في المتوسط، تطلق القوات الروسية والأوكرانية يوميا ما يصل إلى 30 ألف قذيفة، ما يعني أكثر من مئتي ألف في الأسبوع وما يقرب من مليون قذيفة شهريا، دون احتساب الرصاص والألغام الأرضية والقنابل اليدوية والذخائر الأخرى التي تستعمل في الحرب التي تدخل عامها الثاني بعد أيام قليلة.
وفي حين أن القوات الروسية تطلق عادة نحو ضعف عدد الطلقات التي تصدر عن الجانب الأوكراني، فإن مخزونات كلا الطرفين "تتقلص"، وكشف الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، للصحفيين في بروكسل، الثلاثاء، أن استخدام أوكرانيا للذخيرة "أعلى عدة مرات" من معدل الإنتاج الحالي لحلفائها.
ويجعل تدافع البلدين للحصول على المزيد من الذخيرة والأسلحة، الحرب الدائرة حاليا "معركة مصانع بقدر ما هي معركة جنود"، بحسب بلومبرغ.
وفي الوقت الذي لا يتعرض أي من الجانبين لخطر استنفاد مخزونه تماما، تقيّد الإمدادات المتناقصة خيارات القوات العسكرية بحسب مارك كانسيان، العقيد السابق في البحرية الأميركية والذي يعمل الآن مستشارا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.
ويضيف في حديثه للوكالة: "في مرحلة ما، ستصبح هذه مشكلة، مبرزا إذا أصبحت الجيوش مقيدة للغاية، لا يمكنك إطلاق النار على أهداف جيدة حقا".
ويقول بعض المحللين إن الوضع بأوكرانيا، يظهر أوجه تشابه مع الحرب العالمية الأولى، عندما استقر المقاتلون في مواقع محصنة وأطلقوا قذائف لا حصر لها، على أمل كسر الجمود، ومع استمرار الحرب، عانى كلا الجانبين من نقص في قذائف المدفعية، وفي عام 1915 تم إسقاط الحكومة البريطانية من منصبها بعد أن فشلت في تقديم ما يكفي من الذخيرة فيما أصبح يعرف باسم "أزمة القذائف".
وتمكنت كييف من مجاراة الروس في إيقاع الحرب السريع والعنيف، وساعدها في ذلك الأسلحة التي حصلت عليها من دول الناتو تسمح لها باستخدام ذخيرتها بشكل أكثر فاعلية مما تفعله روسيا، وفقا لمسؤولين من حلف الناتو.
بالإضافة إلى اعتمادها على مصانع الأسلحة في أوروبا والولايات المتحدة وكندا التي تتوفر على قدرات تصنيعية أكبر بكثير من تلك الموجودة في روسيا التي تواجه عقوبات عديدة واضطرت إلى اللجوء إلى كوريا الشمالية وإيران للحصول على الإمدادات.
جهود رفع الإنتاج
وفي يناير الماضي، أعلن الجيش الأميركي أنه سيستثمر ملياري دولار في العديد من مصانع الذخيرة التابعة له في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث يهدف إلى الوصول إلى طاقة إنتاج شهرية تبلغ 90 ألف قذيفة في أقرب وقت في العام المقبل.
ويقول الجيش الأميركي إنه بحلول ربيع هذا العام، سيرتفع إنتاجه من قذائف 155 ملم، من 14.000 إلى 20.000 شهريا.
وتستثمر شركة Rheinmetall AG الألمانية أكثر منو 10.7 مليون دولار، في خط إنتاج جديد بالقرب من هامبورغ، لتصنيع ذخيرة لمدافع جيبارد المضادة للطائرات التي زودت بها برلين أوكرانيا.
وتقول شركة ZVS Holding في سلوفاكيا، إنها ستضاعف بدورها إنتاجها السنوي من قذائف 155 ملم، إلى 100000 بحلول العام المقبل.
وتتعاون فرنسا وأستراليا لإنتاج كميات غير محددة من قذائف 155 ملم. وتقول أوكرانيا إنها اتفقت مع أعضاء الناتو على إنتاج أنواع مختلفة من الذخائر في مصانع خارج البلاد.
تعزيز الإنتاج الدفاعي
وعلى الرغم من قلة المعلومات العامة حول جهود روسيا لدعم إمداداتها من الذخيرة، فمن الواضح أن الكرملين يركز على الإنتاج الدفاعي.
ويجتمع المسؤولون الحكوميون بانتظام مع ممثلين عن الصناعة لتنسيق الخطط، وأوضح التلفزيون الحكومي، يناير الماضي، أن مصانع الأسلحة استمرت في العمل بشكل كامل خلال عطلة رأس السنة الجديدة.
وقال وزير الدفاع، سيرجي شويغو، إن الجيش ضاعف تقريبا مشترياته من الذخيرة في عام 2022 وأن الإنفاق على أنظمة الأسلحة سيرتفع بنسبة 50 بالمئة، هذا العام.
كما أوضح بوتين لموظفي وزارة الدفاع في ديسمبر: "ليس لدينا قيود على التمويل، البلد والحكومة ستوفر ما يطلبه الجيش.. أي شيء".
وفي فبراير، أفادت وكالة الأنباء الحكومية الروسية، عن زيادة إنتاج قذائف مدفعية كراسنوبول الموجهة.
ويقدر مركز تحليل الإستراتيجية والتكنولوجيا في موسكو أن إنتاج الطائرات المقاتلة قفز بمقدار النصف العام الماضي، على الرغم من أنه لا يزال أقل بنسبة 70 بالمئة عن مستوى 2014.
وأعلنت شركة Uraltransmash، التي تصنع مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع، عن دفعة توظيف كبيرة.
وتقول Uralvagonzavod، الشركة المصنعة الأساسية للدبابات القتالية الروسية، إنها تعمل 24 ساعة في اليوم.
وأوضح الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، الذي يشرف الآن على شراء الأسلحة، خلال زيارة لمصنع أسلحة في مدينة أومسك السيبيرية يوم 9 فبراير: "علينا تحديث وإنتاج آلاف الدبابات الأخرى".
بطء التصنيع
على النقيض من ذلك، كانت دول أوروبا الغربية بطيئة في زيادة الإنتاج، كما يقول توماس كوبيشني، نائب وزير الدفاع في جمهورية التشيك والمسؤول عن التعاون الصناعي.
واجتمع وزراء دفاع أكثر من اثنتي عشرة دولة في الناتو الصيف الماضي لمناقشة المشكلة، لكن العديد من الحكومات لم تقرر بعد أين أو كيف تستثمر.
ويقول كوبيشني: "إذا سمحنا للاقتصاد الروسي بالتحول بالكامل إلى وضع الإنتاج الحربي ولم نبدأ هذه المشاريع، فسوف ينتجون ذخيرة أكثر من أي جهة أخرى".
وتعمل الحكومات الأوروبية على تعزيز الإنفاق الدفاعي، لكن هذا يأتي بعد سنوات من الاستثمار المحدود، بحسب بلومبرغ.
وتبقى أحد أكبر العوائق التي تحول دون زيادة الإنتاج جنوح بعض دول الناتو لشراء الأسلحة والذخائر لأنظمتها المحلية بدلا من العمل مع دول أخرى، وفقا لدبلوماسي أوروبي كبير طلب عدم الكشف عن هويته.
ويضيف الدبلوماسي الأوروبي، أن توحيد الجهود يمكن أن يسرع من عملية الإنتاج، وسيحافظ على تغطية التكاليف، كما أن استخدام نفس النوع من الذخيرة سيساعد في ضمان حصول الجميع على ما يحتاجون إليه".
وحتى تتلاشى مخاوف الإمداد، من المحتمل أن يضطر كلا الجانبين إلى الحد من استخدامهما للذخيرة، بحسب روب باور، الضابط العسكري الأعلى في الناتو، وهو ما يقدم دروسا للتحالف في أي صراع أوسع قد ينخرط فيه، كما يقول الأدميرال الهولندي.
ويضيف: "الحرب تتعلق بالقدرات التخزينية وحول قدرتك على مواصلة القتال مهما تطلب الأمر".