حجبت تركيا إنستغرام في الثاني من أغسطس الحالي لعدم امتثالها "لقوانين وقواعد" البلاد
حجب إنستغرام مستمر لليوم الخامس على التوالي في تركيا

لا يزال حجب منصة "إنستغرام" ساريا في تركيا لليوم الخامس على التوالي، حيث يدق صانعو محتوى وخبراء تجارة إلكترونية ناقوس الخطر، بناء على الأرقام والإحصائيات بشأن الخسائر والتداعيات الناجمة عن الحظر.

وبعد أن التقى بمسؤولين عن المنصة المملوكة لشركة "ميتا"، الاثنين، قال وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورا أوغلو، الاثنين، للصحفيين إنه "يوجد قوانين ولوائح تتعلق بمنصات التواصل الاجتماعي ... والمنصات ذات التمثيل في تركيا يجب أن تمتثل للقواعد".

وأشار الوزير إلى أن سلطات بلاده حذرت "إنستغرام" من جرائم يمكن تطبيق بعض تدابير الحماية لمنع وقوعها، وأضاف مستدركا أن قرار الحجب اتخذ لأنه "لم يكن هناك استجابة".

ورغم التصريحات التي أدلى بها أورا أوغلو، وهي الأولى من نوعها من جانب جهة رسمية، تواصل وسائل إعلام ربط قرار الحجب بالمنشورات الخاصة بالتعزية بمقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية.

حظر "إنستغرام" في تركيا يثير عاصفة من ردود الأفعال.. ماذا وراء القرار؟
أحدث الإجراء الذي اتخذته "هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التركية" (BTK) بحجب تطبيق التواصل الاجتماعي "إنستغرام" ضجة وحالة من الجدل في البلاد، حيث انعكس ذلك خلال الساعات الماضية عبر ردود أفعال لسياسيين ومستخدمين لمنصة "إكس".

ويسود اعتقاد بأن حجب المنصة جاء في أعقاب انتقاد وجهه رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، لـ"إنستغرام" بسبب حذف منشور له يقدم فيه التعازي بمقتل هنية في طهران. ومع ذلك، يؤكد المسؤولون في البلاد أن الأسباب تذهب باتجاه آخر.

وتحدث وزير العدل التركي، يلماز تونج، الثلاثاء، عن "قائمة جرائم"، بينها التحريض على الاعتداء الجنسي على الأطفال، وجرائم الإرهاب، والجرائم ضد مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى أتاتورك، والرهانات غير القانونية.

وقال في مؤتمر صحفي: "ستلتزم منصات التواصل الاجتماعي التي تبث في تركيا بقوانين بلدنا. لا يتمتع أحد بأي امتيازات. يتعين على الدولة أن تقوم بدورها في منع الجرائم على الإنترنت، واستخدمت هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات صلاحياتها".

والهيئة المذكورة تتبع لوزارة النقل، فيما ترك تونج الباب مفتوحا أمام "إنستغرام"، موجها رسالة مفادها: "إذا قامت شركة التواصل الاجتماعي (ميتا) بإلغاء تنشيط المنشورات التي ذكرتها الهيئة كسبب للإغلاق، فسيتم حل المشكلة".

"إردوغان على الخط"

في المقابل، نقلت وكالة "بلومبيرغ"، الاثنين، عن متحدث باسم شركة "ميتا" المالكة لمنصة إنستغرام قوله: "بسبب حظر الوصول إلى المنصة في تركيا، يُحرم ملايين الأشخاص من وسيلة التواصل اليومي مع عائلاتهم وأصدقائهم، بينما لا تستطيع الشركات الوصول إلى عملائها بنفس الطريقة".

وأضاف المتحدث: "سنواصل بذل قصارى جهدنا لجعل خدماتنا متاحة مرة أخرى".

ومنذ الكشف عن خطوة الحجب، صباح الجمعة الفائت، انقسمت ردود الأفعال في تركيا بين ضفتين.

وفي حين أيد مواطنون الإجراء بسبب ما وصفوه بـ"الرقابة الانتقائية" التي تفرضها المنصة، رفض آخرون ذلك واعتبروه "تدخلا في حرية التعبير".

وبعد سلسلة مواقف منتقدة أبداها مسؤولون معارضون لما اتخذته "هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات"، اتهم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، منصات التواصل الاجتماعي بـ"الفاشية الرقمية"، بسبب الرقابة على صور قتلى فلسطينيين في الحرب بقطاع غزة.  

وبعث الرئيس التركي برسالة من مقر حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، مفادها أن حظر الوصول المفروض على "إنستغرام" سيتم رفعه إذا تم تلبية "مطالب تركيا العادلة".

وقال: "في هذه المرحلة، نشهد شخصيا أن شركات التواصل الاجتماعي تتصرف مثل المافيا في كل أمر يمس مصالحها. نحن نواجه فاشية رقمية لا يمكنها حتى أن تتسامح مع صور الشهداء الفلسطينيين وحظرهم على الفور، وتسويق ذلك على أنه حرية".

وفي انتقاده للمعارضة، أضاف الرئيس التركي: "أولئك الذين لا ينتقدون عار منصات التواصل الاجتماعي وأولئك الذين لا يتحدثون عن الفاشية التي يروجون لها، هم في قائمة الانتظار للشكوى من تركيا للغربيين".

أضرار اقتصادية

وفقا لبيانات موقع "Statista"، فإن هناك ما يقرب من 58 مليون مستخدم لمنصة "إنستغرام" في تركيا، وذلك حتى شهر فبراير لعام 2024. وبالاستناد إلى تلك البيانات، تعد تركيا خامس دولة من حيث عدد مستخدمي المنصة في العالم.

وبينما تحتل الهند المرتبة الأولى بعدد مستخدمين يبلغ 363 مليون مستخدم، تأتي الولايات المتحدة المرتبة الثانية بعدد مستخدمين يبلغ 167 مليون مستخدم، فيما جاءت البرازيل ثالثة بواقع 101 مليون مستخدم.

ويوضح تقرير توقعات التجارة الإلكترونية للشركات الصغيرة والمتوسطة في تركيا، الذي تم إعداده بالتعاون بين "أمازون تركيا" و"برايس ووترهاوس كوبرز تركيا"، أنه من المتوقع أن يصل عدد مستخدمي وسائل التواصل في البلاد إلى 76.59 مليونا بحلول العام 2027.

وفي هذا الصدد، قال رئيس وكالة تخطيط إسطنبول (IPA)، بورا غوكشه، عبر منصة "إكس"، الثلاثاء، إن التكلفة اليومية لإغلاق إنستغرام في البلاد تبلغ 1.9 مليار ليرة تركية (56.5 مليون دولار).

وقال إن "الشركات تصل إلى عملائها عبر إنستغرام وتقدم خدمات المبيعات وما بعد البيع. وبالتالي في كل يوم تظل فيه المنصة معطلة، تواجه هذه الجهات مشكلة في تقديم خدمات المبيعات وما بعدها".

وبالنظر إلى وجود ما يقرب من 50 مليون مستخدم للمنصة في تركيا، فإن ذلك يعني أن "أكبر سوق في البلاد على الإنترنت هو إنستغرام"، ويضيف غوكشه: "لهذا السبب تخصص مواقع التجارة الإلكترونية ميزانيات كبيرة للتسويق عبره".

وتنفذ العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تستثمر في التجارة الإلكترونية أنشطة التسويق والمبيعات الخاصة بها من خلال إعلانات إنستغرام بدلا من دفع العمولات لمواقع التجارة الإلكترونية.

ويؤكد رئيس وكالة تخطيط إسطنبول أن "تركيا تدفع ما قيمته 1.9 مليار ليرة بسبب انخفاض حجم التجارة الإلكترونية، وفي كل يوم يتم فيه إغلاق المنصة".

ويتابع: "إذا لم تهيمن العدالة والكفاءة والجدارة والعقل والمنطق على الإدارة، فإن تركيا ستصبح فقيرة. يجب على الجميع أداء واجباتهم بشكل صحيح".

"الحقيقة أعمق بكثير"

وفي غضون ذلك، اعتبر منشئ المحتوى الرقمي في تركيا، أوزان سيهاي، في تدوينة عبر "إكس" أن "الحقيقة أعمق بكثير" عندما ننظر إلى الآثار السلبية التي يخلفها الحجب على العديد من القطاعات والأفراد.

واستعرض سيهاي قائمة من المتأثرين بقرار الحجب وهم:

-    المعلنون: الذين دفعوا آلاف الليرات لإعداد منشورات دعائية قبل الحجب.
 
-    الفنانون والمهنيون: يعد إنستغرام واجهة عرض مهمة للمجموعات المهنية، مثل ممثلي المسلسلات التلفزيونية/الأفلام ومصممي الجرافيك والمهندسين المعماريين.
 
-    الشركات الصغيرة: إنستغرام بوابة جادة للتجارة الإلكترونية، وخاصة لأولئك الذين يقومون بأعمال تجارية مثل المنتجات المصنوعة يدويا.
 
-    العلامات التجارية الكبرى: يعتبر تطبيق إنستغرام أكبر وسيلة إعلانية للعلامات التجارية الكبرى.
 
-    المؤسسات العامة: إنستغرام هي منصة يتم فيها إصدار الإعلانات المهمة.
 
-    قطاع السياحة: تستخدم شركات السياحة والفنادق إنستغرام بشكل فعال للوصول إلى العملاء. 
 
-    الفن والثقافة: المنصة تتيح للموسيقيين والرسامين وغيرهم من الفنانين فرصة تقديم أعمالهم إلى جماهير كبيرة.
 
-    التعليم والمعلومات: يقدم المعلمون والاستشاريون المعلومات والمحتوى لمتابعيهم عبر إنستغرام.
 
-    الجمعيات الخيرية: كان إنستغرام وسيلة رئيسية لجمع التبرعات والتوعية لمشاريع المسؤولية الاجتماعية وحملات المساعدات. 
 
-    الرياضيون ومدربو اللياقة البدنية: كانت المنصة تقدم التحفيز من خلال مشاركة البرامج التدريبية لهؤلاء ونجاحاتهم مع متابعيهم.

ويضيف صانع المحتوى الرقمي، سيهاي، أن استمرار حجب إنستغرام "سيوجه ضربة خطيرة للاقتصاد" في تركيا.

بدوره، يشير نائب رئيس مجلس إدارة "جمعية مشغلي التجارة الإلكترونية"، إمري إكمكجي، إلى أن 10 بالمئة من إجمالي التجارة الإلكترونية في البلاد تتم على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأضاف لوسائل إعلام تركية بينها قناة "TELE1" أن "منصة إنستغرام هي أحد أهم القنوات في تركيا"، وأن الاقتصاد الجدي في البلاد يتطور عبرها.

وزاد: "هناك نماذج أعمال واستثمارات تدور حول هذه المنصة ... وقرار الحجب لا يخلق بيئة إيجابية".

ماذا عن أرقام الحكومة؟

بحسب "تقرير توقعات التجارة الإلكترونية في تركيا"، الذي نشرته وزارة التجارة بتاريخ 27 يونيو 2024، وصل حجم التجارة الإلكترونية في تركيا إلى 1.85 تريليون (57.5 مليار دولار) ليرة عام 2023.

ووفقا للتقرير ذاته، فمن المتوقع أنه بحلول نهاية عام 2024، سيتضاعف حجم التجارة الإلكترونية تقريبا ليصل إلى 3.4 تريليون ليرة (ما يقرب من 105 مليارات دولار)، وما يقرب من 7 مليارات معاملة.

ومع ذلك، وفي تصريح أدلى به لوكالة "الأناضول" في الخامس من أغسطس الحالي، أكد وزير التجارة، عمر بولات، أن المبيعات التي تتم من خلال العروض الترويجية على إنستغرام ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى "لا تعتبر تجارة إلكترونية".

وقال الوزير بولات إنها تسبب انخفاضا في عائدات الضرائب.

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها إسطنبول (رويترز)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها إسطنبول (رويترز)

 انتقدت الحكومة التركية دعوة زعيم المعارضة الرئيسي للمواطنين إلى النزول إلى الشوارع للاحتجاج على ما يقول إنه احتجاز غير ديمقراطي لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، فيما تظاهر الآلاف في أنحاء البلاد.

وقبضت السلطات على إمام أوغلو، المنافس السياسي الرئيسي للرئيس رجب طيب إردوغان، يوم الأربعاء بتهمة الفساد ومساعدة جماعة إرهابية، في خطوة نددت بها المعارضة ووصفتها بأنها "محاولة انقلاب".

وأشعلت هذه الخطوة مظاهرات في الداخل وانتقادات من قادة أوروبيين، حسبما أفادت وكالة "رويترز".

وقبل يوم، اشتبك بعض المتظاهرين مع الشرطة في أنقرة وإزمير وإسطنبول في أماكن منها جامعات. واحتشد كثيرون أمام مقر بلدية إسطنبول رغم حظر التجمعات لأربعة أيام. وشهدت البلاد احتجاجات متفرقة حيث وضعت السلطات حواجز لإغلاق عدة شوارع.

"تخاف من الشوارع"

وفي كلمة ألقاها أمام حشد عند مبنى بلدية إسطنبول، الخميس، قال أوزجور أوزيل زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي إن الأتراك لن يبقوا في منازلهم، وذلك ردا على أردوغان الذي رفض انتقادات المعارضة ووصفها بأنها "مسرحية" و"شعارات".

وقال أوزيل "يا إردوغان، أنت تخاف من الشوارع أكثر من أي شيء آخر. نحن الآن في الشوارع والساحات. استمر في خوفك".

وأضاف: "ما دامت أبقيت من انتخبناه قيد الاحتجاز، فلن نظل في المنازل".

وانتقد وزير الداخلية، علي يرلي قايا، ووزير العدل، يلماز تونج، دعوة أوزيل قائلين إنها "غير مسؤولة".

وكتب تونج على منصة إكس مساء الخميس "التجمع والتظاهر احتجاجا حق أساسي. لكن الدعوة إلى النزول إلى الشوارع بسبب تحقيق قانوني جار أمر غير قانوني وغير مقبول".

وقال تونج إن الرد على أي عملية أو قرار قانوني يجب أن يتم في قاعات المحكمة ودعا إلى الهدوء، مضيفا أن "القضاء المستقل والمحايد" ينظر في القضية.

أنصار لأكرم إمام أوغلو في إسطنبول - رويترز
تركيا.. ما الدعاوى والتحقيقات التي يواجهها أكرم إمام أوغلو؟
حادثة اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، فجر الأربعاء، تنظر إليها الأوساط السياسية في تركيا على أنها هزة كبيرة وحساسة، لاعتبارات تتعلق بالتوقيت الذي جاءت فيه، ونظرا لخلفية الشخص المستهدف، وهو الذي وضع منذ سنوات قبالة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان كـ"منافس" رئاسي محتمل له.

وجاء احتجاز إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الذي يحظى بشعبية واسعة وشغل المنصب لفترتين، قبل أيام من ترشيح حزب الشعب الجمهوري له لانتخابات الرئاسة والمقرر يوم الأحد.

واعتقاله امتداد لحملة مستمرة منذ شهور ضد شخصيات المعارضة في إجراءات وُصفت بأنها محاولة مُسيّسة للإضرار بفرصها الانتخابية وإسكات المعارضة. بينما تنفي الحكومة ذلك.

وتم اعتقاله بعد يوم من إلغاء جامعة إسطنبول شهادته، الأمر الذي إذا تم تأييده فسيمنعه من الترشح للرئاسة.

ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2028، واستنفد أردوغان فرص الترشح للرئاسة المحددة بفترتين، وإذا رغب في الترشح مرة أخرى، فعليه الدعوة إلى انتخابات مبكرة قبل انتهاء فترته الرئاسية الحالية أو تعديل الدستور.