جانب من الاعتداءت على السوريين (مواقع التواصل)
جانب من الاعتداءت على السوريين (مواقع التواصل) | Source: SOCIAL MEDIA

لم تكن البيانات الرسمية التي وضعت الشرارة الأولى ضمن إطار "المزاعم"، كفيلة بأن تمنع الهجمات التي استهدفت ممتلكات اللاجئين السوريين في ولاية قيصري التركية.

ورغم توقفها بعد منتصف ليلة الاثنين، بقيت آثارها حاضرة لدى الكثيرين، كما يقول البعض منهم لموقع "الحرة"، وحسب الصور التي نشرتها وسائل إعلام وصحفيون مع بزوغ الفجر.

الهجمات أسفرت عن حرق سيارات اللاجئين وتكسير محالهم التجارية، في حوادث مشابهة لتلك التي حصلت في حي ألتن داغ، بالعاصمة أنقرة، في أغسطس 2021.

وبينما كانت تتصاعد شيئا فشيئا، دخلت قوات الشرطة على الخط، ومن ثم اعتقلت السلطات 67 شخصا، حسبما أعلن وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عبر حسابه في موقع التواصل "إكس".

تسجيلات مصورة كثيرة وثقت عمليات التكسير والتحطيم والحرق، وأخرى صورها سوريون بأنفسهم، وكان أشهرها ذاك الذي التقطه أحدهم لسيارته وهي تحترق بينما يردد بالقول: "ذنبك الوحيد أنك سوري.. جنيت عمري بهذه السيارة وحرقوها.. شو بدي أحكي (ماذا أقول)!".

كيف بدأت القصة؟

بدأت الهجمات التي نفذها مواطنون أتراك بعدما انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، ادعى ناشروه أنه "يوثق تحرش رجل سوري بطفلة تركية في أحد المرافق العامة بمدينة قيصري التركية".

ورغم البيان الذي أصدرته ولاية قيصري بعد ذلك، أوضحت فيه أن الرجل سوري تم اعتقاله، وأن الطفلة سورية تم نقلها إلى أحد مراكز الحماية التابعة لوزارة الأسرة، فإن الهجمات ضد السوريين لم تتوقف.

وعلى العكس، تصاعدت حدتها لتصل إلى حد إحراق المحال التجارية وقلب السيارات وتحطيمها وحرقها مع الدراجات النارية أيضا.

سياح في إسطنبول
"العنصرية" ضد السياح العرب في تركيا.. ظاهرة ممنهجة أم حوادث فردية؟
يشهد هذا الصيف انتشارا كبيرا لمقاطع مصورة يتداولها رواد منصات التواصل الاجتماعي تظهر حدوث اعتداءات عنصرية لفظية وجسدية بحق بعض السياح العرب في تركيا، مما جعل رهطا كبيرا من الناشطين يطلقون حملات إلكترونية لمقاطعة السياحة في "بلاد الأناضول" باعتبار أن ما يجري هو ظاهرة ممنهجة بحق أبناء جلدتهم، بينما يصر آخرون على أن تلك الوقائع لا تعدو عن حوادث فردية يمكن أن تقع فصولها في أي بقعة من العالم.

سمر.. لاجئة سورية مقيمة في حي دانشمينت غازي، الذي تركزت فيه معظم الهجمات وأعمال الشغب، تحدثت لموقع "الحرة" عن الليلة العصيبة التي عاشتها مع عائلتها، قائلة: "سيارات ورزق محروق ومحال مكسرة.. هذا هو مختصر ما عشناه".

وأضافت أنها ملتزمة البقاء في بيتها كحال معظم السوريين في قيصري، مشيرة إلى مخاوف من تجدد ما حصل ليلة الإثنين، لاسيما مع توارد أنباء عن إمكانية حصول ذلك.

وتواصل فرق الشرطة الإجراءات الأمنية بتسيير دوريات في المنطقة، وفق ما أشارت وسائل إعلام، بينها صحيفة "صباح" المقربة من الحكومة.

وأوضح وزير الداخلية، يرلي كايا، أنهم بدأوا تحقيقا على الفور، وأن ما حصل "غير قانوني وبطريقة لا تتناسب مع قيمنا الإنسانية"، مشيرا إلى "الأضرار التي حلّت بالمنازل وأماكن عمل ومركبات المواطنين السوريين".

الوزير وبعدما أكد اعتقال 67 شخصا، قال إن "الحشود المتجمعة تفرقت بعد الساعة الثانية من ليلة الإثنين"، وأضاف: "من غير المقبول أن يقوم شعبنا بالإضرار بالبيئة دون مراعاة النظام العام والأمن وحقوق الإنسان".

وتابع: "لا يمكننا أن نسمح بكراهية الأجانب، التي ليست في عقيدتنا ولا في قيمنا الحضارية، ولا في سجل أمتنا المقدسة".

من جانبه، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إن "أحد أسباب الأحداث المؤسفة التي تسببت بها مجموعة صغيرة في قيصري أمس، هو الخطاب السام للمعارضة".

وتابع: "نتوقع جهوداً من العقلاء في المعارضة لمنع مشاهد تُحيي الذكريات السيئة لتركيا القديمة".

كيف تفاعل السياسيون؟

لكن في مقابل حديث وزير الداخلية، نشر سياسيون أتراك سلسلة تغريدات عبر موقع التواصل "إكس"، طالبوا فيها بـ"ضرورة إعادة اللاجئين"، من منطلق أنهم "يشكلون مشكلة أمن قومي ومشكلة وطنية".

واعتبر مراقبون وصحفيون أن تصريحات هؤلاء الساسة، "تزيد من نار الاعتداءات والتوتر على نحو أكبر".

ويزيد عدد اللاجئين السوريين في تركيا عن 3 ملايين، وفي قيصري وحدها يقيم أكثر من 82 ألفا، حسب البيانات التي تتيحها رئاسة الهجرة التركية.

وكتب زعيم حزب "الجيد" المعارض، موساوات درويش أوغلو، في تغريدة عبر "إكس": "لقد حذرنا الحكومة عدة مرات لتجنب الوضع الذي حدث في قيصري اليوم. وقلنا إن قضية اللاجئين تشكل تهديدا وجوديا للأمن القومي لمستقبل تركيا والأمة التركية".

وأضاف زعيم حزب "النصر" المعادي للاجئين، أوميت أوزداغ، أن "أحداث قيصري كشفت عن مدى الغضب الذي تسببت فيه سياسة اللاجئين/السياسة غير القانونية التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية".

وتابع: "حتى في مدينة مثل قيصري، القومية والمحافظة، والتي يتمتع فيها حزب العدالة والتنمية بالقوة، فإن تراكم الغضب على هذا النحو ليس علامة جيدة".

في المقابل، اعتبرت البرلمانية التركية، سيفدا كاراجا، عبر "إكس"، أن "السياسات العنصرية المناهضة للاجئين والمهاجرين التي أثيرت في جميع أنحاء البلاد في الأيام الأخيرة، خاصة في عنتاب، أشعلت الأحداث التي وقعت الليلة الماضية في قيصري".

وقالت: "إنه أمر غير مسؤول أن نمهد الطريق أمام الجماهير، التي أُفقرت تماما وحُرمت من المستقبل، وتُركت وحيدة مع العنف والظلم، لتصبح قتلة (الحلقات الأضعف) بدلا من التمسك بها".

"السوريون في خوف"

حسب السورية سمر، فإن الهجمات التي استهدفت ممتلكات السوريين "حفرت أنفاقا عميقة من الخوف" ليس لدى المقيمين في قيصري فحسب، بل عند جميع اللاجئين المقيمين في تركيا.

وأوضحت أن "الخوف أصبح يخيّم على أدق تفاصيل حياتهم".

ولا يعرف ما إذا كان المتضررون سيحصلون على أي تعويض. وأشارت إحدى الجمعيات المعنية بوضع السوريين في قيصري، إلى أن ذلك "قد يكون ممكنا في حال التواصل مع الأرقام الرسمية".

وذكرت وكالة الأناضول، أن مكتب المدعي العام في قيصري بدأ تحقيقا في الحادث، وتم إرسال 9 أشخاص من عائلات المشتبه به والضحية إلى مركز للترحيل.

بالإضافة إلى ذلك، تحقق الشرطة مع الأشخاص الذين شاركوا "منشورات استفزازية" على وسائل التواصل الاجتماعي، كما فرضت محكمة في قيصري حظرا على بث الحادث الذي وقع مساء الأحد.

"كبش فداء"

ومنذ سنوات، غالبا ما يتم استخدام اللاجئين السوريين كـ"كبش فداء" للمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، بما في ذلك ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية، وفق حقوقيين سوريين وصحفيين أتراك، وساسة من أحزاب المعارضة.

وقال الباحث والصحفي التركي، هشام جوناي، لموقع "الحرة"، إنه يوجد "احتقان ضد السوريين منذ سنوات".

ورغم غياب العنصر الانتخابي "فإن حدة ذلك الاحتقان لم تنته لعدة أسباب"، وفق حديثه، معتبرا أن "السلطات تفضل كنس المشاكل المترتبة على هذا الموضوع تحت السجادة، دون أن تجد لها حلا جذريا.. لذلك نشاهد هذا النوع من الاعتداءات في مدن مختلفة وبشكل متواصل".

من ناحية أخرى، رأى جوناي أن تصريح مدير الأمن في قيصري يشير إلى أن "فهم الحكومة التركية لهذه المشاكل ناقص جدا".

وعندما يقول ذلك المسؤول أن "الطفل سوري وليس تركي، فهذا يدل على وجود إشكالية، بينما يعطي التصريح صورة عن تهميش واضح للاجئين، مما يزيد الأمر تفاقما"، وفقا لجوناي.

وتابع: "للأسف هناك تهاون كبير مع من يقوم بتصريحات عنصرية من السياسيين والأكاديميين والصحفيين.. والنتيجة أن الاحتقان سيكون كبيرا".

وأشار أيضا إلى أن "أقل شائعة تطلق في أية مدينة، تسفر عن اعتداءات كبيرة ونتائج وخيمة ضد السوريين في البلاد".

ولا تزال الحكومة التركية تؤكد على هدفها في إعادة اللاجئين "بصورة كريمة" إلى سوريا، وتضع هذا الأمر كأحد أولوياتها في عملية بناء الحوار مع النظام السوري.

وقبل أحداث قيصري، كانت ولاية غازي عنتاب قد شهدت حملة أمنية استمرت 3 أيام، استهدفت السوريين الذين تراهم السلطات "مخالفين وغير قانونيين".

وجاءت الحملة بينما كان مسؤولون في المعارضة يصعّدون ضد الوجود السوري في البلاد، وبالتزامن مع حديث المسؤولين في الحكومة عن نيتهم استئناف الحوار مع النظام السوري، من أجل التنسيق في عمليات العودة و"محاربة الإرهاب"، في إشارة منهم إلى "حزب العمال الكردستاني" في شمال شرق سوريا.

أردوغان وبن سلمان
استأنفت الرياض وأنقرة علاقتهما في إبريل 2022 حين زار إردوغان السعودية والتقى ولي العهد السعودي. Reuters

قال وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، السبت، في مقابلة مع قناة "سي.إن.إن ترك"، إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سيزور السعودية، الاثنين.

وأضاف الوزير أن إردوغان سيبحث العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية خلال حضوره قمة منظمة التعاون الإسلامي في الرياض.

وينطلق، الأحد، الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة العربية - الإسلامية المشتركة غير العادية التي تُعقد في الرياض بدعوة من السعودية، لبحث استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وتطورات الأوضاع في المنطقة، وتنسيق المواقف بين الدول الأعضاء.

وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار وأردوغان.

وبعد قطيعة استمرت أكثر من ثلاث سنوات على خلفية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول عام 2018، استأنفت الرياض وأنقرة علاقتهما في إبريل 2022 حين زار إردوغان السعودية والتقى ولي العهد السعودي.

ومذاك، زار إردوغان السعودية مرتين إحداهما للمشاركة في القمة العربية الإسلامية المشتركة بشأن غزة في نوفمبر 2023.

وسبقتها زيارة في يوليو من العام المذكور شهدت توقيع اتفاقات استثمارية ودفاعية أبرزها شراء المملكة طائرات مسيّرة تركية من إنتاج شركة بايكار.

وتندد السعودية وتركيا باستمرار بممارسات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة حيث تتواصل الحرب بين حركة حماس وإسرائيل.

وقال إردوغان، الجمعة، إنه يأمل في أن يطلب الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، من إسرائيل "وقف" الحرب، وأشار إلى أن تعليق الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل قد يكون بداية جيدة.

وقال أردوغان للصحفيين على متن رحلة عودته إلى تركيا من بودابست، وفقا لنص رسمي لتصريحاته "قطع ترامب وعودا بإنهاء الصراعات... نريد الوفاء بهذا الوعد وأن يُطلب من إسرائيل التوقف".

كما نُقل عن أردوغان القول "قد يكون قطع ترامب دعم الأسلحة عن إسرائيل بداية جيدة من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية واللبنانية".

وتنتقد تركيا بشدة الهجمات الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان، وأوقفت التجارة مع إسرائيل، كما تقدمت بطلب للانضمام إلى دعوى إبادة جماعية مرفوعة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. وتنفي إسرائيل بشدة اتهامات الإبادة الجماعية.

وقال أردوغان إن رئاسة ترامب ستؤثر بشكل جدي على التوازنات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، مضيفا أن المضي في السياسات الأميركية الحالية من شأنه أن يفاقم الوضع في المنطقة ويوسع نطاق الصراع.

واتّهمت إسرائيل، الاثنين، تركيا بـ"الخبث" بسبب رسالة بعثت بها أنقرة إلى الأمم المتحدة ووقّعتها أكثر من 50 دولة ومنظمة تطالب بحظر صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.

وقال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، في بيان "ماذا يمكن أن نتوقّع غير ذلك من دولة دافعُ تحركاتها هو الخبث الهادف إلى خلق نزاعات، مدعومة من دول محور الشرّ"، في إشارة إلى الدول التي دعمت المبادرة التركية.

وأضاف "هذا تحرّك جديد مثير للسخرية من قبل محور الشرّ ضدّ إسرائيل على الساحة الدولية".

وجدّد السفير الإسرائيلي هجومه على الأمم المتّحدة "التي تقودها دول شريرة وليس دول ليبرالية تدعم قيم العدل والأخلاق".

وتعهّد دانون "مواصلة النضال للدفاع عن مصالح دولة إسرائيل في مواجهة أيّ هجوم سياسي أو عسكري".

وكان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أعلن، الأحد، أنّه بعث برسالة مشتركة إلى الأمم المتحدة تطالب بوقف توريد وتسليم الأسلحة إلى إسرائيل.

وقال الوزير التركي إنّ الرسالة وقّعت عليها 52 دولة، من بينها السعودية والجزائر وإيران وروسيا والصين والبرازيل، ومنظمتان هما الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

وتدعو الرسالة التي اطّلعت عليها وكالة "فرانس برس"، الاثنين، إلى "اتّخاذ إجراءات فورية لوقف توريد أو نقل الأسلحة والذخائر والأعتدة المرتبطة بإسرائيل، قوة الاحتلال، في كلّ الحالات التي تكون هناك أسباب معقولة للاشتباه في أنّها يمكن أن تُستخدم في الأراضي الفلسطينية".

وكان أردوغان دعا، في منتصف أكتوبر، الأمم المتحدة إلى فرض حظر أسلحة على إسرائيل، معتبرا أنه "حلّ فعّال" لإنهاء النزاع في قطاع غزة.

ودعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في سبتمبر الماضي، في اتصال هاتفي مع أردوغان الى "توحيد الجهود العربية والإسلامية لمساندة الشعب الفلسطيني" مع استمرار الحرب في غزة.

وأوردت وكالة الأنباء السعودية (واس) أنّ الأمير محمد أكّد "حرص المملكة على توحيد الجهود العربية والإسلامية لمساندة الشعب الفلسطيني الشقيق في مواجهة ما يتعرض له من عدوان غاشم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وعلى ضرورة تكثيف الجهود لوقف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني".