مصطفى هاشم/ واشنطن
"هم يتناولون البوظة والطيران يلقي براميل على المدنيين"، هكذا عبر عبد الرزاق صبيح أحد سكان إدلب، عن استيائه خلال محاولته النجاة من القصف الروسي على المحافظة والذي قتل 920 مدنيا خلال أربعة أشهر.
وبينما كان الرئيسان الروسي والتركي يتناولان البوظة في موسكو و"يتشاطران قلقا بالغا" بشأن الوضع في منطقة إدلب السورية، بحسب فلاديمير بوتين، كانت الطائرات الروسية والنظام السوري يقصفان كفرنبل ومعرشورين وريف معرة النعمان.
ولا يزال صبيح يكافح للنجاة بحياته والمحافظة على أسرته من القصف، حتى بعد أن هرب من خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي منذ يومين قبل أن يستولي نظام بشار الأسد على المنطقة، قائلا في حديث مع موقع الحرة: "في عندنا ملاجئ طوابق أرضية، وكثيرا ما نختبئ في الأراضي الزراعية".
ومحافظة إدلب ومحيطها مشمولة باتفاق روسي تركي تمّ التوصل إليه في سوتشي في سبتمبر، ونص على إقامة منطقة منزوعة السلاح، من دون أن يُستكمل تنفيذه.
وتمكن النظام السوري من السيطرة على المنطقة التي كان يقطن فيها صبيح بعد أيام من القصف المتواصل والاشتباكات مع المقاتلين في المدينة.
وقال صبيح: "الوضع صعب جدا عندنا في المنطقة، أصبحت الحياة شبه معدومة والنظام أخذ مناطقنا، ويبدو أن المساومات التركية والروسية لم تنته".
وأوضح "المستشفيات والمدارس والأفران ومحطات المياه تم تدميرها، كنا نسعف المصابين على دراجات نارية لمسافة 40 كيلو مترا".
ونجا صبيح وأسرته من برميل متفجر ألقته طائرات النظام، وسقطت على دراجته النارية، وتهدم جزء من بيته.
ومنذ يومين استطاع صبيح الهروب من خان شيخون بدراجته النارية وخلفه زوجته وأولاده الأربعة، على نفس الدراجة.
يقول صبيح: "خرجنا في الليل لأن الطيران والقصف يكون أهدأ، وسلكنا الطرق الترابية الزراعية لمسافة 60 كيلو مترا حتى وصلنا إلى مدينة إدلب".
ويعتبر صبيح واحدا مما يزيد عن 400 ألف نازح خلال أربعة أشهر منذ بدء التصعيد الذي شنته القوات الروسية مع النظام السوري.
وتمكنت قوات النظام، خلال تقدمها في الأسبوع الأخير، من تطويق نقطة مراقبة تركية في بلدة مورك، هي الأكبر من بين 12 نقطة مماثلة تنشرها أنقرة في إدلب ومحيطها بموجب اتفاق مع روسيا.
ويقول صبيح: "بالنسبة لنقاط المراقبة التركية فليس لها أي دور في المنطقة".
ويعتقد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أن روسيا لن تتوقف قبل تنفيذ بنود اتفاق سوتشي بحذافيره والتي تتضمن انسحاب القوات المدعومة من تركيا وسحب الآليات والقضاء على الجهاديين.
وقال عبد الرحمن لـ"موقع الحرة" إن بوتين قال إن تركيا وروسيا اتفقتا على "ضرب بؤر الإرهاب في إدلب، هذا يعني عمليا استمرار العملية العسكرية".
ويعلق رئيس شؤون العاملين في مديرية صحة ادلب مروان حليب، قائلا: "الروس وتركيا يقولون إنهم يضربون الإرهاب، نحن مدنيون وبعيدون كل البعد عن الإرهاب، لكن كل ما لا يتوافق مع مصالحهم يعتبرونه إرهابا، هم الإرهاب بحد ذاته، لأن الإرهاب هو الذي يقتل ويدمر، تعال انظر للتشريد والقتل والتدمير للمشافي والمدارس"، واصفا اللقاء الذي جمع بين بوتين وأردوغان، الثلاثاء، بأنه تضمن "مؤامرات لا مؤتمرات".
وقالت مديرة السياسات في منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان"، سوزانا سيركين، في وقت سابق، إنه منذ أطلق الرئيس بشار الأسد الهجوم ضد إدلب في 30 أبريل الماضي، تلقت المنظمة تقارير عن 46 هجوما ضد منشآت الرعاية الصحية. وأضافت أن المنظمة تحققت من 16 هجوما.
وأعلنت الأمم المتحدة، في الأول من أغسطس الجاري، موافقة أمينها العام أنطونيو غوتيريش على إجراء تحقيق في هجمات النظام السوري، التي تستهدف المنشآت الصحية والمدارس شمال غربي سوريا.
لكن مروان حليب قال لـ"موقع الحرة": "قناعتي وقناعة معظم الأهالي في محافظة إدلب أن العالم كله شريك في الدم السوري وقتله وتدميره، كل هذا القتل والتدمير والمجازر اليومية بحق الأطفال والنساء والتشريد ما حركت شيئا عند العالم المتحضر ولا الأمم المتحدة بما فيهم روسيا وتركيا بالطبع، مع أن كل همنا كان فقط هو المطالبة بحياة مدنية ونوع من الحرية".
وتشهد سوريا نزاعا داميا تسبّب منذ اندلاعه في 2011 بمقتل أكثر من 370 ألف شخص وأحدث دمارا هائلا في البنى التحتية وأدى الى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.