كريم مجدي
نتائج مفاجئة حققتها أحزاب المعارضة التركية في الانتخابات المحلية الأخيرة التي تجرى كل خمسة أعوام على مستوى جميع المحافظات التركية.
الإنجاز الأقوى للمعارضة قد تمثل في فوز مرشحي حزب الشعب الجمهوري المعارض في أنقرة، واقترابهم بشكل كبير من الفوز في إسطنبول، بحسب نتائج أولية أعلنت عنها الهيئة العليا للانتخابات التركية الاثنين.
وكانت المنافسة محتدمة في هذه الانتخابات بين تحالف الأمة المكون من حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية، وحزب الخير القومي المحافظ حديث التأسيس، وبين تحالف الشعب الذي يشمل حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وحزب الحركة القومي بزعامة دولت باهتشيلي.
وقد فاز مرشح الحزب الجمهوري في أنقرة، منصور يافاش، بنسبة 50.90 بالمئة أمام مرشح العدالة والتنمية، محمد أوزهايسكي، الذي حقق 47.10 بالمئة، طبقا للنتائج الأولية، لكن الحزب الحاكم أعلن أنه سيطعن في هذه النتائج.
ولا زالت الأنباء تتضارب بشأن اسطنبول، حيث أعلنت الهيئة العليا للانتخابات فوز مرشح المعارضة في نتائج أولية، وهو ما ألمح إليه مرشح الحزب الحاكم بن علي يلدريم أيضا، قبل أن يعلن حزب العدالة والتنمية فوزه باسطنبول.
وما يزال الباب مفتوحا أمام الطعون الانتخابية التي قد تغير مجرى النتائج في بعض المدن ذات الفوارق الضئيلة بين المرشحين.
وفي حال تأكدت النتائج الجزئية فإن حزب العدالة والتنمية سيسيطر على 15 مدينة كبيرة بدلا من 18 كانت معه حتى الآن، في حين سيفوز حزب الشعب الجمهوري بـ11 مدينة مقابل ست حاليا.
وقد سيطر حزب الشعب الجمهوري على محافظات كان حزب العدالة والتنمية قد فاز بها في انتخابات 2014، مثل بيله جك، وبولو، في وسط تركيا، ومحافظة أنطاليا في الجنوب، ومحافظة أرتوين، وأرداهان شمال شرق البلاد.
وتعتبر الانتخابات المحلية أقل أهمية من نظيرتيها الرئاسية والبرلمانية، إلا أن هناك من يعتبرها مؤشرا على مدى القبول الشعبي للإدارة الحالية، خاصة وأنها أول انتخابات تعقد عقب تطبيق النظام الرئاسي الذي اعتمده الأتراك في استفتاء نيسان/أبريل 2017.
لماذا تفوقت المعارضة في إسطنبول وأنقرة؟
يقول مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول جواد غوك، إن "الشعب التركي أراد رؤية وجوه جديدة بدلا من مرشحي حزب العدالة والتنمية، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية القاسية التي لامست حياة الشعب التركي بشكل ملحوظ."
وأضاف غوك لـ"موقع الحرة"، أن "المدن الساحلية الغربية بداية من محافظة أنطاليا إلى إسطنبول صوتت للمعارضة، وقد قدم حزب الشعب الجمهوري المعارض المرشح أكرم إمام أوغلو في إسطنبول، والذي ينال قبولا من جميع أطياف الشعب التركي".
وتأتي الانتخابات المحلية في ظل أوضاع اقتصادية متردية، وسط ارتفاع لمعدل التضخم في البلاد وما نتج عنه من ارتفاع كبير في الأسعار، وارتفاع نسبة البطالة، وتراجع سعر العملة المحلية (الليرة التركية) بشكل كبير.
من جانبه، يقول أستاذ القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي التركية، الدكتور سمير صالحة، إن الأوضاع الاقتصادية الأخيرة قد لعبت دورا في فقدان ثقة فئة من الناخبين في حزب العدالة والتنمية، بالإضافة إلى الأزمات السياسية الخارجية والداخلية التي تعانيها الدولة التركية.
ويضيف صالحة لموقع الحرة، أن "المعارضة نأت بنفسها عن الدخول في سجالات سياسية خلال الفترة الأخيرة رغم الاتهامات الموجهة إليها من قبل أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية)، وركزت على تقديم مرشحين أقوياء في الانتخابات والتنسيق مع بقية أحزاب المعارضة في العديد من المناطق."
وكان أردوغان قد اتهم أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي الكوردي بالبرلمان، بإقامة روابط مع "حزب العمال الكردستاني" المحظور. فيما ادعى حزب العدالة والتنمية " أن تحالف حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير "يتعاون مع الإرهابيين".
وأوضح صالحة أن "حزب الشعوب الديمقراطي الكوردي لم يدخل في منافسة مع حزب شعب الجمهوري في بعض المدن سواء في إسطنبول أو حتى في بعض المناطق الشرقية الكوردية، من أجل دعم تحالف المعارضة أمام حزب العدالة والتنمية."
ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي أحمد أويصال أن عدم تقديم مرشحين أقوياء لحزب العدالة والتنمية لعب دورا في خسارته.
ففي اسطنبول، قدمت المعارضة المرشح "أكرم إمام أوغلو" وهو "سياسي منفتح على اليمين وليس مثل الكماليين التقليديين .. حتى أنه شوهد وهو يرتل القرآن في إحدى الجنازات في اسطنبول"، حسب ما يقول أويصال لموقع الحرة.
ما بعد الانتخابات
ويمثل فوز حزب الشعب الجمهوري المعارض بمنصبي عمدة أنقرة واسطنبول (في حال صدور نتائج رسمية" ، إنجازا كبيرا، خاصة في إسطنبول التي هيمن حزب العدالة والتنمية عليها لمدة 25 عاما، منذ أن فاز أردوغان بمنصب العمدة في 1994.
لكن يرى أويصال أن انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات وفقدانه بعض المناطق التي كانت بحوزته في الانتخابات السابقة، هي خسارة رمزية لن تؤثر على المشهد السياسي، نظرا لعدم لعب المحليات دورا أساسيا في تحديد المتحكم في إدارة المناصب العليا للبلاد.
على الناحية الأخرى، يقول صالحة إن "حزب العدالة والتنمية الحاكم، سيدخل في عملية نقد ذاتي لا مفر منها، من أجل المحاسبة ودراسة أسباب خسارة الكثير من المدن التركية."
ويضيف صالحة أنه "رغم حفاظ العدالة والتنمية على نسبة فوز قريبة للنسب السابقة واستطاع حماية حصته التصويتية، إلا أنه خسر المدن الكبرى، مما سيدفع الحزب حتما إلى البحث عن الأسباب والتفاصيل."
ويذهب جواد غوك، إلى أن خسارة العدالة والتنمية للمدن الكبرى في هذه الانتخابات سيؤدي إلى حدوث انشقاقات داخلية بالتزامن مع عملية المحاسبة وتوجيه اتهامات التقصير بين الأعضاء.