صورة حديثة من القامشلي بتاريخ 4 أغسطس 2019 إحدى مناطق سيطرة الأكراد
صورة حديثة من القامشلي بتاريخ 4 أغسطس 2019 إحدى مناطق سيطرة الأكراد

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثلاثاء أن تركيا تستعد "للقضاء على التهديد" الذي تمثله وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال سوريا "في وقت قريب جدا".

يكرّر أردوغان منذ عام ونصف تهديده بشن هجوم جديد ضد الأكراد في منطقة شرق نهر الفرات، ويحشد قواته منذ أشهر قرب الحدود السورية وفق وسائل إعلام تركية.

ومنذ ثمانية أشهر بدأت تركيا بالفعل إرسال معدات عسكرية. 

وفي محاولة لتهدئة الوضع، اقترحت واشنطن نهاية العام الماضي إنشاء "منطقة آمنة" بعمق ثلاثين كيلومتراً على طول الحدود بين الطرفين، تتضمن أبرز المدن الكردية. رحبت أنقرة بالاقتراح لكنها أصرت على أن تدير تلك المنطقة، الأمر الذي يرفضه الأكراد بالمطلق.

 

الأكراد ومناطقهم في تركيا وسوريا وإيران والعراق

​​ما هي مخاوف تركيا من الأكراد، وماذا تريد؟

مع توسّع دور الأكراد في سوريا وإنشائهم إدارة ذاتية في شمال وشمال شرقي سوريا، زادت خشية تركيا من أن يقيموا حكماً ذاتياً قرب حدودها يزيد النزعة الانفصالية لدى أكرادها.

لمواجهة توسّع الأكراد، شنّت أنقرة منذ 2016  عمليتين عسكريتين في سوريا، سيطرت خلالهما على مدن حدودية عدة. وتمكنت في العام 2018، من السيطرة مع فصائل سورية موالية لها على منطقة عفرين، ثالث أقاليم الإدارة الذاتية الكردية، بعد أشهر من المعارك.

ومنذ ذاك الحين، لم تهدأ تهديدات أنقرة بشنّ هجوم جديد على مناطق الأكراد، التي يُطلق عليها تسمية منطقة شرق الفرات.

وتطمح أنقرة إلى إنشاء منطقة آمنة بعرض30  كيلومتراً على طول حدودها داخل سوريا، على أن تسيطر عليها بالكامل وتنسحب منها وحدات حماية الشعب الكردية، التي تصنّفها منظمة "إرهابية".

وتطالب أنقرة واشنطن أيضاً بوقف دعمها للمقاتلين الأكراد، الذين يُعدّون العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية، رأس الحربة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي تصريح لمركز كارنيغي، قال مدير برنامج تركيا في مركز الولايات المتحدة وأوروبا في مؤسسة بروكينغز في واشنطن العاصمة، إن "سياسة إردوغان تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف، هي منع الأكراد السوريين بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي من إقامة دولة مستقلة أو منطقة حكم ذاتي على طول الحدود التركية؛ ورسم معالم سورية الجديدة، أو أقلّه زاوية منها، بما يتلاءم مع التفضيلات السياسية لأردوغان؛ وخلق ظروف مؤاتية لعودة نحو 3.5 ملايين لاجئ سوري".

الموقف الكردي

بعد أن ترددوا بداية في الموافقة على إنشاء المنطقة الآمنة، رفض الأكراد تماما أي وجود تركي في مناطق سيطرتهم. وكانت السياسية الكردية فوزة يوسف قد أوضحت في مقابلة سابقة في رويترز أن السلطات التي يقودها الأكراد ترفض فكرة إقامة "منطقة آمنة" كبيرة لأنها ستطوق مدنا وبلدات سورية تقع على الحدود مشيرة إلى اقتراح ترتيبات بشأن شريط حدودي بدلا من ذلك.

وقالت "لازم يكون الحل شريط حدودي، إحنا ما بنسميها منطقة آمنة، شريط حدودي أمني ضامن للطرفين بقوة دولية حافظة للسلام راح يكون في اعتقادنا حل معتدل".

ويقول القيادي البارز في الإدارة الذاتية الكردية ألدار خليل إن إدارته أبدت "مرونة" في ملف المنطقة الآمنة بموافقتها على أن تكون "بحدود خمسة كيلومترات لكن تركيا رفضت هذا الطرح" كونها "تريد السيطرة على المنطقة وحدها".

مديرة مركز الدراسات التركية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، وأستاذة مساعدة في معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن غونول تول كانت قد قالت لمركز كارنيغي إنه "من المعروف عن الجيش التركي أنه يمكث في الأراضي التي يتدخّل فيها خارج حدوده، لكنه قد يجد أن الأمر أشدّ صعوبة في الوقت الراهن".

تحذير أميركي وتأهب كردي

ومع تصاعد التهديدات التركية ضدهم، حذر الأكراد من أن أي هجوم مماثل قد يخرج الوضع الأمني عن السيطرة في مناطقهم، وألا يتمكنوا بالنتيجة من حماية السجون والمخيمات التي تؤوي آلافا من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الأجانب وأفراد عائلاتهم.

وشدد خليل على أنه "بمجرد القيام بهجوم على المنطقة.. فإن الحفاظ على المعتقلات والسجون والمخيمات التي فيها هؤلاء ستكون صعبة".

وأكد خليل أنه "ما لم يتم ردع تركيا أو يحصل اجماع على قرار دولي لمنعها، فهي بالتأكيد في حالة هجوم".

وقال أردوغان إنه أبلغ روسيا والولايات المتحدة بالعملية لكنه لم يكشف عن موعد انطلاقها. وستكون العملية ثالث توغل تركي في سوريا خلال ثلاثة أعوام.

لكن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر أكد الثلاثاء أن أي عملية تركية في شمال سوريا ستكون "غير مقبولة" وإن الولايات المتحدة ستمنع أي توغل أحادي الجانب، وذلك في وقت تتصاعد فيه التوترات بين واشنطن وأنقرة.

وتطالب أنقرة واشنطن بوقف دعم المقاتلين الأكراد. وتخشى من إقامتهم حكماً ذاتياً قرب حدودها، وتعتبر الوحدات الكردية منظمة "إرهابية" وامتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمرداً ضدها منذ عقود.

وتدور في أنقرة منذ23  يوليو محادثات بين الطرفين، وقدّمت الولايات المتحدة اقتراحات عدة، إلا أن أنقرة لم توافق على أي منها، واعتبرت أن ما تقوم به واشنطن هو مجرد محاولات لـ"كسب الوقت".
وتعقد في أنقرة منذ الاثنين اجتماعات جديدة بين الطرفين. وقال أردوغان الثلاثاء إن بلاده تعتزم شنّ هجوم "في وقت قريب" في شمال شرق سوريا.
ويقول خليل "رغم عدم وجود وعود أميركية مباشرة، نعتقد أن وضع شرق الفرات لا يشبه وضع عفرين" متوقعاً أن "تواجه تركيا صعوبة في تحريك طائراتها في الأجواء ذاتها حيث تتواجد حركة طيران أميركية".

وفي حال فشل المساعي الدبلوماسية والسياسية التي يعولون عليها، فلن يكون هناك خيار أمامهم سوى "المقاومة"، وفق قوله.
 

لا خيار أمام حزب العمال الكردستاني في هذه المرحلة سوى التفاهم مع الدولة التركية. أرشيفية
يقبع عبد الله أوجلان في سجنه الانفرادي في جزيرة إمرلي

تتوقع أوساط سياسية تركية أن يطلق زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، عبد الله أوجلان، نداء، في منتصف فبراير الجاري، يدعو فيه أعضاء حزبه إلى التخلي عن السلاح.

هذه الخطوة المتوقعة سبقها دعوات سلام أطلقها قادة وسياسيون أتراك للتسوية مع حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى لقاء أجراه نواب عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب "ديم" الكردي مع أوجلان، في سجنه الانفرادي في جزيرة إمرلي.

أجنحة وتيارات قوية

باكير أتاجان مدير مركز إسطنبول للفكر والدراسات الاستراتيجية التركي يقول إنه لا خيار أمام حزب العمال الكردستاني في هذه المرحلة سوى التفاهم مع الدولة التركية والاستجابة لدعوات السلام وإلقاء السلاح.

وأكد أتاجان أن لحزب العمال الكردستاني أجنحة وتيارات قوية تدعمها دول إقليمية ودولية أبرزها إيران.

وأوضح أن الجناح الإيراني ينشط في العراق وسوريا وإيران وتركيا وهو لا يأتمر بأوامر أوجلان، بل بقادته المعروفين بولائهم لإيران وهؤلاء أبرز المعارضين لدعوات السلام التركية.

ويرى أتاجان أن قسما كبيرا من أجنحة الحزب قد تتجاوب مع نداء زعيمهم باستثناء بعض الأجنحة المتواجدة في جبال قنديل شمال العراق وشرق سوريا وإيران ودول أوربية وهؤلاء لا يشكلون سوى 30 فيمن أجنحة الحزب العسكرية بحسب أتاجان.

وأضاف مدير مركز إسطنبول للفكر أن قادة حزب العمال يدركون جيدا أن ليس بإمكانهم الصمود من دون دعم خارجي وهذا الدعم تراجع كثيرا بعد سقوط نظام الأسد، وابتعاد روسيا وإيران والعراق ودول أوروبية وما تبقى هو دعم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني وهذا لن يكون له تأثير.

ومنذ بدء الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بداية ثمانينيات القرن الماضي طُرحت مبادرات سلام عديدة.

 ففي اذار عام 1993 أعلن حزب العمال وقف إطلاق النار من جانب واحد انتهت بعد شهر من وفاة الرئيس التركي تورغت أوزال في أبريل من نفس العام.

 وفي عام 1999 أعلن الحزب مرة أخرى وقف إطلاق النار من طرف واحد واستمر حتى يونيو عام 2004. وفي يوليو عام 2010 جرت مفاوضات سرية بين الجانبين في العاصمة النرويجية أوسلو لم تسفر عن نتائج.

 وخلال عامي 2012 و 2013 جرت محادثات بين المسؤولين الأتراك ورئيس حزب العمال عبد الله أوجلان في السجن من أجل التوصل إلى سلام دعا بعده أوجلان حزبه الى وقف القتال لكنه أنتهى في يوليو عام 2015.

ضمانات دولية

المراقب السياسي المقرب من حزب العمال الكردستاني محمد بنجويني قال لموقع "الحرة "إنه لا يمكن الجزم بأن أوجلان قد يوجه خلال كلمته نداء لحزبه بالتخلي عن السلاح بالشكل الذي تطلبه تركيا.

ونفى بنجويني وجود أجنحة بولاءات مختلفة داخل العمال الكردستاني، وقال إنه لا توجد أجنحة، بل آراء مختلفة بشأن القضايا المصيرية، وهذا أمر طبيعي في حزب كبير لديه شعبية كبيرة وأعضاء ومناصرون كثر في أجزاء كردستان الأربعة: تركيا والعراق وإيران وسوريا وحتى في أوروبا والعالم.

وأضاف بنجويني أنه سبق أن جرت مفاوضات سلام عديدة بين الطرفين منذ عام 2010 بوساطات دولية وبنفس المطالب التركة الداعية إلى نزع سلاح حزب العمال الكردستاني لم يكتب لها النجاح.

وزاد بنجويني أنه لا يعتقد أن قادة الحزب في قنديل وأماكن أخرى سترضى بنزع السلاح، حتى لو وجه زعيم الحزب هذه الدعوة.

وأضاف كيف يقبل قادة الحزب تسليم السلاح بمجرد كلمة او دعوة من زعيمهم داخل السجن، تسليم السلاح مقابل أي شي؟ 

وأوضح أنه يجب أن تقدم تركيا ضمانات لسلامة قادة ومقتلي الحزب إذا ما سلموا السلاح وضمانات لحل القضية الكردية ايضا وأن يتم ذلك باشراف الأمم المتحدة ودول كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "يني شفق" التركية في نيسان العام الماضي فان إيران زودت حزب العمال الكردستاني بما يزيد عن 50 طائرة مسيرة انتحارية، بالإضافة إلى أنظمة دفاع جوي متقدمة مثل صاروخ 358 وصواريخ حرارية لإسقاط الطائرات المسيرة التركية.

عوائق أمام أي مبادرة سلام مع تركيا

عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني محمد زنكنة أكد تعدد الولاءات داخل حزب العمال الكردستاني بعضها لدول إقليمية منها إيران والمتمثلة في جناح " جميل بايك ".

ويقول إن هذا الجناح لن يرضى بإلقاء السلاح ويرفض أي مبادرة للسلام مع تركيا، حتى لو صدرت عن زعيم الحزب عبد الله أوجلان، والطرف الأخر هو جناح قريلان المنفتح على أي مبادة للسلام، أما الجناح السياسي للحزب في تركيا فلا حوله له ولا قوة.

وأوضح زنكنة أن حزب الحياة الحرة الكردستاني "بزاك" أوقف جميع عملياته العسكرية ضد إيران منذ عام 2008 وباتوا مكملين للحرس الثوري الإيراني في مهاجمة مقرات وعناصر "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني". وحزب الجماعة الكردي الإيراني "كوملة".

 وأشار إلى أن اجتماعات عدة جمعت قادة حزب العمال الجناح الإيراني بمسؤولين في الحرس الثوري الإيراني وعلى رأسهم قائد قوات فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني.

وبين عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني أن قادة الجناح الإيراني لحزب العمال الكردستاني متواجدون في جبال قنديل وأطراف محافظات أربيل ودهوك وقضاء سنجار وسهل نينوى ومناطق أخرى في كردستان العراق وكردستان تركيا وسوريا أيضا، ولديهم استثمارات عديدة في أوربا.

من جهته نفى عضو الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي تقديم حزبه أي دعم للعمال الكردستاني، وأكد لموقع "الحرة" أن الحديث عن مثل هذا الدعم مجرد ادعاءات كاذبة ومغرضة الهدف منها النيل من حزبه.

ويرى سورجي أن دعم إيران لجناح معين في حزب العمال الكردستاني " إن كان صحيحا " فهو أمر طبيعي في ظل الصراعات والمصالح الإقليمية في المنطقة ومن منطلق " عدو عدوي هو صديقي " وهذا لا يعني أن حزب العمال عميل لإيران بل أنه بحاجة الى دعم لديمومة نضاله.

ومنذ أبريل عام 2023 علقت الخطوط الجوية التركية رحلاتها إلى مطار السليمانية، وعزت وزارة الخارجية التركية في حينها أسباب تعليق الرحلات الجوية مع مطار السليمانية إلى "تغلغل" حزب العمال الكردستاني في منشآت المطار.

ويشمل الحظر أيضا طائرات الدول الأخرى التي تتخذ من الأجواء التركية مسارا إلى مطار السليمانية، وبحسب مسؤولين في إدارة المطار فإن الحظر يلحق ضرارأ مادية بالمطار تقدر بنحو 35 مليون دولار شهريا.

وأشار سورجي إلى أن العمال الكردستاني مصنف على قائمة الإرهاب لدى العديد من الدول وفي العراق هو حزب محظور، وأن الاتحاد الوطني الكردستاني لا تربطه بالحزب المذكور أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد.

وأضاف عضو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لموقع " الحرة " أن حزبه ليس دولة لديها الإمكانيات التي تسمح له بدعم أحزاب أو منظمات.

لكن الأحزاب الكردية في أجزاء كردستان لديها قضية مشتركة ومصير مشترك وجميعها متعاطفة مع بعضها بشكل او بآخر، وفق سورجي.

المراقب السياسي فائق كولبي قال لموقع "الحرة" إن دعوات السلام التركية يجب أن تتزامن مع ضمانات دولية وإصلاحات دستورية تمنح القوميات غير التركية حقوقها وتعترف بها، حينها يمكن التوصل الى سلام دائم في تركيا.

وأشار إلى أن جميع أجنحة حزب العمال الكردستاني تستجيب لدعوة رئيس الحزب عبد الله أوجلان إذا ما طلب منهم القاء السلاح والدخول في معاهدة سلام مع الحكومة التركية.