الليرة التركية خسرت 7.3 بالمئة منذ بداية العام

هبطت الليرة التركية لمستوى قياسي جديد عند 20.2 مقابل الدولار، الثلاثاء، لتواصل بذلك سلسلة الهبوط منذ إعلان فوز رجب طيب إردوغان في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التي جرت يوم الأحد.

وتراجعت الليرة 0.5 بالمئة عن مستوى الإغلاق الذي سجلته أمس الاثنين، عند 20.0990 ليرة للدولار، وهو أسوأ أداء يومي لها في ثمانية أشهر، بحسب وكالة رويترز.

وخسرت الليرة 7.3 بالمئة منذ بداية العام، في حين فقدت أكثر من 90 بالمئة من قيمتها على مدار العقد الماضي، إثر مرور الاقتصاد بدورات من الازدهار والكساد ونوبات من التضخم المستفحل.

وبحسب صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، يجادل العديد من الاقتصاديين بأن سياسات الرئيس التركي المتمثلة في خفض أسعار الفائدة، والتدابير الطارئة لدعم العملة، لا يمكن أن تستمر مع انخفاض احتياطيات العملة التركية بسرعة.

وأوضح الخبير الاقتصادي، ليام بيتش، من وكالة كابيتال إيكونوميكس في لندن أنه "لا يمكن لتركيا أن تستمر في معدلات فائدة منخفضة للغاية وسياسة مالية فضفاضة للغاية وتحرق جميع أنواع احتياطيات العملات الأجنبية لفترة أطول بكثير".

وانخفضت احتياطيات تركيا بنحو 27 مليار دولار هذا العام، حيث حاولت الدولة دعم الليرة وتمويل عجز الحساب الجاري عند مستويات قياسية قريبة.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن الاحتياطيات، بما في ذلك العملات الأجنبية والذهب، أعلى بقليل من 101 مليار دولار.

ومع ذلك، فإن صافي الاحتياطيات، وهو رقم يستبعد الالتزامات، هو في الواقع صفر، وهو سلبي للغاية عند استبعاد عشرات المليارات من الدولارات من الأموال المقترضة من النظام المصرفي المحلي، وفقًا لبيان مصرف "بي جي مورغان" الأميركي.

وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي في بنك غولدمان ساكس في لندن، كليمنس غراف، أن الاحتياطيات الآن "قريبة من المستويات عندما زادت تقلبات الليرة بشكل حاد في السابق".

قلق المستثمرين

فور تحقيق فوزه في جولة الإعادة التي جرت يوم الأحد بنسبة 52 في المائة، أصر إردوغان على أنه سيحافظ على سياسة أسعار الفائدة المنخفضة، وذلك على الرغم من تجاوز التضخم نسبة 40 في المئة.

وقال الرئيس التركي في تصريحات سابقة: "جرى تخفيض سعر الفائدة الرئيسي للبنك المركزي إلى 8.5 في المئة، وسترون أن التضخم سينخفض أيضًا".

وأضاف أن "القضاء على مشاكل ارتفاع الأسعار الناجم عن التضخم وفقدان الرفاهية هما أكثر موضوعات الأيام المقبلة إلحاحا"، لكنه لم يذكر  أي تفاصيل بشأن خطته حتى الآن.

كما يشعر المستثمرون بالقلق بشأن ما يعادل 121 مليار دولار وضعها الأتراك في حسابات توفير خاصة تدفع على نفقة الحكومة إذا انخفضت قيمة الليرة.

وأدى الإجراء إلى إبطاء معدل شراء الأتراك للعملات الأجنبية، لكن وزير المالية التركي، نور الدين النبطي، قال إن الحسابات كلفت البلاد حوالي 95.3 مليار ليرة تركية (4.7 مليار دولار) منذ طرحها في العام 2021.

وبحسب خبراء، قد يزداد الضرر على المالية العامة بسرعة إذا انخفضت الليرة بشكل أسرع في الأسابيع المقبلة، ورغم ذلك يرى محللون اقتصاديون أن إردوغان قد يكون قادرًا على الاعتماد على تمويل جديد من بعض الحلفاء في الشرق الأوسط وروسيا.

وقال إردوغان، الأسبوع الماضي، إن دول الخليج، التي لم يذكر اسمها، ساهمت بأموال للمساعدة في استقرار الأسواق التركية، لكنه لم يخض في التفاصيل.

وقال وولف بيكولي من شركة تينو Teneo الاستشارية إن إردوغان سيحصل على الأرجح على دعم قصير الأجل من عائدات السياحة الصيفية التي تميل إلى تخفيف الضغوط على الموارد المالية للبلاد.

وقفز مؤشر سهم بيست 100 التركي، الذي عززه السكان المحليون الذين يبحثون عن ملاذ من ارتفاع التضخم، بأكثر من 4 في المئة يوم الاثنين، وقد جرى رفعه بشكل عام بسبب ارتفاع التضخم، حيث يبحث المستثمرون المحليون عن فرص لتحقيق عوائد يمكن أن تنافس النمو السريع في أسعار المستهلكين.

ويقول بعض المحللين إن إردوغان قد يعين فريقًا اقتصاديًا جديدًا، ويعيد أسماء شخصيات معروفة جيدًا للمستثمرين الأجانب.

وفي هذا المنحى قال إيلكر دوماك،من بنك "سيتي جروب": "بعد الانتخابات، ستتجه كل الأنظار إلى تركيبة الفريق الاقتصادي ومصداقية الاستجابة السياسية الأولية".

لكن دوماك حذر أيضًا من أنه سيكون "تحديًا متزايدًا" للبنك المركزي التركي للإبقاء على أسعار الفائدة أقل بكثير من التضخم، "لا سيما خلال الربع الأخير من العام وما بعده".

وفي المقابل، أشار اقتصاديون آخرون إلى درجة أكبر من القلق، إذ كتبت أتيلا يسيلادا من شركة "GlobalSource Partners" الاستشارية في إسطنبول: "كونوا مستعدين للأسوأ، والذي قد يستلزم ضوابط رسمية على رأس المال أو هروبًا خطيرًا من الودائع من النظام المصرفي".

 السلطات التركية ألقت القبض على زعيم حزب "النصر"، أوميت أوزداغ - فرانس برس
السلطات التركية ألقت القبض على زعيم حزب "النصر"، أوميت أوزداغ - فرانس برس

الاعتقالات والقضايا المرفوعة ضد سياسيين وقادة أحزاب في تركيا لا تعتبر حالة جديدة على البلاد ولطالما خيّمت على مشهدها سابقا.. لكن ما حصل قبل ثلاثة أيام ينظر إليه مراقبون بعين "الاستثناء"، استنادا لعدة اعتبارات.

ما حصل هو أن السلطات التركية ألقت القبض على زعيم حزب "النصر"، أوميت أوزداغ، لسبب رئيسي تعلق أولا بتوجيه "إهانة" للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان.

وبعد مثوله أمام القضاء ونقله من أنقرة وإسطنبول تبين أنه يواجه قضية تقوم على "الحض على الكراهية والعداء"، مما استدعى إلى احتجازه وإبقائه في سجن سيلفري.

أوزداغ هو سياسي قومي متطرف وكان صعد فجأة وبالتدريج منذ أربع سنوات.

وبنى صعوده على نحو خاص ومحدد بالخطاب الذي التزم به واستهدف من خلاله اللاجئين السوريين.

على مدى السنوات الماضية كان أوزداغ يطلق حملات تحريضية ضد الوجود السوري في تركيا، ولأكثر من مرة رفعت الدعاوى والقضايا ضده.

ورغم الدعاوى التي رفعتها منظمات حقوقية سورية وتركية ضده بقي طليقا، دون أن يتعرض لمساءلة معلنة وواضحة أو توضع أمامه أي حدود.

ومع اقتياده الآن إلى سجن سيلفري تثار التساؤلات بشأن الأسباب التي استدعت السلطات لاعتقاله في التوقيت الحالي.

وتبرز تساؤلات أخرى حول ما إذا كان أمر اعتقاله متعلقا بالتحريض الذي كان يبثه ضد اللاجئين أم بقضايا أبعد، وتباينت تعليقات المراقبين والخبراء، الذين تحدث معهم موقع "الحرة" حول ذلك.

"مسببات"

في تفاصيل اعتقاله كانت النيابة العامة في إسطنبول طلبت القبض على أوزداغ، بتهمة "تحريض الجمهور على الكراهية والعداء". واستشهدت بـ 11 منشورا نشرها منذ عام 2020 كدليل.

وجاء في طلب الاعتقال أن المؤسسات الرسمية رفضت منشورات أوزداغ حول اللاجئين.

كما اعتبرته النيابة مشتبها بتورطه في أحداث قيصري، يوليو 2024، والتي تمثلت بعمليات اعتداء وتخريب طالت ممتلكات لسوريين، وأسفرت أيضا عن إصابة رجال شرطة وأطفال.

ويوضح الحقوقي السوري، طه الغازي، أن "التوقيف المعلن لأوزداغ مبني على فرضية الدعاوى التي رفعت ضده، بسبب تحريضه على خطاب الكراهية والتمييز العنصري".

ويشير في حديثه لموقع "الحرة" إلى أن القضية الأولى التي واجهها زعيم حزب النصر في اللحظات الأولى لاعتقاله والمرتبطة بـ"إهانة" إردوغان كانت قد أسقطت.

الغازي هو أحد الحقوقيين المدافعين عن قضايا اللاجئين السوريين في تركيا، منذ سنوات. وكان مشاركا وفاعلا مع منظمات تركية وسورية أخرى في الدعاوى التي رفعت ضد أوزداغ، بسبب حملات التحريض التي قادها.

ومع ذلك، يعتقد أن هناك "مسببات" أخرى وراء اعتقال زعيم حزب النصر وتتعلق بمواقفه المعارضة لعملية السلام الكردية.

"الدولة التركية والأحزاب باتت تبحث عن مرحلة سلام بين كل مكونات وأطياف المجتمع التركي"، بحسب الحقوقي، ويلفت إلى أن هذه العملية تحظى بدعم من زعيم حزب "الحركة القومية"، دولت باهتشلي.

ويمثل أوزداغ "التيار المعارض لبيئة السلام المجتمعي والأهلي في تركيا".

وعلى أساس ما سبق يعتقد الغازي أن "الجانب الأكثر تأثيرا في اعتقاله هو موقفه السلبي من عملية السلام المجتمعي في البلاد".

"أرضية"

ومنذ شهرين تسلك الحكومة التركية بدعم من التحالف الحاكم مسارا يستهدف حل القضية الكردية في البلاد بشكل سلمي.

وكان أول من كشف عن هذا المسار باهتشلي حليف إردوغان القومي، وسرعان ما دعمه الرئيس التركي في ذلك.

ولا يعرف حتى الآن النتائج التي قد يصل إليها مسار السلام القائم، والذي يقوم في الأساس على الموقف الذي قد يتخذه مؤسس حزب "العمال الكردستاني"، عبد الله أوجلان، المسجون في جزيرة ببحر مرمرة.

ويوضح المحلل السياسي التركي، جواد غوك، أن "المفاوضات القائمة بين تركيا والأكراد متواصلة بقوة".

وفي حين يربط غوك أسباب اعتقال أوزداغ بقضايا التحريض المرفوعة ضده لا يستبعد أن يكون الأمر مرتبطا بعملية السلام القائمة.

وزاد المحلل في حديثه لـ"الحرة": "الأكراد منزعجون من سياسة أوزداغ. وقد يكون اعتقاله إشارة من الحكومة بأننا مستمرون في المفاوضات مع أوجلان وحزب الديمقراطية والمساواة الكردي".

على مدى السنوات الماضية كان أوزداغ قد بنى كامل أجندته الانتخابية على ملف اللاجئين السوريين في البلاد.

وبعد سقوط نظام الأسد يعتقد مراقبون أن ملف اللاجئين لم تعد له أهمية تذكر على صعيد كسب الشعبية واللعب على الأوتار السياسية داخل البلاد.

وتبني تركيا علاقاتها الجديدة الآن مع سوريا بشكل وثيق، بحسب تصريحات مسؤوليها.

ورغم أن اعتقال أوزداغ قد يكون بمثابة رسالة للاجئين الذين عانوا من خطابه التحريضي سابقا يؤكد المحلل غوك أنه "لابد من الإشارة إلى عوامل مجتمعة".

ويشرح فكرته بالقول: "ظروف اعتقاله متاحة الآن. الأوضاع في سوريا بدأت تتحسن واللاجئون يعودون. وفي المقابل هناك أجواء إيجابية للمفاوضات مع الأكراد".

ويتابع: "كل هذا ساعد بتهيئة الأرضية لاعتقاله".

ما الأصداء؟

تشير تعليقات ساسة أحزاب المعارضة في تركيا إلى أن اقتياد أوزداغ إلى السجن مرتبط بالمحادثات الخاصة بعملية حل القضية الكردية، والتي قال زعيم حزب "النصر" إنه "سيقوضها".

وترتسم ذات الفكرة لدى الطرف المقابل، الخاص بالكتاب والصحفيين الأتراك.

ومن بين الكتاب روشين تشاكير، وقال الأربعاء على منصة "ميديا سكوب": "بدأ باهتشلي عملية السلام، واجتمع وفد سجن إمرالي (الوفد الكردي الذي زار أوجلان في سجنه) مع جميع الأحزاب في البرلمان باستثناء حزب الخيّر".

وأضاف تشاكير: "لم يتبق في الخلف سوى حزب الخيّر وحزب النصر!"، في إشارة منه لمعارضة هذين الحزبين لعملية السلام القائمة.

لكن الباحث السياسي، هشام جوناي، يرى المشهد مختلفا عما سبق، أي أن اعتقال أوزداغ يرتبط بمعارضته عملية السلام.

ويقول جوناي لموقع "الحرة" إن "قضية اعتقال زعيم حزب النصر مرتبطة بالرئيس إردوغان والاتهامات التي وجهها أوزداغ له في تجمع بأنطاليا".

وذهبت تلك الاتهامات بأكثر من جانب، كما أخذت منحى الشتائم والحديث عن "الخيانة".

أما فيما يتعلق بدعاوى التحريض ضد السوريين فيعتقد الباحث السياسي أن "القضاء لو أراد التحرك ضد أوزداغ لفعل ذلك منذ سنوات وليس الآن".

ويوضح الباحث السياسي، فراس رضوان أوغلو، أن اعتقال زعيم حزب "النصر" يتعلق بقوانين تركيا الداخلية.

ويردف في حديثه لموقع "الحرة" أنه "يواجه قضايا اتهام الرئيس إردوغان بالخيانة وإثارة النعرات ضد اللاجئين".

وفق القانون التركي يجب أن يكون الاتهام المتعلق بـ"الخيانة" مبنيا على قرائن.

وبعد ذلك تحال القضية إلى البرلمان، وستحتاج لأصوات 70 في المئة من البرلمانيين من أجل البت فيها، بحسب رضوان أوغلو.

ويتابع: "من المهم إنفاذ القانون على أوزداغ حتى يصبح عبرة لغيره ولكي تتثبت سلطة القانون".

ولم يصدر حتى الآن أي بيان رفيع المستوى من الحكومة بشأن اعتقال أوزداغ.

لكن في المقابل علّق عدد من سياسيي المعارضة على القضية، على رأسهم رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، أوزغور أوزيل.

وقال أوزيل، الأربعاء: "لقد قُتِلَت العدالة مرة أخرى بواسطة مقصلة متنقلة.. إن إبقاء خصمك في السجن هو مهمة الجبناء. إن اعتقال خصمك هو مهمة العاجزين".

وأضاف عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو: "الكل يعلم أن ما حصل هو تدخل سياسي في القضاء".

وكان هناك ردود فعل أخرى أيدت قرار الاعتقال، واعتبرت أنه طال انتظاره.

كما برزت تعليقات لباحثين أتراك كبار، ومنهم خبيرة العلاقات الدولية، أوزنور سيريني، التي اعتبرت أن ما يحصل لا يمكن فصله عن السياق العام والداخلي الذي تمر به تركيا.

وقد يكون اعتقال أوزداغ مرتبطا بمعارضته لعملية السلام الكردية، لكن هذا العامل يظّل غير مباشر، بحسب الباحث رضوان أوغلو.

ويقول: "الموضوع أكبر من أوزداغ. هناك توافق شعبي في تركيا أنه وفي حال حلت قضية العمال الكردستاني بالطريقة السلمية سيكون الأمر ممتازا".

ومن ناحية أخرى لا يستبعد رضوان أوغلو أن يكون اقتياد زعيم حزب النصر إلى السجن مرتبطا بـ"درس كي لا يكبر أوزداغ وخطابه ويتبع آخرون مساره".