كييف
بوتين يعتبر أن الأوكرانيين والروس هما شعب واحد

في الوقت الذي يحاول فيه الكرملين محو الهوية الوطنية لأوكرانيا، أصبح الكفاح من أجل الحفاظ على التراث الفني الأوكراني والبناء عليه أمرًا ملحًا من جديد، وفقا لما أفاد به خبراء وأكاديميون محليون لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

ويعتبر الأكاديمي والموسيقار الأوكراني، ليونيد ماروشاك، أن حرب روسيا بلاده هي "حرب ثقافية" في بعض أوجهها، إذ أن موسكو "تحاول روسيا تحاول جاهدة محو الهوية الوطنية لأوكرانيا"، وبالتالي فإن "الموسيقى والأدب والأفلام والآثار في هذا البلد ليست رفاهية بل إنها ساحات معارك".

ويتابع قائلا: "الحرب الثقافية الحقيقية في عصرنا هي الحرب من أجل الديمقراطية".

"شعب واحد"

وما يؤكد مخاوف ماروشاك وغير من النخبة المثقفة في البلاد، هو استهداف القوات الغازية الدؤوب للكثير من المعالم الثقافية والتاريخية في البلاد كما حدث عند استهداف المسارح والمتاحف والمواقع الأثرية الدينية في كييف ولييف، وإن كان الأمر أكثر وضوحا في مدينة ماريوبل التي احتلتها قوات بوتين وأحدثت فيها دمارا مروعا.

ولكن المخاطر على الثقافة الأوكرانية هي أكثر من مجرد أضرار جانبية، فبالنسبة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لا يوجد بلد اسمه أوكرانيا، وأن اللغة الأوكرانية هي لهجة روسية وبالتالي فإن الروس والأوكرانيين "شعب واحد". 

وردا على ذلك يتساءل الفيلسوف والباحث الشاب، أنطون دروبوفيتش: "ترى كم عدد المبررات التاريخية المزيفة في الدافع الروسي لهذه الحرب". 

وقبل الغزو كان دروبوفيتش يرأس المعهد الأوكراني للذاكرة الوطنية ، وهو مؤسسة رسمية مكلفة بإعادة فحص الحقبة الشيوعية التي عاشتها البلاد خلال الحكم السوفياتي، ولكنه يرتدي الآن الآن زيا عسكريا وحذاء مقاتلين، ويشارك من الخنادق في اجتماعات عبر تطبيق زووم يقدم فيها وجهات نظره للعديد من العاملين في مراكز الأبحاث الغربية.

ويوضح قائلا:" شرح  وتقديم المعلومات التاريخية والثقافية أمر لا يقل أهمية عن قتال القوات الغازية.. ولو شعرت لحظة أن ما أفعله أمر غير ذي جدوى فعندها سأكتفي بحمل السلاح والقتال".

من ناحية أخرى، وللحفاظ على التراث الأوكراني الثقافي يعمل الكثير من الخبراء والأكاديميين وأمناء المكتبات على أرشفه ورقمنة صور الحقبة السوفيتية التي تم إخراجها من ماريوبول في اللحظة الأخيرة، بينما تقوم سلطات التراث بتتبع الآثار باستخدام ماسحات ضوئية ثلاثية الأبعاد ، لإنشاء سجل في حالة الحاجة إلى إعادة بنائها، وهي تقنية تم تطويرها بعد فوات الأوان للعديد من الآثار في سوريا.

وتعرف الباحثة فيكتوريا سادوفا الوافدين الجدد إلى المدينة بالمتحف التذكاري في سجن لوينسكي، الذي كان سجنا بولنديًا، ثم نازيًا، ثم مركز احتجاز سوفيتيً، حيث يقوم الزوار من مدينتي ماريوبول وخيرسون المحتلتين بمشاهدة معروضات القمع السوفيتي للأوكرانيين.

وتقول سادوفا  التي أصبحت مديرة المتحف بالوكالة بعد بدء الغزو: "مرت ثمانون عامًا ولكن لم يتغير شيء فلا يزال لدينا نفس الصدمات".

وتتعاون سادوفا أيضًا مع المتاحف في كييف وخاركيف، حيث تقوم بنقل مخطوطات وصور وآثار  إلى مواقع أكثر أمانًا في الغرب، موضحة أنها شكرت الرب بعد أن نجحت في  إرسال شحنة عاجلة من صناديق الكرتون من بولندا.

وأما بالنسبة لمدينتي سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك الواقعتين تحت سيطرة القوات الغازية، فعلى الأغلب أن متاحف التاريخ المحلية فيها قد دمرت، فيما يواصل الجيش الروسي والقوات الانفصالية بإمطار خاركيف بحمم من القذائف والصواريخ والتي لا تستثني الكثير من المعالم التاريخية والأثرية فيها.

وعلى نفس المنوال، تتعرض مدينة فينيتسا الواقعة غربي كييف لـ"حرب ثفافية" بعدما جرى استهداف حفل موسيقي فيها أدى إلى سقوط عشرات القتلى كما ذكرت الفنانة روكسولانا على تطبيق إنستغرام، قائلة أن مهندس الصوت الخاص بها كان من بين الضحايا.

ولكن مع انسحاب القوات الروسية من منطقة كييف أبريل ، وعودة بعض المواطنين الذين لجأوا إلى الغرب، استؤنفت الحياة الثقافية جزئيًا.

ففي دار الأوبرا بات بالإمكان الاستماع إلى أغنية "نابوكو" مع جوقة فيردي القومية، فيما بشدو أعضاء الباسكرز في الشوارع بأغنية "ستيفانيا" التي فازت بمسابقة الأغنية الأوروبية هذا العام، في حين بات مصممو الأزياء في شارع Reitarska يلبون العديد من الطلبات لتفصيل ملابس تراثية تضم لوني العلم الوطني، الأصفر والأزرق.

"ثورة الثقافة"

أما الروائية والمؤرخة الشهيرة، أولينا ستيازكينا، فتقول إنه اكتفت من الكتابة باللغة الروسية وستعتمد في قادم أعمالها على اللغة الأوكرانية، مشيرة إلى أنها اضطرت أن تغادر مسقط رأسها في دونيتسك، أكبر مدن إقليم دونباس، بعد أن شن الانفصاليون حربهم في العام 2014، وتضيف: "عندما حضرت إلى كييف كنت أشعر بوجود الرمال في فمي عوضا عن الكلمات".

وعن المستقبل تتذكر كتاب مثل بريمو ليفي ، وبول سيلان ، وجان أميري  والذين نجو من المحرقة النازية "الهولوكوست"، ولكنهم انتحروا عقب سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية، متسائلة لا أعرف ماذا سوف يحدث لي بعد عقد آخر من الزمن.

وتابعت: "بصفتي شاهدة عيان يجب أن أكتب عن يوميات الحرب، وهذه المرة لدي نية قوية لتحقيق الانتصار".

في العام 2014 ، بعد ثورة الميدان التي أطاحت بالرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، شهدت أوكرانيا بشكل جزئي ولادة وطنية جديدة ساهمت في استمرار الانفجار الثقافي الهادف للحفاظ والتأكيد على الهوية الوطنية مما أدى إلى إنتاج جيل جديد من صانعي الأفلام الشباب والمصورين والمصممين، والموسيقيين الإلكترونيين.

وقال المنسق والكاتب فاسيل شيريباني ، الذي يدير مركز أبحاث الثقافة المرئية، وهو مؤسسة فنية مستقلة بكييف: "بعد  ثورة الميدان جرى تحويل الطاقة الثورية إلى الفن والموسيقى".

من جانبه يصف دروبوفيتش الثقافة الأوكرانية بأنها ميزة عسكرية واضحة، قائلا: "أنها تفجر طاقة  الأشخاص الذين يبدعون الفن. وأعتقد أن هذا جزء كبير من سبب فوزنا في هذه الحرب".

المصادر قالت إن الصينيين الذين يقاتلون مع روسيا ربما ليس لهم علاقة ببكين
المصادر قالت إن الصينيين الذين يقاتلون مع روسيا ربما ليس لهم علاقة ببكين (Reuters)

قال مسؤولان أميركيان مطلعان ومسؤول مخابرات غربي سابق إن أكثر من 100 مواطن صيني يقاتلون في صفوف الجيش الروسي في مواجهة أوكرانيا هم مرتزقة لا صلة مباشرة لهم على ما يبدو بالحكومة الصينية.

ومع ذلك، قال المسؤول السابق لرويترز إن ضباطا صينيين كانوا في مسرح العمليات خلف الخطوط الروسية بموافقة بكين لاستخلاص الدروس التكتيكية من الحرب.

وأكد قائد القوات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادي، الأميرال صامويل بابارو، يوم الأربعاء أن القوات الأوكرانية أسرت رجلين من أصل صيني في شرق أوكرانيا بعد أن قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بلاده لديها معلومات عن 155 مواطنا صينيا يقاتلون هناك إلى جانب روسيا.

ووصفت الصين تصريحات زيلينسكي بأنها "غير مسؤولة"، وقالت إن الصين ليست طرفا في الحرب. وكانت بكين قد أعلنت عن شراكة "بلا حدود" مع موسكو وامتنعت عن انتقاد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022.

وقال المسؤولون الأميركيون، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، إن المقاتلين الصينيين لم يتلقوا فيما يبدو سوى الحد الأدنى من التدريب وليس لهم أي تأثير ملحوظ على العمليات العسكرية الروسية.

ولم ترد وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه)، ومكتب مدير المخابرات الوطنية الأميركية، ومجلس الأمن القومي، وكذلك السفارة الصينية في واشنطن بعد على طلبات  رويترز للتعليق.

وقال مسؤول مخابرات غربي سابق مطلع على الأمر لرويترز إن هناك نحو 200 من المرتزقة الصينيين يقاتلون لصالح روسيا لا علاقة للحكومة الصينية بهم.

لكن الضباط العسكريين الصينيين يقومون، بموافقة بكين، بجولات بالقرب من الخطوط الأمامية الروسية لاستخلاص الدروس وفهم التكتيكات في الحرب.

وقدمت الصين لموسكو على مدى سنوات دعما ماديا لمساعدتها في حربها على أوكرانيا، وتمثل ذلك في المقام الأول في شحن المنتجات ذات الاستخدام المزدوج وهي مكونات لازمة لصيانة الأسلحة مثل الطائرات المسيرة والدبابات.

كما زودت بكين روسيا بطائرات مسيرة مدمرة لاستخدامها في ساحة المعركة. وفي أكتوبر، فرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن للمرة الأولى عقوبات على شركتين صينيتين بسبب تزويد موسكو بأنظمة الأسلحة.

ويقاتل متطوعون من دول غربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، في صفوف أوكرانيا منذ الأيام الأولى للحرب، ونشرت كوريا الشمالية أكثر من 12 ألف جندي لدعم القوات الروسية، وقتل وأصيب الآلاف منهم في المعارك.