على مدى 13 عاما رسمت شخصية، هاكان فيدان، ببضعة صور، تقاطعت في غالبيتها مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وبينما ظل ذلك قائما لسنوات طويلة جاء تعيين رئيس الاستخبارات في منصب وزير الخارجية ليكسر صمت ما كان سائدا في السابق، ويخرج الرجل "من الظل إلى الأضواء".
ومن بين الشخصيات التي أعلنها إردوغان ضمن حكومته الجديدة قبل يومين كان اسم "فيدان" الأكثر لفتا للانتباه، لاعتبارات كثيرة، في مقدمتها خلفية هذا الدبلوماسي الجديد، القادم من عالم "الباب الخلفي".
ويوصف فيدان بـ"كاتم أسرار إردوغان والدولة" وتارة بـ"رجل الظل" الذي "عرف الأتراك صوته لأول مرة" أثناء تسلمه المنصب، الاثنين، من سلفه مولود جاويش أوغلو.
وبتسلمه المنصب رسميا يكون قد أصبح ثاني وزير خارجية يتمتع بخلفية عسكرية منذ بداية تركيا الحديثة، في حين تنتظره قضايا خارجية عدة، على رأسها الملف السوري والعلاقة مع الولايات المتحدة وروسيا، وأخرى تتعلق بالاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وأفريقيا.
وتسود تكهنات في الوقت الحالي بشأن السياسة الخارجية التي ستنتهجها أنقرة في المرحلة المقبلة وفي أعقاب فوز إردوغان بالانتخابات، ومع تعيين فيدان رئيس الاستخبارات لتولي منصب "الدبلوماسي الأعلى" تزداد هذه الحالة على نحو أكبر.
ومع ذلك يرى مراقبون، تحدث إليهم موقع "الحرة"، أن فيدان ورغم أنه كان في منصب رئيس الاستخبارات منذ 13 عاما، إلا أنه عمل "وزير خارجية في الظل"، وخاصة خلال العامين الماضيين.
وشهدت الفترة التي استبقت موعد تنظيم الانتخابات تحولات عدة على صعيد سياسة إردوغان الخارجية، إذ اتجهت أنقرة لتصفير مشاكلها مع دول كانت تكن لها العداء، مثل السعودية، والإمارات ومصر وإسرائيل وأخيرا سوريا بالجزء التي يسيطر عليه نظام بشار الأسد.
ولم يكن ليتم المسار المذكور إلا بالدور الذي لعبه فيدان على رأس الاستخبارات، إذ أوكلت إليه مهمة فتح الأبواب الموصدة أمام الساسة والقادة، وهو ما تمت ترجمته في ملفات عدة.
"محطات رجل في الظل"
وفي أولى كلماته للرأي العام بعدما كان نادر التحدث، أعرب فيدان في كلمة له بجانب جاويش أوغلو عن شكره لإردوغان "على الثقة والتقدير الذي منحهما إياه في تعيينه وزيرا للخارجية بعد رئاسة الاستخبارات".
وقال: "بعد أن أمضيت 13 عاما في جهاز الاستخبارات الذي استوجب تحمّل مسؤوليات كبيرة، أشكر فخامة الرئيس على ثقته بي، وتعييني وزيرا للخارجية الذي يتطلب أيضا نفس القدر من المسؤولية".
وأكد أنه سيواصل دفع رؤيته للسياسة الخارجية الوطنية التي تقوم على سيادة إرادة الشعب التركي واستقلال الدولة عن جميع مجالات النفوذ، كما شكر نظيره السابق قائلا: "الوزير جاويش أوغلو رجل دولة وسياسي والأهم من كل هذا، لديه مزايا فريدة وعالية من الناحية الإنسانية والصداقة".
وتلفت الحياة المهنية لفيدان الانتباه، كونها تتدرج من ضابط صف إلى أكاديمي، ومن المهام البيروقراطية إلى رئاسة الاستخبارات، ومن هناك إلى وزارة الخارجية.
ولا يوجد الكثير من المعلومات عن سيرته، بخلاف الموقع الإلكتروني لرئاسة الاستخبارات، وما تنشره وسائل الإعلام التركية عنه.
ولد فيدان في العاصمة أنقرة سنة 1968، وتخرج في المدرسة الحربية بمدرسة اللغات في القوات البرية، وأكمل تعليمه الأكاديمي أثناء خدمته في الجيش التركي.
وخلال مهمته في حلف شمال الأطلسي (الناتو) خارج تركيا، حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والإدارية من جامعة ماريلاند، كما حاز درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة بيلكنت بأنقرة، قسم العلاقات الدولية.
وتوجه فيدان إلى الحياة الأكاديمية بعد خدمته في الجيش التركي، وألقى محاضرات في مجال العلاقات الدولية بجامعتي "حاجت تبه" و"بيلكنت" بأنقرة، حسب وكالة "الأناضول".
وشغل مناصب مهمة في مجالات السياسة الخارجية والأمن على مختلف المستويات الحكومية.
ومن بين تلك المناصب: نائب وكيل الوزارة المسؤول عن السياسة الخارجية وقضايا الأمن في رئاسة الوزراء، وعضو مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وممثل خاص لرئيس الوزراء، ونائب لرئيس جهاز الاستخبارات، ممثل خاص لرئيس الجمهورية ورئيس لجهاز المخابرات طوال 13 عاما منذ 2010.
"إلى الأضواء"
ووفقا للمراقبين، سيكون أداء فيدان في العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب له أهمية حاسمة في تحديد مسار العلاقات الدولية لتركيا في السنوات المقبلة.
وكذلك الأمر بالنسبة لعلاقات أنقرة في الإقليم والمنطقة العربية، وكيفية التعاطي مع الملف السوري، لاسيما أنه كان قد فتح أولى أبواب العلاقة مع نظام دمشق باللقاء على مستوى الاستخبارات في موسكو، أواخر العام الماضي.
وتشير وكالة "بلومبيرغ" إلى أنه "من المتوقع أن يزيد وزير الخارجية هاكان فيدان من جهوده لإقامة علاقات مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد الخطوات التي اتخذها في هذا الاتجاه كرئيس للاستخبارات".
ويوضح الباحث التركي، يوسف إريم أن "فيدان يجلب مهارات فريدة جدا إلى الطاولة"، ويعتقد أنه "سيكون لديه انتقال سلس للغاية من مسؤول استخبارات إلى دبلوماسي رفيع المستوى، رغم أن هذه الخطوة ليست غير مسبوقة".
وكان مسؤولو استخبارات رفيعو المستوى انتقلوا إلى الدبلوماسية أو أصبحوا رؤساء دول يقودون الدبلوماسية، مثل بوتين وبومبيو وكوهين وبوش، حسب إيريم.
ويقول: "بصرف النظر عن الواجبات العامة لرئيس المخابرات، استخدم الرئيس إردوغان باستمرار فيدان بصفته الدبلوماسية على مر السنين لإجراء حوار مع الدول التي توترت علاقات تركيا معها".
وينطبق ما سبق على سوريا وليبا ومصر وإسرائيل والخليج، إذ يضيف إريم أن "دبلوماسية الظل الخاصة بفيدان فتحت الباب للتطبيع، وكانت بالعموم القناة الدبلوماسية الوحيدة بين تركيا وهذه البلدان".
ويرى الباحث السياسي التركي، هشام جوناي، أن السياسة الخارجية لتركيا في المرحلة المقبلة ستكون ثابتة، ولاسيما أنها "بنيت بالأصل على أساس استخباراتي - عسكري".
ويقول جوناي لموقع "الحرة": "شاهدنا فيدان مؤخرا يذهب مع إردوغان إلى كافة الاجتماعات في الخارج لاسيما إلى روسيا والقمم المتعلقة بالناتو، والمسارات السورية في جنيف وأستانة".
ويعتقد الباحث أن وزير الخارجية الجديد "لديه إطلاع على كافة الأصعدة"، كونه كان جزءا منها.
من جهته يرى الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، أن "تعيين فيدان يعطي انطباعا عن وجود إدارة جديدة للسياسة الخارجية، مختلفة عن الإدارات السابقة".
ويتعلق ذلك "بالنظر إلى فيدان كرجل استخباراتي خبير في السياسة الخارجية، ونسج علاقات قوية مع الدول، فيما أشرف على القنوات مع روسيا وأميركا".
ويقول علوش لموقع "الحرة": "كل هذه الأمور تساعد فيدان أن يشكل سياسة نشطة وفعالة بشكل أكبر في التعامل مع الدول"، ويعتقد أن "اختياره يشير إلى أهمية البعد الأمني الذي يطغى على غيره في تشكيل السياسة الخارجية".
"حل القضايا الصعبة"
ولا يعد فيدان "غريبا على الدبلوماسية، بل له خبرة كبيرة في الملفات الحساسة والعمل على العلاقات الهشة"، وفق الباحث يوسف إريم.
ويوضح أنه "خبير في ملف الشرق الأوسط وخاصة سوريا وشمال أفريقيا.. ومن المحتمل أن تكون خبرته الاستخباراتية وعمله الوثيق مع خدمات الأمن رصيدا كبيرا في تآزر الدبلوماسية مع الدفاع".
ويشير إريم إلى أن "فيدان كان مشاركا أيضا منذ فترة طويلة في مجموعة من المستشارين الأساسيين لإردوغان، والتي تنضم إلى الرئيس في اجتماعات ثنائية رفيعة المستوى".
ويضيف أن "تعيينه يعطي علامة على أن إردوغان سيعطي الأولوية للقضايا الصعبة مثل سوريا وليبيا والعراق وأوكرانيا على مدى السنوات الخمس المقبلة، لأن هذه الملفات هي على الأرجح جزء من خبرة فيدان".
ويتوقع الباحث أيضا أن "يكون فيدان نشطا في ملفي جنوب القوقاز والبلقان، لأن الأول قد أتاح فرصة للسلام، والثاني يزداد توترا يوما بعد يوم".
أما بالنسبة للملفات الرئيسية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، "يفضل إردوغان دائما دبلوماسية القيادة للحوار والقرارات في هذه العلاقات"، وفق ذات المتحدث.
ويعتقد الباحث السياسي هشام جوناي أن "نهج فيدان واضح ليس فقط بالنسبة للاستخبارات، بل بالنسبة للتفكير والإيديولوجيا".
ويضيف أنه "يأتي من خلفية إسلامية، وفي عهده سنتابع المزيد من التوجه نحو المنطقة العربية والشرق".
من جانبه يرى الباحث علوش أن "وزير الخارجية الجديد سيستفيد من خبرته الواسعة التي اكتسبها في الاستخبارات ودرايته في الدبلوماسية، من أجل تشكيل سياسة خارجية توائم بين متطلبات الأمن والدبلوماسية".
ويقول إن "السياسة الخارجية المقبلة ستعطي أولوية لمواصلة عمليات التوازن بين روسيا والولايات المتحدة وإكمال خطوات الاستقلالية، بالإضافة إلى مواصلة المزج بين القوة الصلبة ودبلوماسية التعامل مع المحيط والمنطقة العربية".
ويعتقد علوش أن "الحقبة السياسية الجديدة في السياسية الخارجية ستنقل تركيا إلى مستوى جديد، وأفترض أنها ستساعد لحد كبير إلى تهدئة الاضطرابات مع الدول الغربية وتعزيز العلاقات مع الجهات الأخرى في المنطقة العربية وروسيا".
10 قضايا في الانتظار
وينتظر فيدان 10 قضايا تتعلق بالسياسة الخارجية لأنقرة في المرحلة المقبلة، حسب صحيفة "يني شفق" المقربة من الحكومة، أولها أنها سيلتقي بوزراء الخارجية في اجتماع قادة الناتو المقرر عقده في فيلنيوس عاصمة لاتوانيا، الشهر المقبل.
وتنتظر العواصم الغربية "تأشيرة الناتو" التي ستصدر للسويد قبل فيلنيوس، إذ تعتقد ستوكهولم، التي أصدرت 3 لوائح متتالية لتشديد تشريعات مكافحة الإرهاب منذ العام الماضي أنها تفي بشروط الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع تركيا في مدريد.
وتتعلق القضايا الأخرى بصفقة طائرات "إف 16" مع الولايات المتحدة الأميركية ومشكلة التأشيرات مع دول الاتحاد الأوروبي، و"الحفاظ على المناخ المعتدل" في العلاقة بين اليونان وتركيا.
بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بعلاقات أنقرة مع موسكو، و"السياسة الحيادية والمتوازنة" منذ الغزو الروسي على أوكرانيا، فضلا عن العلاقة القائمة مع النظام السوري، واستمرارية المفاوضات في المرحلة المقبلة.
وبالنسبة لعلاقة أنقرة بالنظام السوري يرى جوناي أنه "بتعيين فيدان وزيرا للخارجية سيعمل على تنظيم المسار الخاص بذلك"، كونه فتح أولى أبواب "عملية بناء الحوار".
وسيعمل أيضا على "تحديد مسار السياسة الخارجية الخاصة بالوطن العربي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية والقضايا المتعلقة بحلف "الناتو"، كونه على اطلاع كبير فيها.
ويشير تقرير لصحيفة "صباح" إلى أن "فيدان الذي يتحكم بمدونات السياسة الخارجية العميقة سيكون أقرب شخص إلى إردوغان، وأولويته الدبلوماسية في الفترة المقبلة".
ويضيف التقرير: "المواطنون الذين كان لديهم فضول بشأن صوت فيدان على وسائل التواصل الاجتماعي سوف يتعرفون عليه بشكل أفضل"، فيما يرى الكاتب في صحفية "حرييت"، عبد القادر سيفي أن "فيدان يمكنه أن يحمل الخط الذي اتخذه مولود جاويش أوغلو في الدبلوماسية".