا من رفض في 2021 ختم مشروع قانون يقر إدخال تعديلات على قانون المحكمة الدستورية.
ولم تتمكن الكتل البرلمانية التي وقع انتخابها في 2014 من انتخاب سوى عضو واحد في مارس 2018 من بين 4 أعضاء بسبب الخلافات والتجاذبات الحزبية.
فراغ في المناصب القضائية
من جانب آخر، يؤكد الأمين العام لحزب "مسار 25 جويلية/يوليو" (داعم للسلطة) محمود بن مبروك أن الرئيس التونسي قيس سعيد لم يعارض إحداث المحكمة الدستورية، بل أعاد التنصيص عليها في دستور البلاد لسنة 2022.
وأرجع بن مبروك في حديثه لـ "الحرة" أسباب تأخر تشكيلها إلى تركيبة هذه المحكمة التي تستوجب خططا وظيفية معينة، فيما يظل هناك فراغ في مناصب عدة بمؤسسات قضائية عليا من ضمنها الرئيس الأول لمحكمة التعقيب ووكيل الدولة العام وهي رتب قضائية تتوفر فيها شروط التأهل آليا لعضوية المحكمة الدستورية.
ويستبعد المتحدث أن يكون سعيد يخشى رقابة هذه الهيئة القضائية للمراسيم والقوانين التي يصدرها مشددا على أن هذه المسألة باتت محل سجال سياسي في البلاد، ترغب من خلاله المعارضة إلى استبدال الرئيس في أي حالة شغور.
وختم بالقول: من المتوقع إحداث المحكمة الدستورية فور الانتهاء من سد الشغور في الهيئات القضائية الأخرى، لما لها من أهمية في استكمال تثبيت أحد ركائز الدولة الديمقراطية.