الصراع في ليبيا يلهبه التدخل الأجنبي المتمثل بدور تركيا في دعم حكومة الوفاق الوطني بطرابلس ضد قوات خليفة حفتر الذي يسعى للسيطرة على البلاد. وبالنسبة لمصر فإن أي تدخل أجنبي في هذا البلد، هو خط أحمر يشكل مساسا وتهديدا للأمن القومي كما يرى الرئيس عبد الفتاح السيسي، خاصة إذا كان مصدره العدوة اللدودة أنقرة.
فهل ستشهد ليبيا تدخلا عسكريا مصريا مضادا لتركيا؟
القاهرة تلوح بخيار التدخل العسكري الصعب، فهو يأتي في وقت حساس ومعقد بالنسبة للسيسي الذي انشغل مؤخرا بأزمة سد النهضة مع إثيوبيا، وما تشكله من تهديد لمياه النيل التي تعد المصدر الأساس لمصر.
"مصر لن تصمت"
يقول الكاتب والمحلل السياسي المصري طارق طوقان لـ"موقع الحرة" إن "الاتفاقية البحرية بين السراج وإردوغان، غير شرعية، إردوغان يعرض نفسه للانتحار في البحر المتوسط، فيما يواجه السراج تهمة الخيانة العظمى. مصر لن تصمت والشعب الليبي وشعوب المنطقة لن تصمت على التدخل التركي في ليبيا".
وقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الخامس من ديسمبر بدء نشر جنود أتراك في ليبيا، استنادا إلى الضوء الأخضر الذي منحه البرلمان التركي قبل ذلك أيام.
ويضيف طوقان أن مصر "إذا شعرت بتهديد حقيقي لأمنها المصري جراء الوجود التركي لن تترد في حمايته، لكن لا أرى ذلك في الأفق، بحكم سيطرة حفتر على أجزاء واسعة من ليبيا خاصة المناطق المحاذية لمصر".
وأوضح أن "إرسال قوات مصرية إلى ليبيا سابق لأونه، ويعتمد على تقييم القيادة السياسية".
"فرق بين التنظير والرد"
وافتتح الرئيس المصري الأربعاء قاعدة "برنيس" العسكرية البحرية الأكبر في الشرق الأوسط، بالتزامن مع اختتام المناورات العسكرية المصرية "قادر 2020" التي انطلقت منذ أيام على مستوى جميع أسلحة الجيش المصري.
ويرى خبراء أن التحركات المصرية تلك، تحمل في طياتها رسالة إلى أنقرة بأن القاهرة جاهزة لأي تجاوز للخط الأحمر الذي رسمه السيسي. وتلك المناورات تشير إلى أن مصر لا تعول على الضغط الدولي الذي لا تأبه به أنقرة والذي يحذر من تبعات التدخل الأجنبي في ليبيا.
ويقول الخبير العسكري الأردني فايز الدويري في حديث مع "موقع الحرة إن ما تقوم به مصر الآن هو مناورات ورسائل مفادها "أنا هنا، لكن هناك فرق بين التنظير والرد".
وأضاف أن "مصر لا تملك القوة كي تتدخل، إن كانت قادرة، فلتحل مشكلة سد النهضة أولا الذي يهدد مصر بأكملها، وليس فقط حدودها الغربية".
وتوترت العلاقات بين إثيوبيا ومصر منذ انطلاق بناء "سد النهضة العظيم" عام 2011. وبدأت إثيوبيا ومصر والسودان، حيث يلتقي النيل الأزرق مع النيل الأبيض قبل أن يكمل طريقه شمالا إلى مصر، مناقشات في نوفمبر بوساطة الولايات المتحدة، من المفترض أن تثمر عن اتفاق الأسبوع المقبل.
مصر تعول على حفتر
ويعتقد طوقان في حديثه لـ"موقع الحرة" أن القاهرة تعول على حفتر وقواته في حسم المعركة، والسيطرة على كامل البلاد، حيث يلقى رجل الشرق الليبي القوي دعما غير معلن من الإمارات والأردن ومصر.
ويقول "إن الدعم المصري سيتواصل بسخاء لقوات حفتر "إنه يحقق تقدما على الأرض. حيث سيطر مؤخرا على سرت، والسيطرة على طرابلس مسألة وقت فقط".
واعتبر المحلل المصري أن الوجود التركي في ليبيا "محكوم بالفشل بالنظر إلى الرفض الواسع له إقليميا ودوليا، ناهيك عن المشاكل الداخلية التي يعاني منها إرودغان في تركيا وسوريا".
وبشأن تشكيل موقف عربي قوي وموحد لمواجهة التدخل التركي في ليبيا وتجنيب مصر الدخول وحيدة في مواجهة مباشرة مع تركيا، يقول الدويري " لا اعتقد أن هناك فرصة تدخل مصري، ولا حتى عربي في ليبيا. فمعاهدة الدفاع العربي غير مفعلة وتشكيل مجلس للدول المشاطئة للبحر الأحمر مؤخرا ليس سوى زوبعة في فنجان".
وكان رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح قد طلب الأربعاء من البرلمان العربي سحب الاعتراف من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، معتبرا أنه انتهك الاتفاق السياسي المبرم في الصخيرات بالمغرب والذي يدعم جهود الشعب الليبي في مكافحة الإرهاب.
جاء ذلك في كلمة ألقاها أمام جلسة البرلمان العربي التي انطلقت الأربعاء في القاهرة بحضور وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود.
ولا يعترف المشير خليفة حفتر والحكومة المنبثقة من البرلمان المنتخب في 2014 ويتخذ من شرق البلاد مقرا بشرعية حكومة فايز السراج التي تشكلت بموجب اتفاق الصخيرات (المغرب) بإشراف الامم المتحدة في ديسمبر 2015.
"حرب صفرية"
وكان موقع بلومبيرغ قد تحدث عن إمكانية وصول ثلاث غواصات وثلاث فرقاطات ومقاتلات تركية متطورة مثل إف 16 الى ليبيا، فضلا عن كتيبة قوات خاصة وأنظمة تشويش، أدوات قد تغير المعادلة لصالح السراج.
لكن مراقبين يعتبرون أن المعضلة التي تواجه إردوغان، هي الطريق الذي ستسلكه آلياته العسكرية نحو ليبيا، خاصة مع الرفض التونسي والجزائري للتعاون مع أنقرة في تدخلها المرفوض دوليا.
ويقلل الدويري من أهمية تلك المعضلة، مبينا أن لتركيا بدائل من بينها الجو والمياه الإقليمية "فهل بمقدور مصر تدميرها؟ لا اعتقد. أي مواجهة ستقود إلى حرب صفرية الكل فيها سيخسر".
وفشل طرفا النزاع في ليبيا (حفتر والسراج) في التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، لفتح المجال أمام الجهود الدبلوماسية لإنهاء النزاع الذي بدأ بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011، حيث رفض المشير خليفة حفتر، التوقيع على بنود الاتفاق.
وكان من المفترض أن توقع على اتفاق وقف إطلاق النار موسكو وأنقرة لضمان تنفيذه، إلا أن هذا الفشل يعيد الصراع إلى مربع التوتر الخطير بين أنقرة والقاهرة، ما قد يزيد فرص مواجهة بين العدوين اللدودين إدوغان والسيسي على أرض ليبيا.