حادثة اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، فجر الأربعاء، تنظر إليها الأوساط السياسية في تركيا على أنها هزة كبيرة وحساسة، لاعتبارات تتعلق بالتوقيت الذي جاءت فيه، ونظرا لخلفية الشخص المستهدف، وهو الذي وضع منذ سنوات قبالة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان كـ"منافس" رئاسي محتمل له.
وترتبط عملية اعتقال إمام أوغلو بتحقيقين منفصلين أطلقهما مكتب المدعي العام الرئيسي في إسطنبول، بتهمة ارتكاب جرائم "فساد" و"إرهاب".
واستهدف الاعتقالات إلى جانبه أكثر من 100 شخص من المقربين لإمام أوغلو، بينهم رؤساء بلديات تتبع لـ"حزب الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد.
وكان من المتوقع أن يتم الإعلان عن ترشيح إمام أوغلو كمرشح رئاسي عن "الشعب الجمهوري"، في أبريل المقبل.
وفي حين يربط جميع مسؤولي المعارضة حادثة الاعتقال بمحاولة الرئيس التركي إردوغان قطع طرق الترشح للرئاسة أمام إمام أوغلو تؤكد الحكومة على أن ضرورة فصل المسار القضائي عن السياسة، وأن ما حصل يسير في إطار القانون.
ماذا تقول المعارضة والحكومة؟
تذهب غالبية المواقف التي أطلقها مسؤولو "حزب الشعب الجمهوري" حتى الآن باتجاه أن ما حصل "عملية انقلاب سياسي"، وهو الأمر الذي رفضته الحكومة التركية على لسان وزير العدل فيها، يلماز تونج.
وقال رئيس الحزب المعارض الذي يتبع له إمام أوغلو، أوزغور أوزيل إن "تركيا لن تستسلم لهذا الانقلاب السياسي.. سنقاوم معا"، كما دعا ظهر الأربعاء عبر "إكس" المواطنين الأتراك للتجمع أمام مراكز حزبه في كافة أنحاء تركيا.
وبدوره قال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو في رسالته مكتوبة نشرها على "إكس": "أسلم نفسي أولا إلى الله ثم إلى أمتنا".
وأضاف: "سترد أمتنا بكل قوة على الأكاذيب والمؤامرات والفخاخ، وعلى منتهكي حقوق الشعب، وعلى من يسلبون إرادة الشعب. أسلم أمري لله أولاً، ثم لأمتي".
وأدلى وزير العدل، يلماز تونج بتصريح بشأن التحقيق المفتوح ضد إمام أوغلو، وقال: "من الخطير للغاية والخطأ تحويل التحقيقات التي أجراها القضاء المحايد والمستقل إلى أطراف مختلفة ووصفها بتعبيرات مثل الانقلاب".
كما اعتبر تونج أن "ربط التحقيقات والقضايا التي بدأها القضاء برئيسنا هو على أقل تقدير، وقاحة وعدم معرفة المكان"، مؤكدا: "يجب على الجميع أن يعلموا أنه في دولة القانون. إذا كان هناك ادعاء بارتكاب جريمة، فإن المكان الذي سيتم فيه الدفاع ليس الشوارع بل السلطات القضائية".
ما القضايا والتحقيقات؟
لا يواجه إمام أوغلو قضية واحدة، بل عددا من الدعاوى القضائية والتحقيقات.
من بين تلك القضايا ضده المعروفة باسم قضية "الحمقى"، التي تعود إلى عام 2019 عندما انتخب إمام أوغلو رئيسا لبلدية إسطنبول.
في تلك الفترة قال إمام أوغلو إن الذين ألغوا الانتخابات (في جولتها الأولى) "أغبياء" (حمقى)، وبناء على ذلك، أعدّت النيابة العامة دعوى بحقه بتهمة "توجيه إهانات لموظفي القطاع العام"، والمطالبة بسجنه أربع سنوات وشهر واحد، ومنعه من العمل السياسي.
وحُكم على إمام أوغلو بالسجن لمدة عامين و7 أشهر و15 يوما في 14 ديسمبر 2022، وتم استئناف القرار بعد ذلك من جانب رئيس بلدية إسطنبول دون اتخاذ أي شيء حاسم حتى الآن.
وذكرت وسائل إعلام تركية، الأربعاء، أنه وفي حال رفضت المحكمة الإقليمية للعدل الاعتراض الذي قدمه إمام أوغلو فيما يتعلق بقضية "الحمقى"، فسوف ينتقل الملف إلى الغرفة الجنائية الرابعة في محكمة الاستئناف العليا.
وإذا تمت الموافقة على القرار هناك فسيتم إلغاء رئاسة إمام أوغلو لبلدية إسطنبول ومنعه من ممارسة السياسة.
"مناقصة بيلك دوزو"
وفي عام 2023، تم رفع دعوى قضائية أيضا ضد إمام أوغلو بشأن مناقصة عقدت في عام 2015 عندما كان رئيسا لبلدية بيليك دوزو.
شغل إمام أوغلو منصب رئيس بلدية بيليك دوزو بين عامي 2014 و2019.
ونتيجة للتحقيق الذي أطلقته وزارة الداخلية، تم رفع دعوى قضائية ضده بتهمة "التلاعب في مناقصة" مع فتح التحقيق في عام 2023.
القضية المذكورة ما تزال جارية في المحكمة الجنائية العاشرة في بويوك تشكمجة، ويُطلب فيها الحكم على إمام أوغلو بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاث وسبع سنوات ومنعه من ممارسة الأنشطة السياسية.
ومن المقرر أن يتم عقد الجلسة القادمة لهذه القضية في 11 أبريل 2025.
"شهادة البكالوريوس المزورة"
بالإضافة إلى ما سبق يواجه إمام أوغلو قضية رئيسية، كانت وصلت إلى محطة حاسمة قبل ليلة واحدة من اعتقاله.
تتعلق هذه القضية بمزاعم "شهادة البكالوريوس المزورة"، التي بدأت التحقيقات بشأنها في فبراير الماضي وانتهت يوم الثلاثاء بقرار اتخذته جامعة إسطنبول وقضى بإلغاء الشهادة الجامعية لإمام أوغلو.
كما يواجه رئيس بلدية إسطنبول المعتقل اتهامات تتعلق بإدارة حملة سياسية تابعة لحزب "العمال الكردستاني"، وهو المصنف على قوائم الإرهاب.
ماذا بعد الاعتقال؟
وتسمح اتهامات الإرهاب الموجهة لإمام أوغلو لوزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، بإقالته من منصبه واستبداله بمسؤول معين من قبل الحكومة حتى انتهاء إجراءات المحكمة.
وقال إمام أوغلو، الاثنين، إن شهادته الجامعية تم سحبها بشكل غير قانوني.
وفي رسالة صوتية نقلها محاموه إلى صحفيين، وصف وجود أكثر من مئة شرطي أمام مقر إقامته بـ"الاستبداد". واتهم إردوغان بتدبير القضية المرفوعة ضده، قائلا: "ستحاسب هذه الأمة هؤلاء القلائل أمام العدالة".