خيبت الحكومة التركية آمال مواطنيها، بسبب طريقة تعاملها مع الأزمة التي خلفها الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد، الإثنين، إذ أعرب كثيرون عن غضبهم من تقاعسها عن اتخاذ الإجراءات العاجلة التي يفرضها هذا الوضع الاستثنائي.
وقال أحد الناجين متحدثا لصحيفة نيويورك تايمز "لن أسامحهم أبدا" قبل أن يلفت بأنه كان من الداعمين لحكومة الرئيس رجب طيب إردوغان، منذ أكثر من عقدين.
ميكيل غول، 53 سنة، والذي كشف أنه فقد خمسة أفراد من عائلته قال في الصدد "لقد صوتت لهذه الحكومة منذ 20 عاما، واليوم أريد أن أعبر لهم عن غضبي".
الصحيفة الأميركية لفتت إلى أن صعود إردوغان إلى مقدمة المشهد السياسي في تركيا، كان بعد الأزمة التي خلفها زلزال سابق في 1999، مرجحة أن يكون هذا الزلزال تهديدا صريحا لمكوثه عقدين في أعلى هرم السلطة، خصوصا وأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على الأبواب.
مستقبل سياسي مبهم
جاء في تعليق الصحيفة "يواجه إردوغان تحديات مماثلة لتلك التي أسقطت أسلافه، مما يشكل أكبر تهديد على مستقبله السياسي".
وأسفر الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، وهو الأكثر دموية في المنطقة منذ ما يقرب من قرن عن مقتل ما لا يقل عن 24 ألف شخص، بينما لا يزال عدد لا يحصى من الجثث تحت الأنقاض.
ويأتي الزلزال بعد عام من التضخم المستمر والذي أدى إلى إفقار شرائح عديدة من المجتمع التركي، وساهم بتراجع شعبية إردوغان، وهو ما جعل الصحيفة الأميركية تتساءل عن مستقبله السياسي.
وكان أردوغان أقر، الجمعة، للمرة الأولى بأن جهود الإغاثة التي تبذلها حكومته "لا تتم بالسرعة المأمولة" كما اعترف في وقت سابق بوجود "ثغرات" في استجابة حكومته للكارثة.
في المقابل، انتقد إردوغان من وصفهم بـ"الانتهازيين" وقال إنهم يحاولون تحويل ألم الشعب إلى مكاسب سياسية، واعدا بإعادة بناء المناطق المنكوبة خلال عام.
وقال محللون تحدثوا لنيويورك تايمز، إن تداعيات الزلزال سلطت الضوء على مدى إعادة إردوغان تشكيل الدولة التركية، إذ يتهمه منتقدوه بدفع البلاد نحو الاستبداد من خلال إضعاف الحقوق المدنية وتقويض استقلالية مؤسسات الدولة، مثل وزارة الخارجية والبنك المركزي.
وفي سلسلة من التحركات التي تهدف إلى تقويض منافسيه والسيطرة المركزية، قام إردوغان بتقييد مؤسسات مثل الجيش التي كان من الممكن أن تساعد في الاستجابة للزلزال.
ولطالما صور الرئيس التركي، الذي واجه انتقادات شديدة في عام 2021 بسبب فشل حكومته في السيطرة على حرائق الغابات الكارثية، نفسه كزعيم، على اتصال دائم مع المواطن العادي.
زار إردوغان المناطق المتضررة من الزلزال في الأيام الأخيرة، وكان يرتدي ثيابا سوداء، ووجهه قاتم، بينما كان يعود الجرحى ويطمئن الذين فقدوا منازلهم مشددا على حجم الأزمة التي فاقت التوقعات.
وقال الجمعة خلال زيارة لمقاطعة أديامان "نحن نواجه واحدة من أكبر الكوارث في تاريخنا" ثم تابع "حقيقة لم نستطع التدخل بالسرعة التي كنا نتمناها".
وأدى الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة، وهو الأقوى في تركيا منذ عقود، بالإضافة إلى مئات الهزات الارتدادية، إلى تدمير مباني على مسافة كبيرة بنحو 250 ميلا في الجنوب، مما أدى إلى أضرار تقدر بمليارات الدولارات.
وقال سنان أولجن، مدير "إيدام"، وهي مؤسسة فكرية مقرها اسطنبول: "هذه أكبر كارثة يجب على تركيا أن تديرها، وسيؤدي ذلك حتما إلى رد فعل عنيف ضد الحكومة" ثم استدرك "الكثير سيعتمد على مدى فعالية تلبية احتياجات السكان المتضررين".
وبدأت الحكومة التركية عملية إغاثة واسعة النطاق، حيث أرسلت 141 ألفا من عمال الإغاثة والإنقاذ للبحث عن القتلى والجرحى، وتوزيع المواد الغذائية والبطانيات والحفاضات، وإقامة الخيام لعشرات الآلاف من المنكوبين، لكن الكثير منهم ينامون الآن في السيارات لتجنب برد الشتاء.
إلى ذلك، أعرب العديد من الناجين عن إحباطهم من استجابة الحكومة، قائلين إن الدولة كانت غائبة خلال الفترة الأولى التي أعقبت الزلزال، وإنها تركت المواطنين لوحدهم، حيث كان عليهم تدبير مأوى بأنفسهم وتحرير أحبائهم المحاصرين من المباني المنهارة.
ومن المرجح أن قلة أعداد فرق الإنقاذ المدربة ووفرة الآلات الثقيلة خلال الأيام الأولى الحرجة أدت إلى زيادة عدد القتلى، حيث كان من الممكن إنقاذ العديد من الأشخاص في الساعات الأولى التي أعقبت الكارثة.
وقال سكان من المناطق الأكثر تضررا إنه عندما وصلت الوكالات الحكومية، بدت معداتهم غير كافية وفشلوا في تنسيق جهود المتطوعين الذين كانوا يكافحون لمساعدة الناجين.
"أنقذني رجاء!"
لمدة يومين بعد الزلزال، قال غول، وهو مواطن تركي متضرر، إن عائلته كانت تفتقر إلى الطعام والماء وشعرت بالعجز وسط الدمار.
وتابع "انهار المنزل المجاور لنا وكانت هناك فتاة بالداخل تقول أنقذني رجاء!".
وأنقذ الرجل الفتاة بالفعل، لكنه كشف أنه وأقاربه اضطروا إلى انتشال خمسة من أفراد أسرتهم "جثثا هامدة"، على حد قوله.
عمل غول في ألمانيا لمدة 20 عاما، حيث قام باستغلال مدخراته لشراء 10 شقق في مدينة كهرمان مرعش، (قرب مركز الزلزال) حتى يتمكن من العيش من تأجيرها، لكن جميع الشقق دمرت الآن، وعليه أن يبدأ من جديد.
قال غول معلقا على وضعه: "لا أعرف ماذا سأفعل الآن".
وأعلن إردوغان حالة طوارئ مدتها ثلاثة أشهر في عشر محافظات منكوبة.
ولا يزال أهالي تلك المناطق ينتشلون ضحاياهم من تحت الأنقاض، والعديد منهم يفترشون الشوارع أو يبيتون في سياراتهم.
ووقع الزلزال في الوقت الذي كان فيه إردوغان بصدد تحقيق زخم، وبدأت أرقام شعبيته بالارتفاع بعد تراجعها على وقع أزمة اقتصادية خانقة تفجرت العام الماضي.
يذكر أن الرئيس التركي اقترح إجراء انتخابات في 14 مايو المقبل، متمنيا إبقاء حكومته ذات التوجه الإسلامي، في السلطة حتى 2028.
ولا يعطي هذا التاريخ المعارضة المشرذمة متسعا من الوقت لتسوية الخلافات فيما بينها والاتفاق على مرشح رئاسي.
ولم يُعرف بعد، ما إذا كانت الحكومة ستنظم الانتخابات كما كان مقررا لها أم لا.
خسائر ثقيلة
خلف الزلزال خسائر بمليارات الدولارات، وستتطلب خطط الحكومة مليارات أخرى في وقت توجد فيه ميزانية الدولة في نطاق حرج أصلا.
وقبل الزلزال، أطلقت حكومة إردوغان العنان لمليارات الدولارات في إنفاق جديد يهدف إلى تخفيف وطأة التضخم المرتفع على المواطنين قبل الانتخابات، وهو ضخ نقدي توقع بعض الاقتصاديين أنه قد يدفع البلاد إلى الركود هذا العام.
وقال سليم كورو، المحلل في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية في تركيا، إنه علاوة على الصعوبات الاقتصادية، سيزيد الزلزال من محنة الأتراك.
وأضاف "هذا يجعل الناس أكثر بؤسا، وليس فقط في مناطقة الزلزال، بل الاقتصاد ككل سيعاني".