عناصر من الدفاع المدني السوري يبحثون عن ناجين وسط حطام قصف الطائرات الروسية والنظام السوري الثلاثاء 27 أغسطس
عناصر من الدفاع المدني السوري يبحثون عن ناجين وسط حطام قصف الطائرات الروسية والنظام السوري الثلاثاء 27 أغسطس

مصطفى هاشم/ واشنطن

"هم يتناولون البوظة والطيران يلقي براميل على المدنيين"، هكذا عبر عبد الرزاق صبيح أحد سكان إدلب، عن استيائه خلال محاولته النجاة من القصف الروسي على المحافظة والذي قتل 920 مدنيا خلال أربعة أشهر. 

وبينما كان الرئيسان الروسي والتركي يتناولان البوظة في موسكو و"يتشاطران قلقا بالغا" بشأن الوضع في منطقة إدلب السورية، بحسب فلاديمير بوتين، كانت الطائرات الروسية والنظام السوري يقصفان كفرنبل ومعرشورين وريف معرة النعمان.

ولا يزال صبيح يكافح للنجاة بحياته والمحافظة على أسرته من القصف، حتى بعد أن هرب من خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي منذ يومين قبل أن يستولي نظام بشار الأسد على المنطقة، قائلا في حديث مع موقع الحرة: "في عندنا ملاجئ طوابق أرضية، وكثيرا ما نختبئ في الأراضي الزراعية".

ومحافظة إدلب ومحيطها مشمولة باتفاق روسي تركي تمّ التوصل إليه في سوتشي في سبتمبر، ونص على إقامة منطقة منزوعة السلاح، من دون أن يُستكمل تنفيذه.

مناطق السيطرة والمناطق المشمولة في الاتفاق الروسي التركي

وتمكن النظام السوري من السيطرة على المنطقة التي كان يقطن فيها صبيح بعد أيام من القصف المتواصل والاشتباكات مع المقاتلين في المدينة.

وقال صبيح: "الوضع صعب جدا عندنا في المنطقة، أصبحت الحياة شبه معدومة والنظام أخذ مناطقنا، ويبدو أن المساومات التركية والروسية لم تنته".

صورة يظهر فيها جزء من الحي الذي كان يسكن فيه عبد الرزاق صبيح قبل أن يضطر إلى المغادرة بعد أن طال القصف بيته

وأوضح "المستشفيات والمدارس والأفران ومحطات المياه تم تدميرها، كنا نسعف المصابين على دراجات نارية لمسافة 40 كيلو مترا".

ونجا صبيح وأسرته من برميل متفجر ألقته طائرات النظام، وسقطت على دراجته النارية، وتهدم جزء من بيته.

دراجة عبد الرزاق صبيح التي طالها القصف في خان شيخون

ومنذ يومين استطاع صبيح الهروب من خان شيخون بدراجته النارية وخلفه زوجته وأولاده الأربعة، على نفس الدراجة.

يقول صبيح: "خرجنا في الليل لأن الطيران والقصف يكون أهدأ، وسلكنا الطرق الترابية الزراعية لمسافة 60 كيلو مترا حتى وصلنا إلى مدينة إدلب".

ويعتبر صبيح واحدا مما يزيد عن 400 ألف نازح خلال أربعة أشهر منذ بدء التصعيد الذي شنته القوات الروسية مع النظام السوري.

مدنيون في إدلب يفرون من المناطق التي استولى عليها النظام في إدلب

وتمكنت قوات النظام، خلال تقدمها في الأسبوع الأخير، من تطويق نقطة مراقبة تركية في بلدة مورك، هي الأكبر من بين 12 نقطة مماثلة تنشرها أنقرة في إدلب ومحيطها بموجب اتفاق مع روسيا.

ويقول صبيح: "بالنسبة لنقاط المراقبة التركية فليس لها أي دور في المنطقة".

ويعتقد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أن روسيا لن تتوقف قبل تنفيذ بنود اتفاق سوتشي بحذافيره والتي تتضمن انسحاب القوات المدعومة من تركيا وسحب الآليات والقضاء على الجهاديين.

وقال عبد الرحمن لـ"موقع الحرة" إن بوتين قال إن تركيا وروسيا اتفقتا على "ضرب بؤر الإرهاب في إدلب، هذا يعني عمليا استمرار العملية العسكرية".

ويعلق رئيس شؤون العاملين في مديرية صحة ادلب مروان حليب، قائلا: "الروس وتركيا يقولون إنهم يضربون الإرهاب، نحن مدنيون وبعيدون كل البعد عن الإرهاب، لكن كل ما لا يتوافق مع مصالحهم يعتبرونه إرهابا، هم الإرهاب بحد ذاته، لأن الإرهاب هو الذي يقتل ويدمر، تعال انظر للتشريد والقتل والتدمير للمشافي والمدارس"، واصفا اللقاء الذي جمع بين بوتين وأردوغان، الثلاثاء، بأنه تضمن "مؤامرات لا مؤتمرات".

صورة أرسلها لنا عبد الرزاق صبيح لسيارة إسعاف طالها القصف الروسي والنظام السوري

وقالت مديرة السياسات في منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان"، سوزانا سيركين، في وقت سابق، إنه منذ أطلق الرئيس بشار الأسد الهجوم ضد إدلب في 30 أبريل الماضي، تلقت المنظمة تقارير عن 46 هجوما ضد منشآت الرعاية الصحية. وأضافت أن المنظمة تحققت من 16 هجوما.

وأعلنت الأمم المتحدة، في الأول من أغسطس الجاري، موافقة أمينها العام أنطونيو غوتيريش على إجراء تحقيق في هجمات النظام السوري، التي تستهدف المنشآت الصحية والمدارس شمال غربي سوريا.

لكن مروان حليب قال لـ"موقع الحرة": "قناعتي وقناعة معظم الأهالي في محافظة إدلب أن العالم كله شريك في الدم السوري وقتله وتدميره، كل هذا القتل والتدمير والمجازر اليومية بحق الأطفال والنساء والتشريد ما حركت شيئا عند العالم المتحضر ولا الأمم المتحدة بما فيهم روسيا وتركيا بالطبع، مع أن كل همنا كان فقط هو المطالبة بحياة مدنية ونوع من الحرية".

وتشهد سوريا نزاعا داميا تسبّب منذ اندلاعه في 2011 بمقتل أكثر من 370 ألف شخص وأحدث دمارا هائلا في البنى التحتية وأدى الى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

أثناء تشييع جنازة الصحفي السوري أنس الدياب الذي قتل في غارة روسية
"المذبحة يجب أن تتوقف" والمجازر مستمرة.. روسيا تلعب على الصمت الدولي
"المذبحة يجب أن تتوقف"، هكذا قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك الخميس الماضي معلقا على عمليات قصف الطيران الروسي والسوري على إدلب، لكن المذبحة لم تتوقف، آخرها الاثنين، حيث قتل أكثر من 40 مدنيا في قصف استهدف سوقا لبيع الخضار في معرة النعمان.

تحديات عدة تواجه الرئيس التركي بولايته الجديدة
تحديات عدة تواجه الرئيس التركي بولايته الجديدة

لم يكن الهجوم الأخير الذي استهدف مجمع الصناعات الدفاعية والجوية بأنقرة (توساش)، وتبناه حزب "العمال الكردستاني"، الاختبار الوحيد الذي واجه مبادرة القوميين "الاستثنائية" حال إطلاقها من قبل زعيمهم دولت باهتشلي، بل تبعته سلسلة اختبارات، رسمت في غالبيتها مشهدا مركبا ومعقدا، وفق مراقبين.

وفي مقابل تلك الاختبارات، كان لافتا أن المواقف والإجراءات التي تبعت مبادرة باهتشلي القومي فرضت جوا انتخابيا مبكرا، فيما سلطت الضوء على احتمال ترشح الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان لولاية ثالثة في 2028 ومدى قدرته على تحقيق ذلك، استنادا للدستور الجديد الذي يدعو له مرارا.

وتستهدف مبادرة حليف إردوغان القومي بالتحديد مؤسس "العمال الكردستاني" المسجون عبد الله أوجلان، وتقوم على معادلة من شقين: "تعال وألق خطابا في البرلمان أعلن فيه حل الحزب وإلقاء سلاح حزبك" على أن يتم بعد ذلك منحك "حق الأمل".

وفي البداية حظيت المبادرة بنبرة إيجابية من غالبية الأحزاب في البلاد، وكانت أولى خطوات بناء الثقة الخاصة بها السماح لعائلة أوجلان بزيارته للمرة الأولى منذ 4 سنوات في السجن الذي يقبع به بجزيرة إمرالي ببحر مرمرة.

لكن سرعان ما تبدّلت هذه الحالة بعد هجوم "توساش"، وما تبعه من ضربات نفذها الجيش التركي ضد مواقع "العمال الكردستاني" في سوريا والعراق وإجراءات اتخذتها وزارة الداخلية التركية بحق رؤساء بلديات محسوبة على الأحزاب الكردية، وفي مقدمتها "المساواة والديمقراطية" (ديم).

وأسفرت إجراءات الداخلية التركية، خلال الأيام الماضية، عن عزل 4 رؤساء بلديات، واعتقال أحدهم، وهو رئيس بلدية إسنيورت في إسطنبول، أحمد أوز، مما أثار موجة غضب واسعة عبّر عنها مسؤولو أحزاب كردية وآخرين في أكبر أحزاب المعارضة (حزب الشعب الجمهوري).

السلطات ربطت قرارات العزل والاعتقال بتهم "الإرهاب"، ومن المتوقع أن تواصل إجراءاتها في المرحلة المقبلة على أن تستهدف رؤساء 37 بلدية آخرين يديرها الأكراد، وفقا للصحفي المقرب من الحكومة، راغب صويلو.

ويعد حزب "ديم" حاليا ثالث أكبر حزب سياسي في تركيا، ويشغل 57 مقعدا في البرلمان، وكان مرشحوه قد فازوا بمنصب رؤساء البلديات في 10 مدن و58 منطقة إقليمية وسبع مقاطعات.

إعادة انتخاب إردوغان

تشير المعطيات القائمة في الداخل التركي حتى الآن إلى أن الزعيم القومي باهتشلي لا يزال متمسكا بـ"المبادرة" التي طرحها على أوجلان المسجون، وبينما أكد على ذلك لمرتين، فقد فتح في المناسبة الثانية، قبل أسبوع، قضية ترشح الرئيس التركي لولاية ثالثة.

وكان حليف إردوغان القومي قال في البرلمان، في الخامس من نوفمبر الحالي، إن إعادة انتخاب إردوغان "الخيار الطبيعي والصحيح"، وأضاف أن حزبه مستعد لدعم التحركات الرامية إلى "إجراء التعديلات الدستورية اللازمة".

ووفقا للدستور التركي، لم يعد مسموحا لإردوغان الترشح في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2028. ومع ذلك، يسمح القانون بإجراء استثناء، ويمكن للرئيس، في ولايته الثانية، الترشح في حال دعا البرلمان إلى انتخابات مبكرة.

وفي المقابل، وفي حال أراد التحالف الحاكم إجراء تعديلات دستورية سيكون من الصعب عليه فعل ذلك، بسبب افتقاره إلى أغلبية الثلاثة أخماس في البرلمان اللازمة لإجراء انتخابات جديدة أو حتى تعديل الدستور.

وبالعودة إلى الوراء كان إردوغان أعلن في مارس الماضي أن انتخابات البلديات التي جرت حينها "ستكون الأخيرة" بالنسبة له.

لكنه عاد، وفي أعقاب كلمات حليفه، ليشير قبل يومين إلى أنه منفتح على الترشح لولاية أخرى إذا أراد الشعب ذلك، قائلا: "ما دام الله يمنحنا الحياة وتوافق أمتنا، سنستمر في خدمة تركيا والأمة التركية".

ويوضح الباحث في الشأن التركي، محمود علوش أن أحد دوافع إردوغان للانفتاح على الحالة الكردية يتعلق بمشروع تعديل الدستور.

وكان هذا الدافع بات واضحا بشكل أكبر بعد فشل الرهانات على عملية التطبيع بين حزب "العدالة والتنمية" من جهة و"الشعب الجمهوري" من جهة أخرى.

وبعد انتهاء الانتخابات البلديات، التي حقق فيها "الشعب الجمهوري" فوزا ساحقا، التقى إردوغان مع زعيم الأخير مرتين، وكان صلب النقاشات يدور حول المساعي المتعلقة بوضع دستور جديد للبلاد.

وتلا تلك اللقاءات اتجاه "العدالة والتنمية" الحاكم لإجراء حوارات مع بقية أحزاب المعارضة، بينها الكردية، وفي مقدمتها "ديم".

ولم يفض ما سبق عن أي نتائج حتى الآن على صعيد تعديل الدستور، ووضع آخر جديد.

ورغم أن الباحث علوش وضع المسار المذكور كدافع أساسي في مبادرة الحل المتعلقة بالقضية الكردية يشير في حديثه لموقع "الحرة" إلى دوافع أخرى.

شكلية أم واقعية؟

يعتقد الباحث أن الدوافع الأخرى التي تكمن وراء "مبادرة الحل" تذهب باتجاه أن تركيا تسعى إلى تطوير استراتيجيتها ضد "العمال الكردستاني" بالاعتماد على مسارين، الأول أمني (داخلي وخارجي) والثاني سياسي.

وتستهدف أنقرة من خلال المسار السياسي خلق حالة يمكن أن تعيد بموجبها "إنتاج عملية سلام جديدة"، وهو ما يمكن التماسه من الموقف الذي يتخذه باهتشلي، بحسب علوش.

ولن يؤثر المسار الأول على الثاني وبالعكس، إذ ستبقى تركيا تتعامل بشكل مزدوج مع النهج الأمني والسياسي في التعاطي مع التهديدات المتعلقة بـ"العمال"، المصنف على قوائم الإرهاب لديها.

كما توجد دوافع إضافية وراء "مبادرة الحل" وترتبط بالتحولات التي حصلت بعد حرب السابع من أكتوبر. ويتابع علوش: "كل ما سبق شكّل تحولا في الحالة السياسية التركية تجاه المسألة الكردية".

لكن في المقابل يعتبر الباحث السياسي التركي، هشام جوناي أن المبادرة التي طرحها زعيم "الحركة القومية" في البلاد كانت "عقيمة" وتم اختصارها بأوجلان وكأنه يمثل كل الأكراد.

ويعتبرها أيضا في حديثه لموقع "الحرة" "شكلية" وأنها "لا تبحث عن حلول بقدر ما تؤسس لشيء ظاهري بأن الحل في أيدينا ونحن من نقول لكم تعالوا واجلسوا عل الطاولة ولبوا الشروط التي نضعها".

ومن المفترض أن يسبق "مبادرة الحل" تحضيرات على مستوى الرأي العام والإعلام، إن كانت جدية، وفق جوناي.

ويضيف، بعدما أشار إلى الثقة المعدومة بسبب ما شهدته السنوات الماضية من مواجهات دامية أنه "كان يفترض أن يتم أخذ العبر من مسار الحل السابق، وأن يكون هناك تعامل مع الجانب السياسي للأكراد الموجودين في البرلمان".

"عقبات ومصالح"

"المبادرة" التي اقترحها الزعيم القومي حليف إردوغان كان سبقها خلال الأسابيع الماضية سلسلة من الخطوات التمهيدية، وحصل الأولى منها في بداية شهر أكتوبر عندما توجه نحو أعضاء الحزب الديمقراطي الكردي (ديم) داخل البرلمان، وأجرى معهم محادثة قصيرة.

بعد ذلك بدأ باهتشلي، بالتدريج، إطلاق تصريحات تتعلق بالقضية الكردية وعملية السلام في البلاد.

وفي مناسبتين منفصلتين قال إن تحركه "كان متعمدا" في إشارة للمصافحة، وإنه يهدف إلى البحث عن السلام في تركيا.

ولم يكن الرئيس التركي بمعزل عما يجري، وبعدما أيد خطوة المصافحة في بداية أكتوبر قائلا إن تركيا يجب أن تكون قادرة على حل "المشكلات"، دون أن يلجأ شعبها إلى الإرهاب علّق على المبادرة التي اقترحها حليفه القومي داعيا إلى "عدم التضحية بنافذة الفرصة التاريخية التي فتحها تحالف الشعب".

ويعتقد الباحث علوش أنه توجد "عقبات تعترض إنجاح عملية التحول فيما يتعلق بالمسألة الكردية".

ويقف وراء العقبات اعتبارات على رأسها أن المبادرة مصممة بشكل أساسي لإحداث شرخ كبير داخل "العمال الكردستاني" بين قيادتين الأولى في قنديل والثانية أوجلان.

ويضاف إلى ما سبق أن "الانفتاح يشكل تحديا كبيرا للعمال، فيما يتعلق باتخاذ خياراته وتحديدها تجاه مبادرة باهتشلي".

وبتقدير الباحث فإن "تأثير أوجلان على العمال الكردستاني تراجع، مقارنة بما كان عليه خلال السنوات الماضية"، ولذا فإن "القيادة الراديكالية في قنديل ستكون أكثر تأثيرا في تحديد خيارات العمل تجاه مبادرة باهتشلي"، بحسب قوله.

ومن جهته يرى الباحث جوناي أن اختيار باهتشلي لأوجلان بشكل مباشر يعتبر "إشكاليا"، لأن "المجتمع التركي لن يقبل بفكرة أن يكون لأوجلان دورا بهذا الحجم وأن يخاطب الناس في البرلمان".

وعلى أساس ذلك يعتقد الباحث أن "المبادرة لم يكن لها أي ضابط.. وتجلى ذلك بالأعمال التي تبعت تصريحات باهتشلي، سواء من جانب العمال الكردستاني الإرهابي والهجوم الذي نفذه على (توساش) أو ما رأيناه على صعيد عزل رؤساء البلديات".

ويشير الواقع في البلاد الآن إلى أنه "لا يوجد استعداد لتحقيق المبادرة"، ويتابع الباحث التركي أن ما حصل خلال الفترة الأخيرة كان "لإظهار حزب الحركة القومية كطرف لا يعيق الانفتاح مع الأكراد"، كما لا يستبعد جوناي أن "يكون وراء الأمر مصالح سياسية للحزب الحاكم".