كانت إليف معلّمة في مدرسة ثانوية في جنوب غرب تركيا عام 2016، لكنها أصبحت تعمل منذ سبعة أشهر في مركز للدروس الخصوصية في أنقرة، وتحديدا في التنظيف بعد إقالتها في إطار عملية "التطهير" التي تلت المحاولة الإنقلابية ضد الرئيس رجب طيب أردوغان.
وإليف هي واحدة من حوالى 33 ألف مدرّس أقيلوا في إطار حملات التطهير التي أعقبت محاولة الانقلاب في 15 تموز/يوليو 2016.
وتقول إليف في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية "أثناء إعطاء الأساتذة الدروس، أحضر الطعام وأنظف الحمامات".
بعد ثلاث سنوات على محاولة الانقلاب، تعاني إليف على غرار آلاف آخرين لتأمين لقمة عيشها بسبب عدم توافر وظيفة ثابتة.
وتضيف إليف التي ترتدي حجاباً أحمر ونظارتين بنيتين: "عمري 37 عاماً وأبدأ حياتي من الصفر".
وتتهم السلطات فتح الله غولن، وهو داعية إسلامي يقطن في الولايات المتحدة بالتخطيط لمحاولة الانقلاب، وهو الأمر الذي ينفيه.
وأقيل أكثر من 150 ألف موظف في القطاع العام في إطار حال الطوارئ التي أُعلنت غداة الانقلاب الفاشل وحملات طالت المؤسسات العامة لـ"تطهيرها" من أنصار غولن.
وكانت إليف عضوا في نقابة معروفة بقربها من شبكات غولن، وتصف نفسها بأنها "مسلمة يسارية" وتعترف بأنها "مناصرة" لحركة غولن لكنها تؤكد أنها لم تكن يوماً "عضواً فاعلاً" فيها.
وإضافة إلى إقالتها، تمّت ملاحقتها قضائياً لـ"انتمائها إلى تنظيم إرهابي". وأمضت عشرة أشهر تحت مراقبة قضائية قبل أن تتمّ تبرئتها عام 2018.
وأقيل زوجها الذي يعمل مدرّسا أيضاً، ثم اعتُقل لثمانية أشهر.
وقد بلغ عدد المعتقلين في تركيا، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016 أكثر من 110 ألف معتقل ضمن حملات تطهير مؤسسات الدولة التي أطلقها الرئيس التركي، واستهدفت بشكل أساسي أنصار الداعية فتح الله غولن، المتهم الرئيسي في محاولة الانقلاب، بالإضافة إلى عسكريين.
الحملة استهدفت سياسيين أيضا تحت ذريعة مساندتهم للانقلاب، أشهرهم الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، صلاح الدين دميرتاش، الذي أعلن حزبه مؤخرا عن ترشيحه أمام أردوغان في انتخابات الرئاسة.
بعد إقصائها من التعليم العام، لم تتمكن إليف من العثور على عمل كمدرسة بما في ذلك في القطاع الخاص لأن اصحاب العمل بدوا حذرين بشكل عام.
وعلى غرار إليف، أقيل عدد كبير من الأتراك من القطاع العام، وأُرغموا على تغيير مهنهم للعيش.
وتكثر الأمثال في هذا المجال: أكاديمي سابق تحوّل إلى عامل بناء، رئيسة سابقة لجمعية فتحت مقهى، وقاضية سابقة أصبحت بائعة شاي وشرطي سابق بات حارس مبنى.
ويؤكد أحمد وهو أستاذ جامعي سابق في الكيمياء تمّ تغيير اسمه أيضا، أنه تقدم لحوالى 1200 وظيفة ولم يتسن له سوى إجراء ما بين 30 و40 مقابلة.
وبعدما رفض طلبه في كل مرة، اضطر إلى بيع الخضر والفاكهة لبعض الوقت في زاوية شارع، على عربة كان يدفعها بنفسه.
ويروي "عندما شرحت وضعي لأصحاب العمل، لم يقبلوني".
هذا الرجل البالغ 44 عاما وزوجته هما من بين ستة آلاف أستاذ جامعي أُقيلوا عبر مرسوم تشريعي شكل "صدمة" بالنسبة إليهما.
وتقول إليف "الناس يعرفون جيداً أننا لم نقم بأي أمر سيء، لكن الجميع يشعر بخوف شديد". وتتابع "حتى أنا لا أريد أن تنشروا اسمي لأنني أشعر بالخوف".
وتضيف أنه عندما أُطلق سراح زوجها "كان مضطربا تماما". وتروي أنه لجأ إلى الشتائم والعنف الأمر الذي أدى إلى إنهاء علاقتهما.
وتجد إليف نفسها لوحدها في الاهتمام بأبنائها الثلاثة براتب لا يتجاوز ألف ليرة تركية (حوالى 175 دولارا أميركيا) مقابل 4500 ليرة عندما كانت مدرّسة.
وللخروج من المأزق، اعتمدت إليف التي توفي والداها، على شقيقتها الكبرى وشقيقة زوجها وعلى بعض الأصدقاء.
أما أحمد فحظي من جهته بمساعدة أهله وعائلة زوجته فقط. ويقول "منذ عشرين عاماً لدي رقم الهاتف نفسه، لكن بعض الأصدقاء وضعوا حظراً لرقمي على هواتفهم، لم يعد بامكاني الاتصال بهم". وعبّر عن أسفه لواقع أن جيرانه يديرون وجوههم عندما يلتقونه.
وكي تبيّض ملفها بالكامل وتستعيد جواز سفرها المصادر، تنتظر إليف حالياً نتيجة الاستئناف الذي تقدّمت به للجنة مكلّفة درس طعون الأشخاص الذين أُقيلوا. إلا أن هذه اللجنة لا تكشف قراراتها التي غالبا ما تكون سلبية، إلا بشكل بطيء جداً.
أحمد من جهته لا ينتظر شيئا. لكنه يأمل أن تبرئه المحكمة ليتمكن من مغادرة البلاد مع زوجته وطفليه.