بعد عملية إجلاء معقدة استمرت 3 أيام من مصنع آزوفستال للصلب بمدينة ماريوبول الأوكرانية المحاصرة، وصل أول 100 مدني إلى زابوريجيا الآمنة نسبيا وبدأوا يروون قصصهم.
قال النساء وكبار السن إنهم عاشوا لأكثر من شهر دون أن يروا ضوء الشمس، حيث ساد الخوف وتضاءل مخزون الطعام لديهم في وقت يضرب القصف الروسي المجمع المترامي الأطراف بقوة لدرجة أن الغبار يتطاير في سقف القبو.
وحتى الآن، كانت القوات الروسية تقصف جوا وبحرا هذا المصنع الذي يختبئ في أنفاقه الضخمة تحت الأرض التي تعود إلى الحرب العالمية الثانية، مقاتلون ومدنيون محرومون من الماء والغذاء والدواء.
وكانت عطلة نهاية الأسبوع الماضي شهدت للمرة الأولى منذ فرض حصار على المدينة قبل شهرين وعمليات القصف المتواصلة، إجلاء حوالى 100 مدني كانوا لاجئين في طوابق تحت الأرض في مجمع آزوفستال للصلب بدعم من الأمم المتحدة.
وتقول صحيفة "واشنطن بوست" إن ضوء النهار الأول لهؤلاء المدنيين منذ أسابيع كان يحرق أعينهم مما تسبب في صدمة للبعض.
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في أوكرانيا، أوسنات لوبراني، "من ناحية رؤية السماء لأول مرة، ومن ناحية أخرى رؤية المدينة المدمرة".
وبعد وصول القافلة إلى زابوريجيا، سأل الصحافيون امرأة ذات شعر أحمر - طلبت من صحيفة "واشنطن بوست" عدم تحديد هويتها خوفا على أسرتها – عن استيعابها لفكرة نجاتها من ماريوبول، حيث فتحت فمها كأنها تتكلم، لكن لم تنطق ببنت شفه.
وساد الصمت لحظة وامتلأت عيناها بالدموع وهزت رأسها، ثم قالت أخيرا: "ليس لدي كلمات لهذا السؤال. لا شيء حقيقي بعد الآن".
وتعتبر ماريوبول نقطة استراتيجية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا في هذه الحرب، إذ أن المدينة الساحلية من شأنها أن تشكل ممرا بريا بين منطقة دونباس الشرقية المتاخمة لروسيا وشبه جزيرة القرم التي احتلتها موسكو عام 2014.
استغرق الإجلاء المدعوم من الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر أسابيع للتفاوض، حيث ناشد المقاتلون الأوكرانيون داخل المنشأة المجتمع الدولي للمساعدة في إجلاء المدنيين الذين يحتمون بالداخل.
محنة الـ 36 ساعة
غادر عمال الإغاثة زابوريجيا إلى ماريوبول، الجمعة، لكنهم لم يتمكنوا من البدء في إجلاء المدنيين حتى بعد ظهر يوم السبت. في البداية كان عليهم التفاوض مع الروس، ثم انتظروا خروج المدنيين.
كانت حافلة صغيرة متهالكة تجلب لهم مجموعات من ستة أو سبعة أشخاص في وقت واحد، غالبا مع انتظار 40 دقيقة بين المجموعات، حيث سقطت قذائف هاون في المنطقة دون أن يتضح من أطلقها.
في مرحلة ما، غير مخططو الإجلاء بتغيير المسارات بعد أن اكتشفوا ذخائر غير منفجرة في الطرق، بما في ذلك الألغام الأرضية.
وتستغرق الرحلة عادة أقل من أربع ساعات بين المدينتين، ولكن بسبب القصف النشط وإطلاق النار والعديد من نقاط التفتيش الروسية على طول الطريق، تحولت العملية إلى محنة طاحنة استمرت 36 ساعة.
كان بإمكان النساء والأطفال فقط الانضمام إلى عملية الإجلاء المدعومة من الأمم المتحدة، حيث لم يسمح الروس للشباب في سن القتال بالمغادرة.
وقالت ثلاث أمهات على الأقل قابلهن مراسلو "واشنطن بوست" إنهن اضطررن في النهاية إلى الاختيار: البقاء مع أزواجهن أو إنقاذ أطفالهن.
كانت أوكسانا، وهي أم لطفلين واحدة منهم، إذ حوصرت بالداخل مع زوجها وأولادها الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاما، وشاهدت أبنائها يتأقلمون بطريقة ما مع الحياة الجديدة التي يسمع فيها أصوات القنابل باستمرار مع وجود قليل من الطعام.
كان طعامهم الوحيد عبارة عن حزم من المساعدات الإنسانية التي سمح الروس بدخولها.
قالت: "خلال الشهر الأول كانوا يبكون ويرتجفون، لكن فيما بعد التزموا الهدوء".
وقال قائد قوة الشرطة الإقليمية للصحيفة الأميركية إن المقاتلين الروس قصفوا المنشأة مرارًا وكانوا يحاولون اقتحام محيط المصنع.
وقال إن الهجمات الأخيرة قتلت مدنيين اثنين على الأقل، وما زال ما يصل إلى 200 آخرين يختبئون في مخابئ أسفل المنشأة، في أمس الحاجة إلى الإجلاء.