قبل أيام من الزلزال المدمّر الذي ضرب البلاد كانت جميع المعطيات تشير إلى أن الرابع عشر من مايو سيكون موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، وبينما حسم اسم الرئيس، رجب طيب إردوغان كمرشح، كانت ستة أحزاب من المعارضة بصدد الإعلان عن الاسم المنافس في الثالث عشر من فبراير الحالي.
لكن، ومع وقوع الكارثة تغيّر كل شيء، وبينما ارتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 30 ألفا في تركيا، تشردت مئات الآلاف من العائلات المنكوبة في 10 مقاطعات خارج منازلها المنهارة، في وقت تركزت جميع التصريحات الحكومية وأنظار الشعب التركي على ما ستؤول إليه الأيام المقبلة، في ظل التداعيات التي ضربت تداعياتها شقيّن اقتصادي واجتماعي.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من جانب الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) بشأن الانتخابات، وما إذا كان سيتم تأجيلها أم لا، خاصة أن إردوغان سبق وألمح أن موعدها سيكون في الرابع عشر من شهر مايو، استباقا لموعدها الأصلي في شهر يونيو.
ومع ذلك، وبينما كانت جميع القنوات تصب في إحصاء أعداد الضحايا والتركيز على عمليات البحث والإنقاذ والكارثة الإنسانية الحاصلة أثار أحد مؤسسي "العدالة والتنمية" جدلا، الثلاثاء، بدعوته إلى تأجيل الموعد، متحدثا عن 3 مقترحات قد يتم المضي فيها، من أجل ذلك.
ما المقترحات؟
وفي رسالة نشرها عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل "تويتر" قال أحد مؤسسي الحزب الحاكم، بولنت أرينج: "لقد مررنا بكارثة ضخمة ربما تسجل في كتب التاريخ مثل زلزال جنوب شرق الأناضول العظيم، وسيمتد أثرها عبر السنين. الكارثة أصابت قلوبنا وأرواحنا بجروح لا علاج لها".
وفي إشارة إلى أن المقاطعات المتضررة من الزلزال كانت ممثلة في البرلمان بـ 85 نائبا، أضاف أنه وبسبب الكارثة "لن تكون هناك فرصة لإجراء انتخابات في هذه المناطق".
"المناظر مؤلمة للغاية؛ لا يوجد ناخبين هنا. أصبح من المستحيل قانونيا وفعليا إجراء انتخابات"، واقترح طريقة لعملية التأجيل إلى موعد لاحق، بأنه يمكن إضافة بند إلى المادة 78 من الدستور، التي لا تسمح إلا بالتأجيل لعام واحد و"بسبب الحرب".
وتذهب رؤية القيادي في "العدالة والتنمية" إلى أنه بالإمكان إضافة ملحق لهذه المادة، وبذلك يتم تضمين "كوارث الزلزال" إلى جانب السبب المتعلق بـ"الحرب".
وأشار إلى أن تفضيله الأول الجمع بين الانتخابات العامة والانتخابات المحلية في عام 2024، وكخيار ثان يمكن تأجيل الانتخابات إلى نوفمبر 2023، فيما اقترح أيضا اتخاذ الخيارات في موعد تتفق عليه جميع الأحزاب السياسية.
ولا تعتبر المقترحات المذكورة سابقا رسمية، ومع ذلك يرى مراقبون، تحدث إليهم موقع "الحرة"، إلى أنها قد تمثل رؤية الحزب الحاكم، رغم أنه لم يعلنها أو يعلّق عليها رسميا.
وسرعان ما دفعت شخصيات سياسية في المعارضة للرد، إذ قال الناطق باسم الحزب الذي يتزعمه علي باباجان (الديمقراطية والتقدم)، إدريس شاهين بأنه "لا يمكن تأجيل الانتخابات وفق دستورنا"، مضيفا: "لا يمكن لرئيس الجمهورية ولا المجلس الأعلى للانتخابات التأجيل. الدستور فوق كل شيء".
أما زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كلشدار أوغلو فقال: "بما أنه لا توجد حرب، لا يمكن تأجيل الانتخابات. لا يمكن لأحد أن ينشئ معيارا قانونيا خاصا به من خلال اختراع مبررات لا تنص عليها قوانين الدستور".
وأضاف المتحدث باسم حزب "الجيد"، كورشاد زورلو أن "الحل الفعال للعملية ومشاكل البلاد هو تنفيذ الانتخابات في الوقت المناسب وفقا لدستورنا".
ما المتوقع؟
يعتقد الخبراء أن الانتخابات في شهر مايو غير واردة، بسبب حالة الطوارئ التي دخلت بها المقاطعات العشر، بعدما أعلنها إردوغان كذلك وصادق عليها البرلمان، قبل أيام.
لكنها يمكن أن تتم في شهر يونيو المقبل، وهو آخر موعد يجب إجراء الانتخابات بحلوله وفقا للدستور.
ودستوريا لا يمكن لإردوغان تأجيل الانتخابات إلى ما بعد يونيو، دون تعديل المادة 78 من الدستور، ولهذا فهو بحاجة إلى أغلبية الثلثين في البرلمان، وبالتالي الحصول على أصوات من جانب المعارضة، التي أبدت كرد أولي رفضها لهذا الأمر.
ويشير الباحث السياسي التركي، هشام جوناي، إلى أن "بولنت أرينج عندما يظهر تأتي معه بعض الخطوات الاستباقية لحزب العدالة والتنمية أو الرئيس إردوغان"، معتبرا أن الأخير "يجس النبض من خلاله".
ويعتقد جوناي في حديث لموقع "الحرة" أن المقترحات التي قدمها أحد أبرز المؤسسين للحزب الحاكم تشي "بوجود رغبة من العدالة والتنمية لتأجيل الانتخابات، ليس فقط لشهر وأسابيع، بل من الواضح أن الحزب يريد جمع الانتخابات البلدية والنيابية والرئاسية في مارس 2024".
وفي الوقت الحالي، وفي ظل الكارثة التي خلّفها الزلزال يرى الباحث أن الظروف لا تصب في صالح الحزب الحاكم، من زاوية "الغضب الحاصل في المقاطعات العشر"، وأن "هذه المناطق تتمتع بغالبية تصويتية للعدالة والتنمية وحليفه القومي".
ويضيف جوناي: "الدستور واضح وصريح أنه في حالة حرب فقط يمكن تأجيل الانتخابات. غير ذلك فإن عملية تعديل الدستور تحتاج لدعم المعارضة وثلثي البرلمان"، مشيرا: "لا يمكن لتحالف الحزب الحاكم أن يحصل على هذه النسبة إلا بدعم من المعارضة".
من جهته يرى الباحث السياسي والأكاديمي، مهند حافظ أوغلو، أن "تأجيل موعد الانتخابات أمر وارد، لكن لن يكون بعيدا"، ويقول: "ربما تتعافى المحافظات العشر وتكون الأمور اللوجستية والنفسية جاهزة، وبذلك ستجري الانتخابات في شهر يونيو".
ويضيف الباحث لموقع "الحرة" أن "الأمر لا يتحمل، وتركيا كبلد قبل الزلزال كانت لا تحتمل عملية تأجيل الموعد فما بالنا عقب الكارثة. الاستحقاق على العكس يجب أن يكون سريعا أو على أبعد تقدير حتى تتعافى المناطق المنكوبة، ويكون المواطنون فيها جاهزون".
"سباق مع الزمن"
ورغم أن المادة 78 من الدستور تسمح بتأجيل الانتخابات لمدة عام واحد فقط بسبب الحرب، فإن أحد الخيارات المطروحة هو أن يبحث الحزب الحاكم عن طرق أخرى لتأجيل الانتخابات، واتخاذ قرار بذلك من قبل المجلس الأعلى للانتخابات.
وهذا المجلس لا يمكن الطعن في قراراته أمام القضاء أو أي سلطة أخرى بموجب الدستور، ومع ذلك، فإن احتمال تأجيل الانتخابات من جانبه "قد يخلق جدلا دستوريا حول السلطة المخولة باتخاذ القرار، بما يُعمّق من الاستقطاب السياسي والمجتمعي"، حسب ما يقول الباحث المختص بالشأن التركي، محمود علوش.
ويضيف: "مع أن الموعد الذي ستُجرى فيه الانتخابات المقبلة سيُحدد بشكل رئيسي حجم الأضرار المحتملة على إردوغان من جراء الزلزال، فإن الكارثة فرضت تحوّلا كبيرا في الأولويات الداخلية وستُهيمن على النقاشات السياسية والانتخابية بعد الآن".
من جهته يوضح الباحث جوناي أن "المجلس الأعلى للانتخابات ليس له صلاحيات في تأجيل أو تأخير الانتخابات. الصلاحية كلها بيد المشرعين والدستور واضح، ولا يحتاج للتأويل".
"المادة المتعلقة بهذا الموضوع إما أن تغيّر أو يبقى العمل بها على هذا الشكل"
ويقول الباحث: "هناك حديث على لسان صحفيين بأن الحزب الحاكم لديه رغبة بالبقاء بالحكم على الأقل حتى يتم تضميد الجراح وإعادة ثقة الناخب به، وبالتالي كسب الوقت".
ويعتقد أن "المعارضة في الوقت الحالي ستضغط من أجل إجراء الانتخابات في وقتها ولن تقبل بأي حل وسط سيتم طرحها من قبل الحكومة".
واعتبر الباحث السياسي حافظ أوغلو أن "الحكومة ستكون في سباق مع الزمن، كي تبقى الأمور مهيئة لموعد الانتخابات".
ويضيف: "التصريحات الرسمية تؤكد أنه لا تعديل ولكن بسبب قانون الطوارئ صدرت بعض الأصوات أنه ربما يتم تأجيل الموعد"، مشيرا إلى أن "الزلزال أدعى لأن تكون الانتخابات في وقتها المحدد، سواء الوقت الأول، أو الوقت الأصلي أي الثامن عشر من يونيو".
"هناك امتحان صعب أمام الحكومة لإعادة التهيئة النفسية في المقاطعات العشر وارتدادتها على كامل الجغرافيا التركية".
ويوضح الباحث أن "ثمن المحافظات تضررت وبحاجة لضماد نفسي ولوجستي سريع، وهذا لن يكون إلا بموعد الانتخابات الرسمي. أي في الثامن عشر من شهر يونيو".