بوتين- جنرالات الحرب
حل الجنرال غيراسيموف محل الجنرال سيرغي سوروفيكين، الذي شغل المنصب لثلاثة أشهر فقط

تولى الجنرال فاليري غيراسيموف، وهو مهندس غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا، إدارة الجهود الحربية الروسية، مجددا هذا الشهر، بعد إقناع رئيسه بأن سلفه لم يكن فعالا للغاية، وفقا لمسؤولين غربيين. 

يذكر أن استراتيجية الجنرال غيراسيموف هي التي أدت إلى فشل روسيا في البداية، خصوصا لدى محاولتها الدخول لكييف، لعدة أسابيع، دون جدوى.

قضايا تكتيكية يومية "دون جدوى"

ما زالت موسكو تفتقر إلى القوات والذخيرة وحتى المعدات التي يقول المسؤولون العسكريون إنهم بحاجة إليها لشن الهجوم الكبير الذي وعد به القائد العسكري الكبير في البلاد.

ومنذ أن حل الجنرال غيراسيموف محل الجنرال سيرغي سوروفيكين، الذي شغل المنصب لثلاثة أشهر فقط، ركزت القيادة العسكرية الروسية على القضايا التكتيكية اليومية "مثل ما إذا كان ينبغي على القوات السفر في مركبات مدنية ومخاطر استخدام هواتفهم المحمولة" وفق ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز، عن مسؤولين غربيين.

وبعد عدة أشهر من الجهد العسكري المتواصل للإطاحة بالمقاومة الأوكرانية، لا يوجد دليل على أن الجيش الروسي بدأ في معالجة مشاكله الأساسية، مثل نقص الذخيرة والقوات المدربة جيدًا، وفقًا لذات المسؤولين.

وكيل وزارة الدفاع الأميركية، للشؤون السياسية، كولين كال، قال للصحفيين الأسبوع الماضي: "إنه نوع من برامج تلفزيون الواقع" وفي تعليقه على تغيير مراتب القيادات الروسية أضاف: "وأعتقد أن الأمر أكثر دلالة على أن الروس لم يتوصلوا بعد إلى فهم كيف يعتزمون قيادة القتال، وأعتقد أن الخلل الوظيفي بين القادة الروس عميق جدًا".

لإصلاح هذا الخلل الوظيفي لجأ بوتين مرة ثانية إلى الجنرال غيراسيموف.

ولمدة 10 سنوات، كان يعتقد أن غيراسيموف يعمل على تحديث القوات المسلحة الروسية كرئيس للأركان العامة للجيش - وهو ما يعادل رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية. 

على مدى سنوات، درس غيراسيموف ما جرى في أفغانستان والعراق وسوريا ويوغوسلافيا السابقة وليبيا، وكان يهدف إلى دمج هذه الأفكار في خططه "لكن لم يظهر هذا الجهد بعد في ساحة المعركة الأوكرانية" وفق تعليق الصحيفة الأميركية.

"تناقضات"

كغيره من كبار القادة الروس، يبدو الجنرال غيراسيموف (67 عاما) مليئا بالتناقضات  "ويروج لأكاذيب حكومته" وفق وصف نظرائه الغربيين. 

الرجل أخبر المسؤولين الغربيين أوائل العام الماضي أن روسيا ليس لديها نية لغزو أوكرانيا؛ وبعد أسابيع، عبرت القوات الروسية الحدود، بينما ظل هو قريبًا من بوتين  الذي عينه قائدًا لجيشه منذ أكثر من عقد.

والآن، بصفته ثالث قائد عام له في الحرب، حقق بوتين القليل من أهدافه، وبينما فشلت القوات الروسية في السيطرة على العاصمة كييف، لا يزال الرئيس فولوديمير زيلينسكي في السلطة. 

في غضون ذلك، وثقت أوكرانيا علاقات مع الغرب أكثر من أي وقت مضى.

وعلى الرغم من بوادر حدوث بعض التشققات، ظل حلف الناتو موحدًا، بل حتى هدف روسيا المحدود المتمثل في الاستيلاء على المنطقة الشرقية بأكملها لا يزال بعيد المنال. 

لذلك، وفي تعليقات عامة نادرة -تقليدا لدعاية بوتين- صوّر الجنرال غيراسيموف روسيا على أنها ضحية للعدوان الغربي، دون أن يشرح استراتيجيته لتحييد التهديد المتصور.

وزعم في مقابلة مع صحيفة Arguments and Facts الروسية نُشرت في 24 يناير: أن بلاده وقواتها المسلحة "تواجه عمليًا الغرب الجماعي"، مضيفًا أن الناتو "يستخدم أوكرانيا في حرب مختلطة ضد أمتنا".

وبينما كان غيراسيموف يسعى لإصلاح الجيش الروسي، رفع من تكتيكات الحرب غير النظامية التي اعتقد خطأً أن الأميركيين كانوا يقومون بها (في مناطق مثل أفغانستان)، "بدلاً من التركيز على ما فعلته الولايات المتحدة بشكل جيد في حرب الأسلحة المدمجة، ومزج القدرات العسكرية المختلفة لخلق قوة ساحقة" وفق قول سيث جونز، خبير الأمن القومي الأميركي، في كتابه "ثلاثة رجال خطرين".

ونتيجة لذلك، اكتسب الجيش الروسي خبرة في الحيل والتكتيكات السرية، مثل إرسال وحدات القوات الخاصة الروسية سبيتسناز، دون شارة، إلى شبه جزيرة القرم قبل أن تضم روسيا شبه الجزيرة بشكل غير قانوني في عام 2014.

لكن الحرب في أوكرانيا تطلبت نوعًا مختلفًا من المناور مثل  الحملات الهجومية التي تنفها أعداد كبيرة من القوات البرية في مناطق مختلفة بهدف الاستيلاء على الأرض. "وهناك، كان الجنرال غيراسيموف غير فعال" تقول نيويورك تايمز.

كانت القوات التي تم إرسالها للاستيلاء على كييف في الأيام الأولى من الحرب تفتقر حتى إلى الإمدادات الأساسية وسرعان ما توقفت خارج المدينة. 
ولم يكن للجيش الروسي قدرة على تحريك أعداد كبيرة من مختلف أنواع القوات برا وجوا وبحرا، بينما اعتمدت خطة غيراسيموف في الغزو على ذلك. 

ولهذا السبب، تعثرت القوات الروسية، ثم هزمت من قبل المقاومة، في مدن وبلدات شمال أوكرانيا.

كاد الجنرال غيراسيموف نفسه أن يقع ضحية التخطيط السيئ لجيشه عندما نجا بصعوبة في أواخر أبريل من التعرض للقتل في غارة أوكرانية عندما كان في زيارة لقواته، حيث قُتل العشرات من الروس بدلاً من ذلك  في حادثة دفعت موسكو إلى تقليص زيارات القادة إلى الجبهة.

الرياض تشعر بالإحباط من فشل الدول المنتجة الأخرى في التنسيق بشأن خفض الإمدادات
الرياض تشعر بالإحباط من فشل الدول المنتجة الأخرى في التنسيق بشأن خفض الإمدادات

تواجه روسيا خطر الحرمان من الأموال اللازمة لتشغيل اقتصادها الحربي في حال نفذت السعودية خططها الرامية لزيادة إنتاجها من النفط وحماية مكانتها باعتبارها أكبر مصدر للخام في العالم، وفقا لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية.

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" ذكرت في وقت سابق أن الرياض تشعر بالإحباط من فشل الدول المنتجة الأخرى في التنسيق بشأن خفض الإمدادات لرفع أسعار النفط إلى حوالي 100 دولار للبرميل، مقارنة بالسعر الحالي البالغ 70 دولارا.

ويقول تجار النفط إن السعودية تستعد الآن للرد من خلال استعراض عضلاتها وقلب الطاولة على المنتجين الأصغر، حيث ستصدر المزيد من النفط لانتزاع حصة في السوق وزيادة الأرباح، حتى مع انخفاض الأسعار.

ومن شأن هذه الاستراتيجية أن تؤدي لانهيار أسعار النفط، وهي "أخبار سيئة" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تعتمد بلاده بشكل رئيسي على النفط والغاز في تمويل ميزانيتها.

يقول محلل الطاقة الروسي المقيم في النرويج ميخائيل كروتيخين إن التحرك المحتمل للسعودية يشكل "خطرا هائلا" على ميزانية الدولة الروسية بسبب اعتمادها الكبير على إيرادات النفط، مضيفا "يجب علينا الآن أن ننتظر ونراقب".

وأشار كروتيخين إلى أن السعودية "تدرك تماما أن الشركات الروسية لا تلتزم بمطلب خفض الإنتاج، لذلك تقوم بوضع خططها الخاصة".

وترى الباحثة في مركز كارنيغي ألكسندرا بروكوبينكو أن المخاطر كبيرة بالنسبة للكرملين.

وقالت بروكوبينكو إنه في ظل "الأسعار الحالية، فإن أي انخفاض في أسعار النفط بمقدار 20 دولارا سيؤدي إلى انخفاض في الإيرادات الروسية بمقدار 1.8 تريليون روبل (20 مليار دولار)، وهذا يعادل حوالي 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا".

وأضافت بروكوبينكو: "ستواجه الحكومة خيارا بين تقليص الإنفاق، وهو أمر غير مرجح خلال الحرب، أو مواجهة ضغط حصول تضخم وارتفاع في أسعار الفائدة بشكل خانق".

وكانت صحيفة "فايننشال تايمز" ذكرت الأسبوع الماضي أن السعودية قد تتخلى عن طموحاتها طويلة الأمد لتقييد إمدادات النفط من أجل دفع الأسعار إلى حوالي 100 دولار للبرميل.

ويؤكد خبراء سوق النفط أن السعودية لديها القدرة الهائلة على الإنتاج والتصدير لتغيير استراتيجيتها والسعي إلى الهيمنة على السوق من خلال زيادة حجم الإنتاج بدلا من التركيز على الأسعار.

ويشير مدير تحليلات أسواق النفط في شركة "آي سي آي إس" أجاي بارمار إلى أن "الاقتصاد العالمي بطيء نوعا ما، والطلب على النفط ليس بالقدر الذي تريده السعودية".

ويضيف بارمار أن "بعض المنتجين، بما في ذلك روسيا، يتجاوزون حصصهم باستمرار، والسعوديون يفقدون صبرهم".

ويتابع أن "الرسالة التي تريد السعودية إيصالها مفادها بأن على منتجي النفط أن يعملوا بجد أو سيكسبون إيرادات أقل".

ومع ذلك، حتى إذا اتخذت السعودية هذه الخطوة، فمن غير المرجح أن تتراجع روسيا المنهكة ماليا عن حربها ضد أوكرانيا.

ويقول الخبير الاقتصادي هيلي سيمولا إن "روسيا ستظل قادرة على تمويل الحرب لبعض الوقت.. لن تنتهي الحرب لأن روسيا لا تمتلك المال".

وجرى اتهام روسيا، إلى جانب دول مثل كازاخستان والعراق، بتصدير نفط أكثر مما تم الاتفاق عليه مع أوبك، وفقا لما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال".

كذلك تجاوزت موسكو باستمرار حصتها الطوعية، التي تبلغ حاليا 8.98 مليون برميل يوميا، على الرغم من تعهداتها المتكررة بالالتزام.

وانخفضت الأسعار بنحو 6 في المئة حتى الآن هذا العام وسط زيادة الإمدادات من منتجين آخرين، وخاصة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ضعف نمو الطلب في الصين، بحسب وكالة "رويترز".

وكذّبت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، الأربعاء، ما ورد في تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" ووصفته بأنه غير دقيق ومضلل تماما حيث ورد فيه أن وزير الطاقة السعودي حذر من انخفاض أسعار النفط إلى 50 دولارا للبرميل إذا لم يلتزم أعضاء أوبك+ بقيود الإنتاج المتفق عليها.