حملات تحريض جديدة يواجهها اللاجئون السوريون المقيمين في تركيا، وبينما تطالب بضرورة إعادتهم إلى بلادهم يذهب قسم آخر منها إلى خطاب من نوع مختلف، ويحاول القائمون عليه تقديم معلومات مضللة تتعلق بعددهم وطبيعة حياتهم اليومية و"الامتيازات" التي يتلقونها بين الفترة والأخرى، بحسب تعبيرهم.
وعلى الرغم من كون الحملات ليست بجديدة على المشهد الداخلي للبلاد، بل تعود إلى سنوات مضت، إلا أنها وبحسب محللين سياسيين وحقوقيين تحدث إليهم موقع "الحرة" تشي بتطورات جديدة مفادها أن "الاستثمار بورقة اللاجئين السوريين" لم يعد انتخابيا، بل تحول إلى أجندة سياسية لدى العديد من الأطراف، وبالأخص أحزاب المعارضة التركية.
وقبل أيام وفي أثناء كلمة له أمام أعضاء حزبه قال زعيم "حزب الشعب الجمهوري"، كمال كلشدار أوغلو، إن هدف حزبه بعد الوصول إلى السلطة "سيكون إرسال السوريين إلى بلادهم، حاملين الأبواق والطبول".
وأضاف في كلمة أخرى له في أثناء زيارته إلى مدينة غازي عنتاب التركية: "السوريون استقروا هنا ويقومون بممارسة أعمالهم التجارية، وهو ما سبب مشكلة خطيرة للصناعيين، ولسكان غازي عنتاب".
وتضم غازي عنتاب قسما كبيرا من اللاجئين السوريين. وكانوا قد اتجهوا في السنوات الماضية إلى تأسيس استثمارات وشركات، بالإضافة إلى مشاريع زراعية وصناعية، وهو الأمر الذي ينظر إليه المواطنون الأتراك من زاويتين، الأولى إيجابية والأخرى سلبية.
ولم يكن كلشدار أوغلو الوحيد، فإلى جانبه تصاعدت الحملات المحرضة ضد السوريين من قبل شخصيات معارضة، في مقدمتها عضو حزب "الجيد"، إيلاي أكسوي والسياسي المعارضة أوميت أوزداغ.
وفي الوقت الذي وصفت فيه الأولى السوريين بـ"الأمييّن"، وطالبت بضرورة إعادتهم إلى بلادهم، قدم أوزداغ أرقاما مضللة عن عدد السوريين في البلاد في حديث له لوسائل إعلام تركية، قائلا إنه يتجاوز حاجز 9 ملايين سوري.
"لا حلول"
ويتجاوز عدد السوريين المقيمين في تركيا، سواء "لاجئين" أو "سياح" أكثر من أربعة ملايين شخص، ويتركز العدد الأكبر منهم في ولاية إسطنبول، لتتبعها ولاية شانلي أورفة الحدودية، وولايتي غازي عنتاب وهاتاي.
وتُعتبر الحملات التحريضية ضدهم، والتي تعود لسنوات، وما يرافقها من حوادث عنصرية، مؤشرا "غير صحي وخطيراً"، وهو الأمر الذي يؤثر على حالتهم العامة في البحث عن الاستقرار وعلى طبيعة اندماجهم في المجتمع حيث يعيشون.
وهناك من يرى من المراقبين أن تلك الحملات والحوادث ترتبط بجزء منها بتوسع أعمال السوريين داخل البلاد، وجزء آخر بما تعيشه الأخيرة من أزمة اقتصادية، تجلت مؤخرا بانخفاض قيمة الليرة التركية في سوق العملات، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة.
في حين يفسر البعض تلك الممارسات بأنها تندرج ضمن خانة "المناكفات السياسية" التي تدخل بها أحزاب المعارضة مع الحكومة التركية و"حزب العدالة والتنمية" الحاكم.
وأمام ما سبق من دوافع وأسباب تغيب الحلول الجذرية وطويلة الأمد لذلك، سواء من جانب الحكومة التركية، أو من قبل المؤسسات الناطقة باسم السوريين، من منظمات مجتمع مدني وأخرى سياسية تتبع بشكل مباشر لأطراف المعارضة السورية.
ويرى المحلل السياسي التركي، جواد غوك أن "اللاجئين السوريين" تحولوا في الوقت الحالي إلى "أهم المشاريع" التي تستخدمها أحزاب المعارضة التركية لتحقيق مآربها الانتخابية والسياسية في الداخل.
ويقول غوك في تصريحات لموقع "الحرة": "الانتخابات قريبة، والمعارضة تريد أن تعرض مشاريعها للشعب التركي. بينها المشروع المتعلق بوضع اللاجئين السوريين".
وتريد أحزاب المعارضة القول إن أحد أسباب المشاكل الاقتصادية في البلاد هو التواجد السوري الكبير، بحسب غوك الذي يشير "تلك هي كلمة المعارضة الواضحة على العيان".
"أجندة سياسية"
في غضون ذلك ومع استمرار الحملات التحريضية ضد اللاجئين السوريين، التي يكون مسرحها بالغالب مواقع التواصل الاجتماعي يحذر حقوقيون من أن ينعكس ذلك على عامل الاستقرار لديهم، خاصة أن ما سبق لم يعد مرتبطا بحملات انتخابية برلمانية أو رئاسية فقط، بل أصبح عاملا راسخا لا يعرف له أي توقيت.
واللافت أن الحملات الحالية التي بدأتها عدة شخصيات سياسية معارضة تأتي قبل عامين من تنظيم الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في عام 2023، وبالتالي لا ترتبط بسياقات سياسية داخلية، كما كان الحال سابقا، في عام 2019.
ويقول رئيس تجمع المحامين السوريين في تركيا، غزوان قرنفل: "أعتقد أننا تعودنا في السابق على تلك الحملات ضد السوريين، والتي تزامن إطلاقها قبل تنظيم أي انتخابات داخلية".
ويضيف قرنفل في تصريحات لموقع "الحرة": "المسألة تبدلت في الوقت الحالي، وباتت مترسخة داخليا. لم تعد مرتبطة بموعد الانتخابات".
ويرى المحامي السوري أن الاستثمار في قضية اللاجئين السوريين بتركيا أصبح "جزءا من أجندة سياسية لأحزاب المعارضة، وتهدف من خلالها استثمار الوضع الاقتصادي المتردي نسبيا في البلاد من أجل مواجهة السلطة".
ويتابع: "هو نوع من تكريس مبكر لمواقف تستنهض فيها الأحزاب المجتمع التركي ضد منظومة السلطة".
من جانبه يشير المحلل السياسي التركي، جواد غوك إلى أن هدف أحزاب المعارضة لا يقتصر على شريحة معينة دون غيرها داخل المجتمع التركي، بل تحاول من خلال خطاباتها "كسب القوميين وشرائح المجتمع كافة، باللعب على وتر قضية اللاجئين السوريين".
"دوافع تصاعد الكراهية"
وفي تقرير حديث له كان "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" قد وثق الدوافع التي أدت إلى تصاعد خطاب الكراهية من قبل الأتراك تجاه اللاجئين السوريين.
وعزا التقرير عدم استمرار الترحيب الشعبي والحكومي التركي باللاجئين السوريين كما كان في بداية موجات النزوح إلى الوضع الاقتصادي والاختلافات الثقافية الاجتماعية والمنافسة على سوق العمل، وخصوصا لذوي المستوى المعيشي المنخفض، وهي نتيجة طبيعية قد تحصل في أي مكان تجاه اللاجئين في العالم.
ولكن رد الفعل أصبح غير مبرر في السنوات الأخيرة، بحسب التقرير، في ظل التحديات التي يواجهها السوريون، كالإقامة القانونية وتقييد حرية التنقل والحركة بين الولايات دون إذن السفر المطلوب، وعدم الحصول على التأمين الصحي أو إذن العمل لعدم توفر بطاقة الحماية التركية المؤقتة.
ووصلت نسبة الرفض التركي للاجئين السوريين إلى 67 بالمئة عام 2019، بعدما كانت نحو 57 بالمئة عام 2016، بحسب استطلاع أخير أجراه مركز الدراسات التركي في جامعة "قادر هاس".
وشكلت حالة الرفض الشعبي التركي طابعا اجتماعيا متوترا تجاه السوريين، وارتفع في ظل موجة كبيرة من الاعتداءات العنصرية ضد اللاجئين، غذتها مواقف بعض السياسيين وشخصيات تركية عامة تبنت خطابا معاديا.
وتضمن الطابع العام جرائم خطاب الكراهية والتمييز والتحريض، في ظل غياب أي دور للحكومة في التخفيف من الخطاب المعادي للاجئين أو الحد منه.
"مقاربات مختلفة"
وبات ملاحظا لدى معظم اللاجئين السوريين أن رفض تواجدهم في البلاد لا يقتصر على شرائح مجتمعية معارضة فقط، بل ينسحب أيضا إلى الشرائح المحسوبة على المؤيدين للحكومة التركية.
رهف طالبة سورية تقيم في مدينة إسطنبول التركية تقول في تصريحات لموقع "الحرة" إنها تعرضت لأكثر من خمس حوادث عنصرية في مكان إقامتهم بحي أيوب، منذ مطلع العام الحالي.
وتضيف رهف أن الحوادث كان منقسمة ما بين أفراد محسوبين على التيار العلماني، وآخرين من التيار الإسلامي الموالي للحزب الحاكم في البلاد.
في إحدى الحوادث، تتابع الطالبة السورية: "تعرضت لموقف عنصري من قبل سيدتين رفضتا جلوسي مع عائلتي على إحدى المقاعد في حديقة بمدينة إسطنبول. قالوا على الرغم من كوننا مسلمون ونتشاطر ذلك لكن يجب عليكم العودة إلى بلادكم".
ومما سبق يشير الحقوقي السوري، غزوان قرنفل إلى أن مسألة التحريض ضد اللاجئين السوريين تتطلب حاليا "مقاربات مختلفة".
ويقول في حديثه لموقع "الحرة": "المسألة أخذت بعدا مختلفا عن موضوع الاستثمار الانتخابي، وصارت جزءا من أجندة سياسية يومية للأحزاب، وهذا يقتضي إلى مقاربة مختلفة سواء من قبل السلطة أو اللاجئين".
وبات "لزاما" على السوريين في البلاد أن يواجهوا خطاب الكراهية "قضائيا"، كون "الحملات الاسترضائية والتوضيحية لم تحرز أي نتائج في الداخل، طوال السنوات الماضية، خاصة في ظل غياب المنبر الإعلامي التركي لعرض صوت السوريين".
ويوضح قرنفل: "كسوريين يجب العمل على سياقين، الأول المواجهة القضائية لكل شخص يبث خطاب كراهية، وبنفس الوقت مخاطبة المجتمع عبر المؤسسات الإعلامية التركية، لأن المجتمع التركي منغلق ولا يرى القنوات العربية والدولية".