على اليمين رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو / وعلى اليسار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
على اليمين رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو / وعلى اليسار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

قرار مفاجئ، اتخذه حزب العدالة والتنمية ضد رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، بإحالته إلى لجنة تأديبية تمهيدا لطرده من صفوف الحزب الحاكم.

ويعتبر داود أوغلو من أبرز شخصيات الحزب الحاكم، وقد تقلد مناصب حزبية وحكومية عديدة، بينها وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء.

وعندما غادر رئاسة الوزراء في 2016 بعد نحو عامين من توليه هذا المنصب، تعهد داود أوغلو بعدم انتقاد أردوغان علنا.

لكنه أجرى مؤخرا مقابلة صحافية مطولة أظهر فيها أنه لن يلتزم الصمت بعد اليوم بشأن ما يعتبره أوجه قصور في حزب العدالة والتنمية.

وكانت بداية خروج داود أوغلو عن صمته في أبريل 2019، حين نشر رسالته الطويلة الشهيرة التي انتقد فيها أردوغان وحزب العدالة والتنمية.

لكن يظل توقيت اتخاذ القرار من جانب العدالة والتنمية في حق داود أوغلو محل سؤال، رغم مرور شهور على انتقاده الحزب الحاكم بقيادة أردوغان.

أستاذ القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي التركية، سمير صالحة، يرى أن قرار فصل داود أغلو يتعلق بأمرين، الأول: هو تصريحه عن فتح "دفاتر الإرهاب" منذ أيام، والثاني: يتعلق بالتوقيت الذي اتخذه أردوغان لفصله.

وكان داود أوغلو قد صرح منذ أيام في رسالة موجهة إلى الرئيس التركي "إن الكثير من دفاتر الإرهاب إذا فتحت لن يستطيع أصحابها النظر في وجوه الناس".

وعن ماهية "دفاتر الإرهاب"، يقول صالحة، في اتصال مع الحرة، إنها تخص قضايا أمن داخلية وخارجية، خاصة التنظيمات الإرهابية والقضية السورية، إذ كانت الأخيرة من أبرز الأسباب التي دفعت داود أوغلو لمغادرة حزب العدالة والتنمية في عام 2016. 

أما السبب الثاني لاتخاذ هذا القرار من قبل العدالة والتنمية، فيقول صالحة إن "الرئيس أردوغان اختار توقيتا مناسبا بعد عقده مهرجانا شعبيا في مدنية قونية، مسقط رأس داود أوغلو، حيث احتشد جمع غفير من أجل أردوغان، وقد شجعه هذا في الإسراع من طرح قرار فصل داود أوغلو."

وكان أردوغان قد قال قبل يومين في قونية، إنه سيطهر المنشقين داخل الحزب، في إشارة إلى داوود أوغلو، بحسب مراقبين.

وتوقع صالحة أن يسلك أدروغان نفس النهج فيما يخص منافسيه السياسيين المحتملين، مثل الرئيس السابق عبد الله غول ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، بالأخص وأنهما يخططان لإنشاء حزب جديد سيعلن عنه قريبا.

وويقول صالحة​: "بعد أيام أردوغان سيذهب إلى مدينة قيصرية التركية، وهي مدينة عبد الله غول، وهناك سيتم تنظيم مهرجان شعبي، وعلى أساس نتائج هذا المهرجان، قد يصعّد أردوغان سياسيا ضد جناح غول وباباجان".

أما المحلل السياسي التركي جواد غوك، فيقول إنه "لا توجد تفاصيل دقيقة بخصوص دفاتر الإرهاب هذه حتى الآن، لكنها على الأغلب هي متعلقة بملف التفجيرات في تركيا، خاصة تلك التي سبقت الانتخابات العامة في 2015."

وقد سبق الانتخابات التي أقيمت في نوفمبر 2015، أعنف هجوم إرهابي في تاريخ تركيا الحديث والذي وقع في 10 أكتوبر، بعدما أسفر انفجار سيارتين مفخختين خارج محطة قطار بالعاصمة أنقرة عن 109 قتيلا و500 مصاب.

ويرى مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول جواد غوك أن كلام داود أوغلو يشير إلى "وجود مؤامرة حكومية وراء هذه التفجيرات، كان الهدف منها دفع الناس إلى التصويت لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات بنسب عالية، خوفا من المستقبل"

وأضاف غوك "يعرف كل من داود أوغلو وعلي باباجان وعبد الله غول، كواليس هذه الدفاتر، وإن أداروها بشكل جيد يستطيعون الوصول للحكم من خلال حزبهم الجديد".

وكان نائب رئيس الوزراء التركي السابق ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان قد أعلن استقالته من المجموعة المؤسسة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في يوليو المنصرم، جراء "اختلافات عميقة" مع اتجاه الحزب.

ويخطط باباجان الذي شغل منصب وزير الاقتصاد سابقا برفقة الرئيس التركي السابق عبد الله غول إلى إطلاق حزب جديد هذا العام ينافس حزب العدالة والتنمية الحاكم، مع وجود تسريبات بانضمام داود أوغلو إليه.

"مناورة سياسية"

​​

 

الأكاديمي التركي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول أحمد أويصال، قال في اتصال مع الحرة، إن داود أوغلو هاجم أردوغان وحزب العدالة والتنمية كما لو أنه أصبح رئيسا للمعارضة. 

وأضاف أويصال أن بعض المشاكل التي طرحها داود أوغلو كانت حاضرة أثناء فترته كرئيس للوزراء ووزيرا للخارجية، ما يضع مصداقيته السياسية محل سؤال.

وقال أويصال: "لقد بدا داود أوغلو متحمسا لإنشاء حزب سياسي جديد عن طريق انتزاع قواعد حزب العدالة والتنمية إلى صفه، لكن لم يمكنه الحزب من ذلك وفصله من صفوفه. يبدو أنه فضل أن يفصل من الحزب بدلا من أن يستقيل، حتى يلعب دور الضحية أمام قواعد حزب العدالة والتنمية."

وأشار أويصال إلى أن داود أوغلو بتصريحه عن "دفاتر الإرهاب"، يريد أن يجذب القواعد الشعبية الكردية المحافظة من حزب العدالة والتنمية، "لكن هذا غير صحيح لأن الأكراد المحافظين بشكل عام ضد حزب العمال الكردستاني، ومؤيدون لمحاربة الإرهاب".

ويرى أستاذ العلاقات الدولية أن داود أوغلو ليس لديه رؤية واضحة حول نهج معارضته بل يشكك خطابه هذا في مصداقيته سياسيا.

وأضاف "على الأغلب ستزعج لهجته قواعده المحتملة داخل العدالة والتنمية، وتتسبب في شعور بعدم الراحة تجاهه".

واختتم أويصال حواره مع الحرة قائلا: "من المحتمل أنه سيؤسس حزبا سياسيا، ولكن لن يكون له تأثير كبير على الساحة السياسية في تركيا، لأنه يفتقر إلى شخصيات قوية بجانبه".

 السلطات التركية ألقت القبض على زعيم حزب "النصر"، أوميت أوزداغ - فرانس برس
السلطات التركية ألقت القبض على زعيم حزب "النصر"، أوميت أوزداغ - فرانس برس

الاعتقالات والقضايا المرفوعة ضد سياسيين وقادة أحزاب في تركيا لا تعتبر حالة جديدة على البلاد ولطالما خيّمت على مشهدها سابقا.. لكن ما حصل قبل ثلاثة أيام ينظر إليه مراقبون بعين "الاستثناء"، استنادا لعدة اعتبارات.

ما حصل هو أن السلطات التركية ألقت القبض على زعيم حزب "النصر"، أوميت أوزداغ، لسبب رئيسي تعلق أولا بتوجيه "إهانة" للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان.

وبعد مثوله أمام القضاء ونقله من أنقرة وإسطنبول تبين أنه يواجه قضية تقوم على "الحض على الكراهية والعداء"، مما استدعى إلى احتجازه وإبقائه في سجن سيلفري.

أوزداغ هو سياسي قومي متطرف وكان صعد فجأة وبالتدريج منذ أربع سنوات.

وبنى صعوده على نحو خاص ومحدد بالخطاب الذي التزم به واستهدف من خلاله اللاجئين السوريين.

على مدى السنوات الماضية كان أوزداغ يطلق حملات تحريضية ضد الوجود السوري في تركيا، ولأكثر من مرة رفعت الدعاوى والقضايا ضده.

ورغم الدعاوى التي رفعتها منظمات حقوقية سورية وتركية ضده بقي طليقا، دون أن يتعرض لمساءلة معلنة وواضحة أو توضع أمامه أي حدود.

ومع اقتياده الآن إلى سجن سيلفري تثار التساؤلات بشأن الأسباب التي استدعت السلطات لاعتقاله في التوقيت الحالي.

وتبرز تساؤلات أخرى حول ما إذا كان أمر اعتقاله متعلقا بالتحريض الذي كان يبثه ضد اللاجئين أم بقضايا أبعد، وتباينت تعليقات المراقبين والخبراء، الذين تحدث معهم موقع "الحرة" حول ذلك.

"مسببات"

في تفاصيل اعتقاله كانت النيابة العامة في إسطنبول طلبت القبض على أوزداغ، بتهمة "تحريض الجمهور على الكراهية والعداء". واستشهدت بـ 11 منشورا نشرها منذ عام 2020 كدليل.

وجاء في طلب الاعتقال أن المؤسسات الرسمية رفضت منشورات أوزداغ حول اللاجئين.

كما اعتبرته النيابة مشتبها بتورطه في أحداث قيصري، يوليو 2024، والتي تمثلت بعمليات اعتداء وتخريب طالت ممتلكات لسوريين، وأسفرت أيضا عن إصابة رجال شرطة وأطفال.

ويوضح الحقوقي السوري، طه الغازي، أن "التوقيف المعلن لأوزداغ مبني على فرضية الدعاوى التي رفعت ضده، بسبب تحريضه على خطاب الكراهية والتمييز العنصري".

ويشير في حديثه لموقع "الحرة" إلى أن القضية الأولى التي واجهها زعيم حزب النصر في اللحظات الأولى لاعتقاله والمرتبطة بـ"إهانة" إردوغان كانت قد أسقطت.

الغازي هو أحد الحقوقيين المدافعين عن قضايا اللاجئين السوريين في تركيا، منذ سنوات. وكان مشاركا وفاعلا مع منظمات تركية وسورية أخرى في الدعاوى التي رفعت ضد أوزداغ، بسبب حملات التحريض التي قادها.

ومع ذلك، يعتقد أن هناك "مسببات" أخرى وراء اعتقال زعيم حزب النصر وتتعلق بمواقفه المعارضة لعملية السلام الكردية.

"الدولة التركية والأحزاب باتت تبحث عن مرحلة سلام بين كل مكونات وأطياف المجتمع التركي"، بحسب الحقوقي، ويلفت إلى أن هذه العملية تحظى بدعم من زعيم حزب "الحركة القومية"، دولت باهتشلي.

ويمثل أوزداغ "التيار المعارض لبيئة السلام المجتمعي والأهلي في تركيا".

وعلى أساس ما سبق يعتقد الغازي أن "الجانب الأكثر تأثيرا في اعتقاله هو موقفه السلبي من عملية السلام المجتمعي في البلاد".

"أرضية"

ومنذ شهرين تسلك الحكومة التركية بدعم من التحالف الحاكم مسارا يستهدف حل القضية الكردية في البلاد بشكل سلمي.

وكان أول من كشف عن هذا المسار باهتشلي حليف إردوغان القومي، وسرعان ما دعمه الرئيس التركي في ذلك.

ولا يعرف حتى الآن النتائج التي قد يصل إليها مسار السلام القائم، والذي يقوم في الأساس على الموقف الذي قد يتخذه مؤسس حزب "العمال الكردستاني"، عبد الله أوجلان، المسجون في جزيرة ببحر مرمرة.

ويوضح المحلل السياسي التركي، جواد غوك، أن "المفاوضات القائمة بين تركيا والأكراد متواصلة بقوة".

وفي حين يربط غوك أسباب اعتقال أوزداغ بقضايا التحريض المرفوعة ضده لا يستبعد أن يكون الأمر مرتبطا بعملية السلام القائمة.

وزاد المحلل في حديثه لـ"الحرة": "الأكراد منزعجون من سياسة أوزداغ. وقد يكون اعتقاله إشارة من الحكومة بأننا مستمرون في المفاوضات مع أوجلان وحزب الديمقراطية والمساواة الكردي".

على مدى السنوات الماضية كان أوزداغ قد بنى كامل أجندته الانتخابية على ملف اللاجئين السوريين في البلاد.

وبعد سقوط نظام الأسد يعتقد مراقبون أن ملف اللاجئين لم تعد له أهمية تذكر على صعيد كسب الشعبية واللعب على الأوتار السياسية داخل البلاد.

وتبني تركيا علاقاتها الجديدة الآن مع سوريا بشكل وثيق، بحسب تصريحات مسؤوليها.

ورغم أن اعتقال أوزداغ قد يكون بمثابة رسالة للاجئين الذين عانوا من خطابه التحريضي سابقا يؤكد المحلل غوك أنه "لابد من الإشارة إلى عوامل مجتمعة".

ويشرح فكرته بالقول: "ظروف اعتقاله متاحة الآن. الأوضاع في سوريا بدأت تتحسن واللاجئون يعودون. وفي المقابل هناك أجواء إيجابية للمفاوضات مع الأكراد".

ويتابع: "كل هذا ساعد بتهيئة الأرضية لاعتقاله".

ما الأصداء؟

تشير تعليقات ساسة أحزاب المعارضة في تركيا إلى أن اقتياد أوزداغ إلى السجن مرتبط بالمحادثات الخاصة بعملية حل القضية الكردية، والتي قال زعيم حزب "النصر" إنه "سيقوضها".

وترتسم ذات الفكرة لدى الطرف المقابل، الخاص بالكتاب والصحفيين الأتراك.

ومن بين الكتاب روشين تشاكير، وقال الأربعاء على منصة "ميديا سكوب": "بدأ باهتشلي عملية السلام، واجتمع وفد سجن إمرالي (الوفد الكردي الذي زار أوجلان في سجنه) مع جميع الأحزاب في البرلمان باستثناء حزب الخيّر".

وأضاف تشاكير: "لم يتبق في الخلف سوى حزب الخيّر وحزب النصر!"، في إشارة منه لمعارضة هذين الحزبين لعملية السلام القائمة.

لكن الباحث السياسي، هشام جوناي، يرى المشهد مختلفا عما سبق، أي أن اعتقال أوزداغ يرتبط بمعارضته عملية السلام.

ويقول جوناي لموقع "الحرة" إن "قضية اعتقال زعيم حزب النصر مرتبطة بالرئيس إردوغان والاتهامات التي وجهها أوزداغ له في تجمع بأنطاليا".

وذهبت تلك الاتهامات بأكثر من جانب، كما أخذت منحى الشتائم والحديث عن "الخيانة".

أما فيما يتعلق بدعاوى التحريض ضد السوريين فيعتقد الباحث السياسي أن "القضاء لو أراد التحرك ضد أوزداغ لفعل ذلك منذ سنوات وليس الآن".

ويوضح الباحث السياسي، فراس رضوان أوغلو، أن اعتقال زعيم حزب "النصر" يتعلق بقوانين تركيا الداخلية.

ويردف في حديثه لموقع "الحرة" أنه "يواجه قضايا اتهام الرئيس إردوغان بالخيانة وإثارة النعرات ضد اللاجئين".

وفق القانون التركي يجب أن يكون الاتهام المتعلق بـ"الخيانة" مبنيا على قرائن.

وبعد ذلك تحال القضية إلى البرلمان، وستحتاج لأصوات 70 في المئة من البرلمانيين من أجل البت فيها، بحسب رضوان أوغلو.

ويتابع: "من المهم إنفاذ القانون على أوزداغ حتى يصبح عبرة لغيره ولكي تتثبت سلطة القانون".

ولم يصدر حتى الآن أي بيان رفيع المستوى من الحكومة بشأن اعتقال أوزداغ.

لكن في المقابل علّق عدد من سياسيي المعارضة على القضية، على رأسهم رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، أوزغور أوزيل.

وقال أوزيل، الأربعاء: "لقد قُتِلَت العدالة مرة أخرى بواسطة مقصلة متنقلة.. إن إبقاء خصمك في السجن هو مهمة الجبناء. إن اعتقال خصمك هو مهمة العاجزين".

وأضاف عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو: "الكل يعلم أن ما حصل هو تدخل سياسي في القضاء".

وكان هناك ردود فعل أخرى أيدت قرار الاعتقال، واعتبرت أنه طال انتظاره.

كما برزت تعليقات لباحثين أتراك كبار، ومنهم خبيرة العلاقات الدولية، أوزنور سيريني، التي اعتبرت أن ما يحصل لا يمكن فصله عن السياق العام والداخلي الذي تمر به تركيا.

وقد يكون اعتقال أوزداغ مرتبطا بمعارضته لعملية السلام الكردية، لكن هذا العامل يظّل غير مباشر، بحسب الباحث رضوان أوغلو.

ويقول: "الموضوع أكبر من أوزداغ. هناك توافق شعبي في تركيا أنه وفي حال حلت قضية العمال الكردستاني بالطريقة السلمية سيكون الأمر ممتازا".

ومن ناحية أخرى لا يستبعد رضوان أوغلو أن يكون اقتياد زعيم حزب النصر إلى السجن مرتبطا بـ"درس كي لا يكبر أوزداغ وخطابه ويتبع آخرون مساره".