تزداد المؤشرات على احتمال حصول انفراج في الأزمة الخليجية يوما بعد يوم، في ظل الحديث عن وساطات عديدة تقودها دول إقليمية تارة، والولايات المتحدة تارة أخرى، لرأب الصدع بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة؟، وقطر من جهة ثانية.
آخر هذه المؤشرات كانت الدعوة التي وجهها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي التي تعقد الثلاثاء المقبل في الرياض.
صحيح أن أمير قطر لم يرد بعد على الدعوة السعودية، لكنها جاءت متزامنة مع خطوة لافتة ومفاجئة تمثلت بمشاركة منتخبات السعودية والإمارات والبحرين في كأس الخليج العربي لكرة القدم "خليجي 24" التي تستضيفها قطر، بإعلان جاء في اللحظات الأخيرة.
ومنذ فرض الحصار تلقى أمير قطر دعوات إلى قمم مجلس التعاون الخليجي، لكنّه امتنع عن المشاركة شخصيا واكتفى بإيفاد ممثلين له.
التكهنات باقتراب الانفراج الدبلوماسي ازدادت أيضا في ظل تسريبات غربية تحدثت عن حصول زيارة سرية لوزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى الرياض الشهر الماضي، التقى خلالها بمسؤولين في السعودية وقدم لهم عرضا لإنهاء الأزمة الخليجية، يتضمن قطع الدوحة علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين.
ويقول عضو مجلس الشورى السعودي السابق محمد آل زلفة إنه في حال "صحت هذه الزيارة فإنها قد تمهد لما نتأمل أن تكون عليه القمة الخليجية وما سينتج عنها من نتائج على مستوى الأزمة الخليجية".
ويضيف في حديث لموقع الحرة "على المستوى الرسمي السعودي، لم يتم تأكيد زيارة وزير الخارجية القطري، ولكن ربما أن لدى وكالات الأنباء الغربية مصادر تمكنت من تسريب نبأ الزيارة".
ويتابع أن "السعودية وكعادتها تتحفظ أحيانا عن ذكر تفاصيل بعض الأمور ولا تعلن عنها إلا في الوقت المناسب".
ويرى آل زلفة أن "القمة الخليجية تعتبر فرصة لقطر من أجل الاستجابة للوساطات الكويتية والموافقة على مقابلة الملك السعودي والاستجابة لطلبات الرياض وباقي دول الخليج التي قاطعت الدوحة".
وكان نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله قال الشهر الماضي، إن مشاركة السعودية والإمارات والبحرين في كأس الخليج المقامة في قطر، شكلت "مؤشرا إيجابيا لحل الأزمة بين الأشقاء".
وأكد أن خطوات أخرى ستلي هذه الخطوة، وقال: "نؤكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح للوصول إلى نتائج إيجابية"، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر في عام 2017 بسبب "دعم الإرهاب" والتقارب مع إيران، وهو ما تنفيه الدوحة.
ويؤكد عضو مجلس الشورى السعودي السابق أن "المنطقة العربية مقبلة على تغييرات كبيرة، وهذه فرصة لقطر من أن أجل العودة لبيتها العربي، لأن ايران وتركيا والإخوان المسلمين جميعهم لديهم مشاكل، ومن الصعب التعويل عليهم وعلى مشاريعهم الفاشلة في المنطقة".
ويشير آل زلفة إلى أن "لدى قطر فرصة مناسبة لتصفير حسابتها إيجابيا مع المقاطعين، فما تشهده الساحة العربية والخليجية والإقليمية والعالمية لا يخدم قطر على المدى البعيد، الأفضل لها أن تستغل هذه المتغيرات".
ويقول إن "هناك أمورا أساسية غير قابلة للنقاش أو للتفاوض مع قطر وأهمها مسألة دعم الإرهاب والحملات الإعلامية غير المبررة ودعم الحوثيين في اليمن وحكومة السراح في ليبيا ودعم تركيا فيما تقوم به في شمال سوريا ودعم إيران في المنطقة، هذه الأشياء التي لا يمكن للسعودية أو الدول الأخرى أن تتنازل عنها اطلاقا".
ويتابع أن "السعودية وباقي الدول لا يريدون أيضا إلحاق الضرر بقطر حتى لو كان ذلك بشكل معنوي أو ما تسميه الدوحة (العزة السيادية)، وبالتالي هناك أمور يمكن التفاهم بشأنها".
ويختتم آل زلفة بالقول إن "الإمارات والبحرين ومصر دائما ما يرفعون شعار (الحل في الرياض)، فإذا وافقت الدوحة على الشروط الأساسية التي تطالب بها السعودية، فلا شك أن هذا سينعكس إيجابيا على باقي الدول المعنية بالأزمة".
وكان مسؤول أميركي قال لموقع الحرة، في وقت سابق، إن هناك وساطات تجري من جانب واشنطن لرأب الصدع بين دول الخليج.
وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كلف السفير الأميركي في الرياض، الجنرال المتقاعد جون أبي زيد، ودبلوماسيين آخرين في وزارة الخارجية ومسؤولين في البيت الأبيض "تنسيق الأمور بعيدا عن الأضواء وفي شكل سرّي لتحقيق مصالحة خليجية - خليجية".
"دبلوماسية كرة القدم"
في لفتة رمزية، توجه الفريق السعودي المشارك في "خليجي 24" جوا مباشرة إلى الدوحة، رغم حظر الطيران المباشر بين البلدين، علما أن فريق الإمارات لم يتوجه إلى العاصمة القطرية مباشرة.
وفي بادرة أخرى، قال اتحاد كرة القدم البحريني إنه سيرسل طائرتين من المشجعين لمشاهدة مباراة نصف النهائي بين البحرين والعراق الخميس، حين يلتقي أيضا المنتخبان السعودي والقطري في المباراة الأخرى من الدور ذاته.
وتقول كريستيان أولريخسين من معهد بيكر في جامعة رايس الأميركية إن "المؤشرات على اقتراب المصالحة تزداد".
وتضيف أولريخسين أن "الطريقة التي تغطي فيها وسائل الإعلام وكبار المعلقين من دول الحصار للبطولة مختلفة تماما في لهجتها عن أي شيء شاهدناه خلال العامين الماضيين".
وتتابع "ربما يكون ذلك مؤشرا على تغير أعمق بشان الخلاف".
وكان أستاذ السياسة الإماراتي البارز الخبير السياسي عبد الخالق عبد الله كتب على تويتر أن نهاية المقاطعة يمكن أن تكون قريبة بعد الإعلان عن كأس الخليج.
وقال عبد الله، الذي يعتبر مقربا من دوائر صناعة القرار في الإمارات، إن "هذا قرار سياسي بقدر ما هو رياضي".
وأضاف أن كرة القدم "قد تفتح الباب لسفر الجماهير الرياضية إلى قطر لمساندة منتخباتها ما يعني بالضرورة رفع منع السفر إلى قطر وعودة اللحمة الخليجية. قريبا سنحتفل بذلك".