في شهر يناير عام 2022 وبينما ضربت مدينة إسطنبول التركية عاصفة ثلجية، أسفرت عن شلل حركة المرور إلى حد كبير وغير مسبوق تعرض عمدتها "أكرم إمام أوغلو" لانتقادات واسعة، بسبب غيابه عن "مسرح الميدان"، لصالح "مأدبة عشاء" جمعته مع السفير البريطاني في تركيا، دومينيك تشيلوت.
"لم يلبس إمام أوغلو الحذاء" للنزول إلى الشارع في ذلك الوقت، كما فعل وزير الداخلية، سليمان صويلو، حسب صور تداولها مستخدمون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومقارنات نشرها صحفيون وكتاب مقربون من الحكومة التركية.
وفي وقت تحول المشهد، آنذاك، إلى حالة من السجال السياسي، اتجهت وسائل الإعلام التركية المقربة من الحكومة لنشر صور العمدة المحسوب على "حزب الشعب الجمهوري" المعارض، في أثناء انتقاله إلى المطعم، ومن أمامه كاسحة الثلوج".
ستة أشهر مضت على تلك الحادثة لتتكرر من جديد، قبل أيام، وبينما كانت إسطنبول تعيش أجواء فيضان مفاجئ تعرض إمام أوغلو لانتقادات أيضا، بسبب "إجازة عيد الأضحى" التي كان يقضيها في منطقة فتحية جنوب غربي البلاد.
وتعتبر إسطنبول أكبر المدن التركية، وتمكنت المعارضة من حكمها بعد فوز مرشحها أكرم إمام أوغلو برئاسة البلدية في عام 2019، منهيا حكم حزب العدالة والتنمية منذ 2002 وحكم التيارات المحافظة منذ 25 عاما.
وعلى مدى الأشهر الماضية كان اسم "إمام أوغلو" قد تردد كمرشح محتمل للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها، في يونيو 2023.
لكن وحسب مراقبين فإن الحادثتين المذكورتين، بات لهما "وقع خاص على الناخب التركي"، لاسيما وأنه ومع انتشار وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي دخلت السياسة التركية في "مرحلة السياسة الشعبوية".
وكان عمدة إسطنبول قد رد على الانتقادات التي تعرض لها في يناير الماضي، بالقول إن "هناك من يحاول صرف الأنظار عن جهود البلدية. هناك وسائل إعلام تطعن ببلدية إسطنبول. هناك من لا يتقبل الهزيمة في إسطنبول فيتحدثون عن فرصة تناول الطعام".
أما بخصوص الانتقادات التي خرجت، قبل أيام فقد كتب عبر "تويتر": "كنت خارج المدينة مع عائلتي بعد ظهر يوم العيد. لقد نجت إسطنبول من أمطار غير عادية مع القليل من المشاكل، وأتمنى لجميع المواطنين عطلة هادئة".
"خط مسيطر"
وعلى خلاف ما حصل في مطلع العام الحالي كان لافتا، خلال الأيام الماضية، أن الانتقادات التي تعرض لها إمام أوغلو لم تقتصر فقط على السياسيين والأوساط المقربة من الحكومة التركية و"حزب العدالة والتنمية"، بل انسحبت بجزء آخر لأوساط المعارضة.
وذلك ما انعكس على تغطية وسائل الإعلام المعارضة، بينها "فوكس" و"خبر تورك". وهاتان انتقدتا في تغطياتهما الإعلامية "إجازة إمام أوغلو" خارج إسطنبول، بينما تشهد المدينة عاصفة رعدية ومطرية، سبق وأن حذرت منها الأرصاد الجوية بأيام.
وقلما يتبع إمام أوغلو "الشخصية التي صعدت فجأة في سماء السياسة التركية" أسلوب التواجد في الميدان أو الشارع، في أثناء الكوارث الطبيعية أو الظروف الاستثنائية، على عكس السياسيين المحسوبين على "حزب العدالة والتنمية"، كوزير الداخلية سليمان صويلو مثلا.
وفي كلا الظرفين اللذان تعرض فيهما عمدة إسطنبول لانتقادات واسعة كان صويلو في الميدان، "يلبس الحذاء" ويتفقد فرق الطوارئ والإسعاف وغيرها.
ويشير الباحث السياسي التركي، هشام جوناي إلى أنه ومع انتشار وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي فإن "المشهد السياسي الداخلي في تركيا دخل في مرحلة السياسة الشعبوية".
يقول جوناي لموقع "الحرة": "من هذا المنطلق نشاهد وزير الداخلية صويلو دائما موجود في كل ظاهرة طبيعية. يلبس الحذاء العمالي ويلتقط الصور مع العاملين هناك، وكأنه من يقوم بهذه العمليات، إن كانت الإجلاء أو عمليات المساعدة أو ما إلى ذلك".
"هذا الخط للسياسة الشعبوية هو المسيطر في تركيا. هذا ربما ما لا يعرفه أكرم إمام أوغلو، لأنه سياسي حديث العهد، مقارنة بالموجودين على الساحة".
ويضيف الباحث التركي: "في السابق وقبل 2019 لم يكن أحد يعرف إمام أوغلو. كان رئيس بلدية بيليك دوزو في إسطنبول، ومن ثم اقترح اسمه كمرشح لحزب الشعب لرئاسة بلدية إسطنبول".
وفي حين حظي بكرسي البلدية، اعتبر جوناي أن الأمر يرتبط بأن "الناس لم يروا فيه الشخص المثالي فحسب، بل كانوا يريدون أي اسم بديل عن حزب العدالة والتنمية الذي يحكم إسطنبول منذ عقود".
"الشرح طريق النجاح"
وفي وقت لم تعلن فيه المعارضة اسم مرشحها الذي سينافس الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في انتخابات الرئاسة 2023، يتردد اسم إمام أوغلو منذ مدة كشخصية محتملة، إلى جانب عمدة أنقرة، منصور يافاش وزعيم "حزب الشعب الجمهوري"، كمال كلشدار أوغلو.
الكاتبة والصحفية التركية، كوبرا بار كتبت الأربعاء على موقع "خبر تورك" في سياق حديثها عن الانتقادات الموجهة لإمام أوغلو: "إذا كان واثقا من استثماراته في البنية التحتية، وإذا لم يكن يريد أن يرتدي حذاء، فعليه على الأقل أن يرتدي صندلا ويذهب إلى المناطق التي تم تحسينها من قبل بلدية إسطنبول ويقول: إنظر لقد حللناها".
وأضافت الصحفية أن "طريق النجاح في السياسة شرح ما تم فعله للجمهور بشكل فعال. إذا كان السيد أكرم يريد حماية مقعده في البلدية، ناهيك عن ترشيحه للرئاسة فلا ينبغي له الخروج من إسطنبول ما لم يكن هناك وضع غير عادي".
واعتبرت: "لأن كل هذه الأحداث التي حدثت الواحدة تلو الأخرى، جعلته يخسر الكثير من النقاط ليس فقط في نظر الحكومة، ولكن أيضا في نظر الناخبين المعارضين وإدارة حزب الشعب الجمهوري".
ويوضح الباحث السياسي في الشأن التركي، محمود علوش أن "أكرم إمام أوغلو هو وافد جديد إلى عالم السياسة التركي مقارنة بالزعماء السياسيين الآخرين. لكنّ الباب الذي دخل منه منح ظاهرته حجما سياسيا كبيرا".
ومع ذلك، فإن "هذا الحجم لم يُخفي ضعف الخبرة السياسية لديه وهذا أمر طبيعي خصوصا أنه لا توجد لديه تجارب سياسية سابقة معروفة على غرار إردوغان أو كمال كلشدار أوغلو".
ويقول الباحث لموقع "الحرة": "جانب من إخفاقات أكرم إمام أوغلو مرتبط بضعف خبرته السياسية وجانب آخر مرتبط بظروف التنافس السياسي الداخلي".
"من سوء حظّه أن من يتربّص به ليس فقط خصومه في حزب العدالة والتنمية، بل أيضا في حزب الشعب الجمهوري، وعلى رأسهم كمال كليشدار أوغلو".
ويضيف الباحث: "هذا الأمر أضعف قدرته على المواجهة وتطوير ظاهرته إلى مرشح رئاسي".
"تأثير سلبي"
في أثناء المعركة الانتخابية التي أوصلته إلى كرسي رئاسة بلدية إسطنبول كان إمام أوغلو قد راهن على وسائل التواصل الاجتماعي، للتخاطب مع سكان إسطنبول، ويحاول في الوقت الحالي اتباع ذات الأسلوب.
وتتضارب نتائج الاستطلاعات التي تنشرها مراكز الأبحاث في تركيا بين اليوم والآخر، بشأن آراء الناخبين ووجهات نظرهم بشأن الحال العام.
وبينما يظهر البعض منها انخفاضا ملحوظا في شعبية الحزب الحاكم ورئيسه إردوغان، توضح أخرى أن النتائج لا يمكن حسمها في الوقت الحالي، مع ترجيحات بميل كفة "العدالة والتنمية" على حساب الأحزاب الأخرى، في الاستحقاق الذي ينتظره الكثيرون.
ويرى الباحث محمود علوش أنه ورغم التقدم الذي طرأ على الحياة السياسية التركية في العقدين الأخيرين، إل أن "الخطاب الشعبوي لا يزال يُمثل ركيزة أساسية في العمل السياسي، خصوصا في فترة الانتخابات".
ولطالما استفاد إردوغان من هذا الخطاب لتعزيز صورته "كقائد قوي في الداخل وتشويه صورة معارضيه".
وكذلك تحاول المعارضة، حسب الباحث "توظيف الخطاب الشعبوي لجذب أصوات الناخبين، من خلال الاستفادة من تردي الأوضاع الاقتصادية والنقمة المتزايدة على الأجانب واللاجئين السوريين".
وزاد علوش: "يبدو أنها استطاعت تحقيق بعض المكاسب على حساب إردوغان".
من جهته اعتبر الباحث جوناي أن "إمام أوغلو يسيء التعامل مع الظروف الاستثنائية. العطل التي تصادفت مع العطل والعشاء الذي جمعه مع السفر البريطاني أثناء العاصفة الثلجية كانت سوء تدبير من قبله. هذه الأمور أعتقد أن لها واقع عند الشارع التركي".
ويضيف جوناي: "الناخب التركي تعوّد على موضوع السياسة الشعبوية، فيما الأسلوب الجديد الذي يتبعه إمام أوغلو وأنه هو فقط من يدير البلدية ولا يظهر بصورة العامل أو الشخص الذي يعمل في الظروف الاستثنائية فله تأثير سلبي على مسيرته السياسية".
ويعتقد الباحث أن شعبية عمدة إسطنبول "تتراجع في كل مرة يقوم بخطوة مماثلة. الشارع التركي ينتقده ومنهم من أنصار حزب الشعب الجمهوري".