مع بدء العد التنازلي لانتخابات الرئاسة والبرلمان في تركيا تتسلط الأضواء كثيرا على اسمين من صالح المنافسين الرئيسيين رجب طيب إردوغان وكمال كلشدار أوغلو، ورغم أن هذه الحالة الخاصة بالطرفين لا ترتبط كثيرا بمدى حظوظ كل اسم على حدى لتحقيق الفوز، إلا أن الدور الذي سيلعبانه في المرحلة المقبلة يثار بشأنه ترقب وتكهنات واهتمام سياسيين ومراقبين.
الاسم الأول هو "حزب الشعوب الديمقراطي" الموالي للأكراد، وقد قرر مع التحالف المنضوي فيه (العمل والحرية) يوم الأربعاء عدم تسمية مرشح رئاسي خاص في انتخابات 14 مايو. وفي حين لم يذكر الاسم الذي سيدعمه، تشير معطيات وتحركات لمسؤوليه إلى أنه سيقف ضمنيا إلى جانب كلشدار أوغلو مرشح المعارضة المسمى بـ"تحالف الأمة".
وكان الزعيمين المشتركين للحزب قد التقيا بكلشدار أوغلو، يوم الاثنين، وذكرت وسائل إعلام تركية أنهم ناقشوا "حل المشكلة الكردية وتعيين أمناء البلديات والاعتقالات السياسية"، كما تقاربت وجهات نظرهم بالنسبة للعديد من القضايا، التي تشغل اهتمام الحزب الكردي منذ سنوات طويلة.
في المقابل يرتبط الاسم الثاني بزعيم "حزب البلد"، محرم إينجه، والذي قرر خوض الانتخابات عن حزبه بشكل مستقل ومنفرد، بعدما كان قد خسرها أمام إردوغان قبل سنوات، فيما اتجه بعد ذلك إلى الانشقاق عن "حزب الشعب الجمهوري"، في أعقاب خلافات تحدث عنه بكثرة.
ويرى مراقبون تحدثوا لموقع "الحرة" أن الخطوة التي أعلن عنها "حزب الشعوب الديمقراطي" الموالي للأكراد تشير إلى أنه "سيدعم بشكل صامت مرشح المعارضة كلشدار أوغلو"، وبالتالي سيعيد تكرار سيناريو انتخابات البلدية عام 2019، بعدما رجحت أصواته كفة المعارضة بالفوز في بلدتي أنقرة وإسطنبول.
في غضون ذلك ينظر بعين الأهمية إلى المسار الذي سيتخذه محرم إينجه في الانتخابات والتأثير الذي سيشكّله على الميزان الخاص بها، وهو السياسي الذي أفردت وسائل إعلام تركية عدة مقابلات لاستضافته، خلال الأيام الماضية، في وقت أعلن صراحة انتقاده لمرشح المعارضة، وفي ذات الوقت لإردوغان، لكن بدرجة أقل.
ماذا يعني موقف "الشعوب"؟
ومن المقرر أن تجري انتخابات الرئاسة والبرلمان في تركيا في الرابع عشر من شهر مايو المقبل، بينما سيكون تاريخ 31 من شهر مارس الحالي موعد الانتهاء من قائمة المرشحين الرئاسيين بنشرها في الجريدة الرسمية، على أن يتم الانتقال بعد ذلك إلى فترة الدعاية للانتخابات، والتي ستنتهي قبل يوم واحد من موعد الاقتراع.
وفي الوقت الحالي تتصدر جبهتين الأولى تقودها 6 أحزاب من المعارضة بمرشح رئاسي خاص بها هو، كلشدار أوغلو، والثانية مرتبطة بالحزب الحاكم (العدالة والتنمية) بقيادة المرشح الرئاسي، إردوغان.
ويُطلق على اسم تحالف المعارضة المكّون من ستة أحزاب شكّلت "طاولة سداسية" قبل عام ونصف اسم "تحالف الأمة"، فيما يعرف تحالف الحزب الحاكم مع حليفه القومي "حزب الحركة القومية" باسم "تحالف الجمهور".
وبينما تنافست هاتين الجبهتين في انتخابات 2018، لن تكونا وحيدتين بعد شهرين، بعدما أضيف لهما تحالفين آخرين، وعدة مرشحين منافسين للرئاسة.
ولطالما كان الموقف الخاص بـ"الشعوب الديمقراطي" الموالي للأكراد يشوبه الكثير من التكهن والترقب، خلال الأشهر الماضية، وما إذا كان سيدعم كلشدار أوغلو أم سيغرد منفردا.
لكن اللقاء الأخير في البرلمان بين الجانبين بدد الصورة الضبابية، ودفع مراقبين وسياسيين للاعتقاد بأن هذا الحزب سيعيد ما أقدم عليه في انتخابات البلدية، من خلال عدم ترشيحه اسما خاصا به، لصالح الدعم الضمني للجبهة المضادة للتحالف الحاكم.
ويرى الباحث في الشأن السياسي التركي، محمود علوش أن "إعلان الحزب الكردي عدم تسمية مرشح رئاسي خاص يعتبر بمثابة دعم ضمني لكلشدار أوغلو"، وهو ما أشار إليه صحفيون أتراك، بينهم ليفنت كمال وراغب صويلو والصحفي المعارض، إسماعيل سايماز.
ويقول علوش لموقع "الحرة" إن "الدعم الضمني سيشكل تحولا في ديناميكيات المنافسة الانتخابية لصالح المعارضة وسيزيد من الضغط على إردوغان، والذي سيكافح في مواجهة المزيد من الصعوبات من أجل الفوز في الانتخابات".
ويعتقد الباحث أن "دعم حزب الشعوب للمعارضة يعزز فرصه في الفوز في انتخابات الرئاسة من الجولة الأولى، لكن هناك مسائل مؤثرة، تتعلق بقدرة كلشدار أوغلو على استقطاب الأصوات القومية والمحافظة، ومدى قدرة إردوغان على استقطاب الأصوات الكردية المحافظة بعد تحالفه مع حزب هدى بار".
وفي أعقاب حسم إردوغان لموعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الرابع عشر من شهر مايو المقبل، شهدت التحالفات المعلن عنها في تركيا حركات توسيع، ولاسيما من جانب "العدالة والتنمية".
وقاد مسؤولو الحزب الحاكم، خلال الأيام الماضية مفاوضات مع أحزاب صغيرة، في مقدمتها "حزب الدعوة الحرة" (هدى بار) وحزب "الرفاه" الذي يتزعمه، فاتح أربكان، نجل رئيس الوزراء التركي الأسبق الراحل، نجم الدين أربكان.
وفي حين قادت المفاوضات مع "هدى بار" إلى إعلان هذا الحزب الكردي ذو التوجه الإسلامي دعمه لإردوغان في انتخابات الرئاسة المقبلة، قرر زعيم "حزب الرفاه" عدم الانخراط في التحالف الحاكم، معلنا اسمه كمرشح رئاسي.
من جهته يشير الباحث السياسي التركي، هشام جوناي إلى أن اختيار كلشدار أوغلو كمرشح رئاسي للمعارضة "أعطى دفعة لحزب الشعوب لدعمه".
ويوضح لموقع "الحرة" أن "نهج كلشدار أوغلو السياسي اليساري يقف وراء هذا الدعم"، مشيرا إلى أن "حزب الشعوب يرى تطابقا في الآراء معه، وأنه سيكون هناك تعاون على الأقل بشكل واضح مستقبلا".
ويضيف جوناي: "لدى حزب الشعوب نسبة أصوات 10 بالمئة وأكثر، وستؤثر على مجريات الانتخابات بلا شك".
"سيناريو سيء"
ومنذ سنوات تنظر الحكومة لـ"الشعوب الديمقراطي"، ثالث أكبر حزب في البرلمان، على أنه مرتبط بـ"حزب العمال الكردستاني" المصنف على قوائم الإرهاب، رغم نفي الأخير لذلك.
ويواجه الحزب، منذ أكثر من عام، دعوى قضائية من أجل إغلاقه وحلّه، كان آخر تطوراتها في الأيام الأخيرة من 2022، ولا يعرف ما هي السيناريوهات المتوقعة بخصوص ذلك، في حال اتخذ قرار المحكمة الدستورية العليا.
كما لا يزال من غير الواضح ما إذا كان دعم "حزب الشعوب" سيقتصر على التصويت لكلشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية أم سيشمل أيضا الانخراط في تعاون انتخابي أوسع مع التحالف السداسي.
ويستبعد الباحث علوش أن "ينضم للتحالف السداسي بالنظر إلى معارضة الحزب الجيد القومي لإشراك الحزب الكردي في التحالف".
ويتحدث عن "سيناريو سيء على المعارضة، إذ قد يؤدي دعم الحزب الكردي لكلشدار أوغلو إلى عودة فئة من الناخبين القوميين في حزب الجيد إلى حزب الحركة القومية الأم".
وعلى افتراض أن هذه النسبة قد تصل إلى 5 بالمئة فهذا يعني أن "إردوغان سيرفع نسبة تصويته بين القوميين بنفس النسبة، وبالمثل، قد يؤدي ذلك أيضا إلى ذهاب 3 بالمئة من الأصوات القومية في حزب الشعب الجمهوري إلى حزب الحركة القومية وبالتالي زيادة القاعدة التصويتية لإردوغان بين القوميين"، حسب ذات الباحث.
ومع ذلك تترواح القاعدة التصويتية لـ"حزب الشعوب" بين 11 إلى 13 في المئة من الأصوات، وبالتالي فإنها ستكون حاسمة إلى حد كبير في ترجيح الكفة الانتخابية لأحد التحالفين.
ويتابع علوش أن "نجاح التحالف السداسي المعارض في كسب أصوات حزب الشعوب الديمقراطي يترتب عليه دفع أثمان كبير في المقابل".
من جانبه يوضح الصحفي التركي، ليفنت كمال أنه "في انتخابات 2019 دعم حزب الشعوب، حزب الجيد القومي وتحالف حزب الشعب الجمهوري"، مشيرا إلى أن القوميين في تحالف المعارضة ظلوا صامتين في تلك الفترة، وما يحدث الآن هو أمر مشابه.
ويقول كمال: "اليوم أصبح حزب الشعوب الديمقراطي مرة أخرى جزءا من تحالف المعارضة، على الرغم من أنه لا يشارك رسميا فيه".
ويضيف: "في حين أن هذا يوفر ميزة للتحالفات المناهضة لإردوغان، إلا أن نتائج حزب الشعوب الديمقراطي غير مؤكدة، ولاسيما أن هناك كتلة محافظة كبيرة بين ناخبيه غير مرتاحة بشكل عام للتعاون مع الاشتراكيين اليساريين".
"انتقام محرم إينجه"
ولم تكن أضواء الانتخابات في تركيا مسلطة على "حزب الشعوب" خلال الأيام الماضية فحسب، بل تسلطت أيضا على السياسي المعارض، محرم إينجه زعيم "حزب البلد".
وكان إينجه قد انشق عن "حزب الشعب الجمهوري" الذي يتزعمه كلشدار أوغلو، في فبراير 2021، بسبب خلافاته مع الأخير، وبعد خسارته أمام إردوغان في السباق الرئاسي، عام 2018.
ولطالما انتقد هذا السياسي حزبه السابق وكلشدار أوغلو، وعاد ليكرر ذلك قبل أيام، في أعقاب ترشحه لانتخابات الرئاسة، فيما اتجهت وسائل إعلام لاستضافته وقراءة الموقف الذي سيسلكه خلال المرحلة المقبلة.
ويعتقد مراقبون أن ترشح إينجه للرئاسة وإصراره على خوض السباق سيشكّل تحديا أمام كلشدار أوغلو والحزب الذي يقوده، من زاوية ترجيحات استقطابه للأصوات الخاصة بـ"الشعب الجمهوري" علماني التوجه.
ويقول الباحث جوناي: "من الواضح أن محرم إينجه ينتقم من كلشدار أوغلو. الطريقة التي تعامل بها الأخير معه في انتخابات 2018 كانت تحمل نفسا مهينا واستعلائيا، ولذلك يحاول الآن الانتقام.
وفي مقابلة تلفزيونية مع "خبر تورك" اعتبر إينجه أن "الطاولة السداسية للمعارضة لا تستطيع أن تدير شؤون البلاد، وأن الخلافات فيها واضحة، وأنه حتى لو فازت ستجر البلاد إلى أزمة إدارية".
وقال أيضا في إشارته إلى انتخابات 2018: "لم يكن حزب الشعب الجمهوري ورائي في ترشيحي للرئاسة. ربما كان ذلك عبئا. لم ينفقوا المال. لم يعلقوا ملصقاتي. لقد عملوا بدون معنويات. طعنني حزبي السابق في ظهري".
ووفق جوناي: "دائما ما ينتقد إينجه الطاولة السداسية أكثر من إردوغان وهذا يشير إلى أنه يؤيد استمرار الوضع الراهن"، كما أنه "يلمح تلميحات خطيرة، من قبيل أن المرحلة الثانية من الانتخابات يمكن أن تجري بين المرشح الأول والثالث"، في إشارة إلى "احتمالات انسحاب كلشدار أوغلو وخوضه السباق".
واعتبر الباحث علوش أن "إينجه يشكل معضلة لكلشدار أوغلو إذا ما أصر المضي بالانتخابات بشكل مستقل".
"الأمر سيحرم تحالف المعارضة نسبة قوية من الأصوات سيحصل عليها إينجه، وسيزيد من تحديد القاعدة التصويتية للتحالف السداسي".
ويضيف الباحث أن "هناك ضغوط يتعرض لها إينجه للانضمام للمعارضة، ولا يعرف ما إذا كان سينضم للتحالف السداسي أم لا"، وأن "الفترة المقبلة قادرة على إحداث تحولات كبيرة".
ومن جانب آخر يشير الباحث إلى "مسألة مهمة في الخارطة الحزبية"، وفق تعبيره، وتتمثل بالأحزاب الصغيرة التي لم تتخذ موقفا، إذ تشكل 8 إلى 10 بالمئة من الأصوات، وبالتالي سيكون دورها مهما، وتشكّل "معضلة أمام التحالفين القائمين في الحصول على نسب كبيرة من التصويت، لاسيما من الجولة الأولى".
ويتوقع البعض أن تحسم الانتخابات من الجولة الأولى، بينما يرى آخرون أن هذا الأمر مستبعدا، إذ ستشهد "جولتين" (أولى وثانية).
ويجب أن يحصل المرشحون على نسبة "50+1" من الأصوات على الأقل ليتم نتخابهم، لكن وفي حال لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى، تُجرى جولة ثانية بعد 15 يوما، بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات أولا. وبعد ذلك سينتخب المرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات الصحيحة رئيسا.
ويوضح علوش: "إذا ما ذهبت الانتخابات للجولة الثانية سيكون للأحزاب الصغيرة قوة تفاوضية لمنح دعمها سواء للمعارضة أو إردوغان"، لافتا: "إذا ما أراد كلشدار أوغلو أن يضمن فوزه في الجولة الأولى يتعين عليه إقناع إينجه بالعودة لحزب الشعب أو التعاون مع التحالف السداسي في الانتخابات".