فيدان مصافحا نظيره السابق جاويش أوغلو
فيدان مصافحا نظيره السابق جاويش أوغلو

على مدى 13 عاما رسمت شخصية، هاكان فيدان، ببضعة صور، تقاطعت في غالبيتها مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وبينما ظل ذلك قائما لسنوات طويلة جاء تعيين رئيس الاستخبارات في منصب وزير الخارجية ليكسر صمت ما كان سائدا في السابق، ويخرج الرجل "من الظل إلى الأضواء".

ومن بين الشخصيات التي أعلنها إردوغان ضمن حكومته الجديدة قبل يومين كان اسم "فيدان" الأكثر لفتا للانتباه، لاعتبارات كثيرة، في مقدمتها خلفية هذا الدبلوماسي الجديد، القادم من عالم "الباب الخلفي".

ويوصف فيدان بـ"كاتم أسرار إردوغان والدولة" وتارة بـ"رجل الظل" الذي "عرف الأتراك صوته لأول مرة" أثناء تسلمه المنصب، الاثنين، من سلفه مولود جاويش أوغلو.

وبتسلمه المنصب رسميا يكون قد أصبح ثاني وزير خارجية يتمتع بخلفية عسكرية منذ بداية تركيا الحديثة، في حين تنتظره قضايا خارجية عدة، على رأسها الملف السوري والعلاقة مع الولايات المتحدة وروسيا، وأخرى تتعلق بالاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وأفريقيا.

وتسود تكهنات في الوقت الحالي بشأن السياسة الخارجية التي ستنتهجها أنقرة في المرحلة المقبلة وفي أعقاب فوز إردوغان بالانتخابات، ومع تعيين فيدان رئيس الاستخبارات لتولي منصب "الدبلوماسي الأعلى" تزداد هذه الحالة على نحو أكبر.

ومع ذلك يرى مراقبون، تحدث إليهم موقع "الحرة"، أن فيدان ورغم أنه كان في منصب رئيس الاستخبارات منذ 13 عاما، إلا أنه عمل "وزير خارجية في الظل"، وخاصة خلال العامين الماضيين.

وشهدت الفترة التي استبقت موعد تنظيم الانتخابات تحولات عدة على صعيد سياسة إردوغان الخارجية، إذ اتجهت أنقرة لتصفير مشاكلها مع دول كانت تكن لها العداء، مثل السعودية، والإمارات ومصر وإسرائيل وأخيرا سوريا بالجزء التي يسيطر عليه نظام بشار الأسد.

ولم يكن ليتم المسار المذكور إلا بالدور الذي لعبه فيدان على رأس الاستخبارات، إذ أوكلت إليه مهمة فتح الأبواب الموصدة أمام الساسة والقادة، وهو ما تمت ترجمته في ملفات عدة.

"محطات رجل في الظل"

وفي أولى كلماته للرأي العام بعدما كان نادر التحدث، أعرب فيدان في كلمة له بجانب جاويش أوغلو عن شكره لإردوغان "على الثقة والتقدير الذي منحهما إياه في تعيينه وزيرا للخارجية بعد رئاسة الاستخبارات".

وقال: "بعد أن أمضيت 13 عاما في جهاز الاستخبارات الذي استوجب تحمّل مسؤوليات كبيرة، أشكر فخامة الرئيس على ثقته بي، وتعييني وزيرا للخارجية الذي يتطلب أيضا نفس القدر من المسؤولية".

وأكد أنه سيواصل دفع رؤيته للسياسة الخارجية الوطنية التي تقوم على سيادة إرادة الشعب التركي واستقلال الدولة عن جميع مجالات النفوذ، كما شكر نظيره السابق قائلا: "الوزير جاويش أوغلو رجل دولة وسياسي والأهم من كل هذا، لديه مزايا فريدة وعالية من الناحية الإنسانية والصداقة".

وتلفت الحياة المهنية لفيدان الانتباه، كونها تتدرج من ضابط صف إلى أكاديمي، ومن المهام البيروقراطية إلى رئاسة الاستخبارات، ومن هناك إلى وزارة الخارجية.

ولا يوجد الكثير من المعلومات عن سيرته، بخلاف الموقع الإلكتروني لرئاسة الاستخبارات، وما تنشره وسائل الإعلام التركية عنه.

ولد فيدان في العاصمة أنقرة سنة 1968، وتخرج في المدرسة الحربية بمدرسة اللغات في القوات البرية، وأكمل تعليمه الأكاديمي أثناء خدمته في الجيش التركي.

وخلال مهمته في حلف شمال الأطلسي (الناتو) خارج تركيا، حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والإدارية من جامعة ماريلاند، كما حاز درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة بيلكنت بأنقرة، قسم العلاقات الدولية. 

وتوجه فيدان إلى الحياة الأكاديمية بعد خدمته في الجيش التركي، وألقى محاضرات في مجال العلاقات الدولية بجامعتي "حاجت تبه" و"بيلكنت" بأنقرة، حسب وكالة "الأناضول".

وشغل مناصب مهمة في مجالات السياسة الخارجية والأمن على مختلف المستويات الحكومية. 

ومن بين تلك المناصب: نائب وكيل الوزارة المسؤول عن السياسة الخارجية وقضايا الأمن في رئاسة الوزراء، وعضو مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وممثل خاص لرئيس الوزراء، ونائب لرئيس جهاز الاستخبارات، ممثل خاص لرئيس الجمهورية ورئيس لجهاز المخابرات طوال 13 عاما منذ 2010.

"إلى الأضواء"

ووفقا للمراقبين، سيكون أداء فيدان في العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب له أهمية حاسمة في تحديد مسار العلاقات الدولية لتركيا في السنوات المقبلة.

وكذلك الأمر بالنسبة لعلاقات أنقرة في الإقليم والمنطقة العربية، وكيفية التعاطي مع الملف السوري، لاسيما أنه كان قد فتح أولى أبواب العلاقة مع نظام دمشق باللقاء على مستوى الاستخبارات في موسكو، أواخر العام الماضي.

وتشير وكالة "بلومبيرغ" إلى أنه "من المتوقع أن يزيد وزير الخارجية هاكان فيدان من جهوده لإقامة علاقات مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد الخطوات التي اتخذها في هذا الاتجاه كرئيس للاستخبارات".

ويوضح الباحث التركي، يوسف إريم أن "فيدان يجلب مهارات فريدة جدا إلى الطاولة"، ويعتقد أنه "سيكون لديه انتقال سلس للغاية من مسؤول استخبارات إلى دبلوماسي رفيع المستوى، رغم أن هذه الخطوة ليست غير مسبوقة".

وكان مسؤولو استخبارات رفيعو المستوى انتقلوا إلى الدبلوماسية أو أصبحوا رؤساء دول يقودون الدبلوماسية، مثل بوتين وبومبيو وكوهين وبوش، حسب إيريم.

ويقول: "بصرف النظر عن الواجبات العامة لرئيس المخابرات، استخدم الرئيس إردوغان باستمرار فيدان بصفته الدبلوماسية على مر السنين لإجراء حوار مع الدول التي توترت علاقات تركيا معها".

وينطبق ما سبق على سوريا وليبا ومصر وإسرائيل والخليج، إذ يضيف إريم أن "دبلوماسية الظل الخاصة بفيدان فتحت الباب للتطبيع، وكانت بالعموم القناة الدبلوماسية الوحيدة بين تركيا وهذه البلدان".

ويرى الباحث السياسي التركي، هشام جوناي، أن السياسة الخارجية لتركيا في المرحلة المقبلة ستكون ثابتة، ولاسيما أنها "بنيت بالأصل على أساس استخباراتي - عسكري".

ويقول جوناي لموقع "الحرة": "شاهدنا فيدان مؤخرا يذهب مع إردوغان إلى كافة الاجتماعات في الخارج لاسيما إلى روسيا والقمم المتعلقة بالناتو، والمسارات السورية في جنيف وأستانة".

ويعتقد الباحث أن وزير الخارجية الجديد "لديه إطلاع على كافة الأصعدة"، كونه كان جزءا منها.

من جهته يرى الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، أن "تعيين فيدان يعطي انطباعا عن وجود إدارة جديدة للسياسة الخارجية، مختلفة عن الإدارات السابقة".

ويتعلق ذلك "بالنظر إلى فيدان كرجل استخباراتي خبير في السياسة الخارجية، ونسج علاقات قوية مع الدول، فيما أشرف على القنوات مع روسيا وأميركا".

ويقول علوش لموقع "الحرة": "كل هذه الأمور تساعد فيدان أن يشكل سياسة نشطة وفعالة بشكل أكبر في التعامل مع الدول"،  ويعتقد أن "اختياره يشير إلى أهمية البعد الأمني الذي يطغى على غيره في تشكيل السياسة الخارجية".

"حل القضايا الصعبة"

ولا يعد فيدان "غريبا على الدبلوماسية، بل له خبرة كبيرة في الملفات الحساسة والعمل على العلاقات الهشة"، وفق الباحث يوسف إريم.

ويوضح أنه "خبير في ملف الشرق الأوسط وخاصة سوريا وشمال أفريقيا.. ومن المحتمل أن تكون خبرته الاستخباراتية وعمله الوثيق مع خدمات الأمن رصيدا كبيرا في تآزر الدبلوماسية مع الدفاع".

ويشير إريم إلى أن "فيدان كان مشاركا أيضا منذ فترة طويلة في مجموعة من المستشارين الأساسيين لإردوغان، والتي تنضم إلى الرئيس في اجتماعات ثنائية رفيعة المستوى".

ويضيف أن "تعيينه يعطي علامة على أن إردوغان سيعطي الأولوية للقضايا الصعبة مثل سوريا وليبيا والعراق وأوكرانيا على مدى السنوات الخمس المقبلة، لأن هذه الملفات هي على الأرجح جزء من خبرة فيدان".

ويتوقع الباحث أيضا أن "يكون فيدان نشطا في ملفي جنوب القوقاز والبلقان، لأن الأول قد أتاح فرصة للسلام، والثاني يزداد توترا يوما بعد يوم".

أما بالنسبة للملفات الرئيسية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، "يفضل إردوغان دائما دبلوماسية القيادة للحوار والقرارات في هذه العلاقات"، وفق ذات المتحدث.

ويعتقد الباحث السياسي  هشام جوناي أن "نهج فيدان واضح ليس فقط بالنسبة للاستخبارات، بل بالنسبة للتفكير والإيديولوجيا".

ويضيف أنه "يأتي من خلفية إسلامية، وفي عهده سنتابع المزيد من التوجه نحو المنطقة العربية والشرق".

من جانبه يرى الباحث علوش أن "وزير الخارجية الجديد سيستفيد من خبرته الواسعة التي اكتسبها في الاستخبارات ودرايته في الدبلوماسية، من أجل تشكيل سياسة خارجية توائم بين متطلبات الأمن والدبلوماسية".

ويقول إن "السياسة الخارجية المقبلة ستعطي أولوية لمواصلة عمليات التوازن بين روسيا والولايات المتحدة وإكمال خطوات الاستقلالية، بالإضافة إلى مواصلة المزج بين القوة الصلبة ودبلوماسية التعامل مع المحيط والمنطقة العربية".

ويعتقد علوش أن "الحقبة السياسية الجديدة في السياسية الخارجية ستنقل تركيا إلى مستوى جديد، وأفترض أنها ستساعد لحد كبير إلى تهدئة الاضطرابات مع الدول الغربية وتعزيز العلاقات مع الجهات الأخرى في المنطقة العربية وروسيا".

10 قضايا في الانتظار

وينتظر فيدان 10 قضايا تتعلق بالسياسة الخارجية لأنقرة في المرحلة المقبلة، حسب صحيفة "يني شفق" المقربة من الحكومة، أولها أنها سيلتقي بوزراء الخارجية في اجتماع قادة الناتو المقرر عقده في فيلنيوس عاصمة لاتوانيا، الشهر المقبل.

وتنتظر العواصم الغربية "تأشيرة الناتو" التي ستصدر للسويد قبل فيلنيوس، إذ تعتقد ستوكهولم، التي أصدرت 3 لوائح متتالية لتشديد تشريعات مكافحة الإرهاب منذ العام الماضي أنها تفي بشروط الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع تركيا في مدريد.

وتتعلق القضايا الأخرى بصفقة طائرات "إف 16" مع الولايات المتحدة الأميركية ومشكلة التأشيرات مع دول الاتحاد الأوروبي، و"الحفاظ على المناخ المعتدل" في العلاقة بين اليونان وتركيا.

بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بعلاقات أنقرة مع موسكو، و"السياسة الحيادية والمتوازنة" منذ الغزو الروسي على أوكرانيا، فضلا عن العلاقة القائمة مع النظام السوري، واستمرارية المفاوضات في المرحلة المقبلة.

وبالنسبة لعلاقة أنقرة بالنظام السوري يرى جوناي أنه "بتعيين فيدان وزيرا للخارجية سيعمل على تنظيم المسار الخاص بذلك"، كونه فتح أولى أبواب "عملية بناء الحوار".

وسيعمل أيضا على "تحديد مسار السياسة الخارجية الخاصة بالوطن العربي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية والقضايا المتعلقة بحلف "الناتو"، كونه على اطلاع كبير فيها.

ويشير تقرير لصحيفة "صباح" إلى أن "فيدان الذي يتحكم بمدونات السياسة الخارجية العميقة سيكون أقرب شخص إلى إردوغان، وأولويته الدبلوماسية في الفترة المقبلة".

ويضيف التقرير: "المواطنون الذين كان لديهم فضول بشأن صوت فيدان على وسائل التواصل الاجتماعي سوف يتعرفون عليه بشكل أفضل"، فيما يرى الكاتب في صحفية "حرييت"، عبد القادر سيفي أن "فيدان يمكنه أن يحمل الخط الذي اتخذه مولود جاويش أوغلو في الدبلوماسية".

توقعات أنقرة بشأن العلاقة المقبلة مع إدارة دونالد ترامب ارتبطت على نحو محدد وخاص بسوريا.
توقعات أنقرة بشأن العلاقة المقبلة مع إدارة دونالد ترامب ارتبطت على نحو محدد وخاص بسوريا. Reuters

رغم تعدد الملفات العالقة بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية كان لافتا خلال الأيام الماضية أن توقعات أنقرة بشأن العلاقة المقبلة مع إدارة دونالد ترامب ارتبطت على نحو محدد وخاص بسوريا ومستقبل الهيكل العسكري الذي تدعمه واشنطن في مناطقها الشمالية والشرقية، المتمثل منذ سنوات بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

صدرت التوقعات على 3 مستويات، من أعلى هرم السلطة المتمثل بالرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وصولا إلى وزير خارجيته، حقان فيدان ووزير دفاعه، يشار غولر. ورسمت في غالبيتها صورة "رهان" على احتمالية الانسحاب الأميركي من سوريا، بناء على ما حصل جزئيا في 2018.

وتعتبر تركيا "قسد" امتدادا لـ"حزب العمال الكردستاني" المصنف على قوائم الإرهاب لديها، وهو ما تنفيه الأولى التي تشكل "وحدات حماية الشعب" عمودها الفقري.

وكان ترامب قرر خلال ولايته الأولى في 2018 الانسحاب من سوريا، لكن تراجع عن القرار بعد اعتراض وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون). وبعد عام من ذلك (2019) نفذ الجيش التركي عملية عسكرية مع فصائل سورية معارضة، وتمكن من خلالها من السيطرة على مدينتي رأس العين وتل أبيض ضمن عملية أسماها حينها بـ"نبع السلام".

وفقا لمراقبين وخبراء تحدث إليهم موقع "الحرة" يبدو من تصريحات المسؤولين الأتراك بعد فوز ترامب أنهم يتوقعون أن يكرر الرئيس الأميركي المنتخب ترامب ما فعله قبل 6 سنوات.

وفي حين لا تلوح في الأفق أية بوادر ترجح حصول ذلك يوضحون أن التركيز من جانب أنقرة على الملف السوري دون غيره يرتبط أيضا بسلسلة اعتبارات ومتغيرات حاصلة في الإقليم.

ما الذي تعوّل عليه أنقرة؟

بيان التهنئة الذي وجهه إردوغان لترامب حال فوزه (8 من نوفمبر) كان أولى محطات التركيز على الملف السوري دون غيره، إذ أشار الرئيس التركي لمرتين إلى احتمال شن عملية عسكرية جديدة عبر الحدود، مجددا التأكيد على هدف إنشاء "حزام أمني" على طول الحدود الجنوبية بعمق من 30 إلى 40 كيلومترا.

كما أوضح إردوغان أنه سيواصل محادثاته "عبر دبلوماسية الهاتف" مع ترامب، وسيناقش معه موضوع الانسحاب الأميركي من سوريا، وهي جزئية تطرق إليها وزير الخارجية، حقان فيدانوأعاد التذكير بها في مناسبة منفصلة.

وقال فيدان قبل يومين لصحيفة "ملييت": "نذكّر محاورينا الأمريكيين باستمرار بضرورة إنهاء تعاونهم مع المنظمة الإرهابية في سوريا. وقد زادت اتصالاتنا بشأن هذه المسألة"، مضيفا: "نرى أن الجانب الأمريكي يؤيد أيضا إجراء المزيد من المحادثات والمشاورات".

وانضم إليه وزير الدفاع، يشار غولر، معتبرا، مساء الثلاثاء، في مقابلة مع الصحفية كوبرا بار أن "ترامب سيركز على موضوع سحب القوات الأميركية في سوريا"، وزاد: "في فترة رئاسته الأولى أصدر أوامره ثلاث مرات لسحب القوات من سوريا، ومع ذلك لم يتم تنفيذ ذلك".

ويوضح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كوجالي، سمير صالحة أن نقاشات الملف السوري الحالية بين واشنطن وأنقرة تختلف عن تلك التي حصلت في عام 2019. أي في فترة ولاية ترامب الأولى.

ويشير في حديثه لموقع "الحرة" إلى وجود أكثر من متغير على الأرض في الوقت الحالي. وهذه المتغيرات مرتبطة بمسائل محلية وإقليمية، وتؤثر جميعها على القرارات الاستراتيجية التركية الأميركية المرتبطة بسوريا.

وبناء على ما سبق يجب الأخذ بالاعتبار هذه المتغيرات عند تقييم وبحث مآلات ومستقبل العلاقة ما بين تركيا والولايات المتحدة حال تسلم ترامب ولايته الثانية رسميا، بحسب صالحة.

"ما وراء طروحات إردوغان الملفتة"

يعتبر أستاذ العلاقات الدولية أن طروحات الرئيس التركي بشأن سوريا بعد فوز ترامب كانت "ملفتة"، خاصة عندما أعاد التأكيد على ضرورة ربط حلقات "المنطقة الآمنة" التي تتمسك أنقرة بإنشائها على طول الحدود مع سوريا والعراق.

ويشرح في المقابل حيثيات عدة نقاط ترتبط بالتركيز التركي على الملف السوري الآن وستكون في صلب نقاشات أنقرة مع الإدارة الأميركية الجديدة.

تتعلق هذه النقاط أولا بمسألة النفوذ الإيراني في سوريا وما تعمل عليه إسرائيل ضد طهران وميليشياتها في سوريا وسيناريوهات "الإضعاف" الحاصل على الأخيرة بوجهة نظر تركية.

وتذهب أخرى باتجاه روسيا، ومن منطلق أن "التفاهمات التركية الأميركية لا يمكن أن تكتمل دون الأخذ بعين الاعتبار ما تريده موسكو"، وفق أستاذ العلاقات الدولية.

ما تفعله إسرائيل أيضا في سوريا سيكون لها تأثير على فحوى نقاشات أنقرة وواشنطن.

ويعتقد صالحة أن طبيعة الحد الذي ستصل إليها إسرائيل ضد إيران سيكون مسألة مقعدة وعقدة أساسية في النقاشات المحتملة بين تركيا والولايات المتحدة، وخاصة في حال قالت إسرائيل: "يجب أن أحصل على تواجد على طاولة رسم الخرائط الجديدة في سوريا".

ومن جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي، عمر كوش أن التركيز التركي على سوريا الآن يخفي ورائه "مراهنة على أن ترامب قد ينسحب من البلاد كما فعل في ولايته الأولى.وتراجع بعد ذلك إثر ضغوط البنتاغون".

ويعتقد كوش في حديثه لموقع "الحرة" أن "ترامب بولايته الجديدة ربما يكون أكثر تحررا من الضغوط التي واجهها في 2018، وبالتالي يمكنه أن ينفذ ما يراه مناسبا بما في ذلك الانسحاب من سوريا واستكمال الانسحاب النهائي من العراق".

ما المتوقع أميركيا؟

لم ينقطع الدعم الأميركي عن "قسد" في شمال وشرق سوريا منذ عام 2015 وما يزال ساريا حتى الآن.

وفي غضون ذلك لا يبدو شكل السياسة التي ستكون عليها إدارة ترامب واضحا، سواء في المنطقة أو في سوريا بالتحديد.

ولكن بالنظر إلى ما حصل عام 2019، هناك تساؤل مفتوح حول ما إذا كان مثل هذا الانسحاب سيكون تدريجيا أو مفاجئا أو حتى ضمن قائمة الأمور التي يجب تنفيذها في عام 2025، كما يقول الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، ريان بوهل.

وبما أن إدارة ترامب ستركز على العديد من القضايا الداخلية، بما في ذلك الهجرة، فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت ستبدي اهتماما بالانسحاب المفاجئ من سوريا في العام المقبل، وفقا لحديث بوهل لموقع "الحرة".

ولكن سيكون لدى إدارة ترامب خيار بين انسحاب تدريجي يتضمن التفاوض مع تركيا وسوريا و"قوات سوريا الديمقراطية" (SDF) لمحاولة إيجاد حل حكومي قابل للتطبيق لا يؤدي فورا إلى غزو سوري أو تركي لشمال شرق سوريا.

ومع ذلك يعتبر الباحث الأميركي أن "إدارة ترامب انفعالية.. ولا يزال من الممكن أن يأمر الرئيس المنتخب فجأة بسحب جميع القوات الأمريكية من سوريا، خصوصا كرد فعل على حدث سياسي داخلي أو انتقاد من قاعدته، أو نتيجة هجمات تُعتبر جرّا للولايات المتحدة إلى حرب شرق أوسطية أخرى غير مرغوب فيها".

وتوجد عدة عوامل تساعد ترامب على اتخاذ قرار انسحاب جديد من سوريا، كما يرى المحلل السياسي، كوش، ومن بينها الأغلبية التي حصل عليها حزبه في مجلسي النواب والشيوخ.

كما سيكون هناك تغيرات كبيرة في المؤسسات، ولذا يمكن أن يساعده الطاقم الجديد الذي سيختاره على تحقيق رغبته في الانسحاب، وفقا لكوش.

ويتابع: "القيادة التركية تراهن على ذلك، وتعوّل أيضا على العلاقة الشخصية التي تجمع إردوغان بترامب، والتي سمحت لأنقرة تنفيذ عمليتين في عفرين ومدينتين في شمال سوريا (رأس العين، تل أبيض)".

ارتياح أم قلق؟

في ورقة بحثية نشرتها الثلاثاء رأت مديرة مؤسسة لـ "مركز الدراسات التركية" في "معهد الشرق الأوسط"، غونول تول أن "فترة ولاية ترامب السابقة في منصبه يجب أن تمنح أنقرة الكثير مما يجعلها تشعر بالقلق في ولايته الثانية".

ورغم أن إردوغان أعرب عن حماسه لنتائج الخامس من نوفمبر لكنه قد يندم على ذلك، على حد تعبير تول.

وتضيف: "من سوريا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، قوضت تصرفات ترامب في ولايته الأولى المصالح التركية. وقد تشكل رئاسة ترامب الثانية تحديات أخرى لأنقرة"، مستندة بذلك إلى عدة اعتبارات.

وبين تلك الاعتبارات أن مايك والتز الذي اختاره الرئيس الأميركي المنتخب هو "مؤيد قوي للميليشيات الكردية السورية وكان وراء قرار فرض عقوبات على تركيا في عام 2019".

من ناحية أخرى يشير أستاذ العلاقات الدولية صالحة إلى عامل قلق آخر بالنسبة لأنقرة، ويرتبط بما إذا كان الرئيس المنتخب ترامب قد يعتمد على سياسة جديدة منفتحة أكثر على روسيا.

وقد تنعكس تلك السياسة بالإيجاب على إسرائيل، وتعمل على تقويتها أكثر فأكثر في الملف السوري.

ودائما ما كان الطرح التركي هو الجلوس على طاولة ثلاثية مع روسيا والولايات المتحدة، بحسب صالحة، ويقول متسائلا: "هل تنجح أنقرة بإقناع ترامب وبوتين الآن في ترتيب هذه الطاولة وحسم الكثير من المسائل؟".

وتبرز تساؤلات أخرى تتعلق بشمال شرق سوريا بالتحديد ووضع "قسد"، بينها وفق ما استعرضها صالحة: هل ستقبل تركيا بسحب السلاح وانسحاب "قسد" من شرق الفرات والبقعة الجغرافية التي تتحدث عنها وتكتفي بذلك؟

ويستبعد صالحة أن تقبل أنقرة بذلك، ويوضح أن تركيا عندما تناقش موضوع "قسد" مع واشنطن لن تكتفي بطلب سحب السلاح وتراجعها عن الحدود لمسافة تزيد عن 30 كيلومترا، بل ستثير موضوعا آخرا بشأن طبيعة ما تفكر به واشنطن بخصوص سوريا ككل، سياسيا ودستوريا.

الخاسر والمستفيد

يعتقد المحلل السياسي كوش أن الخاسر الأكبر في حال اتخذ ترامب مجددا قرار الانسحاب من سوريا سيكون "حزب الاتحاد الديمقراطي" ومخرجاته العسكرية (قسد ومسد)".

ويقول: "في حال حصل أي انسحاب ستكون هذه المخرجات العسكرية في مواجهة تركيا وفصائل المعارضة المنتشرة في غرب الفرات على نحو أكبر".

لكن المحلل السياسي يعيد التأكيد أن "القضية مرهونة بطاقم الإدارة وبما سيقرره ترامب، الذي لا يمكن التنبؤ بقراراته أيضا".

وباعتقاده أيضا سيشهد الملف السوري تغيرات كبيرة قد يفرضها حصول اتفاق جديد ما بين ترامب ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين.

ويعتبر الأكاديمي السوري المقيم في القامشلي، فريد سعدون أن "ترامب يعرف بقراراته الارتجالية. هو رجل يعتمد على سياسة براغماتية منفعية، وقراراته مرتبطة بالمكاسب".

لكنه يقول لموقع "الحرة" إنه "توجد الكثير من المواضيع الاستراتيجية ولا يمكن تجاوزها من قبل الإدارة الأميركية الجديدة".

في حال فكّر الرئيس الأميركي المنتخب بترك مناطق شرق الفرات في سوريا "يكون أعطى فرصة ذهبية لبقية اللاعبين (تركيا وإيران، وروسيا)، وبالتالي سيخسر ورقة مهمة في المنطقة"، على حد تعبير الأكاديمي السوري.

كما يضيف: "إذا فكر بالانسحاب وكأنه يساعد من هم في صراع معه على أن ينتصروا ويتغلبوا عليه.. وأن يؤمنوا موارد لتمويل عملياتهم العسكرية وتطبيق سياساتهم في المنطقة".

ومع ذلك، تذهب التوقعات في شمال شرق سوريا إلى أن ترامب لن يكرر ما فعله في 2019، بانسحابه من بعض المناطق، بحسب ما يشير الأكاديمي السوري.

ويعتقد سعدون أنه "ربما تحصل تفاهمات بين الولايات المتحدة وتركيا حول المنطقة الآمنة. أي أن يعمل ترامب على الضغط على قسد لتبتعد عن الحدود دون أن يسمح للأتراك أن ينفذوا اجتياحا بريا".