يمثل الاستيلاء الروسي على مدينتي سيفيرودونتسك وليسيتشانسك، انتصارا لاستراتيجية موسكو في شرق أوكرانيا والقائمة على "التفوق الصاروخي والتقدم التدريجي"، لكن ذلك الانتصار يثير التساؤلات حول نجاح روسيا في الاستمرارية بخطتها الاستراتيجية، في ظل خسائر فادحة وإرهاق جسدي وذهني للجنود.
وقال الحاكم الإقليمي لمنطقة لوغانسك، سيرغي غايداي، إن القوات الروسية تخوض قتالا عنيفا وتزحف صوب منطقة دونيتسك بعد سيطرتها على آخر بلدتين في لوغانسك المجاورة.
وأضاف أن القوات الروسية "تكبدت خسائر فادحة خلال العملية الطويلة للسيطرة على مدينتي سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك"، لكنها توجه جهودها نحو التحرك جنوبا".
وأشار في تصريحات للتلفزيون الأوكراني إلى أن "القتال العنيف مستمر على أطراف منطقة لوغانسك، وقد أُعيد توجيه جميع قوات الجيش الروسي وقوات الاحتياط إلى هناك"، مضيفا إن الروس "يتكبدون خسائر فادحة"، وفقا لما نقلته رويترز.
وأضاف "قواتنا تقصف مستودعاتهم بعيدا عن الخطوط الأمامية، يجري تدمير قدر كبير من العتاد والوقود اللازم للمعدات".
الاستراتيجية المدمرة
وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، فقد نجحت القوات الروسية في تحقيق مكاسب بشرق أوكرانيا استنادا على "الاستراتيجية المدمرة" التي تعتمد بشكل كبير على المدفعية بعيدة المدى.
وحسب الصحيفة فإن تلك الاستراتيجية تناسب التضاريس المسطحة وخطوط الإمداد الروسية الأقصر في شرق أوكرانيا، ولكنها قد لا تنجح في أي مكان آخر، وقد تسببت أيضا في "خسائر فادحة" بين القوات الروسية.
وبعد إخفاقها في التحرك نحو كييف في بداية الغزو، قالت روسيا إنها أعادت توجيه قواتها صوب دونباس، قلب أوكرانيا الصناعي المكون من منطقتي لوغانسك ودونيتسك، وفقا لـ"رويترز".
وبعد سقوط ليسيتشانسك الحيوية في خطة السيطرة على دونباس، تحاول القوات الروسية الآن التقدم غربا للاستيلاء على بقية مناطق الحوض الصناعي الذي يسيطر على أجزاء منه انفصاليون روس منذ 2014، وفقا لـ"فرانس برس".
ويقول محللون إن روسيا ركزت "أكثر من نصف قوتها القتالية"، في شن حملة للاستيلاء على لوغانسك، وفقا لـ"رويترز".
ورغم استيلاء جيشه على مدينة ليسيتشانسك بشرق أوكرانيا انتصارا، موجها قواته بالتقدم في مقاطعة دونيتسك، لكن بوتين لا يزال بعيدا عن هدفه المتمثل في "تحرير" منطقة دونباس بأكملها، بحسب تحليل لصحيفة "فاينانشيال تايمز".
ومازال من غير الواضح "إلى أي مدى ينوي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين" مواصلة الهجوم شرق أوكرانيا، ولم يتضح بعد قدرة قوات موسكو على "استيعاب المزيد من الخسائر في الرجال والعتاد"، دون الحاجة إلى وقفة طويلة لإعادة البناء، وفقا لـ"نيويورك تايمز".
ونقلت "نيويورك تايمز"، عن مسؤولين أوكرانيين قولهم إنهم يهدفون إلى "إلحاق أقصى قدر من الخسائر بالروس من خلال إجبارهم على القتال من أجل المدن"، لكن القوات الأوكرانية تفتقر إلى "الدعم الصاروخي والمدفعي في تلك المعارك".
وقال جندي متطوع في القوات الأوكرانية ويدعى فولوديمير، إنه فقد أكثر من نصف فرقته المكونة من حوالي 100 جندي خلال المعركة في سيفيرودونتسك، مضيفا أن القوات الأوكرانية لم تتلقى "الدعم" لمواجهة الروس.
وأشار الجندي الأوكراني إلى أن "وحدات الدبابات قد أتت لمساعدة الجنود، لكن قوات المدفعية لم تكن موجودة"، وفقا لـ"نيويورك تايمز".
على جانب آخر، نادرا ما تفتقر القوات الروسية إلى قدر هائل من الدعم، والذي يأتي غالبا في شكل "قصف مدفعي ثقيل"، حتى لو تسبب ذلك في تدمير مدن بأكملها وتحويلها إلى خراب.
خسائر فادحة في صفوف الطرفين
أرهق القتال المستمر كلا الجانبين، حيث قدر المسؤولون الأوكرانيون أن قواتهم تتكبد "مئات الضحايا يوميا"، بينما تشير تقارير الاستخبارات الغربية إلى مستوى مماثل من القتلى والجرحى في الجانب الروسي.
وحسب "نيويورك تايمز"، فقد تسببت الحرب الطويلة في خسائر فادحة بين الجنود الروس، لذلك لجأت موسكو للاستعانة بمرتزقة "فاغنر"، والقوات الشيشانية، والمقاتلين الانفصاليين من لوهانسك ودونيتسك، لتعويض تلك الخسائر.
وفي مؤشر جديد على "إرهاق القوات الروسية"، أمر بوتين، الاثنين، القوات المشاركة في الاستيلاء على ليسيتشانسك وسيفيرودونيتسك بالراحة و"زيادة قدراتهم القتالية"، بينما تواصل التشكيلات الروسية الأخرى القتال.
وعلى جانب أخر، تعاني أوكرانيا من نقص في المعدات، ويشعر القادة الأوكرانيون بالقلق من أن بعض جنودهم يعانون من الإجهاد، بالإضافة إلى خطر الإصابة أو القتل بنيران العدو، وفقا لـ"نيويورك تايمز".
وفي المقابل، تعاني روسيا أيضا من نقص القوات ونضوب مخزونات الدروع الحديثة، مما يجعلها تعتمد على قوة نيران المدفعية المتفوقة للغاية، حسب تقرير "فاينانشيال تايمز".
في الجنوب، بالقرب من مدينة خيرسون الساحلية التي تسيطر عليها روسيا، حققت القوات الأوكرانية سلسلة من المكاسب الصغيرة خلال الشهر الماضي، حسب "نيويورك تايمز".
وتصعب تلك الهجمات الأوكرانية المضادة على روسيا مهمة تأمين كافة المناطق التي تحتلها لأنه ليس لديها ما يكفي من القوات، وفقا لـ"فاينانشيال تايمز".