اتفاق تونس مع الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة حضرته رئيسة وزراء إيطاليا ورئيس الوزراء الهولندي
اتفاق تونس مع الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة حضرته رئيسة وزراء إيطاليا ورئيس الوزراء الهولندي

"تم توقيفي في الشارع دون إبلاغي بسبب واضح، ولم يُتح لي أي مجال لشرح وضعي القانوني. تم اقتيادي إلى مركز احتجاز، وبعد أسبوع، رُحّلت على متن طائرة بشكل منفرد، مكبل اليدين والقدمين، وتحت حراسة أمنية مشددة"، هكذا يروي محمد (اسم مستعار) ، وهو شاب تونسي يبلغ من العمر 29 عامًا، تفاصيل ترحيله "قسرًا " من إيطاليا بعد احتجازه لعدة أشهر في مركز احتجاز بمدينة ميلانو، رغم تقدمه بطلب لجوء لم يتلقَّ بشأنه أي رد رسمي.

وأضاف محمد، في حديثه لموقع "الحرة"، أن المعاملة التي تلقاها كانت "مهينة وقاسية"، مشيرًا إلى "غياب كامل لاحترام حقوق الإنسان"، على حد تعبيره.

يأتي ذلك في ظرف أثارت فيه عمليات الترحيل القسري للمهاجرين التونسيين غير الشرعيين استنكارا واسعا في الأوسط الحقوقية في تونس، وسط انتقادات شديدة للاتفاقيات المبرمة بين الجانب التونسي والاوروبي.

وفي مقابل هذه الانتقادات، نفى الرئيس التونسي قيس سعيد الأحد الماضي، توقيع أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، على ترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين من أوروبا. 

وأشار سعيد إلى اتفاقيتين كانت تونس قد وقعتهما عامي 2008 و2011، أي قبل توليه الرئاسة في 2019.

وتنقل رحلات منظمة شهريا وأسبوعيا من المطارات الأوروبية تونسيين مرحَّلين إلى مطار طبرقة شمال غربي تونس، ومطار النفيضة-الحمامات على الساحل الشرقي.

معاملة سيئة

في سياق حديثه عن عملية الترحيل من الأراضي الأوروبية، أفاد محمد بأنه تلقى أدوية داخل مركز الاحتجاز دون أن يتم إبلاغه بطبيعتها أو آثارها، الأمر الذي تسبب له في اضطرابات جسدية ونفسية لا تزال مستمرة حتى بعد عودته إلى تونس.

وأكد أنه يعاني اليوم من حالة صدمة نفسية، في ظل غياب أي رعاية طبية أو دعم اجتماعي، مشددًا على شعوره "بالخذلان من بلده ومن الدولة التي، بحسب تعبيره، باعته مقابل المال".

من جانبها، عبّرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (حقوقية غير حكومية) عن استيائها الشديد من المعاملة السيئة والاعتداءات بالعنف المادي والمعنوي على المهاجرين التونسيين غير النظاميين، من قبل قوات الأمن في عدد من الدول الأوروبية، أثناء احتجازهم "غير القانوني أو ترحيلهم القسري".

ودعت الرابطة في بيان لها إلى توفير الدعم القانوني والقضائي للمهاجرين التونسيين الذين يواجهون قرارات "الترحيل القسري" ومراجعة الاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف التي أبرمتها الدولة التونسية وفق "مقتضيات السيادة الوطنية".

وكانت وكالة نوفا الإيطالية قد أفادت مطلع أبريل الحالي، أن وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، ترأس اجتماعا مشتركا للتعاون الإنمائي وتم إقرار برنامج بقيمة 20 مليون يورو، بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، لدعم العودة الطوعية لـ 3,300 مهاجر من الفئات الضعيفة في الجزائر وتونس وليبيا إلى بلدانهم الأصلية.

اتفاقية 2023 وراء الترحيل

من جانبه، قال عماد السلطاني، رئيس جمعية "الأرض للجميع"(غير حكومية)، إن مذكرة التفاهم المبرمة في يوليو 2023 بين تونس والاتحاد الأوروبي هي التي تقف وراء موجة الترحيل الجماعي القسري للمهاجرين التونسيين من أوروبا، وخصوصا من إيطاليا. 

وأضاف لموقع "الحرة" أن المذكرة، التي يصر  سعيد على تسميتها "مذكرة تفاهم" للتنصل من صبغتها القانونية، تنص ضمنيا على ترحيل أكبر عدد ممكن من المهاجرين غير النظاميين من الفضاء الأوروبي، مقابل دعم مالي.

وأشار السلطاني إلى أن هذه السياسة أدت إلى مآسٍ إنسانية، من بينها وفاة الشاب ربيع فرحات في أحد مراكز الترحيل في إيطاليا، حيث تم ترحيل جثمانه إلى تونس يوم السبت الماضي، وهو الآن في مستشفى شارل نيكول بالعاصمة تونس لتشريحه والوقوف على أسباب الوفاة، لافتا إلى وجود حالات مماثلة تم التكتم عليها.

وكشف أن بعض المرحلين تم اقتيادهم عبر سفن إيطالية وهم مكبّلون من اليدين والرجلين، ومحجوزون في غرف تحت حراسة مشددة، من بينهم الشاب أسامة النصري، واصفًا ذلك بسابقة خطيرة. 

وختم السلطاني بالتأكيد على أن الجمعية “ترفض هذه المعاملة اللاإنسانية، وترى في عمليات الترحيل القسري انتهاكا صارخا للمعايير القانونية والحقوقية"، داعيا إلى إيقاف العمل بهذه المذكرة التي وصفها بـ"غير الشرعية وغير القانونية".

تعميق الأزمة في تونس

وأعرب رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان(رقابي غير حكومي)، مصطفى عبد الكبير، عن قلقه العميق إزاء تداعيات عمليات ترحيل اللاجئين التونسيين غير الشرعيين من دول أوروبية. 

وأكد أن هذه الإجراءات تساهم بشكل مباشر في تعميق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في تونس، خاصة في ظل تفاقم معدلات البطالة وتدهور الظروف المعيشية.

وأوضح عبد الكبير لموقع "لحرة" أن التونسيين لا يمثلون النسبة الأعلى من اللاجئين غير الشرعيين إلى أوروبا، ورغم ذلك فإنهم يشكلون ما يقارب 65% من إجمالي المرحّلين قسرا من قبل السلطات الأوروبية، وهو ما يثير التساؤلات حول معايير الترحيل المتبعة. 

كما يشمل هؤلاء المُرحّلين عددا هاما من أصحاب الشهادات العليا، مما يصعّب على الدولة التونسية إعادة إدماجهم في سوق الشغل، خاصة في ظل الأزمة المالية الحادة وغلق باب الانتداب في الوظيفة العمومية.

وتبعا لذلك، شدّد عبد الكبير على أن الاتفاقيات الثنائية بين تونس والاتحاد الأوروبي، التي تنصّ على تقديم دعم اجتماعي للمُرحّلين، بقيت حبرا على ورق، دون أي أثر فعلي يذكر في الواقع، وهو ما يترك هؤلاء الشباب في مواجهة مصير غامض يدفع ببعضهم نحو الانزلاق في الجريمة، أو الإدمان، أو تكرار محاولات الهجرة غير النظامية.

وأضاف رئيس المرصد أن عمليات الترحيل المستمرة خلّفت حالة من التشنّج والغضب داخل العائلات التونسية، لاسيما في المناطق المهمشة، خاصة بعد أن شملت بعض المرحّلين تونسيين متزوجين في أوروبا ولديهم أطفال هناك، ما تسبب في تمزيق الروابط الأسرية وزاد من هشاشة النسيج الاجتماعي، على عكس ما تروّج له بعض الدول الأوروبية من احترام لحقوق الإنسان.

وفي ختام تصريحه، دعا عبد الكبير إلى إيقاف العمل بالاتفاقيات الموقّعة بين تونس والدول الأوروبية في مجال الهجرة، محمّلًا إياها مسؤولية الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمجتمع التونسي، كما حمّلها جانبًا من مسؤولية تفاقم أوضاع المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، والذين وجدوا أنفسهم عالقين في وضع إنساني مأساوي داخل تونس، وفق تعبيره.

احتجاجات أمام  المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات  محاكمة المعتقلين السياسيين
احتجاجات أمام المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات محاكمة المعتقلين السياسيين

تزامنا مع انطلاق الجلسة الثانية لمحاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، نفذ أنصار جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف حزبي معارض) وقفة احتجاجية، الجمعة، أمام المحكمة الابتدائية بتونس للتنديد بقرار القضاء التونسي إجراء المحاكمة عن بعد وللمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وردّد المحتجون هتافات مناهضة لنظام الرئيس قيس سعيد وللسلطة القضائية في البلاد، من ضمنها "عبّي عبّي (إملأ) الحبوسات (السجون) يا قضاء التعليمات" و "لا خوف لا رعب، السلطة بيد الشعب" و "الحرية الحرية للمعارضة التونسية".

وقبل يومين، أعلن 6 من المعتقلين السياسيين المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة" من بينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الدخول في إضراب عن الطعام ومقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد.

وندد المعتقلون، في بيان وجهوه إلى الرأي العام في البلاد نشرته تنسيقية عائلات المتعقلين السياسيين على صفحتها بـ "فيسبوك" بما اعتبروه " إصرار السّلطة على مواصلة سياسة التّعتيم على الملف إخفاءً للفبركة وطمسا للحقيقة".

بدورهما، أعلن كل من رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي والقيادي بحزب حركة النهضة رياض الشعيبي مقاطعة جلسات المحاكمة في هذه القضية، احتجاجا على " الغياب الكامل للحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة".

اعتداء على حقوق المعتقلين

وعن أسباب مقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، أكد رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي لموقع "الحرة" أن هذا القرار يعود إلى "غياب شروط المحاكمة العادلة".

وشدّد على أن هذا الشكل من المحاكمات "يحرم المتهمين من حقهم في الدفاع حضورياً والتفاعل المباشر مع القاضي وهيئة المحكمة".

وقال الشابي: "إن قرار المحكمة يعد اعتداءً على الحقوق الشرعية للمعتقلين لا يمكن المشاركة فيه، وهو مدخل لمحاكمة صورية لا يجب أن نكون جزءاً منها".

وأضاف أنّ من بين دوافع المقاطعة "الطبيعة الواهية للتهم الموجهة إلى المعتقلين، من قبيل الانضمام إلى وفاق إرهابي والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

واعتبر  أنّ هذه الاتهامات "تفتقر لأي معطى واقعي، وقد تم بناؤها فقط على شهادات أدلى بها شخصان مجهولا الهوية، دون تقديم أي دليل ملموس".

كما أشار الشابي إلى أنّ هذه المحاكمات تندرج ضمن "مسار سياسي هدفه ضرب المعارضة وتكميم الأفواه"، مؤكداً تمسّكه برفض الانخراط في ما اعتبره "انحرافاً خطيراً عن دولة القانون".

وبخصوص إعلان عدد من المعتقلين السياسيين الدخول في إضراب جوع، قالت الناشطة السياسية شيماء عيسى، في تصريح لموقع "الحرة"، إن الوضع الصحي للمضربين عن الطعام بدأ يسوء مقابل تمسك قضاة التحقيق في المحكمة بأن تكون المحاكمة لا حضورية للمتهمين، وهي سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ القضاء".

وأعربت عيسى عن تمسّك هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين وكذلك عائلاتهم بأن تكون جلسات المحاكمة حضورية وكشف الحقيقة وتمكين المتهمين من حقهم في مواجهة القضاء والإجابة عن أسئلتهم بكل "شجاعة" دفاعا عن أنفسهم.

وختمت بالقول" اليوم وللمرة الثانية سندخل إلى قاعة المحكمة ونجدد مطالبنا بأننا مستعدّون للمحاكمة شرط أن تكون عادلة ووفق المعايير القانونية".

وتعود قضية "التآمر على أمن الدولة" إلى فبراير 2023، إذ شنت قوات الأمن في تونس حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات سياسية معارضة للنظام ورجال أعمال وأمنيين.

"تهمة حاضرة ودليل مفقود"

من جانبها، أعربت منظمة العفو الدولية تونس عن بالغ قلقها إزاء استمرار محاكمة مجموعة من المعارضين والفاعلين في المجالين السياسي والمدني، فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، مندّدة بما اعتبرته " خرق واضح لضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع".

وجاء في بيان المنظمة أصدرته الخميس، بعنوان " قضية تآمر؟ التهمة حاضرة والدليل مفقود" أنه تم الزج بناشطين ومعارضين في السجون " دون أي سند قانوني واضح، وفي غياب تام لأدلة جدّية".

ودعا البيان في المقابل، إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن المعتقلين، وإسقاط التهم الموجهة إليهم، وتحميل السلطات التونسية مسؤولية صحة المعتقلين وضمان حقوقهم الإنسانية.

في السياق ذاته، قال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، لموقع "الحرة"، إن متابعة أطوار قضية التآمر على أمن الدولة تؤكد أن هذا الملف سياسي بامتياز وقد تضمن إخلالات إجرائية فضلا عن نسفه كل مقومات المحاكمة العادلة.

وتابع بأن هذه القضية " لم تعد خاضعة لمرفق العدالة، بل أصبحت خاضعة للسلطة التنفيذية وهي حقيقة ثابته يعلمها كل التونسيون".

وتبعا لذلك، طالب المتحدث بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإيقاف ما وصفها بـ "المسرحية السياسية" التي تستهدف رموز المعارضة في تونس.

"خطر حقيقي"

في أواخر مارس الماضي، قررت رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس عقد الجلسات المعينة خلال شهر أبريل الحالي، والمتعلقة بالقضايا الجنائية الابتدائية المنشورة بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب، وفق إجراءات المحاكمة عن بعد.

واعتبرت رئاسة المحكمة أنه تم اتخاذ هذا الإجراء، نظرًا لوجود "خطر حقيقي"، مع ملاحظة أن هذه الإجراءات سوف تتواصل إلى أن يقع البت في القضايا المنشورة (حوالي 150 قضية)، ومن بينها ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".

وذكرت المحكمة ذاتها، أنها اتخذت قرار المحاكمة عن بعد استنادًا إلى الفصل 73 من القانون عدد 16 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، والفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلق بإمكانية إجراء المحاكمة عن بعد.

وسبق لسعيد أن أكد خلال زيارة أداها إلى بعض الأحياء والأسواق بالعاصمة تونس، مطلع مارس المنقضي، أنه " لا يتدخل أبدا في القضاء وأن المسائل القضائية مكانها فقط في قصور العدالة".