بعد خمس سنوات منذ بدء الحرب في اليمن بعد تمرد الحوثيين على حكومة عبد ربه منصور هادي، أخذت الانقسامات العميقة في المعسكر المعادي للحوثيين، طابعا دمويا في العاصمة المؤقتة عدن.
فخلال ثلاثة أيام فقط، قتل نحو 40 شخصا وأصيب 260 في اشتباكات احتدمت بين الانفصاليين الجنوبيين والقوات الموالية للحكومة اليمنية في مدينة عدن جنوبي البلاد، وانتهى الاشتباكات بسيطرة الانفصاليين على عدن بشكل فعلي، لكن التحالف الذي تقوده الرياض شن غارات على مواقع لهم، وهدد بالتحرك مالم توقف قوات الجنوب إطلاق النار.
الانفصاليون الجنوبيون وقوات هادي حليفان اسميا في إطار التحالف الذي يقاتل الحوثيين الذين طردوا حكومة هادي من العاصمة صنعاء في 2014، لكن أهدافهما متعارضة.
ويسيطر الحوثيون المدعومون من إيران، على مناطق واسعة في شمال وغرب البلاد، بالإضافة إلى العاصمة صنعاء. وتتمركز الحكومة اليمنية في الجنوب، وأعلنت عدن عاصمة موقتة.
فما هي قصة الانفصاليين الجنوبيين وماذا يريدون؟
يسعى عناصر الحراك الجنوبي منذ زمن بعيد إلى انفصال اليمن الجنوبي الذي كان مستقلا قبل 1990.
وبعد اندلاع الحرب ضد الحوثيين اختار الحراك الجنوبي جبهة التحالف بقيادة السعودية والإمارات ضد الحوثيين وأسسوا ما يسمى حاليا بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" أحد أجنحته الأمنية هي قوات "الحزام الأمني" المنتشرة في المدن الكبيرة مثل عدن والضالع وأبين، والجناح الأمني الآخر هو "النخب الأمنية" في المحافظات المترامية الأطراف مثل حضرموت وشبوة وسقطرى والمهرة.
يندرج الانفصاليون ضمن إطار المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع أبو ظبي.
وكان الزبيدي يشغل منصب محافظ عدن حتى قام هادي بإقالته في عام 2017.
والاشتباكات الأخيرة ليست الأولى بين الانفصاليين والقوات الموالية للرئيس هادي الذي يتهم الجنوبيون حكومته بـ"الفساد".
ففي يناير 2018، شهدت عدن قتالا عنيفا بين الانفصاليين والقوات الحكومية أدى إلى مقتل 38 شخصا وإصابة أكثر من 220 آخرين بجروح.
ويقيم الرئيس عبد ربه منصور هادي في السعودية، ولكن يوجد وزراء من حكومته يقيمون في عدن.
وتحظى الحكومة بدعم عسكري وسياسي ومالي من السعودية، ولكن قدراتها العسكرية قليلة مقارنة بقوات أخرى تتلقى تسليحها من الإمارات، الشريك الرئيسي في التحالف.
الإمكانيات المتطورة التي ظهرت بها قوات الحزام وألوية الإنتقالي تؤكد قدرتهم على سحق الحوثي بأيام..آليات متطورة لا توجد لدى قوات الجيش في أي جبهة من جبهات مواجهة #الحوثيين! لا بد من نقل هذه القوة من #عدن لمواجهة الحوثي والانتقام لمقتل القائد أبو اليمامة الذي قتل بصاروخ حوثي.
— khalil alomary خليل العمري (@Khalil_Alomari) August 10, 2019
ووفرت السعودية والإمارات خصوصا معدات عسكرية متطورة وأرسلت آلاف الجنود للتحرك برا.
وأتاح الهجوم المضاد استعادة خمس محافظات جنوبية ومضيق باب المندب الاستراتيجي، مع السعي المتواصل للتقدم نحو صنعاء.
وتدعم البلدان مجموعات غير متجانسة تقاتل مع التحالف.
ورسميا، فإن السعودية تقود التحالف ولكن لدى الإمارات نشاط كبير في الجنوب، وقامت بتشكيل قوة "الحزام الأمني" المرتبطة بالمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال.
ويتهم الانفصاليون الجنوبيون الحكومة الشرعية بالسماح بتنامي نفوذ الإسلاميين داخل سلطته والتأثير على قراراتها السياسية والعسكرية، وخصوصا أعضاء في حزب "التجمع اليمني للإصلاح" المحسوب على جماعة الاخوان المسلمين.
يقول السياسي الجنوبي أحمد الصالح لـ"موقع الحرة": "في الحقيقة، غرفة العمليات الرئيسية في الجنوب المتواجدة فيها هي الإمارات، بدءا من التدريب والتأهيل والمعدات والأسلحة. وتعاملنا مع الإماراتيين أكثر، لذا هم أقرب لتفهم قضية الجنوب واستيعاب مطالب الشعب وقراءة الواقع على الأرض، والذي تمت مشاهدته بالعين".
هناك سبب آخر يوضحه الصالح قائلا "إن المجلس الانتقالي الجنوبي لديه عداء مع الإخوان وهي نقطة التقاء مشتركة بيننا وبين الإماراتيين، ومعظم الحكومة الشرعية من الإخوان لكن الإمارات لا تقبل التعامل معهم على الإطلاق بل تحظر التعامل معهم، ولذا هناك كثير من نقاط الالتقاء بين القضية الجنوبية والتوجه الإماراتي، لكننا أيضا نريد السعوديين إلى جانبنا لأنه هناك مصالح مشتركة وحدود برية طويلة بيننا".
ليس من الممكن أن تصنف السعودية جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية ثم تطلب تسليم المعسكرات والمؤسسات لها او لمن يأتمرون بأمرهاهناك خلل واضح وازدواجية مواقف ولن نسمح أن تصبح المعسكرات التي تم تحريرها وكرا وفقاسة للإرهاب والتطرف مرة أخرى تحت اي مسمى ومهما كان حجم التهديد والوعيد
— احمد الصالح (@Ahmedalsaleh_SY) August 11, 2019
وعادت النزعة الانفصالية مجددا، بعد انسحاب القوات الإماراتية أو "أعادت انتشارها وتخفيض قواتها كما تود الإمارات تسمية الأمر".

ويرى الانفصاليون الجنوبيون أنهم أحق بإدارة شؤون جنوب اليمن ولذا دعوا إلى إسقاط حكومة هادي.
ويقول السياسي الجنوبي أحمد الصالح لـ"موقع الحرة" إن الحكومة لا تمثل الشارع ولا الواقع بعد مخرجات الحرب. المقاومة الجنوبية هي الواقع العسكري ميدانيا ولكن تم إقصاؤنا ورفض التعامل معنا سياسيا ولم يتم إشراكنا في الحكومة ولا دعوتنا لأي مفاوضات أو مشاورات سلام"، مضيفا "نطمح بأن نرى صيغة لعودة الدولة الجنوبية بالتفاهم مع كل الأطراف المحلية والإقليمية الممثلة في دول التحالف".
ويوضح السياسي الجنوبي أحمد الصالح لـ"موقع الحرة" أهداف المجلس الانتقالي الجنوبي قائلا "دخلنا في الحرب ضد الحوثيين للدفاع عن أنفسنا لأنهم كانوا يريدون السيطرة على الجنوب أيضا، وحققنا الهدف الأول وهو طرد الحوثي من جنوب اليمن، وهدفنا الآن هو استعادة الجنوب مع التزامنا مع التحالف بالقتال ضد الحوثي"، مشيرا إلى أن قوات الحزام الأمني مشاركة في بعض الجبهات في الشمال.
وأضاف "أرسلنا وحدات عسكرية مقاتلة في بعض المحافظات الشمالية، خصوصا في جبهتي محافظة صعدة والساحل الغربي وهي أكثر قوات حققت انتصارات ضد الحوثي في الشمال، مشيرا إلى أن عدد القوات الأمنية للجنوبيين يبلغ 90 ألفا.
وتسارعت الأحداث السبت بعد سيطرة الانفصاليين على ثلاثة معسكرات حكومية وعلى القصر الرئاسي، وعززت من الانقسامات بين الشريكين الهامين في التحالف الداعم للحكومة اليمنية: السعودية والإمارات.
والسبت، حمّلت وزارة الخارجية اليمنية المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات "تبعات الانقلاب" في عدن، مطالبة أبو ظبي بوقف دعمها المادي والعسكري للانفصاليين فورا.
وطلبت الإمارات من مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث ممارسة ضغوط على الجانبين. وقالت الرياض إنها ستستضيف قمة طارئة لطرفي الأزمة لاستعادة النظام.
وفي تغريدة، أكد نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان دعم الرياض "للحكومة الشرعية في اليمن" مؤكدا ضرورة "الحفاظ على وحدة واستقرار البلاد".
ودعت السعودية السبت أطراف النزاع في عدن إلى "اجتماع عاجل" بهدف "مناقشة الخلافات وتغليب الحكمة والحوار".
نرفض أي استخدام للسلاح في عدن والاخلال بالامن والاستقرار، وندعو لضبط النفس وتغليب الحكمة ومصلحة الدولة اليمنية، لذلك دعت المملكة لحوار سياسي مع الحكومة اليمنية الشرعية في مدينة جدة.
— Khalid bin Salman خالد بن سلمان (@kbsalsaud) August 10, 2019
والأحد، رحب المجلس الانتقالي الجنوبي في بيان بدعوة السعودية للحوار، مؤكدا استعداده لحضوره.
وأكد نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بريك في خطبة عيد الأضحى في عدن "الثبات وعدم التفاوض تحت وطأة التهديد".
وأكد بن بريك أيضا "الالتزام بشرعية هادي والوقوف إلى جانب التحالف".
ورحبت الحكومة اليمنية في بيان على وكالة سبأ الرسمية للأنباء بوقف إطلاق النار والدعوة إلى الاجتماع في السعودية.
وأكد المتحدث باسم الحكومة راجح بادي في البيان أن "أي تمرد واستقواء بالسلاح على الدولة، أمر غير مقبول ويعد انقلابا على الدولة".
وفي بيان نشره المتحدث باسمه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان إلى وقف للقتال في عدن وإلى "تسوية خلافاتهما والاستجابة للمخاوف المشروعة لجميع اليمنيين".
وحذرت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير الجمعة أن الاشتباكات "تهدد بإدخال جنوب اليمن في حرب أهلية داخل الحرب الأهلية" الدائرة حاليا.
ودعت منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي السلطات إلى "ضمان وصول المؤسسات الإنسانية بدون عوائق" إلى عدن، مشيرة إلى أن هناك 34 منظمة إنسانية عاملة في عدن وتقدم مساعدات غذائية إلى نحو 1.9 مليون شخص.