بوتين استطاع الصمود إلا أن الوقت ينفد بالنسبة له
بوتين استطاع الصمود إلا أن الوقت ينفد بالنسبة له

على الرغم من الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تكبدتها روسيا جراء العقوبات الغربية التي فرضت عليها في أعقاب غزو أوكرانيا، إلا أن هذه العقوبات لم توقف الهجوم المستمر من نحو عام حتى الآن، ومع ذلك اتفق خبراء ومسؤولون تحدثوا إلى صحيفة واشنطن بوست على أنها كانت مجدية وبدأت "تؤتي ثمارها".

كان الغرب قد فرض سلسلة من العقوبات في أعقاب الغزو الذي أطلقه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 24 فبراير من العام الماضي، حيث واجهت موسكو مجموعة من القيود التجارية والمالية التي هدفت إلى شكل الاقتصاد وعزل روسيا عالميا وجعلها دولة منبوذة.

وتسببت هذه الإجراءات في انهيار الروبل، وشل حركة النظام المصرفي، ووقف الشركات في جميع أنحاء العالم عن تصدير السلع الحيوية إلى روسيا، من بينها السلع التقنية التي تحتاجها الآلة العسكرية الروسية.

لكن الإجراءات المضادة السريعة التي اتخذها البنك المركزي الروسي سرعان ما أعادت قدرا من الاستقرار، حيث تم تشديد حركة الأسواق، وتم رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 20 في المئة، وفرضت موسكو قيودا صارمة على صرف العملات والسحب والتحويلات بالعملة الصعبة إلى الخارج. وأدت هذه الإجراءات إلى وقف انهيار العملية.

وفي الوقت ذاته، زادت روسيا تجارتها مع الصين ودول أخرى، ما سمح لبعض التكنولوجيا المحظورة بالتسلل إليها.

وظلت روسيا في موقف أكثر ثباتا مما توقعه عديدون، بفضل صادراتها من النفط والغاز، حتى أوروبا التي وقفت ضد الغزو، استمرت في شراء الطاقة الروسية، فزادت ثروة موسكو وسط الارتفاع الحاد في أسعار النفط العالمية الربيع الماضي. 

ونشرت "مؤسسة روسيا الحرة" غير الربحية تقريرا لخبراء اقتصاديين قالوا فيه إن روسيا قد تكون الدولة الأكثر معاقبة "في تاريخ البشرية"، لكن على الرغم من بعض الضعف الاقتصادي، واصلت هجومها العسكري على أوكرانيا.

وتقول الصحيفة الأميركية في تقريرها إن العقوبات الغربية أصابت اقتصاد روسيا وجيشها بجروح عميقة، وتسببت في حدوث احتكاك بين النخب، لكنها لم تكن كافية لتغيير حسابات بوتين وإنهاء الحرب.

ومع ذلك، هناك أدلة على أن الوقت ينفد بالنسبة لبوتين، مع بدء الغرب فرض لعدد من القيود الصارمة على صادرات الطاقة الروسية، وهي خطوة رفضها الغرب في البداية خشية حدوث انعكاسات سلبية على الاقتصاد العالمي.

كان حظر فرضه الاتحاد الأوروبي على الواردات الروسية التي يتم شحنها بحرا دخل حيز التطبيق في ديسمبر، وكذلك قرار "مجموعة السبع" تحديد سقف للأسعار.

ومنذ أوائل ديسمبر، بدأت  القيود الجديدة على صادرات النفط الروسية "تؤتي ثمارها" مع تراجع عائدات النفط والغاز ا بنسبة 46 في المئة في يناير 2023، مقارنة بالعام الذي سبقه، وزيادة عجز ميزانية البلاد، وانخفاض الروبل بنسبة 19 في المئة.

وتوقعت جانيس كلوج، الخبيرة الاقتصادية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، أن يصل عجز الميزانية إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ارتفاعا من 2 في المئة العام الماضي، بسبب الانخفاض في صادرات الطاقة.

ويقول اقتصاديون إن هذا سيضع ضغوطا أكبر على الروبل، الذي انخفض بالفعل منذ الحظر النفطي.

وأوضحت كلوغ أنه على الرغم من ارتفاع عجز الميزانية، فإن الكرملين سيكون قادرا على مواصلة تمويل آلته الحربية لعدة سنوات أخرى قادمة. 

لكن رغم أن موسكو قد تخفض الإنفاق، هذا العام، على قطاعات غير عسكرية مثل بناء الطرق والتعليم، ولن يؤدي ذلك إلى حدوث فرق كبير في العام المقبل "لكنه سيحدث فرقا في المستقبل البعيد".

وفضلا عن ذلك، فقد جمعت الحكوة الأموال بطريق إصدار سندات محلية وفرض ضرائب غير متوقعة على شركات الطاقة، منها 1.2 تريليون روبل (حوالي 16.5 مليار دولار) فرضت شركة غازبروم.

ولتغطية العجز هذا العام من المتوقع أيضا أن تسحب من صندوق الثروة الوطني، وهو ما قد ينضب خلال العامين المقبلين، بحسب توقعات اقتصاديين.

وقالت كلوغ: "كل هذا معا يعني العقوبات تمثل مشكلة... لكن لأن الحرب تمثل أولوية كبيرة، فلن تكون السبب الذي يجعل بوتين يعيد النظر في استراتيجيته الخاصة بأوكرانيا الآن".

ويوضح جيمس أوبراين، رئيس مكتب تنسيق العقوبات في وزارة الخارجية الأميركية، أن العقوبات تلبي هدفها المتمثل في "إضعاف روسيا من الموارد المالية والتكنولوجيا التي تحتاجها لدعم جيشها" لكن هذه الإجراءات ليست سوى "أداة واحدة لوقف الحرب".

وقال: "عليهم العمل مع الأدوات الأخرى... أعتقد أننا نحد من خيارات روسيا في ساحة المعركة... هذه الإجراءات إلى جانب المساعدة العسكرية والدعم المدني لأوكرانيا سيعني كسب الحرب".

ورغم أن الأرقام الرسمية تؤكد أن الاقتصاد انكمش بين 2.2 في المئة و 3.5 في المئة فقط، وهي نسبة أقل من التوقعات البالغة 10 في المئة على الأقل، إلا أنها قد تخفي ركودا أعمق، مع تراجع إنفاق الأسر والشركات، فضلا عن تراجع الإنفاق في قطاعي التصنيع والغاز في روسيا، وفق رجال أعمال ومسؤولين واقتصاديين روس.

وقال مسؤول مالي روسي كبير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "هناك انخفاض إحصائي رسمي، لكن بشكل غير رسمي يمكن أن هذا الانخفاض أعمق"، مستشهدا باستطلاع حديث أظهر أن الشركات الروسية "لا تقوم بأي استثمارات جادة".

ويعد الانهيار في إنتاج السيارات الروسية، العام الماضي، بسبب صعوبات في استيراد قطع الغيار، علامة أخرى تنذر بالسوء على الاقتصاد. 

وقالت كلوغ إن الانخفاض بنسبة 9.3 في المئة في الإنفاق على التجزئة، في النصف الثاني من عام 2022، مقارنة بالعام السابق، يشير إلى أن الأسر "في وضع أزمة".

ويرى المسؤول المالي الكبير أن الأرقام الحكومية تقدر معدل بطالة بـ3.9 في المئة فقط، لكن هذا يعكس فقط توجه بعض الشركات نحو إبقاء الموظفين في إجازة غير مدفوعة الأجر بدلا من فصلهم عن العمل. 

وقدر المحللون في شركة Finexpertiza الاستشارية أن مستوى "البطالة الخفية" وصل إلى قرابة 13 في المئة في الربع الثالث من العام الماضي.

ذكر مسؤول روسي مقرب من الدوائر الدبلوماسية، طلب عدم نشر اسمه خوفا من الانتقام أن "التوتر محسوس عمليا في كل مكان... هناك بناء لم يكتمل، ومعدات لا تصل أبدا. هناك نقص في الأموال بين الناس".

وقال المسؤول الروسي إن حتى أولئك الذين هم من أقرب الدائرة المقربة لبوتين غير راضين بشكل متزايد عن هذه التطورات.

ورغم كل الخلافات بشأن العقوبات، قال مسؤولون غربيون واقتصاديون للصحيفة إن العقوبات كانت مجدية، حتى لو لم تمنع بوتين من تمويل حربه.

وقالت كلوغ: "إننا نهز الشجرة التي يجلس عليها النظام.. لا يمكننا أن نعرف ما سيحدث.. نحن لا نهزها بما يكفي لسقوطها".

روسيا تزيد من وتيرة إنتاج الأسلحة مع استمرار الحرب في أوكرانيا - صورة تعبيرية.
روسيا تزيد من وتيرة إنتاج الأسلحة مع استمرار الحرب في أوكرانيا - صورة تعبيرية.

أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في بيان، الجمعة، أن نائب وزير الخزانة، والي أدييمو، سيناقش مع كبار المسؤولين البريطانيين فرض المزيد من العقوبات على روسيا وتسخير الأصول الروسية المجمدة، وذلك في زيارة إلى لندن في الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر.

وأضافت الوزارة أن أدييمو سيلتقي مع مستشار الأمن القومي البريطاني، تيم بارو، ومحافظ بنك إنكلترا، أندرو بيلي، ووزير الدولة، ستيفن دوتي، وفق رويترز

وأشارت الوزارة إلى أن أدييمو سيؤكد خلال زيارته على العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتنسيق البلدين بشأن التحديات الجيوسياسية، بما في ذلك الدعم القوي لأوكرانيا التي تواصل التصدي للغزو الروسي.

وسيناقش أدييمو أيضا العمل المشترك لتحقيق الاستفادة الاقتصادية من نحو 300 مليار دولار من الأصول السيادية الروسية التي جمدها الغرب بعد غزو موسكو لأوكرانيا.

وقالت الوزارة: "في هذه المحادثات، سيناقش نائب الوزير أدييمو تعزيز العقوبات على روسيا بشكل أكبر"، مضيفة أنه سيناقش أيضا سبل قطع التدفقات المالية التي تمكن إيران ووكلاءها من ممارسة أنشطتهم.

وستكون هذه أول زيارة لمسؤول كبير في وزارة الخزانة الأميركية إلى بريطانيا منذ صعود، كير ستارمر، زعيم حزب العمال، إلى السلطة في يوليو الماضي، على الرغم من أن وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، التقت مع نظيرتها البريطانية، ريتشل ريفز، في يوليو على هامش اجتماع مسؤولي مالية مجموعة العشرين في البرازيل.