موقع "ميدوزا" الإخباري الروسي المستقل يعمل من لاتفيا
موقع "ميدوزا" الإخباري الروسي المستقل يعمل من لاتفيا "أرشيف"

يكثف الكرملين جهوده لخنق الأصوات المنتقدة وإبعاد مصادر الأخبار المستقلة عن روسيا بعد حظر موقع إخباري وجماعات حقوق الإنسان ووسائل التواصل الاجتماعي المعروفة.

وتأتي مساعي الكرملين المتجددة لسحق المعارضة في البلاد مع الاقتراب من الذكرى الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، حيث يقدر المسؤولون الغربيون سقوط أكثر من 100 ألف شخص من كل جانب.

ويرى محللون وصحفيون أن روسيا تعمل على حجب هذه المواقع الإخبارية المستقلة ضمن "حرب معلومات" بهدف تضليل الشعب الروسي وإبعاده عن حقيقة ما يحدث في أوكرانيا.

وقال رئيس تحرير صحيفة "أوكرانيا بالعربية"، الدكتور محمد فرج الله، إن روسيا انخرطت في "الحرب الإعلامية قبل حرب البنادق" بعد أن "استثمر الكرملين مئات الملايين في الإعلام".

في حديثه لموقع "الحرة"، قال د. فرج الله: "قبل الغزو كان من المهم إخراس كل من يبرز إخفاقات روسيا ومحاولة تعبئة المجتمع الروسي لما يقوم به (الرئيس فلاديمير) بوتين من جرائم بحق روسيا نفسها".

وأشار إلى أن هذه الأفعال تعد سمة من سمات الأنظمة الديكتاتورية التي تجيش مشاعر المجتمع وتستغلها لخدمة من هم في السلطة، وفق تعبيره.

مطالبات بدعم "الصحفيين الشجعان"

وفي سياق متصل، طالب الكاتب بصحيفة "الغارديان"، مارك رايس أوكسلي، في عموده، بدعم "الصحفيين الروس الشجعان الذين يقولون الحقيقة" وذلك حتى يهزم الرئيس الروسي، فلادمير بويتن.

وقال إن "الدبابات هي نصف المعركة" وأن دعم الصحفيين المنفيين الذين يفتقرون للإرادات، يمثل فرصة واضحة "لإحداث فرق في حرب أوكرانيا" بالنسبة للدول الغربية.

وأشار إلى أن الكرملين يكسب "معركة الدعاية" على اعتبار أن "الإجماع الواسع داخل روسيا يدعم بوتين وحملته البائسة في أوكرانيا".

في الناحية الأخرى، لا يعتقد المحلل السياسي الروسي، أندريه أونتيكوف، أنه يمكن حجب المعلومات المختلفة "في قرن الإنترنت".

وقال أونتيكوف لموقع "الحرة" إنه "يمكن لأي أحد أن يجد المعلومات المختلفة عن الرواية الروسية بسهولة بسبب خدمة في بي إن".

وأضاف: "كما يمكن لأي أحد أن يصل للمواقع المختلفة وشبكات أخرى مثل تلغرام وقنوات تنشر معلومات وأخبار مختلفة عن الرواية الروسية الرسمية".

وتخوض موسكو وكييف معركة استنزاف طاحنة في شرق أوكرانيا، في محاولة لإعادة تشكيل قواتهما قبل الربيع، حيث يرجح أن يحاول كل منهما شن هجوم كبير.

وفي الوقت نفسه، تشن روسيا هجمات على أهداف مدنية حيوية منذ الخريف الماضي، بما في ذلك محطات الطاقة مما تسبب في قتل وجرح عشرات المدنيين.

ومع ذلك، لا يمكن للجمهور في روسيا الوصول لهذه المعلومات ومعرفة الخسائر التي تتعرض لها أوكرانيا والدمار الناجم عن الضربات الصاروخية على اعتبار اقتصار الأخبار على المصادر الحكومية، كما تقول صحيفة "نيويورك تايمز".

في غياب المؤسسات الإخبارية المستقلة يعتمد العديد من الروس على التلفزيون، حيث تكون القنوات الشعبية مملوكة إما من قبل الدولة أو من قبل رجال الأعمال الذين تربطهم علاقات وثيقة مع الكرملين وجميعهم يروجون للرواية الحكومية، بحسب الصحيفة الأميركية.

"العقل الروسي في يد القبضة الأمنية"

وعمل الكرملين على تفكيك وسائل الإعلام الروسية المستقلة، مما أجبر هذه المؤسسات على الخروج من البلاد. كما قطع الوصول إلى فيسبوك وإنستغرام والمؤسسات الإخبارية الأخرى مثل "بي بي سي" وغيرها.

والخميس، حدد مكتب المدعي العام الروسي "ميدوزا"، وهو موقع إخباري مستقل شهير، على أنه "منظمة غير مرغوب فيها"، مما يعني أن أولئك الذين يتحدثون إلى موظفيها أو "يعجبون" بمحتواه أو حتى يشاركون في مقالاته قد يتعرضون لخطر الملاحقة الجنائية.

وقال مكتب المدعي العام في بيان إن أنشطة الموقع "تشكل تهديدا لأسس النظام الدستوري وأمن روسيا الاتحادية". ومن شأن هذا القرار أن يحد القرار من قدرة صحفيي "ميدوزا" المقيمين في لاتفيا، على التحدث إلى الأشخاص داخل روسيا الذين لديهم الآن سبب للخوف من الانتقام. 

لكن الصحفيين أصروا على أن هذا القرار لن يردعهم عن أداء عملهم، قائلين في بيان، "سنجد طرقا للعمل في هذه الظروف الجديدة. سنواصل نقل الأحداث لقرائنا الذين لا يزال الملايين منهم في روسيا". وأدان الاتحاد الأوروبي القرار ووصفه بأنه "هجوم سياسي خطير آخر على حرية الإعلام". 

وقال د. فرج الله إن الكرملين "اختلق أعذار مختلفة لإغلاق فيسبوك وإنستغرام" حيث إنه أنشأ مواقع رديفة تابعة للاستخبارات الروسية "لكي يكون العقل الروسي في يد القبضة الأمنية التي تنفذ ما يريده الحاكم".

في المقابل، يرى أونتيكوف أن إغلاق روسيا لشبكات مثل فيسبوك وإنستغرام "لا يتعلق بحرية التعبير"، بل جاء بسبب انتهاك القوانين الروسية.

وقال إن "شبكات أخرى مثل تلغرام وتيك توك تتمسك بالقوانين الروسية ويمكن من خلالها مشاهدة الرواية المختلفة عن الرواية الروسية"، مضيفا: "إغلاق فيسبوك وإنستغرام بسبب سمحاهما بوجود دعوات لقتل الجنود الروس والرئيس الروسي".

وأشار إلى أن "روسيا تعتبر ذلك جريمة غير مبررة"، موضحا أن "المبدأ الروسي هو التمسك بالقوانين". 

في غضون ذلك، أنهت السلطات الروسية عقود الإيجار لمركز "ساخروف"، وهو متحف يتخذ من العاصمة موسكو مقرا له مخصص لحقوق الإنسان، بما في ذلك تاريخ الانتهاكات السوفيتية.

وقالت الخدمة الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي في بيان إن القضيتين تمثلان "يومًا مظلمًا للمجتمع المدني الروسي ونقطة منخفضة جديدة في تجريف الكرملين لحقوق وحريات المواطنين الروس".

كذلك، أمرت محكمة مدينة موسكو بإغلاق مجموعة موسكو هلسنكي، وهي إحدى أقدم جماعات حقوق الإنسان بروسيا، في قرار أدانه مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. 

وقالت المتحدثة باسم المكتب، مارتا هورتادو، إن الحكم "يمثل صفعة أخرى لحقوق الإنسان والحياة المدنية في البلاد".

بالإضافة إلى ذلك، تم فتح قضية جنائية ضد بيوتر فيرزيلوف، ناشر موقع "ميديازونا" المستقل، حسبما قال، الخميس، مضيفا أنه متهم "بنشر أكاذيب عن الجيش الروسي". 

وقال فيرزيلوف، الذي غادر روسيا قبل الحرب، إن التهم بسبب منشوراته حول بوشا بأوكرانيا، حيث وجد الصحفيون والمحققون أدلة على فظائع ارتكبتها القوات الروسية.

الكرملين "مرعوب" من الحقيقة

كما أن دائرة الرقابة على الاتصالات والإعلام والإنترنت في روسيا (روسكومنادزور) حدت من الوصول إلى المواقع الإلكترونية لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أيه) ومكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي)، وفقا لوكالة "تاس" الحكومة التي ذكرت أنه لم يتم إعطاء سبب للحجب.

في مايو الماضي، طالبت هيئة الرقابة على وسائل الإعلام الروسية، موقع ويكيبيديا بإزالة "معلومات غير صحيحة عن العملية الخاصة في أوكرانيا" من نسختها باللغة الإنكليزية، حسبما نقلت وكالة "تاس" الحكومية عن الخدمة الفدرالية للإشراف على الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووسائل الإعلام.

وأظهرت رسائل البريد الإلكتروني التي تم تسريبها من أكبر شركة إعلامية مملوكة للدولة في روسيا العام الماضي أنه في بعض الأحيان، قام جهاز الأمن العسكري والجيش الروسي بتوجيه وتقديم المشورة لموظفي وسائل الإعلام الحكومية بشأن تصوير الغزو في ضوء إيجابي، بحسب الصحيفة الأميركية.

وكرر المراسلون والمذيعون ومقدمو البرامج التليفزيونية لأشهر مزاعم بوتين بأن هدف الغزو كان "نزع النازية" عن أوكرانيا. 

وأكد بوتين – دون تقديم دليل - أن القيادة الأوكرانية يسيطر عليها مسؤولون "نازيون جدد" - على الرغم من أن رئيس أوكرانيا المنتخب ديمقراطيا ينتمي للديانة اليهودية.

وفي تصريحات بمناسبة إحياء ذكرى المحرقة، قال بوتين إن "نسيان دروس التاريخ يؤدي إلى تكرار المآسي الرهيبة" ثم ربط تاريخ المحرقة بالحرب في أوكرانيا.

واتهم "النازيين الجدد في أوكرانيا" بارتكاب جرائم ضد المدنيين و "التطهير العرقي"، قائلا إن الجنود الروس كانوا هناك لمحاربة "هذا الشر على وجه الخصوص"، وفقا لما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز".

لكن أونتيكوف لا يرى في ذلك أي ربط قائلا إن بوتين ذكر أن "السياسة الروسية مبنية على عدم تكرار هذه الأحداث في المستقبل وهذا مبدأ للاتحاد السوفيتي وروسيا المعاصرة برفض التمييز والعنصرية بين الشعوب".

أما د. فرج الله فقال إن "المواطن الروسي أصبح مخدرا ولا يسمع إلا الروايات الرسمية" وأن الرئيس بوتين "يستغل العقل الروسي" الذي بات "مغيبا" و"أسيرا للآلة الإعلامية" الرسمية، مدللا على أن "الجيش الروسي منغمس في حرب وكل البلاد تسمي ذلك عملية خاصة".

وأضاف أن الكرملين "مرعوب من أي رواية أخرى ويخشى من وصول الحقيقة للمجتمع الروسي"، مردفا: "لو دققنا (في الأمر لوجدنا أن) بوتين غير رواية الحرب 5 مرات" منذ أن اجتاحت قواته أوكرانيا يوم 24 فبراير من العام الماضي.

روسيا تزيد من وتيرة إنتاج الأسلحة مع استمرار الحرب في أوكرانيا - صورة تعبيرية.
روسيا تزيد من وتيرة إنتاج الأسلحة مع استمرار الحرب في أوكرانيا - صورة تعبيرية.

أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في بيان، الجمعة، أن نائب وزير الخزانة، والي أدييمو، سيناقش مع كبار المسؤولين البريطانيين فرض المزيد من العقوبات على روسيا وتسخير الأصول الروسية المجمدة، وذلك في زيارة إلى لندن في الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر.

وأضافت الوزارة أن أدييمو سيلتقي مع مستشار الأمن القومي البريطاني، تيم بارو، ومحافظ بنك إنكلترا، أندرو بيلي، ووزير الدولة، ستيفن دوتي، وفق رويترز

وأشارت الوزارة إلى أن أدييمو سيؤكد خلال زيارته على العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتنسيق البلدين بشأن التحديات الجيوسياسية، بما في ذلك الدعم القوي لأوكرانيا التي تواصل التصدي للغزو الروسي.

وسيناقش أدييمو أيضا العمل المشترك لتحقيق الاستفادة الاقتصادية من نحو 300 مليار دولار من الأصول السيادية الروسية التي جمدها الغرب بعد غزو موسكو لأوكرانيا.

وقالت الوزارة: "في هذه المحادثات، سيناقش نائب الوزير أدييمو تعزيز العقوبات على روسيا بشكل أكبر"، مضيفة أنه سيناقش أيضا سبل قطع التدفقات المالية التي تمكن إيران ووكلاءها من ممارسة أنشطتهم.

وستكون هذه أول زيارة لمسؤول كبير في وزارة الخزانة الأميركية إلى بريطانيا منذ صعود، كير ستارمر، زعيم حزب العمال، إلى السلطة في يوليو الماضي، على الرغم من أن وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، التقت مع نظيرتها البريطانية، ريتشل ريفز، في يوليو على هامش اجتماع مسؤولي مالية مجموعة العشرين في البرازيل.