تحويل آيا صوفيا إلى مسجد أثار العديد من الانتقادات حول العالم.
تحويل آيا صوفيا إلى مسجد أثار العديد من الانتقادات حول العالم.

في تبادل للانتقادات ما بين البلدين، استنكرت وزارة الخارجية التركية، السبت، التصريحات التي أدلى بها مسؤولون في اليونان، كما استهجنت حرق العلم التركي على أراضي جارتها، بعد إقامة الصلاة الإسلامية للمرة الأولى، منذ تسعة عقود، في آيا صوفيا بإسطنبول.

وقال المتحدث باسم الخارجية، هامي أكسوي، في بيان إن "اليونان أظهرت مرة أخرى عداوتها للإسلام ولتركيا، بحجة الرد على فتح مسجد آيا صوفيا للصلوات".

وقالت الوزارة إن فتح آيا صوفيا للصلاة كمسجد يتماشى مع إرادة الشعب التركي، وهو أمر يعود لتركيا كجميع الأصول الثقافية في البلاد.

وكانت أثينا قد انتقدت، الجمعة، قرار تركيا تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، واصفة الأمر بأنه علامة "ضعف"، في وقتٍ قرعت كنائس اليونان أجراسها احتجاجا على هذه الخطوة المثيرة للجدل.

وقال رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في بيان إن "ما يحدث (في إسطنبول) في هذا اليوم ليس استعراض قوة، بل دليل ضعف".

وأضاف إن هذه الخطوة لن "تخفف من إشعاع معلم تراثي عالمي".

وتابع ميتسوتاكيس "بالنسبة إلينا نحن المسيحيين الأرثوذكس خصوصا، إن آيا صوفيا اليوم هي في قلوبنا أكثر من أيّ وقت مضى. إنها حيث تخفق قلوبنا".

وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قد شارك، ظهر الجمعة، آلاف المسلمين في أول صلاة تُقام في آيا صوفيا، عقب تحويلها المثير للجدل إلى مسجد.

وهذه أول صلاة جماعة تُقام منذ 86 عاماً في الصرح المعماري المشيد، في القرن السادس الميلادي. وهي كانت كنيسة، ثم مسجدا عثمانيا فمتحفا.

وفي 10 يوليو، ألغى مجلس الدولة التركي، المحكمة الإدارية العليا في البلاد، قرارا يعود إلى عام 1934 بتحويل آيا صوفيا إلى متحف.

وفي منتصف النهار، دقت كنائس اليونان أجراسها ونكست أعلامها احتجاجا على ما وصفه رئيس الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية ورئيس أساقفة أثينا البطريرك إيرونيموس "عملا غير مقدس لتدنيس" الكاتدرائية السابقة.

وقال النائب عن حزب الديمقراطية، كونستانتينوس بوغدانوس، لوكالة فرانس برس "إنه ليس يوم حداد، إنه يوم لكشف عدائية تركيا المتنامية".

كما نظمت جماعات دينية وقومية احتجاجات في أثينا وسالونيكي.

في وقت لاحق، الجمعة، أقام رئيس الأساقفة قداسا خاصا في كاتدرائية بأثينا أنشد خلاله ترانيم تكريما لمريم العذراء.

ووفقا للكنيسة اليونانية، كان القداس نفسه أُقيم في آيا صوفيا، عشية سقوط عاصمة الإمبراطورية البيزنطية أمام العثمانيين.

وقال إيرونيموس إن آيا صوفيا "رمز لإيماننا ونصب ثقافي عالمي".

وتأتي الانتقادات المتبادلة في وقت تختلف فيه تركيا واليونان بشأن مجموعة من القضايا، التي تشمل المجال الجوي والمناطق البحرية.

وتبادلت الدولتان، هذا الأسبوع، انتقادات لاذعة أخرى بشأن نشاطات تركية، في شرقي البحر الأبيض المتوسط، المنطقة التي يعتقد بأنها غنية بالموارد الطبيعية.

وتتباين مواقف البلدين أيضا بخصوص جزيرة قبرص، المقسمة على أساس عرقي. كما عبرت اليونان عن غضبها بسبب اتفاق بين ليبيا وتركيا على رسم الحدود البحرية، إذ ترى أنه يقتطع جزيرة كريت اليونانية الجنوبية.

وتبادل البلدان تصريحات حادة، هذا العام، عندما حاول آلاف اللاجئين والمهاجرين الذين تستضيفهم تركيا اقتحام حدود برية مع اليونان.

طول خط الأنابيب العراقي التركي يصل إلى 900 كيلومتر ـ صورة أرشيفية.
طول خط الأنابيب العراقي التركي يصل إلى 900 كيلومتر ـ صورة أرشيفية.

بطول 900 كيلومتر، يمتد خط أنابيب العراق - تركيا النفطي، من كركوك شمالي البلاد مرورا ببلدة فيش خابور الحدودية التابعة لإقليم كردستان، إلى ميناء جيهان التركي (جنوب) على البحر المتوسط.

وبعد توقف دام لأكثر من سبعة أشهر، يستأنف تشغيل خط أنابيب النفط العراقي خلال هذا الأسبوع، بحسب ما أعلنت تركيا الإثنين.

وكشف وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، أن تشغيل خط الأنابيب العراقي، "سيكون قادرا على نقل حوالي نصف مليون برميل نحو الأسواق العالمية".

خط النفط العراقي التركي

ويمتلك العراق وهو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة "أوبك" بعد السعودية، خامس أكبر احتياطيات نفط مؤكدة في العالم، تبلغ 145 مليار برميل، وتمثل 17 في المئة من الاحتياطيات الموجودة في الشرق الأوسط، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية "EIA".

وتم تطوير خط أنابيب العراق-تركيا ليساعد البلاد على تصدير أكثر من مليون برميل من النفط الخام يوميا إلى منطقة المتوسط عبر ميناء جيهان التركي.

ووقع الجانبان اتفاقية تشغيل الخط في عام 1973، وأدخلا عليها تحديثات في أعوام 1976 و1985 وصولا إلى 2010، العام الذي تم فيه تمديد العمل بالاتفاقية.

وتنص الاتفاقية الموقعة أن الحكومة التركية "يجب أن تمتثل لتعليمات الجانب العراقي فيما يتعلق بحركة النفط الخام القادم من العراق في كافة مراكز التخزين والتصريف والمحطة النهائية".

سنوات من الخلافات

وبدأت التوترات بين أنقرة وبغداد حول الموضوع، نتيجة خلافات بين كردستان والحكومة الاتحادية حول تدبير ملف الثروات الطبيعية، خاصة بعد عام 2007، عندما أصدر الإقليم قانون النفط والغاز، والذي تلاه تأسيس عدة شركات لاستكشاف وإنتاج وتكرير وتسويق النفط.

وخلال السنوات التالية، أبرم إقليم كردستان العراق مجموعة من العقود مع شركات أجنبية للتنقيب واستخراج النفط، من دون موافقة الحكومة الاتحادية، وهو ما تعتبره بغداد حقا لها بموجب الدستور.

ومنذ أوائل عام 2014، سمحت أنقرة لحكومة إقليم كردستان العراق بتصدير النفط بشكلٍ مستقل عن وزارة النفط الفدرالية، من خلال ربط خطوط الأنابيب الكردية بالخط القادم من كركوك في بلدة فيش خابور.

ومكنت الخطوة حكومة كردستان العراق من بيع نفطه مباشرة إلى السوق والاحتفاظ بالإيرادات، في خطوة اعتبرتها بغداد غير قانونية، في حين الأكراد يعتبرونها تعويضا عن الرواتب المستقطَعة. بحسب ورقة تحليلية للزميل في معهد واشنطن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مايكس نيتس.

ورغم الخلاف على هذا النفط، إلا أن جاذبيته كانت كبيرة للمستوردين في المنطقة خاصة، وأن أربيل كانت تبيعه بخصم يتراوح بين 15-18 دولار بحسب بيانات 2022، وفقا للتحليل.

وأشار المصدر ذاته إلى أنه رغم خسائر الإقليم في العائدات بسبب نسب الخصم إلا أنها "لم تذعن لبغداد"، وهو ما أثل كاهل الموارد المالية لكردستان بديون بمليارات الدولارات.

كما اتفق سابقا على أن يسلم إقليم كردستان 250 ألف برميل من النفط في اليوم ليتم تصديرها من بغداد، مقابل حصة من الموازنة العامة تدفع كرواتب للموظفين الحكوميين ونفقات أخرى.

لكن أربيل لم تسلم النفط قط، والمدفوعات من بغداد لم تكن منتظمة، بحسب تحليل أيضا. 

وفي مايو 2014، دفع هذا الخلاف "شركة تسويق النفط" العراقية إلى رفع دعوى تحكيم لدى "غرفة التجارة الدولية"، نيابة عن وزارة النفط. 

واعتبرت بغداد أن تركيا خرقت اتفاقية خط الأنابيب الموقعة، باستيرادها النفط من كردستان العراق من دون إذن الدولة العراقية. 

وفي مارس الماضي، قضت غرفة التجارة الدولية بأن على تركيا أن تدفع لبغداد تعويضا قدره 1.5 مليار دولار، مستندة على شرط في اتفاقية عام 1973 يقضي بأن تركيا لن تشتري النفط إلا عن طريق شركة تسويق النفط العراقية الحكومية، بحسب "فورين بوليسي".

تبعات القرار

ومنذ ذلك الحين، أوقفت تركيا عبور حوالي 350 ألف برميل يوميا من النفط الخام من إقليم كردستان وحقول كركوك عبر خط الأنابيب الذي يصل إلى الأسواق العالمية عبر ميناء جيهان التركي، بعد أن أمر حكم في قضية تحكيم صادر عن غرفة التجارة الدولية أنقرة بدفع تعويضات لبغداد عن الصادرات غير المصرح بها من قبل حكومة إقليم كردستان العراق بين عامي 2014 و2018.

وبدأت تركيا بعد ذلك أعمال الصيانة في خط الأنابيب الذي يصل طوله إلى أكثر من 900 كيلومتر ويمر عبر منطقة نشطة زلزاليا، بعد أن قالت إنه تضرر من الزلزال الذي ضرب البلاد في شهر فبراير.

وقبل توقف عملياته، كان خط الأنابيب ينقل حوالي 80 ألف برميل يومياً من صادرات النفط الخام من محافظة كركوك وحوالي 390 ألف برميل يوميا من الصادرات من كردستان العراق، التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، وفقا لموقع "إنتلجنس إنيرجي".

وكلف إيقاف تركيا لعملية النقل كلا من بغداد وأربيل نحو 5 مليارات دولار من إجمالي إيراداتهما عبر هذا الخط، إلى حدود أواخر أغسطس الماضي، فيما تراوحت خسائر أنقرة بين 2 و3 ملايين دولار يوميا من رسوم عبور النفط على أراضيها، وفقا لأرقام معهد الشرق الأوسط.

ورغم أنها لا تشكل سوى 0.5 في المئة من الإمدادات العالمية، تسبب توقف صادرات الخام عبر أنبوب كركوك ـ جيهان، في زيادة أسعار النفط ليعود إلى مستويات 80 دولارا للبرميل، في شهر مارس.

وفي ختام ذلك، وقعت الحكومة الاتحادية العراقية وإقليم كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي اتفاقهما النفطي المؤقت في أبريل، تقضي بأن تتولى بغداد عملية الإشراف الكامل على تصدير النفط من حقول الإقليم.

وفي شهر مايو الماضي، طلبت وزارة النفط العراقية من شركات النفط والغاز العاملة في إقليم كردستان توقيع عقود جديدة مع شركة التسويق المملوكة للدولة (سومو) بدلا من حكومة الإقليم.