على مدى ست سنوات، بثت العديد من القنوات الفضائية المصرية المعارضة بحرية من تركيا، لكن الأمور تغيرت في الأشهر الأخيرة، فقد طالبت أنقرة منها تخفيف حدة الانتقادات للنظام في القاهرة.
وأرجع تقرير لمجلة "فيننشال تايمز" الموقف التركي إلى سعى الرئيس رجب طيب إردوغان، إلى إعادة بناء العلاقات مع خصومه السابقين في الشرق، لمواجهة الأزمة الاقتصادية.
وقال المعارض المصري أيمن نور، الذي يملك قناة "الشرق" في اسطنبول، إن المسؤولين الأتراك طلبوا منه مرارًا تخفيف حدة انتقادات محطته.
وأضاف نور: "قيل لي إن الدولة التركية تسعى إلى التقارب مع المنطقة، والمصريون وضعوا شرطا واضحا للغاية وهو إغلاق القنوات التلفزيونية التي تبث من تركيا وتضييق مساحة عملهم".
وأشار إلى أن الحكومة التركية طلبت من قناته "حذف بعض القصص التي كانت بثتها من موقعها على الإنترنت، وعدم الحديث على الإطلاق عن الرئيس عبد الفتاح السيسي أو أي فرد من أسرته، أو رئيس المخابرات".
و"الشرق" ليست القناة الوحيدة التي تتعرض لهذا الضغط. في الشهر الماضي، قالت قناة "مكملين" إنها ستنهي عملياتها في تركيا.
جاء هذا الإعلان بعد ساعات فقط من لقاء إردوغان مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وقالت القناة في بيان إنها ستنقل استوديوهاتها وأنشطتها الأخرى إلى خارج البلاد "بسبب الظروف التي لا تخفى عن أي أحد" في إشارة إلى التقارب بين تركيا ودول المنطقة.
وشكرت تركيا على "ضيافتها الكريمة" في السنوات الأخيرة، لكنها قال إنه بحاجة إلى نقل بثها من أجل مواصلة "نقل الحقيقة كاملة".
ويقول الصحفيون المصريون، وشخصيات المعارضة في تركيا، إن الرئيس السيسي جعل تطبيع العلاقات بين البلدين "مشروطًا بإغلاق أنقرة لقنوات المعارضة، أو على الأقل تخفيف حدتها".
"ضغط هائل"
وأضاف حمزة زوبع، مذيع سابق في برنامج "مكملين" ورئيس "إعلاميون مصريون بالخارج": "لقد أصبح من الواضح جدًا أن هناك ضغطًا هائلاً. مكملين ستغلق هنا (إسطنبول)، لأنهم لا يرغبون في وضع الحكومة التركية في حرج مع أصدقائها العرب".
ولم ترد وزارة الخارجية التركية على طلب للتعليق.
كانت أنقرة على خلاف مع بعض دول الخليج العربي منذ أن قررت دعم الانتفاضات التي هزت العالم العربي في عام 2011.
وبعد أن تولى السيسي السلطة بعد إطاحته بالرئيس الإخواني محمد مرسي، شن حملة قمع على أعضاء الإخوان وغيرهم من المعارضين، مما دفع العشرات منهم إلى تركيا، التي كانت تدعم حكم الإخوان.
لكن مع تعرض الاقتصاد التركي لضغوط اقتصادية واقتراب موعد الانتخابات، بدأ الرئيس التركي العام الماضي في مغازلة خصومه الخليجيين ومصر في محاولة لتعزيز التجارة والاستثمار وتهدئة التوترات الإقليمية.
ويتعاطف العديد من المصريين المنفيين مع موقف حكومة إردوغان ويشعرون بالامتنان لاستمرارها في توفير ملاذ لهم، ويقولون إنه لم يكن هناك ضغط عليهم لمغادرة البلاد، بحسب المجلة.
وقال أبو بكر خلاف، رئيس شبكة محرري الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومقرها إسطنبول، إن حوالي 90 في المائة من نحو 800 شخص يعمل في القنوات المصرية المعارضة حصلوا على جوازات سفر تركية. وأضاف: "لقد حلت تركيا مشكلة هؤلاء الناس".
لكن البعض يتساءل عن مستقبل وسائل الإعلام المصرية المعارضة في ظل هذه الضغوط.
ولا تزال "الشرق" تعمل من اسطنبول لكنها تأثرت بهذه الضغوط وتفكر في إنشاء استوديوهات في بلدان أخرى. قوال نور إن معتز مطر، أحد أشهر مذيعي القناة، استقال لتأسيس قناته الخاصة على اليوتيوب من لندن، بدلاً من الالتزام بهذه القيود الجديدة.
وأضاف نور: "علينا التكيف مع بعض التغييرات من أجل الحفاظ على وجودنا في تركيا لأطول فترة ممكنة. لكننا بالطبع لسنا سعداء بهذا التضييق على عملنا".
وأكدت المجلة أن حدوث انفراجه في العلاقات بين القاهرة وأنقرة "أكثر صعوبة" مما حدث مع الدول العربية الأخرى.
كان المسؤولون المصريون والأتراك عقدوا جولتين من المحادثات، لكن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، اعترف في وقت سابق من هذا الشهر بأن التقدم كان "أبطأ قليلاً" مما حدث مع الدول الأخرى. وأعرب عن تفاؤله بأن المسؤولين الأتراك "سيزيدون اتصالاتهم" مع مصر.
وتحدث جاويش أوغلو، قبل أسبوع، عن زيارة محتملة لنظيره المصري، سامح شكري إلى إسطنبول، فيما لم يعلق الأخير، أو يصرّح بالنفي والتأكيد.