على اليمين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان/ وعلى اليسار نائب رئيس الورزاء السابق علي بابجان
على اليمين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان/ وعلى اليسار نائب رئيس الورزاء السابق علي بابجان

يحكم رجب طيب أردوغان تركيا منذ عام 2003 في منصب رئيس الوزراء ثم في منصب الرئيس، ليصبح السياسي الأكثر هيمنة على البلاد منذ مؤسسها، مصطفى كمال أتاتورك قبل نحو 100 عام.

ويحظى حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان بدعم قوي وسط الأتراك المتدينين والمحافظين، كما أن قيادته لنمو الاقتصاد التركي على مدى 15 عاما، ساعدته على الفوز بأكثر من 12 انتخابات عامة ومحلية.

اكتسح حزب العدالة والتنمية، وهو حزب إسلامي الجذور، انتخابات عام 2002 ببرنامج وعد بمكافحة الفساد وبناء الاقتصاد ومساعدة ملايين الفقراء والمتدينين الأتراك الذين كانوا محل تجاهل من الصفوة التركية.

لكن مؤخرا بدأت شعبية الحزب تتآكل، وبلغ هذا ذروته العام الحالي حين بدأت الضربات والتصدعات تتوالى عليه .

خسارة مدوية

سيطر حزب العدالة والتنمية أو سلفه (حزب الرفاه الإسلامي) على إسطنبول وأنقرة وعلى معظم المجالس البلدية الكبيرة في تركيا لمدة زادت على 20 عاما.

وكان أردوغان قد برز في الساحة السياسية التركية وهو في منصب رئيس بلدية إسطنبول، ومعروف عنه أنه يولي أهمية خاصة لانتخابات البلديات ويعتبرها أساسية في موقف الناخبين من الحكومة.

لكن المعارضة التركية وجهت ضربة قوية لحزب العدالة بقيادة أردوغان باقتناص رئاسة بلدية اسطنبول في إعادة الانتخابات التي جرت في يونيو الماضي، لتكسر هالة الزعيم الذي لا يقهر وتنقل رسالة من الناخبين غير الراضين عن سياساته.

​​وبدا أن الناخبين كانوا يحاولون إيصال رسالة لحزب العدالة والتنمية الحاكم تحمله مسؤولية الركود الاقتصادي الذي أسفر عن انخفاض قيمة الليرة بنسبة 30 في المئة العام الماضي و10 في المئة إضافية هذا العام.

وأدت هذه النتائج إلى فتح فصل جديد في السياسة التركية إذ تسيطر المعارضة الآن على أكبر ثلاث مدن في البلاد هي إسطنبول وأنقرة وأزمير.

رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو (يسار) ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان (يمين)

​​

تصدع التحالف المقدس

وبعدما خسر رئاسة بلديات المدن الرئيسية أمام المعارضة هذا العام، يواجه حزب العدالة والتنمية تحديا جديدا يتمثل بانشقاق حلفاء قدامى وتأسيس أحزابهم الخاصة.

ويبدو أن الاتحاد المقدس حول الرئيس التركي قد بدأ بالتصدع، كما تظهر الخطوات غير المسبوقة لرئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، فقد انتقد الاثنان في الأسابيع الأخيرة توجهات تركيا تحت إدارة أردوغان.

وأعطت هذه التصريحات مصداقية لشائعات لا تنفك تتصاعد، تشير إلى نية داوود أوغلو وباباجان اللذين كانا من الشخصيات الرئيسية المحيطة بأردوغان في ما مضى، تشكيل حزبيهما الخاصين لتحدي حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 18 عاما.

​​وأعلن باباجان الذي يحظى باحترام شديد في الأوساط الاقتصادية ويعزى إليه الفضل في النجاح الاقتصادي لحزب العدالة والتنمية في العقد الأول من حكمه، استقالته من الحزب في الثامن من يوليو، مشيرا إلى الحاجة لـ"رؤية جديدة" لتركيا.

ويتداول الإعلام التركي أن علي باباجان، الذي تسلم في السابق وزارتي الاقتصاد والخارجية قبل أن يصبح نائبا لرئيس الوزراء حتى عام 2015، يتحضر لتأسيس حزب سياسي جديد في الخريف المقبل مع الرئيس السابق عبدالله غول.

ومع بلوغ التضخم في تركيا نسبة 15 في المئة والانكماش 2.6 في المئة في الربع الأول من عام 2019 والبطالة 13 في المئة، يرى العديد من الأتراك أن باباجان هو الرجل القادر على إيجاد الحلول لمشاكل البلاد، ويعتبرونه البديل المناسب لأردوغان الذي تنتهي ولايته الحالية في 2023.

​​وتشير ليسل هينتز من جامعة جون هوبكينز إلى أن نجاح حزب يؤسسه باباجان "يعتمد على الأرجح على مدى قدرته على تقديم خطط ملموسة لمعالجة المشاكل الاقتصادية والفوارق الاجتماعية".

وترى أن أمام باباجان "فرصة في تعبئة يمين الوسط التركي، بالاعتماد خصوصا على الاستياء العام من الإثراء الشخصي لقادة حزب العدالة والتنمية بينما الاقتصاد التركي يغرق في أزمة".

وبعد عشرة أيام على إعلان باباجان، خرج داوود أوغلو عن صمته المعتاد، وقام بمقابلة لأكثر من ثلاث ساعات بثت على مواقع التواصل الاجتماعي، قال مراقبون إنها قد تكون تلميحا إلى أنه هو أيضا جاهز لتشكيل حزب جديد.

وفي أبريل الماضي وجه داود أوغلو انتقادات شديدة اللهجة حادة لحزب العدالة والتنمية الحاكم هي الأولى من نوعها منذ ترك منصبه قبل ثلاثة أعوام، ندد خلالها بسياسات الحزب الاقتصادية والقيود التي يفرضها على وسائل الإعلام والضرر الذي قال إنه لحق بالفصل بين السلطات وبالمؤسسات.

​​كما ألقى داوود أوغلو، الذي تولى رئاسة الحكومة بين 2014 و2016 قبل أن تدب الخلافات بينه وبين أردوغان، باللوم في أداء الحزب الضعيف في الانتخابات المحلية على تغيير السياسات والتحالف مع القوميين.

ومن المقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية في تركيا عام 2023، ويتوقع أن تشهد منافسة محتدمة بين حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان من جهة، وبين حلفائه السابقين ويضاف لهم أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول الجديد.

لا خيار أمام حزب العمال الكردستاني في هذه المرحلة سوى التفاهم مع الدولة التركية. أرشيفية
يقبع عبد الله أوجلان في سجنه الانفرادي في جزيرة إمرلي

تتوقع أوساط سياسية تركية أن يطلق زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، عبد الله أوجلان، نداء، في منتصف فبراير الجاري، يدعو فيه أعضاء حزبه إلى التخلي عن السلاح.

هذه الخطوة المتوقعة سبقها دعوات سلام أطلقها قادة وسياسيون أتراك للتسوية مع حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى لقاء أجراه نواب عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب "ديم" الكردي مع أوجلان، في سجنه الانفرادي في جزيرة إمرلي.

أجنحة وتيارات قوية

باكير أتاجان مدير مركز إسطنبول للفكر والدراسات الاستراتيجية التركي يقول إنه لا خيار أمام حزب العمال الكردستاني في هذه المرحلة سوى التفاهم مع الدولة التركية والاستجابة لدعوات السلام وإلقاء السلاح.

وأكد أتاجان أن لحزب العمال الكردستاني أجنحة وتيارات قوية تدعمها دول إقليمية ودولية أبرزها إيران.

وأوضح أن الجناح الإيراني ينشط في العراق وسوريا وإيران وتركيا وهو لا يأتمر بأوامر أوجلان، بل بقادته المعروفين بولائهم لإيران وهؤلاء أبرز المعارضين لدعوات السلام التركية.

ويرى أتاجان أن قسما كبيرا من أجنحة الحزب قد تتجاوب مع نداء زعيمهم باستثناء بعض الأجنحة المتواجدة في جبال قنديل شمال العراق وشرق سوريا وإيران ودول أوربية وهؤلاء لا يشكلون سوى 30 فيمن أجنحة الحزب العسكرية بحسب أتاجان.

وأضاف مدير مركز إسطنبول للفكر أن قادة حزب العمال يدركون جيدا أن ليس بإمكانهم الصمود من دون دعم خارجي وهذا الدعم تراجع كثيرا بعد سقوط نظام الأسد، وابتعاد روسيا وإيران والعراق ودول أوروبية وما تبقى هو دعم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني وهذا لن يكون له تأثير.

ومنذ بدء الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بداية ثمانينيات القرن الماضي طُرحت مبادرات سلام عديدة.

 ففي اذار عام 1993 أعلن حزب العمال وقف إطلاق النار من جانب واحد انتهت بعد شهر من وفاة الرئيس التركي تورغت أوزال في أبريل من نفس العام.

 وفي عام 1999 أعلن الحزب مرة أخرى وقف إطلاق النار من طرف واحد واستمر حتى يونيو عام 2004. وفي يوليو عام 2010 جرت مفاوضات سرية بين الجانبين في العاصمة النرويجية أوسلو لم تسفر عن نتائج.

 وخلال عامي 2012 و 2013 جرت محادثات بين المسؤولين الأتراك ورئيس حزب العمال عبد الله أوجلان في السجن من أجل التوصل إلى سلام دعا بعده أوجلان حزبه الى وقف القتال لكنه أنتهى في يوليو عام 2015.

ضمانات دولية

المراقب السياسي المقرب من حزب العمال الكردستاني محمد بنجويني قال لموقع "الحرة "إنه لا يمكن الجزم بأن أوجلان قد يوجه خلال كلمته نداء لحزبه بالتخلي عن السلاح بالشكل الذي تطلبه تركيا.

ونفى بنجويني وجود أجنحة بولاءات مختلفة داخل العمال الكردستاني، وقال إنه لا توجد أجنحة، بل آراء مختلفة بشأن القضايا المصيرية، وهذا أمر طبيعي في حزب كبير لديه شعبية كبيرة وأعضاء ومناصرون كثر في أجزاء كردستان الأربعة: تركيا والعراق وإيران وسوريا وحتى في أوروبا والعالم.

وأضاف بنجويني أنه سبق أن جرت مفاوضات سلام عديدة بين الطرفين منذ عام 2010 بوساطات دولية وبنفس المطالب التركة الداعية إلى نزع سلاح حزب العمال الكردستاني لم يكتب لها النجاح.

وزاد بنجويني أنه لا يعتقد أن قادة الحزب في قنديل وأماكن أخرى سترضى بنزع السلاح، حتى لو وجه زعيم الحزب هذه الدعوة.

وأضاف كيف يقبل قادة الحزب تسليم السلاح بمجرد كلمة او دعوة من زعيمهم داخل السجن، تسليم السلاح مقابل أي شي؟ 

وأوضح أنه يجب أن تقدم تركيا ضمانات لسلامة قادة ومقتلي الحزب إذا ما سلموا السلاح وضمانات لحل القضية الكردية ايضا وأن يتم ذلك باشراف الأمم المتحدة ودول كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "يني شفق" التركية في نيسان العام الماضي فان إيران زودت حزب العمال الكردستاني بما يزيد عن 50 طائرة مسيرة انتحارية، بالإضافة إلى أنظمة دفاع جوي متقدمة مثل صاروخ 358 وصواريخ حرارية لإسقاط الطائرات المسيرة التركية.

عوائق أمام أي مبادرة سلام مع تركيا

عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني محمد زنكنة أكد تعدد الولاءات داخل حزب العمال الكردستاني بعضها لدول إقليمية منها إيران والمتمثلة في جناح " جميل بايك ".

ويقول إن هذا الجناح لن يرضى بإلقاء السلاح ويرفض أي مبادرة للسلام مع تركيا، حتى لو صدرت عن زعيم الحزب عبد الله أوجلان، والطرف الأخر هو جناح قريلان المنفتح على أي مبادة للسلام، أما الجناح السياسي للحزب في تركيا فلا حوله له ولا قوة.

وأوضح زنكنة أن حزب الحياة الحرة الكردستاني "بزاك" أوقف جميع عملياته العسكرية ضد إيران منذ عام 2008 وباتوا مكملين للحرس الثوري الإيراني في مهاجمة مقرات وعناصر "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني". وحزب الجماعة الكردي الإيراني "كوملة".

 وأشار إلى أن اجتماعات عدة جمعت قادة حزب العمال الجناح الإيراني بمسؤولين في الحرس الثوري الإيراني وعلى رأسهم قائد قوات فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني.

وبين عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني أن قادة الجناح الإيراني لحزب العمال الكردستاني متواجدون في جبال قنديل وأطراف محافظات أربيل ودهوك وقضاء سنجار وسهل نينوى ومناطق أخرى في كردستان العراق وكردستان تركيا وسوريا أيضا، ولديهم استثمارات عديدة في أوربا.

من جهته نفى عضو الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي تقديم حزبه أي دعم للعمال الكردستاني، وأكد لموقع "الحرة" أن الحديث عن مثل هذا الدعم مجرد ادعاءات كاذبة ومغرضة الهدف منها النيل من حزبه.

ويرى سورجي أن دعم إيران لجناح معين في حزب العمال الكردستاني " إن كان صحيحا " فهو أمر طبيعي في ظل الصراعات والمصالح الإقليمية في المنطقة ومن منطلق " عدو عدوي هو صديقي " وهذا لا يعني أن حزب العمال عميل لإيران بل أنه بحاجة الى دعم لديمومة نضاله.

ومنذ أبريل عام 2023 علقت الخطوط الجوية التركية رحلاتها إلى مطار السليمانية، وعزت وزارة الخارجية التركية في حينها أسباب تعليق الرحلات الجوية مع مطار السليمانية إلى "تغلغل" حزب العمال الكردستاني في منشآت المطار.

ويشمل الحظر أيضا طائرات الدول الأخرى التي تتخذ من الأجواء التركية مسارا إلى مطار السليمانية، وبحسب مسؤولين في إدارة المطار فإن الحظر يلحق ضرارأ مادية بالمطار تقدر بنحو 35 مليون دولار شهريا.

وأشار سورجي إلى أن العمال الكردستاني مصنف على قائمة الإرهاب لدى العديد من الدول وفي العراق هو حزب محظور، وأن الاتحاد الوطني الكردستاني لا تربطه بالحزب المذكور أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد.

وأضاف عضو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لموقع " الحرة " أن حزبه ليس دولة لديها الإمكانيات التي تسمح له بدعم أحزاب أو منظمات.

لكن الأحزاب الكردية في أجزاء كردستان لديها قضية مشتركة ومصير مشترك وجميعها متعاطفة مع بعضها بشكل او بآخر، وفق سورجي.

المراقب السياسي فائق كولبي قال لموقع "الحرة" إن دعوات السلام التركية يجب أن تتزامن مع ضمانات دولية وإصلاحات دستورية تمنح القوميات غير التركية حقوقها وتعترف بها، حينها يمكن التوصل الى سلام دائم في تركيا.

وأشار إلى أن جميع أجنحة حزب العمال الكردستاني تستجيب لدعوة رئيس الحزب عبد الله أوجلان إذا ما طلب منهم القاء السلاح والدخول في معاهدة سلام مع الحكومة التركية.