كشفت الوثائق العسكرية الأميركية المسربة عن استئناف أعمال بناء بداخل منشأة عسكرية صينية مشتبه بها تقع بميناء خليفة في العاصمة الإماراتية أبوظبي، حسبما أوردت صحيفة "واشنطن بوست".
وحذرت إحدى الوثائق من أن "منشأة جيش التحرير الشعبي" هي "جزء رئيسي" من خطة بكين لإنشاء قاعدة عسكرية في الإمارات.
وطبقا لما نقلته الصحيفة عن وثائق "ديسكورد" المسربة، فإن المنشأة "متصلة على الأرجح بالطاقة والمياه البلدية" و"تم الانتهاء من بناء محيط مسور لموقع تخزين لوجستي لجيش التحرير الشعبي الصيني".
وتعد هذه الأنشطة الجديدة في ميناء خليفة بأبوظبي من التطورات التي تراقبها المخابرات الأميركية بدافع القلق من أن الإماراتيين – الشريك الأمني للولايات المتحدة منذ فترة طويلة – يطورون علاقات أمنية أوثق مع الصين على حساب المصالح الأميركية، بحسب الوثائق والمقابلات التي أجرتها الصحيفة مع كبار مسؤولي إدارة بايدن.
كانت الإمارات قد أوقفت البناء الصيني في ميناء خليفة في ديسمبر لعام 2021 بسبب مخاوف الولايات المتحدة، حيث جادل المسؤولون الأميركيون بأن بكين تعتزم استخدامها لأغراض عسكرية.
وتقول المستندات المسربة إن المسؤولين العسكريين الصينيين يطلقون على هذه المبادرة اسم "المشروع 141". ويقع ميناء خليفة على بعد أقل من 100 كيلومتر عن قاعدة الظفرة الجوية التي تشغلها القوات الأميركية.
وتأتي هذه التسريبات بالتزامن مع سعي الصين لتوسيع دورها كلاعب عالمي بعد التوسط في اتفاق بين السعودية وإيران الشهر الماضي وطرح خطة سلام من 12 نقطة في فبراير لحل حرب أوكرانيا.
وأصبحت منطقة الشرق الأوسط نقطة محورية خاصة للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين، حيث أبرمت بكين صفقات تجارية وتقيم علاقات سياسية أوثق في منطقة كانت تهيمن عليها الولايات المتحدة.
وقال متحدث رسمي إماراتي إن "سياستنا هي عدم التعليق على المواد التي يُزعم أنه تم الحصول عليها بشكل إجرامي"، في إشارة إلى اعتقال مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي للمشتبه به في قضية التسريب الشهيرة.
في المقابل، قال المتحدث باسم السفارة الصينية لدى واشنطن، ليو بينغيو، إن مخاوف الولايات المتحدة بشأن المنشآت العسكرية الصينية في الخارج ليست في محلها.
وقال ليو: "من حيث المبدأ، تقوم الصين بتطبيق القانون والتعاون الأمني مع الدول الأخرى على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة".
وتندرج جهود بكين في الإمارات في إطار حملة طموحة من قبل جيش التحرير الشعبي الصيني (PLA) لبناء شبكة عسكرية عالمية تضم ما لا يقل عن 5 قواعد خارجية و10 مواقع دعم لوجستي بحلول عام 2030، بحسب إحدى الوثائق التي تحتوي على خريطة المنشآت الأخرى المخطط لها في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وجميع أنحاء أفريقيا.
مستوى "مختلف" من القلق
ويختلف مستوى القلق بشأن هذه القضية بين المسؤولين الأميركيين الذين تحدثوا لصحيفة "واشنطن بوست" دون الكشف عن هويتهم بسبب حساسية القضية.
ويرى بعض المسؤولين أن القضية يمكن إدارتها، فيما يعتقد البعض الآخر أن هذا يمثل تهديدا كبيرا يستدعي ضغطا أكثر قوة من الولايات المتحدة.
وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى إن "هناك بعض الأشخاص في الإدارة الذين يعتقدون أن الإمارات قررت بشكل أساسي العمل معنا. لكني لا أصدق ذلك".
وأضاف أن قادة الإمارات "يعتقدون أن الصين مهمة للغاية في الوقت الحالي وأنها تنهض في الشرق الأوسط".
ومع ذلك، قال اثنان من كبار المسؤولين الأميركيين إنهما يشككان في أن الإمارات ستذهب بعيدا في تعريض علاقتها الأمنية مع الولايات المتحدة للخطر، حتى لو كانت تفضل موقف الصين المحايد بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية.
ويصر المسؤولون الأميركيون على أنهم لن يسمحوا بتشغيل قاعدة عسكرية صينية في الإمارات، قائلين إن مثل هذه المنشأة ستعرض الأنشطة العسكرية الأميركية الحساسة بالشرق الأوسط للخطر.
وقال مسؤول ثانٍ كبير في الإدارة الأميركية إن "الإمارات شريك وثيق ونحن منخرطون بانتظام مع قيادتها العليا في عدد من الأمور الإقليمية والعالمية".
وتابع هذا المسؤول أنه "لا توجد مؤشرات حالية" على أن قاعدة صينية سيكتمل إنشاؤها دون زيادة كبيرة في النشاط يمكن ملاحظته.
وقال مسؤولون مطلعون إن إدارة بايدن قلقة أيضا من وجود أفراد من جيش التحرير الشعبي في قاعدتين عسكريتين إماراتيتين، حيث يشغل الحليف الخليجي طائرات بدون طيار وأنظمة دفاع صاروخية بالستية.
وفي هذا الإطار، قال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، إن الإمارات بدأت في استكشاف شركاء أمنيين آخرين بعدما رأت أن الرد الأميركي على الهجمات الصاروخية ضد أبوظبي من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران كان "بطيئا".
ويرى محللون أن توسع الصين في موانئ العالم يسهل جمع معلومات استخباراتية عن التحركات والأنشطة العسكرية الأميركية في وقت يتصاعد فيه التوتر بين واشنطن وبكين.
بموجب قانون صيني صدر في عام 2017، فإن الشركات الصينية التجارية ملزمة بمشاركة المعلومات مع الجيش إذا طُلب منها ذلك.
وقالت كاميل لونز، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إنه "من الصعب معرفة ما إذا كان ذلك سيحدث، لكنها مسألة مثيرة للقلق".