تترقب دول خليجية زيارة يقوم بها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في رحلة تحمل عنوانا واحدا بارزا: الاقتصاد.
وتبدأ جولة إردوغان المكوكية في السعودية، الاثنين، قبل المغادرة إلى قطر، الثلاثاء، على أن تختتم الرحلة، الأربعاء، بزيارة الإمارات، التي كان رئيسها أول من زار تركيا بعد انتخاب إردوغان رئيسا لولاية جديدة.
والخميس، قال إردوغان، إنه يأمل في التوصل لاتفاقات استثمارية خلال هذه الجولة الخليجية التي تأتي وسط أزمة اقتصادية طاحنة تعاني منها تركيا انخفضت فيها الليرة إلى مستويات قياسية أمام الدولار الأميركي.
وأضاف في مقابلة نشرتها وسائل إعلام تركية أن تلك الاستثمارات قد تنفذ في تركيا أو في أي من تلك الدول الثلاث.
الاقتصاد أولا
ويرى الباحث في العلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، أن التحركات التركية الأخيرة تجاه الخليج والغرب "يهيمن عليها الاقتصاد".
وقال عودة أوغلو لموقع قناة "الحرة" إن "الهدف الأساسي من جولة إردوغان الخليجية هي إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي تعصف بتركيا"، وذلك من خلال استقطاب استثمارات من الدول الثلاث الثرية بالطاقة للبلاد.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أفادت وكالة رويترز أن تركيا تتوقع أن تضخ قطر والسعودية والإمارات استثمارات مباشرة قدرها نحو 10 مليارات دولار في البداية، و30 مليار دولار إجمالا في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والدفاع في أعقاب زيارة إردوغان للدول الثلاث.
وقبل أيام، قال وزير التجارة التركي، عمر بولاط، على هامش منتدى الأعمال التركي السعودي في إسطنبول، إن بلاده أطلقت مع مجلس التعاون الخليجي مباحثات استكشافية، مايو الماضي، بهدف توقيع اتفاقية تجارة حرة، بحسب وكالة "الأناضول".
وتأتي جولة الرئيس التركي في خضم أزمة اقتصادية طاحنة تشهدها تركيا دفعت كثير من الاستثمارات بالخروج من البلاد البالغ تعداد سكانها 85 مليون نسمة.
كما أنها تأتي بعد 5 أشهر على كارثة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص، علاوة على تسببه بدمار كبير في جنوب البلاد.
أستاذ العلوم السياسية السعودي، عبدالله العساف، يتحدث عن رأس أولويات جولة الرئيس التركي، قائلا إن "الاقتصاد هو الرقم واحد".
في حديثه لموقع "الحرة"، قال العساف إن الرئيس التركي "حريص على تحقيق مكاسب اقتصادية" من هذه الجولة بعد فوزه في الانتخابات، وأن الرياض لديها الكثير لتقدمه لأنقرة.
وتابع: "السعودية لديها الكثير من المشاريع الاقتصادية المربحة في تركيا والاستثمارات ... السعوديون هم من يعمرون تركيا كسياح ومستثمرين، كما أن الأسواق السعودية باتت مفتوحة للسلع التركية مما يدعم اقتصاد البلاد".
"تراجع الميزان التجاري التركي"
بالنسبة لتركيا، فإنها تسعى لزيادة حجم التبادل التجاري مع السعودية إلى مستوى أكبر. وكان وزير التجارة التركي، صرح بأن حجم التبادل التجارية مع السعودية بلغ 3.4 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالي بعد أن سجل 6.5 مليار دولار عام 2022.
وفي 2016، سجلت البلدان رقما قياسيا في التبادل التجاري مقتربا من 6 مليارات دولار، لكن هذا الرقم تراجع بشكل كبير خلال السنوات التالية بسبب تدهور العلاقات بين البلدين.
ولفت العساف إلى أن تراجع العلاقات السعودية التركية أسهم "بتراجع الميزان التجاري التركي"، مما سبب ضررا لكثير من الصناعات التركية.
وفي سياق الاقتصاد أيضا، يعتقد المحلل السياسي الإماراتي، محمد تقي، أن هذا الملف بات "المحرك الرئيسي" للعلاقات التركية الخليجية الجديدة.
خلال حديثه لموقع "الحرة"، أشار تقي إلى أن الزيارة جاءت في أعقاب رحلة الرئيس الإماراتي إلى أنقرة، الشهر الماضي، والتي جاءت بعد 3 أشهر على توقيع البلدين اتفاقية تجارية مهمة.
وكان الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد، أول الزعماء العرب الذين وصلوا إلى تركيا بعد فوز إردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بينما كانت أبوظبي الوجهة الأولى لنائب الرئيس التركي، جودت يلماز، ووزير الخزانة والمالية المعين حديثا، محمد شيمشك، واللذان زارا قطر أيضا.
كما زار شيمشك السعودية، الأربعاء، برفقة محافظة البنك المركزي التركي والذي أودعت فيه السعودية 5 مليارات دولار خلال مارس الماضي.
وفي مارس كذلك، وقعت الإمارات وتركيا اتفاقية في أبوظبي تهدف إلى زيادة التجارة بين البلدين إلى 40 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، بحسب رويترز.
وآنذاك، قال إردوغان إن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة ستنقل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين إلى مرحلة جديدة.
وقال تقي إن تركيا لها موقع استراتيجي مهم يربط الشرق الأوسط بأوروبا، وهي من مستهدفات الإمارات للاستثمار فيها "بناء على المبادئ العشرة للخمسين عاما المقبلة".
ما هي الملفات الأخرى؟
بالنسبة للإمارات، يعتقد تقي أن تعاونا عسكريا محتملا قد تشهده الزيارة، لا سيما على مستوى الصناعات الدفاعية.
وقال تقي إن "العلاقات الجديدة المدفوعة بالمحرك الاقتصادي، ترسم الاستقرار في المنطقة، بعد التراجع التركي الواضع في ملفي سوريا ومصر"، على حد تعبيره.
وخلال العامين المنصرمين، تحسنت العلاقات بين تركيا وقطر في جانب والسعودية والإمارات في جانب آخر، بعد أن توترت خلال السنوات السابقة جراء دعم كل جانب طرف نقيض في نزاعات إقليمية، بالإضافة إلى أسباب ثنائية أخرى بين هذه البلدان.
بدوره، قال العساف إن "الاجتماعات لن تخلو من الملف السوري وقضايا سياسية مشتركة أخرى"، بما في ذلك الملفات الأمنية المتعلقة بالإرهاب العابر للحدود والمخدرات.
كما يمكن للزيارة أن تسفر عن بعد آخر يتعلق في بحث أكبر دولتين إسلاميتين بمسائل "الاعتداء على مقدسات المسلمين، وربما يتم إرسال رسالة علنية للغرب بهذا الشأن بعد الضغوطات المجتمعية في دول العالم الإسلامي"، كما يقول أستاذ العلوم السياسية السعودي.
ويشير أوغلو إلى أن الزيارة "التي لن تخلو من الملفات السياسية"، تأتي في إطار تشكيل تحالفات تركية عربية جديدة.
وقال إن "دول الخليج ربطت في السابق (مسألة) تعزيز العلاقات مع أنقرة بالتنسيق مع مصر والآن العلاقات التركية المصرية وصلت لمرحلة متقدمة جدا".
وأضاف أن "هناك حديثا عن القضايا السياسية وخاصة مع السعودية، التي تلعب دورا كبيرا في ملفات المنطقة، وسيكون هناك تنسيق تركي سعودي خلال المرحلة المقبلة، خاصة بعد التقارب السعودي الإيراني".
وبينما يشير عودة أوغلو إلى أنه من الـ "ممكن أن تلعب (تركيا) دورا كبيرا في إيجاد حلول للملفات الشائكة في المنطقة لا سيما سوريا"، قال تقي إن "هناك توافقا محتملا بين سوريا وتركيا سياسيا برعاية إماراتية".