كيف يدفع العالم ثمن حرب بوتين في أوكرانيا؟
الغالبية العظمى من العالم لا تشارك في فرض عقوبات

دفع غزو روسيا لأوكرانيا، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى إعادة التفكير في العلاقة التي تربطهم بموسكو، ولا سيما التجارية والمالية.

وفي أوائل مارس، عندما لم تذعن روسيا لنداءات التهدئة التي أطلقتها عدة دول، سلطت واشنطن وحلفاؤها موجة من العقوبات على روسيا، على أمل تجفيف مصادرها المالية التي تمول بها الحرب.

واستغرق الأمر بعض الوقت، حتى تحذو الدول الأوروبية حذو الولايات المتحدة، حيث أن الاتحاد الأوروبي اتخذ خطوة هامة هذا الأسبوع بشأن خطة حظر واردات النفط الروسية.

لكن ومع اقتراب الحرب في أوكرانيا من يومها المائة، لا تزال الآلة الروسية تعمل بشكل كبير، حيث تحصد موسكو "سيولة ضخمة يمكن أن تبلغ 800 مليون دولار يوميًا هذا العام " وفق تحليل لوكالة بلومبيرغ.

الاتحاد الأوروبي استثنى واردت النفط الروسي عبر الأنابيب
معضلة "دروجبا".. لماذا لا تستطيع أوروبا الاستغناء تماما عن النفط الروسي؟
اتفقت دول الاتحاد الأوروبي الـ27 خلال قمة بروكسل على خفض وارداتها من النفط الروسي بنسبة 90 في المئة بحلول نهاية العام الجاري، لكن الحظر يحتوي على استثناء رئيسي واحد على الأقل وهو النفط المستورد عبر خطوط الأنابيب

وهذا المبلغ يمثل ما تجنيه روسيا من صادراتها من السلع الأساسية والنفط والغاز.

متجر كبير

لسنوات، عملت روسيا كمتجر كبير للسلع الأساسية يبيع ما يحتاجه العالم، ليس فقط الطاقة، ولكن القمح والنيكل والألمنيوم والبلاديوم أيضًا. 

تقول بلومبيرغ إن عائدات تصدير النفط لروسيا وحدها ارتفعت بنسبة 50٪ عن العام السابق، وإن روسيا بعيدة على أن تتأثر بالعقوبات.

ورغم العقوبات المسلطة عليها، وتحولها لدولة منبوذة في جميع أنحاء العالم المتقدم، إلا أن بإمكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن يتجاهل هذا الضرر في الوقت الحالي "لأن خزائنه تفيض بعائدات السلع، التي أصبحت مربحة أكثر من أي وقت مضى بفضل الارتفاع في الأسعار العالمية الذي دفعته جزئيًا الحرب في أوكرانيا".

وحتى مع قيام بعض الدول بوقف مشتريات الطاقة، فإن عائدات روسيا من النفط والغاز ستصل إلى حوالي 285 مليار دولار هذا العام، وفقًا لتقديرات "بلومبيرغ إيكونوميكس" بناءً على توقعات وزارة الاقتصاد. 

إلى متى؟

يعرف زعماء الاتحاد الأوروبي أنه يتعين عليهم التوقف عن الشراء من روسيا والتمويل غير المباشر لحرب مدمرة على أعتاب أوروبا، لكن مع كل هذا الطموح، تدرك الحكومات الأوروبية أيضًا أنه ستكون هناك تداعيات على اقتصاداتها.

يقول جيفري شوت، الزميل البارز في معهد بيترسون بواشنطن، إن هناك دائمًا قيود سياسية على استخدام العقوبات.

وأضاف "أنت تريد زيادة الألم على هدفك وتقليل الألم على نفسك، ولكن لسوء الحظ، فإن قول ذلك أسهل من فعله".

وفي الولايات المتحدة، يناقش المسؤولون سبل تصعيد الضغط المالي، ربما من خلال المساعدة في فرض سقف على أسعار النفط الروسي أو فرض عقوبات على البلدان والشركات التي لا تزال تتعامل مع الشركات الروسية تحت القيود، لكن مثل هذه العقوبات الثانوية قد تسبب انقسامًا عميقًا وتهدد بإلحاق الضرر بالعلاقات مع الدول الأخرى.

وحظرت الولايات المتحدة بالفعل النفط الروسي، لكن أوروبا تتخلص ببطء من هذه التبعية، وهذا يمنح موسكو وقتًا للعثور على أسواق أخرى، مثل العملاقين اللذين يستهلكان كميات كبيرة من السلع، وهما الصين والهند، وذلك للحد من أي ضرر قد يلحق بعائدات التصدير، أو بالأحرى أموال الحرب الجارية ضد أوكرانيا.

أعلى الأرباح

على أساس الحاجة الملحة للخام الروسي، ارتفعت عائدات تصدير النفط لروسيا  بنسبة 50٪ عن العام السابق، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية. 

وحقق كبار منتجي النفط في روسيا أعلى أرباح لهم في ما يقرب من عقد من الزمان في الربع الأول من هذا العام، وفقًا لتقديرات SberCIB Investment Research ومقرها موسكو، بينما تستمر صادرات القمح - بأسعار أعلى- حيث لم يتم حتى مناقشة العقوبات على الزراعة الروسية لأن العالم بحاجة إلى الحبوب.

وتضاعف فائض الحساب الجاري، وهو أوسع مقياس للتجارة في السلع والخدمات، بأكثر من ثلاثة أضعاف في الأشهر الأربعة الأولى من العام إلى ما يقرب من 96 مليار دولار. 

ويعكس هذا الرقم، وهو أعلى رقم منذ 1994 على الأقل، بشكل أساسي ارتفاع أسعار السلع الأساسية، على الرغم من أن انخفاض الواردات تحت وطأة العقوبات الدولية كان أحد العوامل أيضًا.

قالت جانيس كلوج، المختصة في أوروبا الشرقية وأوراسيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين: "إذا كان الهدف من العقوبات هو وقف الجيش الروسي، فهذا لم يحدث بعد". 

ثم تابعت "لا يزال بإمكان روسيا تمويل المجهود الحربي، ولا يزال بإمكانها التعويض عن بعض الأضرار التي تلحقها العقوبات".

ثغرات

أحد الثغرات الكبيرة في العقوبات المفروضة على روسيا هو استعداد الدول الأخرى لمواصلة شراء النفط،  بسعر مخفض.

واشترت المصافي الهندية أكثر من 40 مليون برميل من النفط الروسي بين بداية الغزو الأوكراني في أواخر فبراير وأوائل مايو. 

وهذا يزيد بنسبة 20٪ عن التدفقات بين روسيا والهند لعام 2021 بأكمله، وفقًا لحسابات بلومبيرغ بناءً على بيانات وزارة التجارة الروسية.

وتسعى شركات التكرير الهندية إلى صفقات خاصة بدلاً من المناقصات العامة للحصول على براميل روسية أرخص من أسعار السوق.

في غضون ذلك، تعمل الصين على تعزيز روابطها في مجال الطاقة مع روسيا، وتأمين أسعار أرخص عن طريق شراء النفط الذي يتم تجنبه في أماكن أخرى. 

وعززت بكين وارداتها وتجري أيضًا محادثات لتجديد مخزونها الاستراتيجي من النفط الخام بالنفط الروسي.

استمرار عائدات صناعة الصلب

إلى ذلك، ارتفعت صادرات روسيا من صناعة الصلب والفحم للشهر الثالث في أبريل إلى أكثر من ضعف مستوى العام الماضي، وفقا لبيانات مكتب الجمارك الرسمية. 

ويحاول البعض من بائعي الفحم الروسيين تسهيل الأمور على المشترين الصينيين من خلال السماح بالمعاملات باليوان.

لذلك يرى فوتر جاكوبس، مؤسس ومدير مركز إيراسموس للسلع والتجارة بجامعة إيراسموس في روتردام، أن "الغالبية العظمى من العالم لا تشارك في فرض عقوبات". 

وتابع "التجارة ستستمر  وسيزداد المشترون في آسيا أو الشرق الأوسط".

عائدات الغاز

عندما يتعلق الأمر بالغاز، فإن لدى روسيا خيارات أقل لتحويل الإمدادات، لكن الدول التي تقع في نهاية خطوط الأنابيب الممتدة من روسيا، والتي يمر بعضها عبر أوكرانيا، تبقى هي الأخرى عالقة أيضًا في تبعية متبادلة.

وتلبي روسيا حوالي 40٪ من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز، وسيكون هذا هو أصعب رابط يمكن فصله عن الاتحاد. 

وقفزت عمليات التسليم الأوروبية خلال شهري، فبراير ومارس، حيث تسبب الغزو في ارتفاع الأسعار في مراكز الغاز الأوروبية، مما جعل عمليات الشراء من شركة "غازبروم" الروسية أرخص بالنسبة لمعظم العملاء الذين لديهم عقود طويلة الأجل.

وحتى مع قيام الاتحاد الأوروبي بتقليل اعتماده على الغاز الروسي، حيث تقول ألمانيا إنها انخفضت إلى 35٪ من 55٪ فهناك تعقيدات في كل خطوة. 

وبذل العديد من كبار مشتري الغاز الروسي قصارى جهدهم لمواصلة شراء الوقود الحيوي، حيث تتوقع المرافق مثل شركة Eni SpA الإيطالية وشركة Uniper SE الألمانية استمرار الإمدادات.

تعليقا على ذلك، قالت تاتيانا ستانوفايا، عن مؤسسة المستشار السياسي آر بوليتيك: "يوجد في الكرملين بعض التفاؤل بل والمفاجأة من أن الاقتصاد الروسي لم ينهار بسبب هجمة العقوبات".

ثم تابعت "لكن بالنظر إلى ما قبل عامين إلى ثلاثة أعوام، هناك الكثير من الأسئلة حول كيفية بقاء قطاعي الطاقة والتصنيع على هذه الوتيرة" في إشارة إلى ضرورة استمرار الضغط إلى غاية بداية ظهور نتائجه على المدى المتوسط والبعيد.

الأسطول تأسس على يد الأمير الروسي غريغوري بوتيمكين في القرن الثامن عشر
الأسطول تأسس على يد الأمير الروسي غريغوري بوتيمكين في القرن الثامن عشر

في تطور لافت، أعلنت أوكرانيا أن عشرات الأشخاص بينهم شخصيات قيادية في البحرية الروسية قتلوا أو جُرحوا في هجوم صاروخي شنته الجمعة على مقر قيادة أسطول البحر الأسود الروسي. 

وقع الهجوم أثناء انعقاد اجتماع لقيادة البحرية الروسية وأدى إلى مقتل تسعة أشخاص على الأقل بينهم جنرالات، وفقا لرئيس الاستخبارات الأوكرانية كيريلو بودانوف.

وأظهرت لقطات تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي تصاعد دخان كثيف من المقر العام للأسطول الواقع في مدينة سيفاستوبول الساحلية في القرم.

تاريخ أسطول البحر الأسود

يعمل الأسطول في البحر الأسود وبحر آزوف والبحر الأبيض المتوسط، ويتمركز في ميناء سيفاستوبول، وهو أحد مراكز قيادة العمليات الروسية ضد أوكرانيا.

تأسس الأسطول على يد الأمير الروسي بوتيمكين في عام 1783، وبعد الثورة البلشفية، تحولت السيطرة عليه لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، قبل أن يصبح جزءا من البحرية السوفيتية في عام 1922 مع تأسيس الاتحاد السوفيتي.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، تم تقسيم الأسطول مع أوكرانيا، وحصلت روسيا على حق ملكية معظم الأسطول وسفنه في عام 1997.

يقع المقر الرئيسي والمرافق الرسمية للأسطول في مدينة سيفاستوبول الأوكرانية المحتلة في شبه جزيرة القرم. 

يتمركز باقي الأسطول في مواقع مختلفة على البحر الأسود وبحر آزوف، بما في ذلك منطقة روستوف وشبه جزيرة القرم.

أهميته

بحسب أحدث المعلومات، يضم الأسطول ستة طرادات صواريخ موجهة، وطرادا متعدد الأدوار وسبع غواصات هجومية تعمل بالديزل وسبع سفن إنزال إلى جانب زوارق إنزال عالية السرعة وطرادات وكاسحات ألغام بحرية وزوارق مكافحة التخريب. 

يقع المقر العام للأسطول الروسي في البحر الأسود وسط مدينة سيفاستوبول في شبه الجزيرة التي ضمتها موسكو. 

اتخذت روسيا خطوات لتعزيز الأسطول، بما في ذلك خطط لإنشاء سفينة هجومية جديدة بطائرات هليكوبتر لتكون السفينة الرئيسية، لكن تواريخ الانتهاء من هذه المشاريع لا يزال غير واضحا.

على الرغم من أن التكوين الدقيق للسفن الجديدة والتواريخ التي من المتوقع أن تدخل فيها الخدمة غير واضحة.

لماذا تصر أوكرانيا على استهداف الأسطول؟

ترغب القوات الأوكرانية بتعطيل خطوط الإمداد الروسية ووضع حد للسيطرة العسكرية الروسية على البحر الأسود.

وتكشف النجاحات الأوكرانية المتكررة عن صعوبات تواجهها الدفاعات الجوية الروسية، بينما تحاول أوكرانيا في خضم الهجوم المضاد الذي تشنه لاستعادة أراضيها، إرباك الدفاع الروسي من خلال مهاجمة خطوط إمداده ومراكز قيادته بعيدا عن خط الجبهة.

هجوم الجمعة لم يكن الأول، فقد تعرض مقر الأسطول لاستهداف في 31 يوليو 2022، أصيب خلاله ستة أشخاص بجروح جراء ضربة بطائرة مسيّرة متفجرة على مبنى المقر، الذي أنشيء على الطراز الكلاسيكي، ويقع في وسط سيفاستوبول بالقرب من حدائق ومتاحف يقصدها العديد من الأشخاص.

وفي أبريل 2022 تعرض الأسطول لضربة موجعة بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الطراد "موسكفا"، سفينة القيادة في أسطول البحر الأسود الروسي، غرقت بعدما تعرضت لأضرار خلال الهجوم على أوكرانيا. 

و"موسكفا" موضوعة في الخدمة منذ 1983 في عهد الاتحاد السوفياتي، وقد شاركت في التدخل الروسي في سوريا منذ 2015. 

وفي الأيام الأولى لغزو أوكرانيا، شاركت في هجوم على جزيرة الثعبان قرب الحدود الرومانية، حيث أسر 19 بحارا أوكرانيا لمبادلتهم بأسرى روس في وقت لاحق.