ارتفاع وتيرة الضربات الروسية على الأهداف المدينة في أوكرانيا
ارتفاع وتيرة الضربات الروسية على الأهداف المدينة في أوكرانيا

ارتفعت وتيرة الهجمات الصاروخية الروسية على أهداف مدنية في أوكرانيا خلال الشهر الماضي مما أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص.

ويقول مسؤولون أوكرانيون وغربيون ومحللون روس إن وتيرة الضربات الروسية على أهداف مدنية تتزايد مؤخرا، وأن تلك الهجمات جاءت غالبا بصواريخ قديمة وغير دقيقة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

ومع دخول الصراع الشهر الخامس، تنخفض القوة العسكرية الروسية التي تكافح لإحراز تقدم في منطقة دونباس الشرقية.

وقال الجنرال الأوكراني، أوليكسي هروموف، في مؤتمر صحفي، الخميس، إنه "تم إطلاق أكثر من 200 صاروخ على الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية في النصف الثاني من شهر يونيو، أي أكثر من ضعف العدد في النصف الأول من الشهر نفسه".

ونفذت بعض أعنف ضربات الحرب خلال الأسبوع الماضي تحديدا، حيث قتل العشرات في هجمات على أهداف مدنية متفرقة.

ففي هجوم على مركز تجاري، الاثنين، في مدينة كريمنشوك بوسط البلاد، أطلقت روسيا صاروخين من طراز "كيه إتش". وسقط صاروخ من نفس النوع على مبنى سكني في منتجع "سيرهيفكا" المطل على البحر الأسود يوم الجمعة.

ودخلت الصواريخ السوفيتية من فئة "كيه إتش" المصممة لاستهداف السفن، ترسانة البلاد في الستينيات، مما دفع المحللين إلى التكهن بشأن انخفاض قدرة روسيا على الهجوم بأسلحة حديثة بينما تستعد قواتها للمرحلة التالية من الصراع.

وقال المحلل العسكري الروسي، بافيل لوزين، إن استخدام مثل هذه الأسلحة "لإرهاب المدن الأوكرانية من الجو يعد دليلا آخر على انخفاض مخزونات روسيا من الذخائر الدقيقة بعيدة المدى".

وردد الملحق الدفاعي البريطاني، ميك سميث، هذا الرأي، بقوله إن استخدام الصواريخ القديمة المضادة للسفن يشير إلى تراجع أعداد الأسلحة الحديثة الروسية.

وتوغلت القوات الروسية، السبت، في ليسيتشانسك، آخر معاقل الحكومة الأوكرانية في مقاطعة لوهانسك الشرقية، وفقا لما أوردته وكالة أنباء موسكو الرسمية. ونشرت الوكالة على مواقع التواصل الاجتماعي قوات موالية لروسيا وجندي أوكراني متمركز في المدينة. 

وفي وقت لاحق أجر الجيش الأوكراني بالانسحاب من المدينة حفاظا على حياة المدافعين عنها.

"مداواة الجروح"

ويحذر محللون عسكريون من أن روسيا تواجه الآن المهمة الصعبة المتمثلة في مواصلة هجومها البطيء على مقاطعة دونيتسك المجاورة لتحقيق هدف الحرب المعلن المتمثل في الاستيلاء على منطقة دونباس الشرقية في أوكرانيا، وذلك مع تزايد خسائرها.

وتزامن استخدام روسيا المتزايد لصواريخ فئة "كيه إتش" مع ارتفاع تقديرات وكالات الاستخبارات الغربية للخسائر العسكرية الروسية. 

وقال وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، الأسبوع الماضي إن 25 ألف جندي روسي قتلوا في الحرب، وهو أعلى رقم يقدمه مسؤول حربي للخسائر البشرية الروسية في أوكرانيا. 

وفي وقت لا يمكن التأكد عدد قتلى القوات الروسية في أوكرانيا بشكل مستقل، تشير أحدث تقديرات البنتاغون إلى أن الخسائر الروسية بلغت 15 ألفًا.

وقال ميخايلو بودولاك، مستشار الرئيس الأوكراني، فولودمير زيلنسكي، للقناة 24، السبت: "لقد انتقل الروس إلى مفهوم الحرب حيث يريدون خلق حالة من الذعر على نطاق واسع في أوكرانيا". 

وقال إن روسيا تفعل ذلك للضغط على الحكومة الأوكرانية للتنازل عن الأراضي مقابل السلام، مما يسمح للكرملين بإعلان النصر.

ومنذ بداية الحرب، حافظت روسيا على موقف يتعذر الدفاع عنه بشكل متزايد، حيث قالت إنها لا تطلق النار إلا على أهداف عسكرية، وإن أي منشآت مدنية تعرضت للقصف قد اختارتها أوكرانيا للاستخدام العسكري.

ولاقت هذه المزاعم صدى بين الشعب الروسي وكثير بينه متأثر بشبكات التلفزيون التي تسيطر عليها الدولة والمعلقين المحافظين المؤيدين للحرب، الذين يدعمون موقف الحزب.

وخلال الأيام الأخيرة، صعدت آلة الدعاية التابعة للكرملين جهودها للإفلات من اللوم - خاصة بين الجمهور الروسي الذي يرتبط العديد منهم بعلاقات ثقافية وعائلية عميقة بأوكرانيا - وذلك من خلال تصوير قصف أهداف مدنية على أنه عمليات كاذبة من قبل الحكومة الأوكرانية.

وقال لوزين: "موسكو لا تريد إنهاء الحرب، لكنها بحاجة لالتقاط أنفاسها لمداواة الجروح وتجديد مخزونها من الأسلحة جزئيًا".

بوتين وترامب
صورة تجمع بين ترامب والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين (فرانس برس)

في أحدث تصريحاته، هدد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية وعقوبات صارمة على روسيا إذا لم تتحرك فورًا لإنهاء الحرب الطاحنة في أوكرانيا. 

تلك التصريحات أعادت تسليط الضوء بشكل أكبر على أخطر أزمة تعاني منها القارة الأوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ورغم تحذير ترامب، فإن الكرملين وصف موقفه بأنه لا يحمل جديدًا، ما يطرح تساؤلات حول مدى فعالية هذا النهج.

وفي هذا الصدد يرى، تيمور دويدار، الخبير في الشؤون الدولية والمقيم في موسكو، أن ترامب يسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية عبر إنهاء الحرب. 

ويضيف في حديثه لموقع "الحرة" أن "إنهاء الأزمة الأوكرانية ليس فقط مصلحة للولايات المتحدة بل للعالم بأسره. ترامب يدرك أن رفع العقوبات عن روسيا وإعادة تدفق الطاقة والحبوب سيؤدي إلى استقرار الأسواق العالمية، ويعزز هيمنة واشنطن على أوروبا اقتصاديًا وسياسيًا".

دويدار أضاف أن الأزمة الأوكرانية باتت تمثل عبئًا اقتصاديًا وسياسيًا على الولايات المتحدة وأوروبا، لافتا إلى أن إنهاء الحرب سيعيد فتح الباب أمام التعاون الاقتصادي بين الغرب وروسيا، خاصة في مجالات الطاقة والموارد الطبيعية. 

وشدد على أن الولايات المتحدة قد تستفيد من عودة العلاقات الطبيعية مع موسكو لتركز جهودها على مواجهة التحديات الأكبر مع الصين.

في المقابل، يؤكد الدبلوماسي الأوكراني، إيفان سيهيدا، أن أي هدنة أو وقف مؤقت لإطلاق النار لن يحقق أمن أوكرانيا.

ويضيف: "بوتين لا يفهم إلا لغة القوة. أي اتفاق دون ضمانات قوية سيكون مجرد فرصة له لإعادة تنظيم قواته استعدادًا لهجوم جديد".

 سيهيدا أكد أيضًا على ضرورة وجود دعم عسكري قوي لبلاده يرافق العقوبات لضمان تحقيق ردع فعال.

وأوضح الدبلوماسي الأوكراني أن كييف لن تعترف أبدًا بـ"الاحتلال الروسي للقرم أو أي أراضٍ أوكرانية أخرى"، مشيرًا إلى أن "جرائم الحرب الروسية والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان تجعل أي تسوية مع موسكو مشروطة بمحاسبة المسؤولين وضمان سلام دائم".

 تباين في المواقف

في منشور على منصته "تروث سوشال"، أوضح ترامب أنه يسعى لإنهاء الحرب بسرعة، مشيرًا إلى أن الاقتصاد الروسي يعاني وأن أي اتفاق سيكون في مصلحة الجميع. 

ومع ذلك، لم يقدم ترامب تفاصيل حول طبيعة العقوبات الجديدة. وأضاف: "أنا أحب الشعب الروسي، ودائمًا كانت لدي علاقة جيدة مع الرئيس بوتين"، في محاولة للتأكيد على أن تهديداته تهدف لتحقيق سلام دائم وليس تصعيدًا.

من جانبها، قالت موسكو إنها "منفتحة على الحوار"، لكن ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الكرملين، أكد أن أي مفاوضات يجب أن تقوم على احترام متبادل. بينما رأى نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن فرص التوصل لاتفاق مع إدارة ترامب "محدودة"، لكنه أشار إلى وجود أمل مقارنة بسياسات الإدارة السابقة بقيادة بايدن.

ترامب، الذي تولى منصبه حديثًا، أشار إلى أنه يستطيع إنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة. وأكد أن سياسته تهدف إلى تحقيق التوازن بين الضغط على روسيا وتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي. لكن تبقى الأسئلة مفتوحة حول كيفية تحقيق هذا الهدف، خاصة في ظل استمرار التوترات بين الأطراف المختلفة.

تداعيات اقتصادية وسياسية 

الحرب المستمرة في أوكرانيا أثرت بشدة على الأسواق العالمية، خاصة في أوروبا، وهنا يقول دويدار: "إن إنهاء الحرب سيعيد التوازن للاقتصاد العالمي، ويخفف من التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا. فالغاز الروسي الرخيص كان ضروريًا للصناعات الأوروبية، وعودته ستساهم في إنعاش الاقتصاد الأوروبي".

ويضيف أن أوروبا تعاني من شتاء قارس وارتفاع في تكاليف التدفئة، مما يزيد من الضغط على الحكومات الأوروبية لإيجاد حل سريع للصراع. 

ويشير إلى أن عودة العلاقات التجارية مع روسيا قد تكون إحدى الطرق لتخفيف هذا الضغط، لكن ذلك يعتمد على التوصل إلى اتفاق سياسي شامل.

أما سيهيدا فيرى أن السماح لروسيا بالاستفادة من عدوانها سيكون خطأ كبيرًا، مردفا: "أي تخفيف للعقوبات دون تحقيق سلام عادل سيشكل مكافأة للكرملين. يجب أن يكون هناك موقف صارم يمنع تكرار هذا السيناريو مستقبلًا".

الحرب أيضًا ألقت بظلالها على الأمن الغذائي العالمي، حيث تعطلت بعض عمليات تصدير الحبوب والأسمدة من أوكرانيا وروسيا، مما أثر على العديد من الدول النامية التي تعتمد بشكل كبير على هذه الموارد، وبالتالي، فإن التوصل إلى اتفاق سلام، كما يرى دويدار،  قد يعيد تدفق هذه الموارد بشكل طبيعي.