منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، رحلت موسكو أكثر من 900 ألف مواطن أوكراني من المناطق التي تحتلها في أوكرانيا إلى روسيا في عملية "تصفية" منهجية، وسط اتهامات للجيش الروسي بارتكاب "جرائم حرب" ضد المدنيين.
وكشف وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ترحيل روسيا من 900 ألف إلى 1.6 مليون مواطن أوكراني من المناطق التي تحتلها في أوكرانيا، في إدانة شديدة لموسكو وتأكيد للمزاعم التي فرضها المسؤولون الأوكرانيون لأسابيع، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".
ويجتمع مسؤولون حكوميون من عشرات الدول، الخميس، في هولندا للتباحث مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية حول أفضل السبل لتنسيق الجهود لتقديم مرتكبي جرائم الحرب في أوكرانيا إلى العدالة.
ومنذ أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا في 24 فبراير، اتُهمت قواته العسكرية بارتكاب انتهاكات تتراوح من القتل بضاحية بوتشا في كييف إلى الهجمات المميتة على المنشآت المدنية، بما في ذلك قصف مسرح بمدينة ماريوبول في 16 مارس.
وتوصل تحقيق للأسوشيتد برس إلى مقتل ما يقرب من 600 شخص على الأرجح في القصف.
وتوصلت الأسوشيتد برس وفرونتلاين، اللتان تتعقبان الحوادث في أوكرانيا، حتى الآن إلى ارتكاب 338 جريمة حرب محتملة.
وقال بلينكن في بيان، الأربعاء، إن العديد من هؤلاء "المرحلين قسرا"، بمن فيهم 260 ألف طفل انفصل بعضهم عن عائلاتهم، وقد انتهى بهم الأمر في مناطق معزولة في أقصى شرق روسيا.
وتشير التقارير إلى أن القوات الروسية أخذت آلاف الأطفال من دور الأيتام في أوكرانيا وعرضتهم للتبني في روسيا، بحسب بيان الخارجية الأميركية.
ترحيل قسري ومعسكرات "تصفية"
وفي مارس، أظهرت تقارير لصحيفة "واشنطن بوست"، ترحيل روسيا لـ"المدنيين الأوكرانيين" من المناطق التي تسيطر عليها في أوكرانيا.
وتم نقل بعض المدنيين الأوكرانيين إلى "تاغانروغ"، وهي مدينة ساحلية روسية على بحر آزوف، ومن هناك يتم إرسالهم بالقطار إلى المدن والبلدات في جميع أنحاء روسيا.
في مارس، أظهرت صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو بدء القوات المدعومة من روسيا في بناء معسكر في بيزيمين، التي يسيطر عليها الانفصاليون في شرق أوكرانيا.
في أواخر يونيو، كشفت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، إيرينا فيريشوك، ترحيل القوات الروسية 1.2 مليون أوكراني قسرا إلى روسيا ، بينهم 240 ألف طفل.
وخلال الأسبوع الماضي، أشارت نائبة رئيس البعثة الأمريكية لدى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، كورتني أوسترا ، إلى تحديد 18 "معسكرا روسيا للتصفية" على جانبي الحدود الأوكرانية الروسية.
وفي وقت سابق، كشف تقرير لشبكة "سي إن إن"، أن روسيا تنقل آلاف المدنيين في شرق أوكرانيا قسريا إلى روسيا بعد فلترتهم في "معسكرات التصفية".
وقالت مصادر إنه بعد احتجاز العديد من الأوكرانيين في معسكرات يديرها مسؤولو المخابرات الروسية، يتم نقلهم قسرا إلى مناطق تعاني من الركود الاقتصادي في روسيا على بعد آلاف الأميال من منازلهم، وغالبا ما يُتركون دون أي وسيلة للعودة، وفقا لـ"سي إن إن".
ونقلت شبكة "سي إن إن" عن شهود عيان في هذه المعسكرات تعرضهم للضرب وتجريدهم من ملابسهم، ونقص المرافق الصحية، وأفاد مصدر مطلع بتفشي مرض السل في أحد المعسكرات، بينما توفي الأوكرانيون في مخيم آخر بسبب نقص الرعاية الطبية.
كشف عدد من اللاجئين الأوكرانيين الذين وصلوا إلى جورجيا، عن المعاناة الإنسانية وظروف الحياة "غير الآدمية" والانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى والمعتقلين داخل "معسكرات التصفية الروسية"، وفقا لتقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
وأقام المسؤولون الروس معسكرات في المدارس والمراكز الرياضية والمؤسسات الثقافية في الأراضي التي تحتلها روسيا، وفقا لـ"واشنطن بوست".
ومن تلك المعسكرات تم نقل العديد من الأوكرانيين إلى وجهات عبر روسيا، بالقرب من الصين أو اليابان، وفقا لتقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".
ويستشهد بيان بلينكن بشهادات شهود عن "قيام السلطات الروسية بنقل عشرات الآلاف من الأشخاص إلى مرافق احتجاز في منطقة دونيتسك"، التي تسيطر عليها روسيا في شرق أوكرانيا، حسب "واشنطن بوست".
وقال بلينكن: "يعتبر النقل والترحيل غير القانونيين للأشخاص المحميين انتهاكا خطيرا لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وجريمة حرب".
من جانبه قال خبير جرائم الحرب وحقوق الإنسان، روبرت غولدمان، إن عمليات الترحيل القسري بالمقياس الذي يصفه بلينكن يمكن أن ترقى إلى "نية الإبادة الجماعية"، وفقا لـ"واشنطن بوست".
ولطالما دق المسؤولون الأوكرانيون ناقوس الخطر بشأن عمليات الترحيل الروسية، ووصف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الشهر الماضي، تلك العمليات بأنها "واحدة من أبشع جرائم الحرب التي ترتكبها روسيا".
وقال إنه منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، شملت عمليات الترحيل أكثر من 200 ألف طفل.
محاولة "تغيير التركيبة السكانية" لأوكرانيا
أشار بيان بلينكن إلى تقارير كشفت عمد القوات الروسية "فصل الأطفال الأوكرانيين عن آبائهم واختطاف آخرين من دور الأيتام"، وقال إن شهود عيان وناجين وصفوا "التهديدات المتكررة والمضايقات وحوادث التعذيب من قبل قوات الأمن الروسية".
وفي بعض الحالات، تمت مصادرة جوازات سفر الأوكرانيين، وتم إصدار جوازات سفر روسية بدلا من ذلك، في محاولة واضحة لـ"تغيير التركيبة السكانية لأجزاء من أوكرانيا".
وقال البيان إن هناك أدلة متزايدة على أن السلطات الروسية "تحتجز أو تخفي آلاف المدنيين الأوكرانيين" الذين لم يمروا بعملية التصفية، بمن فيهم المرتبطون بالجيش الأوكراني وقوات الدفاع الإقليمية ووسائل الإعلام والحكومة والمجتمع المدني.
ووفقا للتقارير، فقد تم إعدام آخرين "بإجراءات موجزة، بما يتفق مع الأدلة على الفظائع الروسية التي ارتكبت في بوتشا وماريوبول ومواقع أخرى في أوكرانيا".
وقال بيان بلينكن إن الولايات المتحدة تدعو إلى "وقف فوري لعمليات الترحيل"، وتطالب السلطات الروسية بالإفراج عن المحتجزين والسماح لهم بالعودة إلى ديارهم.
وقال البيان إنه ينبغي السماح للمراقبين الخارجيين المستقلين بالوصول إلى ما يسمى بـ"معسكرات التصفية"، والتي تعمل كمحطة طريق للعديد من عمليات الترحيل، وكذلك الأماكن التي تم ترحيل الأوكرانيين إليها.
وجاء في البيان أن "بوتين وحكومته لن يكونا قادرين على الانخراط في هذه الانتهاكات الممنهجة مع الإفلات من العقاب"، مضيفا أن "المساءلة أمرا حتميا".
من جانبها اعترفت روسيا بأن 1.5 مليون أوكراني موجودون الآن في روسيا ، لكنها أكدت أنه تم إجلاؤهم حفاظا على سلامتهم، وفقا لـ"نيويورك تايمز".