سوريون في مركز إيواء
سوريون في مركز إيواء - لقطة أرشيفية

مضى نحو شهر على "الهجمات العنصرية" التي استهدفت لاجئين سوريين في العاصمة التركية أنقرة. وخلال تلك الفترة تبددت حالة التوتر بشكل عام بعدما اتخذت السلطات قرارات كان بينها اعتقال عشرات من "المحرضين والمستفزين"، و"تنظيم أعمال ومعاملات السوريين الموجودين تحت الحماية المؤقتة وتصريح الإقامة".

صباح الخميس أصدرت الإدارة العامة للهجرة في البلاد سلسلة قرارات جديدة، قالت إنها استندت إلى "نتيجة التقييمات التي تم إجراؤها بمشاركة ولاية أنقرة ووحدات الجندرما والأمن، كجهات مسؤولة ومخولة من قبل وزارة الداخلية".

ونصت القرارات على إيقاف منح "بطاقات الحماية المؤقتة" في ولاية أنقرة، اعتبارا من تاريخ الثاني من سبتمبر الحالي، على أن يتبع ذلك إرسال اللاجئين السوريين الموجودين في العاصمة، والمسجلين في ولايات أخرى، إلى المدن المقيدين فيها.

كما تضمنت بندا يتيح "القبض على المهاجرين غير النظاميين، الذين ليس لديهم أي وضع حماية أو تصريح إقامة من قبل سلطات إنفاذ القانون، ووضعهم رهن الاحتجاز الإداري لترحيلهم".

وقضت بأنه "سيتم تحديد المباني المهجورة في أنقرة، التي تعد مصدرا لحوادث الهجرة والمخدرات والمشاكل التي تهدد الأمن العام، كما سيتم تحديد هوية الأجانب المقيمين فيها وستتم من بعدها إجراءات الهدم والإخلاء لهذه المباني وإرسال الأجانب المتواجدين فيها إلى المحافظات التي تم تسجيلهم فيها".

وتشمل أيضا "الاستمرار بالقبض على المهاجرين الذين ليس لديهم أي وضع حماية أو لا يملكون تصريح إقامة من قبل وحدات تطبيق القانون، على أن يتم وضعهم رهن الاحتجاز الإداري في مراكز إعادة الترحيل من أجل تطبيق إجراءات عودتهم".

"جدل حول التفعيل"

القرارات المذكورة سابقا صدرت بشكل مفاجئ، ووصفت بأنها "صارمة" وقد تعود بالضرر على شريحة معتبرة من اللاجئين السوريين المقيمين في أنقرة، كون قسم منهم لا يحمل بطاقة الحماية المؤقتة الصادرة عن ولاية أنقرة، بل من قبل ولايات تركية أخرى.

في المقابل اعتبر محامون سوريون أن القرارات الصادرة، ورغم كونها "جديدة"، إلا أنها مأخوذة من القانون الأساسي، وهو "قانون الحماية المؤقتة التركي"، بمعنى أنها قانونية بامتياز، لكنها لم تطبق في السابق لأسباب غير معروفة.

ويعد هذا التحرك الأبرز من نوعه من قبل الحكومة التركية، بعد الهجمات العنصرية الأخيرة التي استهدفت آلاف السوريين المقيمين في منطقة "ألتن داغ" بالعاصمة التركية أنقرة، في 11 من شهر أغسطس الماضي.

واستهدفت الهجمات، حينها، محال السوريين التجارية ومنازلهم في المنطقة المذكورة وسياراتهم، وأسفرت عن إصابة طفل سوري، مما دفع قوات الشرطة ومكافحة الشغب للتدخل.

مهدي داود، المنسق العام لـ"طاولة الحلول" في تركيا يرى أن القرارات الحديثة "فيها قسم من الأحبّية وقسم آخر من الظلم والإجحاف بحق المواطنين السوريين، الذين أسسوا لحياتهم في أنقرة منذ سنوات".

ويقول داوود في حديث لموقع "الحرة": "كان من المفترض أن يتم العمل على تسوية قانونية لوضع اللاجئين السوريين في أنقرة منذ زمن بعيد. القرارات كأنها معاقبة جماعية، ولكن على الجانب الآخر فيها أحقية أيضا".

ويضيف أن اللهجة التي تضمنتها القرارات "يمكن قراءتها كنوع من إرضاء أحزاب المعارضة"، مشيرا إلى أن "القرارات كانت موجودة في السابق ومتوقفة على عملية التفعيل. طريقة التفعيل الآن تضغط على المهاجر واللاجئ".

أرقام وإحصائيات

ولا يعرف على وجه التحديد ما إذا كانت القرارات الأخيرة تأتي لتهدئة سكان العاصمة أنقرة فقط عقب الأحداث الأخيرة ومنع تجددها، أو أنها قد تنسحب إلى باقي الولايات التركية في المرحلة المقبلة، خاصة مع تصاعد حدة الانتقاد للحكومة التركية بشأن ملف اللاجئين، سواء السوريين أو الأفغان.

ومنذ مطلع العام الحالي يتصدر ملف اللاجئين السوريين في تركيا حديث أحزاب المعارضة، التي اتجهت للضغط من خلاله على الحكومة، مطالبة بإرجاعهم إلى البلاد، وتقييد أعمالهم التجارية التي نمت على نحو ملحوظ، بحسب ما تظهره البيانات الرسمية.

وفي يونيو الماضي حذر زعيم "حزب الشعب الجمهوري"، كمال كلشدار أوغلو الحكومة التركية من أن اللاجئين "يشكلون تهديدا للأمن القومي".

وتعهد كلشدار أوغلو بأن حزبه سيعيد كل سوري إلى بلده، إذا تولى السلطة في الانتخابات المقبلة في البلاد، نافيا أن تكون تلك الخطوة "عنصرية".

وردا على ذلك قال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان: "لقد لجأوا إلينا. إنهم يتوسلون من أجل الأمان. لا يمكننا أن نطلب منهم العودة إلى حيث كانوا".

وبحسب معطيات "إدارة الهجرة العامة" في البلاد هناك 3 ملايين و701 ألف و584 سوريا تم تسجيلهم تحت وضع "الحماية المؤقتة" في تركيا.

وبصرف النظر عن المذكورين هناك أيضا سوريون يعيشون في تركيا ولديهم تصريح إقامة، ويبلغ عددهم 97 ألفا و658، وفق أحدث البيانات التي أصدرتها المديرية العامة لإدارة الهجرة في وزارة الداخلية، في 19 من أغسطس 2021.

وبالإضافة إلى القسمين المذكورين هناك سوريون غير مسجلين "ينتهكون قواعد الدخول أو الخروج أو الإقامة القانونية في تركيا وهم مهاجرون غير شرعيين".

والمهاجرون غير الشرعيين هم الأشخاص الذين حرموا من الوضع القانوني في بلد إقامتهم بسبب الدخول غير القانوني، أو انتهاك شروط الدخول، أو انتهاء التأشيرة، أو العمل غير المصرح به، أو الخروج غير القانوني.

وبذلك يُعتقد أن السوريين من المهاجرين غير الشرعيين يعملون بأهداف مختلفة، بما في ذلك الهجرة غير الشرعية إلى دولة أخرى، وأعدادهم ليست عالية مقارنة بالأرقام المسجلة.

"صادمة لكنها متوقعة"

وتعتبر إسطنبول المدينة التي تضم أكبر عدد من اللاجئين السوريين في البلاد، بمعدل 530 ألفا و234 سوريا في "وضع الحماية المؤقتة".

ويتبعها من حيث العدد مدينة غازي عنتاب، ومن ثم هاتي وولاية شانلي أورفة وأضنة.

ويعيش في غازي عنتاب 455 ألفا و702 سوريا، و436 ألفا و472 في هاتاي، و424 ألفا و401 في شانلي أورفا، و253 ألفا و969 سوريا في أضنة.

الباحث بالشأن التركي، طه عودة أوغلو يقول إنه "يمكن وصف القرارات الجديدة الصارمة الصادرة من وزارة الداخلية التركية بحق السوريين في العاصمة أنقرة بالصادمة لكنها كانت متوقعة".

ويضيف عودة أوغلو في حديث لموقع "الحرة": "توقعها كونها جاءت بعد أسابيع قليلة من أعمال عنف شهدتها المدينة بين أتراك ولاجئين سوريين، أدت إلى تدمير وإحراق منازل ومحلات لأشخاص سوريين بعد مقتل شاب تركي على يد سوري".

كما رافقت تلك الأعمال العنصرية "تعمّد أحزاب المعارضة ممثلة بحزب الشعب الجمهوري بتحريك الرأي العام ضد السوريين في تركيا ووصفهم بأنهم سبب الأزمة الاقتصادية في البلاد، بحسب الباحث التركي.

ويتوقع عودة أوغلو "أن تشمل القرارات الحديثة باقي المدن التركية ذات التأثير القوي للمعارضة"، لافتا إلى أن "الحكومة التي ضغطت على زر الاستعدادات للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في عام 2023 تحاول سد الطريق أمام المعارضة التي تريد استخدام ورقة السوريين، كما فعلت ونجحت في الانتخابات المحلية في مارس 2019".

وجهة نظر قانونية 

وفي تعليقه على القرارات الحديثة بخصوص السوريين في أنقرة يرى المحامي عمار عز الدين مدير مكتب "رابطة المحامين السوريين الأحرار" في هاتاي أنه يجب التفريق بين "الحماية الدولية للاجئين والحماية المؤقتة".

ويقول عز الدين في حديث لموقع "الحرة": "الفارق الجوهري يكمن في أن الأساس القانوني للحماية الدولية هو حق اللجوء، أحد حقوق الإنسان الأساسية".

أما "الحماية المؤقتة" فأساسها القانوني، بحسب المحامي السوري، "لا يتعدى كونه قرارا أو قانونا مؤقتا سنّ ليحكم حالة طارئة أو استثنائية تتعلق بفئات محددة من الأجانب".

ويوضح عز الدين أن القرارات الحديثة تعتبر "تطبيقا لقانون الحماية المؤقتة التركي"، خاصة ما أوردته اللائحة التنفيذية للمادة 91 من قانون الأجانب والحماية الدولية رقم 6883 لعام 2014.

وأوجبت اللائحة التنفيذية المذكورة على اللاجئين السوريين الالتزام بالقوانين السارية في تركيا "من أجل عدم تعرضهم للعقوبات القضائية والإدارية، بما في ذلك ضرورة التزامهم في ما يتعلق بأماكن إقامتهم المحددة في الولايات التركية، أو بأماكن إقامتهم داخل مراكز إيواء اللاجئين".

وتؤكد أيضا على "ضرورة الالتزام بإعلام السلطات المختصة بما يطرأ من تغييرات على عنوان الإقامة أو وثیقة الحمایة المؤقتة أو الأحوال المدنیة من زواج أو طلاق أو ولادات، أو أي تغیيرات أخرى من ناحیة الوصول إلى سوق العمل، وذلك ضمن نطاق القانون وفق الأنظمة المنصوص علیھا للعمل في تركیا، مثل استخراج تصاریح العمل".

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (رويترز)

قال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الجمعة، إنه "يأمل" في أن "يواصل المقاتلون السوريون تقدمهم دون مشاكل"، معتبرا أن "الهدف" المقبل بعد سيطرة الفصائل المسلحة على مدن وبلدات بينها حلب وحماة، "هو دمشق".

وقال إردوغان في تصريحات أدلى بها عقب صلاة الجمعة لصحفيين، نقلتها وكالة أنباء الأناضول: "لقد اتصلنا بالأسد وقلنا له: دعونا نحدد مستقبل سوريا معًا. وللأسف، لم نتلق ردًا إيجابيًا بشأن هذه المسألة".

وأشار إلى تقدم المعارضة المسلحة في سوريا، بالقول: "المعارضة تواصل تقدمها في إدلب وحماة وحمص.. والهدف بالطبع (بعد ذلك) هو دمشق. مسيرة المعارضة هذه مستمرة. ونأمل بأن تستمر هذه المسيرة في سوريا دون حوادث أو مشاكل".

وفي وقت سابق الجمعة، دخلت فصائل مسلحة إلى حدود مدينة حمص الإدارية من جهة الشمال، وسيطرت على قرى وبلدات كانت قد خرجت عن سيطرة النظام السوري منذ سنوات، وعُرفت بعد عام 2018 بمناطق "التسويات".

وأعلنت إدارة العمليات العسكرية للعملية التي تُعرف بـ"ردع العدوان" وتقودها "هيئة تحرير الشام" المصنفة على لوائح الإرهاب الأميركية، والفصائل السورية المتحالفة معها، سيطرتها على مدينتي الرستن وتلبيسة.

كما أعلنت سيطرتها على كتيبة الهندسة في أطراف مدينة الرستن، الواقعة على أطراف حمص، وسط سوريا، وذلك بعد انسحاب قوات النظام السوري والميليشيات الموالية لإيران من تلك المناطق.

وقال "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، الجمعة، إن الفصائل بدأت بالتقدم شمال مدينة حمص، بعد سيطرتها على حماة، وهو ما أكده مصدر في فصيل عسكري يضم تجمعا من أبناء حمص.

ولم يصدر أي تعليق حتى الآن من جانب النظام السوري بشأن التطورات في حمص.

يأتي ذلك بعد يوم من سيطرة الفصائل المسلحة على مدينة حماة، بالإضافة إلى حلب التي أصبحت في قبضتها أيضا.