توقعات بتقارب تركي مع النظام السوري في المستقبل
توقعات بتقارب تركي مع النظام السوري في المستقبل

خلال أسبوع واحد وجه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان رسالتين سياسيتين تتعلقان بطبيعة علاقة بلاده بالنظام السوري، وبينما أعلن لمرتين أنه "لا خلاف أبدي في السياسة" وأنه يمكن أن يلتقي بشار الأسد، دعمه حليفه دولت باهشتلي بالقول: "يجب فتح لقاء مع رئيس الجمهورية العربية السورية، وتشكيل إرادة مشتركة ضد المنظمات الإرهابية".

ورغم أن هذه الكلمات تراودت على نحو كبير خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إلا أن تسارع إطلاقها في الوقت الحالي بدا لافتا، وفق مراقبين.

ومن جانب تزامن مسارها الزمني مع العملية الجوية التركية التي انطلقت مساء الأحد، مستهدفة مواقع وأهداف لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والتي تشكل "وحدات حماية الشعب" عمادها العسكري.

ومن نقطة أخرى جاءت عقب إعلان "وزارة الدفاع السورية" سقوط قتلى من "الجيش السوري"، جراء الضربات الجوية التركية، والتي ماتزال مستمرة حتى الآن، وتستهدف مواقعا تمتد من تل رفعت في ريف حلب، وصولا إلى مثلث المالكية في أقصى الشرق السوري.

وحتى الآن لا تبدو ملامح واضحة لطبيعة العلاقة التي ستكون بين تركيا والنظام السوري خلال المرحلة المقبلة، فيما تثار تساؤلات عن الحيثيات المتعلقة بالتضارب الحاصل بين ما يعلن عنه سياسيا باستمرار، وما يشهده الميدان على الأرض. 

علاوة على ذلك، تشي تصريحات المسؤولين في موسكو حليفة الأسد بأن روسيا تحاول جاهدة لإحداث تقارب فعلي بين أنقرة ودمشق، وهو ما أبداه مبعوث بوتين الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتيف، يوم الأربعاء.

إذ قال: "سنكون شهودا على تقارب سوري تركي قريب"، مضيفا: "موسكو تتلقى إشارات من أنقرة ودمشق حول الاستعداد لاتخاذ خطوات تجاه بعضهما البعض".

لكن في المقابل أعرب المسؤول الروسي بأن "تستمع تركيا لدعوة موسكو بعدم القيام بعمل عسكري بري شمال سوريا"، معتبرا أن "إجراء مثل هذه العمليات العسكرية لا تأتي بنتائج وإنما تشجع الإرهاب".

ما آخر التطورات؟ 

وبينما تستمر الطائرات التركية بضرب أهداف لـ"وحدات حماية الشعب" على طول الحدود الشمالية لسوريا، هدد إردوغان خلال الساعات الماضية لأكثر من مرة بنية بلاده شن هجوم بري.

وقال الأربعاء إن "العمليات التي نقوم بها بالطائرات والمدفعية والصواريخ ليست سوى البداية"، وأن تركيا "ستواصل غاراتها الجوية وعندما يحين الوقت المناسب سندعمها بعملية برية".

وأعاد الرئيس التركي التذكير بمطالبه السابقة، بأن "تركيا ستكمل الخط الآمن خطوة بخطوة، بدءا من الأماكن التي يغلي فيها الرأس مثل تل رفعت ومنبج وعين العرب"، فيما وجه رسائل "طمأنة" لسوريا والعراق، بالقول: "يجب ألا تهتم الحكومة العراقية والسورية بهذه العمليات. إنها تساعد في ضمان وحدة أراضي كلا البلدين"، حسب تعبيره.

في المقابل أشارت وسائل إعلام "قسد" إلى أن الضربات الجوية والمدفعية والصاروخية لم تتوقف على المناطق التي تسيطر عليها في شمال وشرق سوريا، وتحدثت عن "استهداف منشآت نفطية في أقصى الشرق".

وقال قائدها مظلوم عبدي لـ"الأسوشيتد برس" إنهم "يستعدون للتوغل التركي منذ شن هجوم بري في المنطقة عام 2019". مضيفا: "نعتقد أننا وصلنا إلى مستوى يمكننا فيه إحباط أي هجوم جديد، على الأقل لن يتمكن الأتراك من احتلال المزيد من مناطقنا وستكون هناك معركة كبيرة".

وتتلقى "قسد" دعما من الولايات المتحدة الأميركية ضمن إطار الحرب ضد داعش، لكن أنقرة تتهمها بالارتباط بـ"حزب العمال الكردستاني" المصنف على قوائم الإرهاب، فيما تسير موسكو بتفاهمات معها مؤخرا، كانت أولى محطاتها عقب عام 2019.

 وقال الكولونيل جو بوشينو، المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية، الثلاثاء: "نعارض أي عمل عسكري يزعزع استقرار الوضع في سوريا"، مضيفا أن "هذه التصرفات تهدد أهدافنا المشتركة وبينها قتالنا المستمر ضد تنظيم داعش".

من جانبه اعتبر المسؤول الروسي لافرينتييف أن "تركيا ترى أن كل الأكراد في شمال شرق سورية إرهابيون"، وأن "روسيا لا تتفق معها بذلك أبدا"، مشيرا من جانب آخر: "من الضروري إقامة حوار بين الأكراد ودمشق، حيث جرت مفاوضات بين الطرفين، وتم وضع خطة، وتأمل روسيا في التواصل ما بينهما".

وزير الخارجية الإيراني بدوره علّق على التصعيد الحاصل على طول الحدود الشمالية لسوريا، وقال: " نوصي تركيا بإسناد تأمين حدودها مع سوريا للقوات السورية ونتفهم مخاوفها الأمنية".

وأضاف الأربعاء حسب ما نشرت وسائل إعلام إيرانية: "الوجود العسكري في سوريا من أي طرف غير بنّاء، ويزيد الأوضاع تعقيدا".

"بين 3 ساحات"

ومع صدور أكثر من موقف للدول الفاعلة بالملف السوري، وأيضا الأطراف على الأرض، إلا أن النظام السوري لم يتطرق إلى العملية الجوية التركية ببيان رسمي حتى الآن. واكتفى منذ يوم الأحد بالإعلان عن قتلى من قواته، إثر ضربة.

وتنتشر قوات النظام السوري في معظم المناطق التي تسيطر عليها "قسد" في شمال وشرق سوريا، وجاء ذلك بموجب تفاهمات أعلن عنها بشكل تدريجي، بعد عملية "نبع السلام" التركية، في أواخر 2019.

ورغم التفاهمات التي حصلت، حينها، وأتاحت بنودها انتشار النظام دون قتال في مناطق خارجة عن سيطرته، إلا أن رواية النظام السوري لم تتغير حيال "قسد"، حيث اتهمهما تارة بـ"الخيانة" و"العمالة" تارة أخرى.

وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا والتي ترى في مشروع "قسد" تهديدا لأمنها القومي على حدودها الجنوبية، فيما تعتبر الأخيرة حليفة واشنطن على الأرض، منذ عام 2015.

ومنذ شهر أغسطس الماضي بدت العلاقة بينهما على أنها تسير رغم التضارب ضمن 3 ساحات، الأولى مسرحها سياسي والثانية في الميدان، بينما الثالثة فتذهب إلى "ما خلف الكواليس"، كما تصفه وسائل الإعلام التركية.

وبينما تشهد الساحة الأولى "نبرات ود متسارعة" في وقت تؤكد فيه أنقرة على أن الحل في سوريا لا يجب أن يخرج عن قرار مجلس الأمن "2254" لا ينعكس ذلك على الثانية (الميدان) الذي تحكمه الضربات الجوية والبرية بعيدا عن أي تنسيق مباشر ومعلن.

في غضون ذلك يستمر التواصل الاستخباراتي في الساحة الثالثة (ما خلف الكواليس)، وبرزت تطور لافت مؤخرا بخصوصه، بعدما كشفت وكالة رويترز عن لقاء جمع رئيس جهاز المخابرات التركي، حقان فيدان مع نظيره السوري، علي مملوك في العاصمة دمشق.

يقول باكير أتاجان مدير "معهد إسطنبول للفكر" إن "العلاقات الاستخباراتية مستمرة بين الطرفين، وأن هناك تفاهمات بخصوص هذا المسار"، معتبرا أن "التفاهمات حصلت على مستوى الكبار مملوك وفيدان"، وفق تعبيره.

ويضيف المحلل السياسي لموقع "الحرة" أن اللقاء بين إردوغان والأسد الذي يكثر الحديث عنه "سيكون قريبا وخلال أشهر في روسيا"، مشيرا بالقول: "بعدما قال باهشتلي إن اللقاء يجب أن يكون مستعجلا من المتوقع أن يحصل قبل الانتخابات".

"باهشتلي من أهم صناع القرار في تركيا"، حسب أتاجان، والذي يرجح من جانب آخر أن لا يكون هناك أي تفاهمات على المدى القصير، وأن خطوة اللقاء لاعتبارات تتعلق بـ"الحاضنة الداخلية في تركيا"، ولتلبية الطلب الروسي بخصوص ذلك.

وأشار عبد القادر سيلفي كاتب العمود في صحيفة "حرييت"، وأبرز الصحفيين المقربين من الحكومة في مقالة الأربعاء، إلى أن "إردوغان والأسد قد يجتمعا قبل انتخابات 2023"، وأنه "يقال أن بوتين يريد التقريب بينهما في اجتماع سينظمه".

وتحدث أن "موضوع اللقاء هو جزء من الاستراتيجية الكبرى. أهم جزء فيها هو الاستخبارات ودبلوماسية الباب الخلفي"، وفق تعبيره.

لكن ومع إشارتها أيضا إلى ذلك أوضحت الصحفية، هاندي فيرات المقربة من إردوغان أيضا أن هناك نقاط ستبقى عالقة أمام مسار التقارب، وهي: "ماذا سيحدث لمنظمة PYD-YPG الإرهابية؟. ماذا سيحدث للمعارضين للأسد في تركيا، كيف سيتم إدراجهم في النظام؟. كيف وبأي طريقة سيعود اللاجئون؟".

ويعتبر المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، أن "تركيا بات لديها مشكلة وحيدة في العالم العربي وهي العلاقة مع سوريا".

"ممر إلى الخليج"

وقال لموقع "الحرة": "في حال حلت العلاقة ستكون سوريا ممرا إلى تركيا لدول الخليج. تركيا أدركت بأن هناك هدف مشترك بالقضاء على قسد"، مضيفا: "ما تقوم به تركيا يصب في منع قيام كانتون انفصالي، بغض النظر عن اعتبار سوريا كل ما تقوم به تركيا اعتداء".

"نرى اليوم تركيا تحاول عن طريق روسيا أن تكسب سوريا، وأن تقول لها بأنني أمنع هذا الكانتون مقابل أن تساعدوني في ذلك، مقابل عودة العلاقات، وتعديل اتفاقية أضنة وتفكيك المجموعات الإرهابية"، وفق يوسف.

وأضاف المحلل السياسي: "يوجد هدف مشترك هو منع كيان كردي وإخراج أميركا من المنطقة والحفاظ على وحدة سوريا. وحدة سوريا يعني وحدة تركيا".

وما تزال الولايات المتحدة الأميركية تواصل حربها ضد داعش في شمال وشرق سوريا، بينما تنتشر المئات من قواتها هناك، ضمن قواعد تستهدف بالتحديد وفق واشنطن "منع التنظيم الإرهابي من الظهور مجددا".

وكان منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، بريت ماكغورك، دعا إلى التوقف عن زعزعة الاستقرار في شمالي سوريا. وردا على سؤال بشأن الغارات الجوية التركية على مواقع لـ"قسد" على هامش مؤتمر حوار المنامة، وصف ماكغورك الوضع في شمال سوريا بـ "الصعب".

وأكد على التزام الولايات المتحدة وحرصها لإبقاء الحدود السورية التركية آمنة، مشيرا إلى أن واشنطن ليس لديها أي معلومات عن الجهة التي نفذت هجوم إسطنبول الأخير.

وكانت العملية الجوية في شمال سوريا قد أطلقت تحت اسم "المخلب السيف" حسب "الدفاع التركية"، وردا على التفجير الذي ضرب شارع الاستقلال في مدينة إسطنبول، وأسفر عن ضحايا مدنيين. 

وهذا الهجوم حمّلت أنقرة مسؤوليته لـ"حزب العمال الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب"، بينما نفى الطرفان ذلك، ببيانين منفصلين نشرتهما "رويترز".

في المقابل قال وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد تعليقا على هجوم إسطنبول إن "سوريا تدين الإرهاب أينما كان"، لكنه أضاف مستدركا في حديث لصحيفة "الوطن" شبه الرسمية: "إذا كانت الإدارة التركية تريد استغلال مثل هذه الحوادث ضد سوريا، فهم يعرفون أنهم هم من أرسلوا الإرهابيين إلى سوريا".

وكانت تركيا قد قدمت، عقب عام 2011، دعما قويا سياسيا وعسكريا للمعارضة السورية، من أجل إسقاط النظام، وبقيت على هذا المسار، إلى أن تدخلت روسيا عسكريا في عام 2015.

وبعد عام 2015، وبينما بقي الدعم المذكور قائما وبشكل معلن مع اختلاف موازين القوى على الأرض، تحوّل الموقف إلى مرحلة جديدة مع بداية 2017، في أثناء انطلاق مسار "أستانة".

وعقب هذه الفترة بدا ملاحظا أن تركيا لم تعد ترى رحيل الأسد خيارا قائما، لا سيما مع تغيّر المواقف الدولية التي اختلفت أيضا في أولى سنوات الثورة، عن تلك التي تبعتها بعد ذلك، بشكل تدريجي.

وتعتبر تركيا إحدى الدول الفاعلة في الملف السوري، سياسيا من خلال مسار "أستانة" الذي بلغ عدد جولاته 19 وآخر يتعلق بـ"سوتشي"، كما أنها تستضيف أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري.

أما عسكريا فيظهر الدور الفاعل لتركيا جليا استنادا إلى الواقع الميداني المفروض من قبل قواتها والفصائل السورية التي تدعمها على طول الحدود، والمتمثلة بتحالف "الجيش الوطني السوري".

وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية بدت ملامح الرؤية التركية بشأن الملف السوري، محصورة بعدة أهداف، من بينها إبعاد أي تهديد لأمنها القومي على طول الحدود الشمالية من سوريا، بينما تصاعد الحديث وبشكل كبير مؤخرا عن "ملف اللاجئين" والمنطقة الآمنة، الخاصة بهم.

علاوة على ذلك، لطالما أعلنت أنقرة مرارا أنها تدعم "العملية السياسية الخاصة بسوريا"، وأنها تؤيد أيضا لمخرجات مسار أستانة، فيما أصدرت الخارجية التركية في أغسطس بيانا حددت فيه سياسة أنقرة في سوريا. 

وجاء في البيان: "تواصل تركيا، التي توفر الحماية المؤقتة لملايين السوريين، الإسهام الفعال في الجهود المبذولة لتهيئة الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين وإيجاد حل للنزاع، وفقا لخارطة الطريق المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي 2254".

استؤنف العمل في مطار دمشق يوم 7 يناير 2025
استؤنف العمل في مطار دمشق يوم 7 يناير 2025

تداولت مواقع وصفحات إخبارية خبرا مفاده أن طائرة تابعة للخطوط الجوية التركية غيرت مسارها ولم تهبط بمطار دمشق الدولي مثلما كان مخططا لها، الأربعاء.

ونقلت عن موقع "Flightradar24" أن طائرة من طراز إيرباص 330 عادت أدراجها إلى مدينة إسطنبول، قبيل وصولها إلى وجهتها النهائية في دمشق.

والأربعاء، قال مدير العلاقات العامة في هيئة الطيران المدني السوري، علاء صلال، في تصريح لسانا: "بخصوص عودة طائرة تابعة للخطوط الجوية التركية وعدم هبوطها في مطار دمشق الدولي نوضح أنه عند وصول الطائرة إلى الأجواء اللبنانية قام قائدها بالتحويم لفترة من الزمن، قبل أن يتم تزويده بنشرة طقس المطار عن طريق مركز مراقبة بيروت".

وأضاف صلال أنه بعد تلقي قائد الطائرة للنشرة "قرر بعدها عدم المتابعة إلى دمشق بسبب تضمُّن نشرة الطقس معلومات عن وجود غيوم رعدية وأمطار في دائرة المطار والتي قد يتعذر معها تنفيذ التقرب البصري للهبوط".

وفي يناير الماضي استأنفت الخطوط الجوية التركية رحلاتها من وإلى دمشق، حيث هبطت طائرة تابعة لها في مطار دمشق الدولي للمرة الأولى منذ 13 عاما.

وقال رئيس الخطوط الجوية التركية، بلال إكشي، إن الشركة سوف تسيّر ثلاث رحلات في الأسبوع إلى سوريا.

واستؤنفت الرحلات الدولية في مطار دمشق في 7 يناير الماضي، للمرة الأولى منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024.