أوغلو كان قد فاز برئاسة بلدية إسطنبول في عام 2019، منهيا حكم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم
أوغلو كان قد فاز برئاسة بلدية إسطنبول في عام 2019، منهيا حكم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم

لا يزال المشهد الداخلي في تركيا منشغلا و"مهتزا"، لليوم الثاني على التوالي، بالحكم الصادر بحق عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بالسجن لعامين وسبعة أشهر، وبينما تسود الكثير من التكهنات حول "السيناريوهات السياسية" المتوقعة، تتجه الأنظار إلى الحشد الذي ستقوده المعارضة، بعد دعوات وجهها المسؤول بنفسه عبر حسابه في "تويتر".

وأمام حشد من أنصارهم وعلى خشبة واحدة سيجتمع زعماء "الطاولة السداسية" جنبا إلى جنب في الساعة الرابعة من عصر الخميس، في خطوة تضامنية مع إمام أوغلو وتبدو لافتة، رغم أنهم التقوا مرارا خلال الأشهر الماضية، لكن في محيط طاولة مستديرة بعيدا عن الشارع.

ويقود هؤلاء الزعماء كل من أحزاب: "الشعب الجمهوري" و"الجيد" و"المستقبل" و"الديمقراطية والتقدم"، "السعادة" و"الديمقراطي". وكانت "الطاولة"، التي شكلوها في شهر فبراير، قد اعتبرت "سابقة" لم تشهدها السياسة الداخلية التركية، من قبل. 

وحتى الآن لا يعرف بالتحديد ما سيؤول إليه الحكم الصادر بحق إمام أوغلو، فيما يشير صحفيون ومراقبون أتراك إلى أنه سيعجّل من تسمية المرشح المنافس للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في انتخابات الرئاسة، في يونيو من عام 2023.

ومنذ شهر فبراير، ظلّت أحزاب المعارضة في تركيا في حيرة من أمرها لحسم اسم هذا المنافس، والذي تردد الحديث عنه بكثرة، بينما رجحت الأوساط في البلاد أنه لن يخرج عن أسماء ثلاثة سياسيين الأول هو إمام أوغلو والثاني عمدة أنقرة، منصور يافاش والثالث هو زعيم "حزب الشعب الجمهوري"، كمال كلشدار أوغلو.

وأعلن والي إسطنبول في بيان، منذ صباح الخميس، إغلاق عدد من الطرق الرئيسية التي تصل إلى مقر بلدية إسطنبول. وهو المكان الذي سيجتمع أمامه زعماء الأحزاب الستة، للتعبير عن تضامنهم مع عمدة المدينة، بينما ينتظر أن يدلوا بخطابات قد تؤسس لما ستكون عليه المرحلة السياسية المقبلة.

وإمام أوغلو، البالغ من العمر 52 عاما، كان قد فاز برئاسة بلدية إسطنبول في عام 2019، منهيا حكم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم على هذه المؤسسة منذ 2002. وتعود جذور الحكم الصادر بحقه إلى الفترة التي شهدت وصوله إلى كرسي "العمدة". 

في تلك الفترة، أي قبل أربع سنوات، ألقى إمام أوغلو كلمة عقب قرار "اللجنة العليا للانتخابات" بإعادة إجراء الانتخابات المحلية في إسطنبول للمرة الثانية في 2019، قائلا إن الذين ألغوا الانتخابات (الأولى) هم "أغبياء" (حمقى). 

وبناء على ذلك أعدّت النيابة العامة دعوى بحقه بتهمة "توجيه إهانات لموظفي القطاع العام"، والمطالبة بسجنه أربع سنوات وشهرا، ومنعه من العمل السياسي، لتعقد الجلسة الأولى في يونيو من عام 2022. 

ورغم أن إمام أوغلو قال خلال الأشهر الفائتة، ومنذ توجيه التهمة له إن كلماته كانت موجهة لوزير الداخلية، سليمان صويلو، إلا أن "اللجنة العليا"، وهي أعلى هيئة انتخابية في البلاد، أكدت أن أعضاءها تعرضوا لـ"الإهانة". 

ما آخر التطورات؟

وفي آخر تصريحاته بعد الإعلان عن الحكم الصادر بحقه قال إمام أوغلو إن "هذا العقاب غير القانوني الذي لا معنى له هو مكافأة لي على نجاحي".

وأضاف "الحمد لله بحضور رئيسنا (كلشدار أوغلو) اليوم، كما في اليوم الأول، رأسي مرفوع. عام 2023 سيكون جميلا للغاية وسنواصل القيام بعملنا من إسطنبول".

بدوره اعتبر زعيم "حزب الشعب"، كلشدار أوغلو، أن "القاضي الذي يجلس على طاولة شخص ما باطل في ضمير الأمة"، معبرا عن رفضه للحكم الصادر، وأن "إردوغان خسر إسطنبول والآن يخسر تركيا"، وفق قوله.

في المقابل، وفي حين لم تصدر أي تعليقات من جانب الحزب الحاكم في تركيا "العدالة والتنمية"، صرّح وزير العدل، بكير بوزداغ، أن "عملية الاستئناف مفتوحة ضد قرار الإدانة الصادر عن محكمة الأناضول الابتدائية السابعة بحق أكرم إمام أوغلو".

وقال بوزداغ، الخميس: "لا يمكن لسلطة أو شخص إعطاء أوامر وتعليمات للمحاكم والقضاة في ممارسة اختصاصهم، وإرسال التعاميم وتقديم التوصيات والاقتراحات"، مؤكدا أن "تركيا دولة قانون، وأن القضاة مستقلون في مهامهم ويصدرون أحكامهم وفق الدستور والقانون".

ويقضي الحكم الصادر بحق إمام أوغلو بالسجن لمدة عامين وسبعة أشهر و15 يوما، بتهمة إهانة كبار مسؤولي هيئة الانتخابات التركية. ورغم أن القرار "مفصلي" كما قرأه مراقبون، إلا أنه "ليس نهائيا". 

وذكرت وسائل إعلام، أن القرار بالسجن سيحال إلى "محكمة الاستئناف"، وإذا تم تأييد الحكم بسجن إمام أوغلو فإن القضية ستذهب إلى المحكمة العليا.

وفي حال "وافقت المحكمة العليا على قرار السجن، فسيتم منع إمام أوغلو من ممارسة السياسة"، وبذلك لن يكون له أي حظوظ في الترشح للانتخابات المقبلة، بينما سيفقد منصبه في رئاسة بلدية إسطنبول، وفقا لوسائل الإعلام المحلية. 

"الجميع يترقب السيناريوهات"

وبينما أسفر الحكم بالسجن عن أصداء كبيرة وواسعة داخل أوساط السياسيين كان له نصيب على وسائل الإعلام في البلاد، بمختلف توجهاتها، سواء المقربة من الحكومة أو تلك المحسوبة على أحزاب المعارضة، باختلافاتها.

واستشرف الكثير من الكتاب والصحفيين، الخميس، السيناريوهات السياسية المتوقعة، والتي قد تشهدها المرحلة المقبلة، ولاسيما أن القرار بحق إمام أوغلو يأتي في وقت بدأ فيه العداد التنازلي لموعد الانتخابات الرئاسية.

الكاتب التركي، غوكشر تاهينجي أوغلو، أجاب عن الكثير من الأسئلة المتعلقة بحكم السجن في مقالة نشرتها منصة "t24". ويقول: "يكاد يكون من المستحيل استكمال إجراءات الاستئناف ومن ثم مسار المحكمة العليا في فترة تتراوح بين 4 و5 أشهر".

ويضيف الكاتب "وفقا لقانون العقوبات التركي، لم يتم التحقيق في جريمة الإهانة التي سُجن إمام أوغلو بسببها من قبل محكمة النقض، ولكن صدر حكم نهائي في محكمة الاستئناف (محكمة الاستئناف الإقليمية). ومع ذلك، مع تعديل القانون، الذي تم إجراؤه في عام 2019، أدرج حزب العدالة والتنمية جرائم التشهير في نطاق مراجعة المحكمة العليا".

يوضح تاهينجي أوغلو أنه و"لكي يصبح القرار نهائيا، يجب أن يجتاز مراجعة محكمة الاستئناف والمحكمة العليا. يجب أن تؤيد كل من محكمة الاستئناف والمحكمة العليا الحكم".

وتشير الإحصائيات القضائية عادة إلى أن متوسط ​​فترات المحاكمة بمحكمة الاستئناف والنقض يتراوح بين عام ونصف. وفي ظل الظروف الحالية، ليس هناك احتمال أن يتم الانتهاء من القرار حتى عملية الانتخابات.

لكن الكاتب تابع أنه "من الممكن أن يتم تثبيت الحكم إلا في حال اتخاذ القرارات القضائية بسرعة في المحكمة العليا والاستئناف"، موضحا: "في هذه الحالة، ستكون هناك عملية، مثلما حدث مع إردوغان في عام 1998. عندما حكم عليه بالسجن في ديسمبر 1997 بسبب القصيدة التي ألقاها في سيرت عندما كان رئيس بلدية إسطنبول، وتم تأكيد هذا القرار في سبتمبر 1998. في 8 أشهر فقط".

وزاد الكاتب: "أصبح إردوغان محظورا سياسيا في نهاية المحاكمة التي عقدت بسرعة طائرة. لا يمكن إنهاء الحكم على إمام أوغلو إلا إذا تم إجراء مثل هذه العملية الاستثنائية".

من جهته، نشر الكاتب المقرب من الحكومة، عبد القادر سيلفي، مقالة في صحيفة "حرييت" عبّر فيها عن رفضه للقرار الصادر بحق إمام أوغلو، وقال: "أعتقد أن السياسة يجب أن تتشكل في الساحات الانتخابية وصناديق الاقتراع، وليس من خلال الحظر السياسي الذي تفرضه المحاكم".

وأضاف سيلفي: "أنا غير مرتاح للطريقة التي يتم بها تصميم السياسة من قبل المحاكم. لقد شعرت بالانزعاج أيضا عندما تم حظر إردوغان، كما شعرت بالانزعاج عندما تم حظر أكرم إمام أوغلو".

"صعود ثلاثي"

في غضون ذلك ذهب صحفيون أتراك آخرون لتسليط الضوء على ما حصل في أعقاب الحكم الصادر بحق إمام أوغلو، وحملة التضامن اللافتة من جانب زعيمة "حزب الجيد"، ميرال أكشنار، بينما كان "اسم كلشدار أوغلو زعيم حزب الشعب يخفت".

الكاتب أوراي إيغين، ذكر في موقع "خبر تورك" أن "المستقبل السياسي لكلشدار أوغلو هو نفسه لدينيز بايكال، الذي أطاح به من مقعده".

ويضيف الكاتب "هناك استئناف ضد حكم إمام أوغلو، ووفقا للتقويم العادي للإجراءات القضائية في تركيا، يجب أن يمر عامان على الأقل حتى يصبح الحكم واضحا. هذا يفتح الباب أمام إمام أوغلو ليكون مرشحا في الانتخابات".

واعتبر إيغين من جانب آخر أنه "لو اتخذ قرار عاجل بحظر إمام أوغلو قبل الانتخابات فهذا ليس سيناريو كارثي. في أحسن الأحوال، يمنح إمام أوغلو الفرصة للسفر في كل شبر من تركيا خلال تلك السنوات المحظورة، واكتساب المزيد من الخبرة، والتواصل مع الجمهور، والاستعداد لما بعد الحظر كقائد أقوى بكثير".

"يتمتع إمام أوغلو بجاذبية جذرية تماما مثل إردوغان، ولذلك فإن الحظر السياسي لمدة عامين سيكون فرصة مثالية له لترسيخ قاعدته"، حسب الكاتب ذاته.

وبدورها قالت الصحفية ناغيشهان ألتشي، في مقالة لها على موقع "خبر تورك": "كصحفية وكاتبة، أشعر بقلق شديد بشأن فترة الستة أشهر المقبلة على بلدي ومستقبله".

وتضيف "بالأمس لم يؤيد أي من أعضاء حزب العدالة والتنمية هذا القرار، لكنهم لم يعارضوه. على حزب العدالة والتنمية أن يتخلص من حيرته وأن يصرخ بأنه ضد الحظر السياسي مهما كانت الظروف".

"إذا حصل إمام أوغلو على حظر سياسي، أيا كان مرشح الطاولات الست، وإذا أجريت انتخابات عادية ونزيهة فسوف يفوز"، وفق ألتشي.

من جانبها، اعتبرت الكاتبة التركية، كوبرا بار، أنه "وبينما ما حدث الليلة الماضية مهد الطريق للمعارضة للفوز في انتخابات عام 2023، فقد سد الطريق أمام ترشيح كلشدار أوغلو".

كما اعتبر الكاتب، محمد بارلاس، في مقالة بصحيفة "صباح" أن "قرار الحكم بالسجن بمثابة شريان الحياة لإمام أوغلو، الذي كان يحمل في نظر الجمهور صورة رئيس بلدية فاشل المصداقية وغير ناجح"، مضيفا: "بهذا القرار بدأ النقاش حول الترشح للرئاسة من جديد في المعارضة التي لم تستطع تقديم مرشح منذ شهور".

السفارة التركية في إسرائيل
تركيا وإسرائيل تتبادلان الانتقادات منذ بدء الهجمات الإسرائيلية على غزة

أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أن وفدا سياسيًا-أمنيًا إسرائيليًا برئاسة رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، وبمشاركة كبار ممثلي وزارة الأمن والأجهزة الأمنية، عقد مساء أمس اجتماعًا مع وفد تركي رسمي في أذربيجان.

وجاء في البيان أن الاجتماع عُقد بتوجيه مباشر من رئيس الوزراء، وأن إسرائيل تُعرب عن شكرها لأذربيجان ولرئيسها إلهام علييف على استضافة هذه المحادثات المهمة.

وأوضح البيان أن الطرفين عرضا مصالحهما الأمنية والإقليمية، وتم الاتفاق على مواصلة الحوار عبر قناة تواصل مباشرة للحفاظ على الاستقرار الأمني في المنطقة.

وأفادت مصادر بوزارة تركية ومصدر سياسي إسرائيلي، الخميس، بأن مسؤولين أتراكا وإسرائيليين بدأوا محادثات أمس الأربعاء تهدف إلى تفادي وقوع حوادث غير مرغوب فيها في سوريا حيث ينشط جيشا الجانبين.

وأوضحت المصادر التركية أن المحادثات الفنية التي جرت في أذربيجان مثلت البداية للجهود الرامية إلى فتح قناة اتصال لتجنب صدامات أو سوء فهم محتمل بخصوص العمليات العسكرية في المنطقة.

وقال أحد المصادر التركية "ستستمر الجهود لوضع هذه الآلية" دون تقديم مزيد من التفاصيل بشأن نطاق المحادثات أو جدولها الزمني.

وأكد مصدر سياسي إسرائيلي عقد الاجتماع وقال إن "إسرائيل أوضحت بشكل لا لبس فيه أن أي تغيير في نشر القوات الأجنبية في سوريا، لا سيما إنشاء قواعد تركية في منطقة تدمر، هو خط أحمر وسيعتبر خرقا للقواعد".

وأكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان أن وفدا إسرائيليا برئاسة مستشار الأمن القومي تساحي هنجبي أجرى محادثات مع مسؤولين أتراك في أذربيجان أمس الأربعاء.

ولم يتطرق البيان لتفاصيل بشأن المحادثات.

وجاءت هذه المبادرة بعد أسبوع من تصعيد إسرائيل لغاراتها الجوية على سوريا، والتي وصفتها بأنها تحذير للحكومة الجديدة في دمشق. كما وجهت إسرائيل اتهامات لتركيا بمحاولة تحويل سوريا إلى محمية لها.

وأفادت رويترز الأسبوع الماضي بأن فرقا عسكرية تركية تفقدت ما لا يقل عن ثلاث قواعد جوية في سوريا والتي يمكنها نشر قوات فيها في إطار اتفاق دفاع مشترك مزمع مع دمشق، وذلك قبل أن تشن إسرائيل غارات جوية على المواقع.

وتتبادل تركيا وإسرائيل الانتقادات منذ بدء الهجمات الإسرائيلية على غزة في عام 2023. وقالتا الأسبوع الماضي إنهما لا تسعيان إلى الدخول في مواجهة بسوريا التي تجمعها حدود مع كل منهما.