قبل نحو أسبوع من حلول الذكرى السنوية للغزو الروسي لأوكرانيا، اتهمت الولايات المتحدة رسميا وللمرة الأولى موسكو بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"، في خطوة تحمل أبعادا مهمة على الصعيدين السياسي والقانوني.
وقالت نائبة الرئيس الأميركي كاملا هاريس، السبت، إن إدارة الرئيس جو بايدن خلصت رسميا إلى أن روسيا ارتكبت "جرائم ضد الإنسانية" في غزوها لأوكرانيا منذ ما يقرب من عام.
وذكرت هاريس في كلمة لها خلال مؤتمر ميونيخ للأمن "فحصنا الأدلة فيما يتعلق بأفعال روسيا في أوكرانيا، ونعرف المعايير القانونية، ولا شك أن هذه جرائم ضد الإنسانية"، متعهدة بمحاسبة "كل من ارتكب هذه الجرائم، ولرؤسائهم المتواطئين في هذه الجرائم".
وبالتزامن أفادت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة أحصت ووثقت منذ بدء الغزو أكثر من 30600 حالة من جرائم الحرب يشتبه بأن القوات الروسية في أوكرانيا ارتكبتها.
وليس للقرار الرسمي، الذي جاء بعد تحليل قانوني بقيادة وزارة الخارجية الأميركية، أي تبعات فورية على الحرب المستمرة، لكن واشنطن تأمل في أن يساعد في زيادة عزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحشد الجهود القانونية لمحاسبة أعضاء حكومته من خلال المحاكم والعقوبات الدولية.
يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة واشنطن وليام لورانس إن الخطوة مهمة من الناحيتين السياسية والقانونية.
ويضيف لورانس في حديث لموقع "الحرة" أن "من الواضح أن ما جرى من جرائم وانتهاكات في أوكرانيا أمر لا يقبل الشك".
ومع ذلك يستدرك بالقول: "لكن التقرير الجنائي الكامل بشأن تلك الجرائم والتحقيق النهائي بشأنها حتى الآن لا يزال مستمرا، ومن الناحية القانونية هي مجرد ادعاءات".
ويوضح لورانس: "في الوقت ذاته فإن هذه الادعاءات جاءت بشأن جرائم مرتكبة، وبعض التحقيقات اكتملت بالفعل، وخاصة ما يتعلق بما جرى في مدينة بوتشا وأيضا استهداف مرافق طبية بالقنابل في مدن أخرى مع بداية الحرب".
ويؤكد لورانس أن " هناك جرائم حرب واضحة جدا، لكن إثباتها في المحكمة يحتاج لاكتمال التحقيقات، التي انتهى بعضها ولا يزال عدد منها مستمرا".
ويواصل لورانس القول إن "المحققين لا يزالون يعملون في أوكرانيا وهم بحاجة لمزيد من الوقت للبحث في الأدلة"، مضيفا "ليس هناك أي شك بشأن وجود أدلة دامغة على ارتكاب هذه الجرائم، لكن السؤال هو كم عددها وكيف يمكن إثباتها من الناحية القانونية؟".
وخلال كلمتها بمؤتمر ميونخ عددت هاريس التجاوزات المنسوبة إلى روسيا فذكرت القصف المنهجي على المدنيين والبنى التحتية الأساسية، وأعمال التعذيب والاغتصاب المنسوبة إلى الجنود الروس ونقل أوكرانيين قسرا إلى روسيا بينهم آلاف الأطفال الذين فصلوا عن عائلاتهم.
ورحب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا بالإعلان الأميركي واتهم موسكو مجددا بشن "حرب إبادة" في أوكرانيا، خلال مؤتمر صحافي عقده على هامش المؤتمر.
لكنه قال إنه يخشى ألا يكون من الممكن جمع ما يكفي من الأدلة لملاحقة "أفراد محددين" ارتكبوا "فظاعات" أمام القضاء.
ودعت كييف إلى إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة كبار المسؤولين الروس، غير أن شكل هذه المحكمة ما زال يطرح أسئلة قانونية معقدة.
على الصعيد السياسي يعتقد لورانس أنه "لا يمكن للولايات المتحدة أن تعلن شيئا مثل هكذا من دون امتلاكها أدلة دامغة على حصول هذه الجرائم".
ويضيف: "بالتأكيد الإعلان سيصب في صالح دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، كما أن توقيته مهم جدا لإنه جاء قبل أيام من الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي".
ويختتم لورانس بالقول إن "روسيا تصرفت بشكل عدائي وغزت جارتها وقتلت آلاف المدنيين، والإعلان الأميركي يصب في صالح إدانة الغزو وفي صالح توفير دعم أكبر لحليفتها أوكرانيا".
وغزت القوات الروسية في 24 فبراير 2022، أوكرانيا في ما كان يُفترض أن يكون عملية خاطفة، لكنها تحولت الى حرب مدمرة.
وبعد مرور عام، ما زالت كييف تقاوم لكن النزاع خلف عشرات الآلاف من القتلى ودمارا هائلا في الاقتصاد والبنية التحتية.
وفي الإجمال، يُقدر أن 30 إلى 40 ألف مدني قتلوا في الحرب، وفقا لمصادر غربية.
وفي نهاية يناير الماضي، قدرت الأمم المتحدة عدد القتلى والجرحى بنحو 18 ألفا، مع الإقرار بأن "الأرقام الفعلية أعلى بكثير". وقالت كييف إن بين القتلى أكثر من 400 طفل.
ونُسبت إلى القوات الروسية عمليات إعدام واغتصاب وتعذيب وخطف أطفال، قالت كييف إن أكثر من 16 ألفا منهم نُقلوا إلى روسيا أو إلى منطقة خاضعة للسيطرة الروسية. واتهم محققو الأمم المتحدة في سبتمبر روسيا بارتكاب جرائم حرب "واسعة النطاق".
وفتحت المحكمة الجنائية الدولية في مارس 2022 تحقيقًا في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا.