A general view of the Abrahamic Family House with the Moses Ben Maimon Synagogue, left, and the Imam al-Tayeb Mosque, right, in…
بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي

أثار افتتاح الإمارات "بيت العائلة الإبراهيمية"، منتصف الشهر الماضي، جدلا في العالم الافتراضي، إذ اعتبر البعض، وبينهم رجال دين، أن المشروع يهدف إلى ابتداع دين جديد، وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك حين قالوا إنه بذلك إشارة إلى "اقتراب يوم القيامة"، في حين يؤكد مؤيدو هذا الصرح أنه منصة للتلاقي وردم الهوة ونشر السلام.  

وبعد افتتاح الصرح في 16 فبراير الفائت، نشر مستخدمون على وسائل التواصل والإعلام فيديوهات قديمة وجديدة لرجال دين ومبشرين إسلاميين ومسيحيين، يعبرون عن رافضهم للمشروع، معتبرين أنه "يوحد الأديان تحت عباءة الديانة الإبراهيمية".

ويضم "بيت العائلة الإبراهيمية" كنيسة ومسجدا وكنيسا جنبا إلى جنب، وكتب رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عبر تويتر، أن بيت العائلة الإبراهيمية صرح للحوار الحضاري البناء ومنصة للتلاقي من أجل السلام والأخوة الإنسانية. وشدد على أن بناء جسور التواصل والتعايش والتعاون بين الجميع نهج ثابت في مسيرة الإمارات.

وفي حين يرى معارضون للمشروع أن هذا التوحيد لا يجوز، وأنه من علامات نهاية الأزمنة والعالم، رد رجال دين يهود ومسيحيون ومسلمون، في تصريحات لموقع "الحرة"، بأن جميع الأديان السماوية الإبراهيمية تصلي للإله نفسه بطرق مختلفة، ولها تفسيرها اللاهوتي الخاص للرب الإله.

وعلى الصعيد السياسي، اعتبر خبراء استطلع موقع "الحرة" رأيهم أن البيت الإبراهيمي مترابط مع القوة الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية التي أسستها الإمارات، والتي ترغب من خلالها بصنع سلام حقيقي بين كافة شعوب المنطقة تحت مظلة هذا البيت.

ولم ير الخبراء بهذا البيت نموذجا جديدا مستحدثا، إذ إنه في مدن عربية عدة، وخصوصا في لبنان، تتعانق في شوارع بيروت وصيدا وطرابلس وغيرها، مآذن المساجد مع أجراس الكنائس وبجوارها الكنيس اليهودي. لكن ما يميز البيت الإبراهيمي في الإمارات هذه المرة أنه جاء بعد توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، والتأثير الكبير الذي باتت تتمتع به الإمارات على صعيد دول المنطقة.

وخلال العام 2019، زار بابا الفاتيكان فرانسيس الإمارات، في أول رحلة بابوية إلى شبه الجزيرة العربية، حيث استضافت صلاة مسيحية ترأسها البابا، ضمت عشرات آلاف المصلين المسيحيين. 

ووقعت وثيقة الأخوة الإنسانية بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب، ليأتي في أعقاب الزيارة وتوقيع الوثيقة، الإعلان عن بناء بيت العائلة الإبراهيمية، مما مهد الطريق لوجود قوي للجالية اليهودية في الإمارات، حسب ما ورد في مقال لمارسي غروسمان، سفيرة كندا السابقة في الإمارات، على موقع المجلس الأطلسي.

الآراء الرافضة للمشروع

أعاد المدافعون عن البيت الإبراهيمي في الإمارات استحضار فيديو سابق للشيخ عثمان الخميس، الذي قال إن البيت الإبراهيمي يشير إلى الأديان الثلاثة هي دين واحد، في حين أنه جاء في الحديث النبوي أنه "لا يسمع بي (محمد) يهودي ولا نصراني، ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا إذا كان من أهل الله".

وبنى على هذا الوقائع ليقول إن "البيت الإبراهيمي كفر، كونهم يضعون الإنجيل المحرف والتوراة المحرفة ويقولون إنها سواء".

ولم يقتصر الأمر على المعارضين من الديانة الإسلامية، بل أن الناشطة على مواقع التواصل، ماغي خزام، التي تقول إنها باتت مبشرة مسيحية، تطل عبر مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات وتحذر من وحدة الأديان، وأن إله المسيحيين هو غير إله الديانات الأخرى، وتنتقد البيت الإبراهيمي، حيث برأيها أن ذلك يهدف إلى جمع الأديان الثلاثة بدين واحد، وأن ذلك من علامات نهاية الأزمنة و"قرب مجيء يوم القيامة".

لذلك استطلع موقع "الحرة" آراء رجال دين يهود ومسيحيين ومسلمين، للوقوف عند الرأي الديني واللاهوتي لطوائفهم حيال البيت الإبراهيمي في الإمارات.

"إله واحد"

يشدد كبير حاخامات المجلس اليهودي الإماراتي، ايلي عبادي، خلال حديثه لموقع "الحرة"، على أنه "لا يوجد اختلاف بين الأديان السماوية الثلاثة".

ويقول إن "اليهود والمسيحيين والمسلمين يعبدون الإله عينه، لكن طريقة العبادة تختلف حسب الدين. لذلك يجب أن يظل كل إنسان في دينه، وأن يحترم الدين الآخر لأننا نعبد الإله عينه".

ويتابع أن "القيمين على البيت الإبراهيمي لا يبتدعون دينا جديدا، بل هو مكان تجتمع فيه الديانات الإبراهيمية الثلاثة".

وشكر "الإمارات على هذا المشروع الذي يجمع الديانات الثلاثة في الموقع عينه للتأكيد على أننا أخوة، ونعبد إلها واحدا. فهذا المشروع يوحد البشر، ولا يكون الفارق الديني سببا للتفرقة في ما بيننا".

وتوجه بالقول إلى كل الآراء الدينية المتشددة الرافضة لهذا المشروع على أساس اختلاف الإله بين هذه الأديان، وأنها وحدة دينية، بالقول إنهم "على خطأ، كون اليهود والمسيحيين والمسلمين يعبدون الإله عينه، ولكن بطريقة مختلفة، وهذا ما نستخلصه من تاريخ الأديان".

ويلفت إلى أن "جميعنا نؤمن بإله رحيم وغفور ومحب للإنسان، فنحن أبناء الإله الذي خلقنا ويحبنا ويشفينا ويرزقنا ويحفظنا".

وتمنى عبادي أن "يقرب البيت الإبراهيمي الأديان من بعضها، فتتعايش وتتسامح، فتمتد آثار هذا المشروع إلى كل الدول العربية، ويعيش اليهود والمسيحيون والمسلمون سويا بتعايش وتسامح".

"إنصاف للتاريخ"

من جهته، يرى الأب شربل جعجع، المرسل اللبناني، "أن البيت الإبراهيمي خطوة مهمة جدا، خصوصا أنها أتت في دولة عربية خليجية. فبدأت الطوائف الإسلامية بالانفتاح على الديانات الأخرى، وأيقنت أنها ليست وحيدة بالشرق، حيث الديانات الأخرى كانت قبلها وأسست مدنها وكان لها وجودها".

واعتبر جعجع، خلال حديثه مع موقع "الحرة"، أن هذه الخطوة "عودة إلى الجذور، ففي البيت الإبراهيمي كل شخص حر بممارسة شعائره الدينية وأن يصلي وفق إيمانه".

وشدد على أنه "لا يرى بالمشروع وحدة أديان، فالديانات السماوية الثلاثة لها رؤية لاهوتية مختلفة للإله وتعاليمها الخاصة. ومن الجميل أن يكون هناك اختلاف، ولا يجب استغلال الاختلاف لتغذية الحروب والنزاعات".

ورفض "الانتقادات أن هذا البيت يؤدي إلى وحدة أديان، كونها لا يمكن أن تتوحد"، معتبرا أن "الانتقادات تأتي لزيادة الفتن ولرفض الاتفاق مع الآخر".

ولفت إلى أن "المسيحي هو رجل حوار ومنفتح ويتلاقى مع الآخر"، ولكل من يقول أنه توحيد للأديان ونهاية الأزمة، توجه له جعجع بالدعوة إلى المجيء لبيروت، حيث توجد كنيسة مسيحية وكنيس لليهود، وجامع للمسلمين متجاورة، ولا يوجد وحدة أديان، فالمجمع الإبراهيمي يشبه بيروت".

"العودة للقرآن"

أما المحاضر بالفلسفة والفكر الإسلامي، الشيخ فايز سيف، فقد قال، في حديثه مع موقع "الحرة"، إنه "ينطلق دائما من القرآن الكريم لتفسير هذه الأمور، وهو مصدر تشريع لدى المسلمين، إضافة إلى السنة النبوية، فالقرآن ذكر المساجد والصوامع والكنائس في آية واحدة. وأيضا هذه البيوت وردت في أكثر من حديث نبوي".

وأشار سيف إلى أنه وورد في القرآن أنه "لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات، ومساجد، يذكر فيها اسم الله كثيرا"، موضحا أن القرآن ذكر بهذه الآية، الصوامع والبيع، والصلوات، وهي دور العبادة للمسيحيين واليهود، وللمسلمين، في آية واحدة.

وأوضح أن "الله ذكرها في آية واحدة مقترنة مع بعضها"، لافتا إلى أنها "تجاورت في الجغرافيا بالإمارات كما تجاورت في الآية القرآنية، وكما تجاورت عبر العصور، لذلك فإن البيت الإبراهيمي ليس بدعة، فنجد في دول عربية وإسلامية عدة الكثير من المساجد والكنائس والبيع الموجودة بجوار بعضها، وعلى سبيل المثال، في بيروت هناك الكنسية والمسجد والكنيس بجوار بعضهم. وكذلك الأمر في طرابلس وصيدا، والأمر سيان في العديد من البلدان العربية والإسلامية حيث نجد دور العبادة متجاورة، فليس هناك دينا جديدا ولا تشريعا جديدا".

وختم أن "الإمارات تتحدث عن البيت الإبراهيمي وليس وحدة الأديان، في حين أن الأشخاص الذين يهاجمون هذا الأمر يستخدمون أفكارهم غير الواردة في المشروع الإماراتي، فهناك فرق كبير بين العائلة الإبراهيمية والديانة الإبراهيمية".

تم افتتاح "بيت العائلة الإبراهيمية" في أبوظبي
بين مسقط وأبوظبي.. جدل بشأن خلفيات بيان مفتي عمان قبل افتتاح البيت الإبراهيمي
تزامن افتتاح دولة الإمارات لـ"بيت العائلة الإبراهيمية"، في أبوظبي، الجمعة، مع تصريح مسبق لمفتي سلطنة عمان، الخميس، اعتبره محللون أنه يرتبط ضمنيا بالهجوم على هذا الحدث الذي نتج عن توقيع ما يعرف بـ"وثيقة الأخوة الإنسانية" بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان في أبوظبي قبل نحو أربع سنوات.

"قوة سياسية"

وعلى الصعيد السياسي، يذكر الكاتب المحلل، محمد تقي، أن "البعض أخذ البيت الإبراهيمي إلى اتجاهات مختلفة عن الغرض منه، من خلال تسميته بديانة جديدة".

وشدد تقي، في حديثه لموقع "الحرة" على أنه "ليس كذلك، بل هو توجه خاص لدولة الإمارات لناحية السلام والتعايش. وهو نابع من جهود إماراتية لترسيخ صورة السلام في العالم، من خلال الديانات السماوية، وهي الإسلام واليهودية والمسيحية".

وأورد أنه "لذلك جاءت فكرة البيت الإبراهيمي لتجفيف خطاب الكراهية، فهذا البيت هو منارة السلام، وسماحة الإسلام". 

وقال تقي إن "الإمارات تخطط لصناعة عالم من التسامح بين الشعوب بمختلف العقائد والمذاهب والأديان، والألوان، وهي خطوة منطقية تتماهى مع تاريخ الإمارات بترسيخ السلام، والذي لقي استحسان كبير من المجتمع الدولي، والدول العربية".

واعتبر أنها "خطة شجاعة في وقت تسيطر فيه الطائفية على المشهد في المنطقة العربية، وأن الخطة تؤدي إلى لم الشمل العربي من دون تمييز".

وختم تقي أن "الهجوم على الإمارات نابع من أن الدولة أسست قوة اقتصادية وسياسية ودبلوماسية مؤثرة وربطتها بالتوجه الحضاري والإنساني من أجل صنع سلام حقيقي بين شعوب المنطقة، وأنها ترغب أن تغطي بمظلة البيت الإبراهيمي دول عدة من أجل التسامح والسلام والاستقرار".

"خروج اليهود إلى العلن"

ويذكر أنه ورد في تقرير غروسمان على موقع المجلس الأطلسي أن كنيس موسى بن ميمون هو جزء من بيت العائلة الإبراهيمية، الذي افتتاح في 16 فبراير. وقد صلى اليهود في أول كنيس شيد في الشرق الأوسط خارج إسرائيل منذ عقود طويلة.

وحسب التقرير، فإنه في حين أن الكنيس اليهودي جزء لا يتجزأ من مستقبل الحياة اليهودية في الإمارات، من المهم أيضا رؤيته في سياق ما حدث في الدولة الخليجية على مدى السنوات العديدة الماضية. أي سنوات ما قبل توقيع اتفاقية إبراهيم في عام 2020.

وأشار التقرير إلى أنه خلال العام 2018، ظهر "الكنيس السري" في دبي بمقال صحفي على بلومبرغ كشف عن مجموعة صغيرة من اليهود المغتربين، من نحو 150 يهوديا، يتجمعون في "فيلا" (منزل أحد أعضائه). وبينما حصل المجتمع اليهودي على موافقة ضمنية للاجتماع والصلاة، ظل بعيدا عن الأنظار، ولم يكشف معظم الأعضاء عن دينهم، حتى لأقرب زملائهم.

وجاءت زيارة البابا فرانسيس للإمارات عام 2019، وتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية بين البابا وإمام الأزهر أحمد الطيب،  والإعلان عن بناء بيت العائلة الإبراهيمية. حسب الموقع، وكل ذلك مهد للاعتراف بالجالية اليهودية على أنها من الأسرة الإبراهيمية في الإمارات.

محمد بن زايد بلقطة أرشيفية
محمد بن زايد بلقطة أرشيفية

بحث رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء، العلاقات الإستراتيجية التي تجمع البلدين والعمل على تعزيزها في جميع المجالات بما يخدم مصالحهما المشتركة.

وتطرق الاتصال الهاتفي بين الجانبين إلى نتائج الزيارة الرسمية التي قام بها الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني إلى الولايات المتحدة مؤخراً، التي شهدت إعلان اتفاقات وشراكات مهمة بين البلدين خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة والبنية التحتية والطاقة.

كما استعرضا، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية، عدداً من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك وفي مقدمتها التطورات في منطقة الشرق الأوسط والجهود المبذولة تجاه وقف إطلاق النار في قطاع غزة والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

وأكد بن زايد حرص الإمارات على مواصلة تعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة بما يخدم الأهداف التنموية المشتركة للبلدين ويدعم السلام والازدهار في المنطقة والعالم.

كما أكد الجانبان حرصهما على مواصلة دفع علاقات التعاون الإستراتيجي بين البلدين إلى الأمام بما يحقق مصالحهما المشتركة