نضوب أحد  سدود تونس الكبرى في صائفة 2023 (أرشيف)
نضوب أحد سدود تونس الكبرى في صائفة 2023 (أرشيف)

في مواجهة أزمة الشح المائي والجفاف التي تضرب البلاد، أعلنت وزارة الفلاحة التونسية عن تبني استراتيجية جديدة تقوم على تحلية مياه البحر ومعالجة المياه المستعملة، في محاولة لتخفيف الضغط على السدود وتلبية الحاجيات المتزايدة من مياه الشرب.

وقال وزير الفلاحة، عزالدين بن الشيخ، خلال جولة لمنشآت ومشاريع فلاحية في الشمال الغربي للبلاد الثلاثاء، إن هذه الاستراتيجية ستمكن من الحد من تحويل مياه السدود وتخفيف أعبائها، في وقت بلغت فيه نسبة امتلاء السدود 36 بالمائة فقط من طاقتها الاستيعابية، بمخزون عام يُقدّر بـ 857 مليون متر مكعب، وفق بيانات المرصد الوطني للفلاحة.

في المقابل، كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خلال اليوم العالمي للمياه الموافق لـ4 أبريل 2025، أن أكثر من 200 ألف تونسي يعانون من غياب تام لمياه الشرب، أي ما يمثل حوالي 3 بالمائة من إجمالي السكان. كما رصد المنتدى نحو 240 تحركا احتجاجيا في عام 2024، كلها مطالبة بالحق في الماء.

وبالتزامن مع ذلك، تشهد بعض المناطق بمختلف محافظات البلاد تحركات احتجاجية ضد السلطة للمطالبة بتزويدها بمياه الشرب، مما يثر التساؤل بشأن مدى مساهمة الاستراتيجية الجديدة المعلنة من الحكومة في تجاوز أزمة الشح المائي الذي يعانيه هذا البلد المغاربي.

خيار مكلف دون حلول مستدامة

تعليقًا على هذه الاستراتيجية، اعتبر الخبير في التنمية والموارد المائية، حسين الرحيلي، أن تحلية مياه البحر تمثل خيارا مكلفا وغير واقعي في السياق الحالي، خاصة في ظل العجز الطاقي الذي تعاني منه البلاد.

وأوضح الرحيلي، في تصريح لموقع "الحرة"، أن تكلفة المتر المكعب الواحد من المياه المحلاة بمحطة صفاقس جنوب شرق تونس تقارب 1.2 دولار، وهو ما يتجاوز بكثير إمكانيات الدولة. 

وتابع أن التركيز على مشاريع التحلية يعكس توجها للهروب إلى الأمام، في وقت تعاني فيه شبكات توزيع المياه من تسربات تتسبب في فقدان أكثر من ربع الكمية المخصصة للشرب سنويا، فضلا عن نسبة هدر تبلغ 33 بالمائة في الري الزراعي.

وأضاف أن "الأزمة لا تتعلق فقط بندرة الموارد، بل تتعداها إلى سوء التصرف فيها، من خلال بنية تحتية متهالكة وغياب الصيانة، مما يفقد الحلول المقترحة فعاليتها."

كما أكد المتحدث أن "التحلية لا يمكن أن تكون بديلا استراتيجيا قبل تقييم آثارها البيئية على المدى المتوسط والبعيد، إضافة إلى كلفتها المرتفعة." لافتا في المقابل، إلى أن معالجة المياه المستعملة تمثل حلا مستدامًا كان من المفترض اعتماده منذ عقود.

وأشار في هذا الخصوص إلى أن "إعادة تدوير مياه الصرف لاستخدامها في الري يمكن أن يوفّر موارد مهمة، شريطة التحكم في التقنيات وضمان جودة المياه."

وخلص إلى أن التحدي اليوم لا يتمثل فقط في البحث عن موارد بديلة، بل في حسن إدارتها وضمان استدامتها، مع حماية الفلاحين الذين سيكونون أول المتضررين من أي اختلال في المنظومة.

وكانت السلطات التونسية قد شرعت في الأعوام الأخيرة في إنشاء سدود جديدة، وتشييد محطات تحلية مياه البحر بعدد من المحافظات الساحلية منها محافظتي صفاقس وقابس جنوب شرق البلاد.

خيار استراتيجي لا مفر منه

في المقابل، يرى المهندس الخبير في الموارد المائية، محمد اللواتي، أن تحلية مياه البحر تمثل خيارا استراتيجيا لا يمكن لتونس الاستغناء عنه، خاصة في ظل التحولات المناخية والضغط المتزايد على الموارد التقليدية.

وقال في تصريح لموقع "الحرة": " مع تراجع مخزون السدود وتكرار سنوات الجفاف، تصبح التحلية من الحلول العملية لتأمين جزء من حاجيات البلاد من مياه الشرب، خصوصًا في المدن الساحلية ذات الكثافة السكانية العالية. ورغم ارتفاع كلفتها، فإنها تظل مبررة مقارنة بتداعيات الانقطاع المتكرر للماء."

وأوضح أن "بعض الانتقادات لمشاريع التحلية مبالغ فيها، خاصة وأنها أثبتت نجاعتها في بلدان عديدة ذات موارد محدودة، لكن الأهم أن تدمج هذه المشاريع في رؤية شاملة تراعي التوازن البيئي وتُوظّف الطاقات المتجددة للحد من كلفة الإنتاج."

وأشار المهندس إلى أن "الإشكال في تونس لا يقتصر على ندرة المياه، بل يشمل أيضا سوء التوزيع وضعف الاستثمار في التقنيات الحديثة"، مبرزًا أن "التحلية ومعالجة المياه المستعملة ليستا خيارين متناقضين، بل مكملان لبعضهما، ويجب تطويرهما بالتوازي مع إصلاح البنية التحتية."

وختم قائلاً: "التحولات المناخية أصبحت واقعا لا مفر منه، وتونس بحاجة إلى تنويع مصادرها المائية، والقطع مع السياسات الظرفية، والاعتماد على التكنولوجيا لتأمين أمنها المائي في السنوات القادمة."

وسبق لمنظمات رقابية محلية من ضمنها المرصد التونسي للمياه (غير حكومي) أن طالبت في أغسطس الماضي السلطات التونسية بـ "إعلان حالة طوارئ مائية" بعد تراجع مستوى مخزون السدود واستمرار مواسم الجفاف.

إرساء هيكل سيادي للمنظومة المائية

من جانبها، اعتبرت المكلفة بالملف البيئي في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، منيار المجبري، أن الأزمة الحالية تعكس "فشلًا ممنهجًا" في إدارة الموارد، نتيجة سياسات لم تضع الحق في الماء ضمن أولوياتها، وركّزت على خدمة الزراعات التصديرية على حساب الحاجيات الأساسية للمواطنين.

وفي تصريح لموقع "الحرة"، أكدت المجبري أن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد دعا إلى بعث هيكل سيادي يعنى بالمنظومة المائية، مثل وزارة للماء، تتعامل مع جميع القطاعات على قدم المساواة، مع إعطاء الأولوية القصوى لمياه الشرب، إلى جانب إلغاء منظومة المجامع وتعويضها بهيكل عمومي.

وقالت إن "تحلية مياه البحر لا تمثل أولوية في الوقت الراهن، نظرًا لتكلفتها المرتفعة"، مشددة على أهمية ترشيد الاستهلاك، وتقليص الزراعات المستنزفة للمياه، وتشجيع استعمال المياه المعالجة ضمن رؤية شاملة تضمن العدالة المائية وتقطع مع السياسات الظرفية.

جدير بالذكر أن تونس تمتلك نحو 37 سدا أبرزها سد سيدي سالم، إضافة إلى البحيرات الجبلية وتقع أغلبها في شمال البلاد.

اتفاق تونس مع الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة حضرته رئيسة وزراء إيطاليا ورئيس الوزراء الهولندي
اتفاق تونس مع الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة حضرته رئيسة وزراء إيطاليا ورئيس الوزراء الهولندي

"تم توقيفي في الشارع دون إبلاغي بسبب واضح، ولم يُتح لي أي مجال لشرح وضعي القانوني. تم اقتيادي إلى مركز احتجاز، وبعد أسبوع، رُحّلت على متن طائرة بشكل منفرد، مكبل اليدين والقدمين، وتحت حراسة أمنية مشددة"، هكذا يروي محمد (اسم مستعار) ، وهو شاب تونسي يبلغ من العمر 29 عامًا، تفاصيل ترحيله "قسرًا " من إيطاليا بعد احتجازه لعدة أشهر في مركز احتجاز بمدينة ميلانو، رغم تقدمه بطلب لجوء لم يتلقَّ بشأنه أي رد رسمي.

وأضاف محمد، في حديثه لموقع "الحرة"، أن المعاملة التي تلقاها كانت "مهينة وقاسية"، مشيرًا إلى "غياب كامل لاحترام حقوق الإنسان"، على حد تعبيره.

يأتي ذلك في ظرف أثارت فيه عمليات الترحيل القسري للمهاجرين التونسيين غير الشرعيين استنكارا واسعا في الأوسط الحقوقية في تونس، وسط انتقادات شديدة للاتفاقيات المبرمة بين الجانب التونسي والاوروبي.

وفي مقابل هذه الانتقادات، نفى الرئيس التونسي قيس سعيد الأحد الماضي، توقيع أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، على ترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين من أوروبا. 

وأشار سعيد إلى اتفاقيتين كانت تونس قد وقعتهما عامي 2008 و2011، أي قبل توليه الرئاسة في 2019.

وتنقل رحلات منظمة شهريا وأسبوعيا من المطارات الأوروبية تونسيين مرحَّلين إلى مطار طبرقة شمال غربي تونس، ومطار النفيضة-الحمامات على الساحل الشرقي.

معاملة سيئة

في سياق حديثه عن عملية الترحيل من الأراضي الأوروبية، أفاد محمد بأنه تلقى أدوية داخل مركز الاحتجاز دون أن يتم إبلاغه بطبيعتها أو آثارها، الأمر الذي تسبب له في اضطرابات جسدية ونفسية لا تزال مستمرة حتى بعد عودته إلى تونس.

وأكد أنه يعاني اليوم من حالة صدمة نفسية، في ظل غياب أي رعاية طبية أو دعم اجتماعي، مشددًا على شعوره "بالخذلان من بلده ومن الدولة التي، بحسب تعبيره، باعته مقابل المال".

من جانبها، عبّرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (حقوقية غير حكومية) عن استيائها الشديد من المعاملة السيئة والاعتداءات بالعنف المادي والمعنوي على المهاجرين التونسيين غير النظاميين، من قبل قوات الأمن في عدد من الدول الأوروبية، أثناء احتجازهم "غير القانوني أو ترحيلهم القسري".

ودعت الرابطة في بيان لها إلى توفير الدعم القانوني والقضائي للمهاجرين التونسيين الذين يواجهون قرارات "الترحيل القسري" ومراجعة الاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف التي أبرمتها الدولة التونسية وفق "مقتضيات السيادة الوطنية".

وكانت وكالة نوفا الإيطالية قد أفادت مطلع أبريل الحالي، أن وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، ترأس اجتماعا مشتركا للتعاون الإنمائي وتم إقرار برنامج بقيمة 20 مليون يورو، بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، لدعم العودة الطوعية لـ 3,300 مهاجر من الفئات الضعيفة في الجزائر وتونس وليبيا إلى بلدانهم الأصلية.

اتفاقية 2023 وراء الترحيل

من جانبه، قال عماد السلطاني، رئيس جمعية "الأرض للجميع"(غير حكومية)، إن مذكرة التفاهم المبرمة في يوليو 2023 بين تونس والاتحاد الأوروبي هي التي تقف وراء موجة الترحيل الجماعي القسري للمهاجرين التونسيين من أوروبا، وخصوصا من إيطاليا. 

وأضاف لموقع "الحرة" أن المذكرة، التي يصر  سعيد على تسميتها "مذكرة تفاهم" للتنصل من صبغتها القانونية، تنص ضمنيا على ترحيل أكبر عدد ممكن من المهاجرين غير النظاميين من الفضاء الأوروبي، مقابل دعم مالي.

وأشار السلطاني إلى أن هذه السياسة أدت إلى مآسٍ إنسانية، من بينها وفاة الشاب ربيع فرحات في أحد مراكز الترحيل في إيطاليا، حيث تم ترحيل جثمانه إلى تونس يوم السبت الماضي، وهو الآن في مستشفى شارل نيكول بالعاصمة تونس لتشريحه والوقوف على أسباب الوفاة، لافتا إلى وجود حالات مماثلة تم التكتم عليها.

وكشف أن بعض المرحلين تم اقتيادهم عبر سفن إيطالية وهم مكبّلون من اليدين والرجلين، ومحجوزون في غرف تحت حراسة مشددة، من بينهم الشاب أسامة النصري، واصفًا ذلك بسابقة خطيرة. 

وختم السلطاني بالتأكيد على أن الجمعية “ترفض هذه المعاملة اللاإنسانية، وترى في عمليات الترحيل القسري انتهاكا صارخا للمعايير القانونية والحقوقية"، داعيا إلى إيقاف العمل بهذه المذكرة التي وصفها بـ"غير الشرعية وغير القانونية".

تعميق الأزمة في تونس

وأعرب رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان(رقابي غير حكومي)، مصطفى عبد الكبير، عن قلقه العميق إزاء تداعيات عمليات ترحيل اللاجئين التونسيين غير الشرعيين من دول أوروبية. 

وأكد أن هذه الإجراءات تساهم بشكل مباشر في تعميق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في تونس، خاصة في ظل تفاقم معدلات البطالة وتدهور الظروف المعيشية.

وأوضح عبد الكبير لموقع "لحرة" أن التونسيين لا يمثلون النسبة الأعلى من اللاجئين غير الشرعيين إلى أوروبا، ورغم ذلك فإنهم يشكلون ما يقارب 65% من إجمالي المرحّلين قسرا من قبل السلطات الأوروبية، وهو ما يثير التساؤلات حول معايير الترحيل المتبعة. 

كما يشمل هؤلاء المُرحّلين عددا هاما من أصحاب الشهادات العليا، مما يصعّب على الدولة التونسية إعادة إدماجهم في سوق الشغل، خاصة في ظل الأزمة المالية الحادة وغلق باب الانتداب في الوظيفة العمومية.

وتبعا لذلك، شدّد عبد الكبير على أن الاتفاقيات الثنائية بين تونس والاتحاد الأوروبي، التي تنصّ على تقديم دعم اجتماعي للمُرحّلين، بقيت حبرا على ورق، دون أي أثر فعلي يذكر في الواقع، وهو ما يترك هؤلاء الشباب في مواجهة مصير غامض يدفع ببعضهم نحو الانزلاق في الجريمة، أو الإدمان، أو تكرار محاولات الهجرة غير النظامية.

وأضاف رئيس المرصد أن عمليات الترحيل المستمرة خلّفت حالة من التشنّج والغضب داخل العائلات التونسية، لاسيما في المناطق المهمشة، خاصة بعد أن شملت بعض المرحّلين تونسيين متزوجين في أوروبا ولديهم أطفال هناك، ما تسبب في تمزيق الروابط الأسرية وزاد من هشاشة النسيج الاجتماعي، على عكس ما تروّج له بعض الدول الأوروبية من احترام لحقوق الإنسان.

وفي ختام تصريحه، دعا عبد الكبير إلى إيقاف العمل بالاتفاقيات الموقّعة بين تونس والدول الأوروبية في مجال الهجرة، محمّلًا إياها مسؤولية الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمجتمع التونسي، كما حمّلها جانبًا من مسؤولية تفاقم أوضاع المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، والذين وجدوا أنفسهم عالقين في وضع إنساني مأساوي داخل تونس، وفق تعبيره.