في الإجمال، يُقدر أن 30 إلى 40 ألف مدني قتلوا في الحرب
في الإجمال، يُقدر أن 30 إلى 40 ألف مدني قتلوا في الحرب

قبل نحو أسبوع من حلول الذكرى السنوية للغزو الروسي لأوكرانيا، اتهمت الولايات المتحدة رسميا وللمرة الأولى موسكو بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"، في خطوة تحمل أبعادا مهمة على الصعيدين السياسي والقانوني.

وقالت نائبة الرئيس الأميركي كاملا هاريس، السبت، إن إدارة الرئيس جو بايدن خلصت رسميا إلى أن روسيا ارتكبت "جرائم ضد الإنسانية" في غزوها لأوكرانيا منذ ما يقرب من عام.

وذكرت هاريس في كلمة لها خلال مؤتمر ميونيخ للأمن "فحصنا الأدلة فيما يتعلق بأفعال روسيا في أوكرانيا، ونعرف المعايير القانونية، ولا شك أن هذه جرائم ضد الإنسانية"، متعهدة بمحاسبة "كل من ارتكب هذه الجرائم، ولرؤسائهم المتواطئين في هذه الجرائم".

عمل لفنان الشارع الإيطالي TvBoy يصور بوتين بالسجن - برشلونة
بعد مجزرة بوتشا.. ما هي جرائم الحرب وهل اقتربت محاكمة بوتين؟
يقول خبراء في مجال القانون إن محاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو غيره من القادة الروس ستواجه عقبات كبيرة وقد تستغرق سنوات، وذلك بعد اتهام أوكرانيا روسيا بارتكاب جرائم حرب في بلدة بوتشا الواقعة خارج العاصمة كييف.

وبالتزامن أفادت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة أحصت ووثقت منذ بدء الغزو أكثر من 30600 حالة من جرائم الحرب يشتبه بأن القوات الروسية في أوكرانيا ارتكبتها.

وليس للقرار الرسمي، الذي جاء بعد تحليل قانوني بقيادة وزارة الخارجية الأميركية، أي تبعات فورية على الحرب المستمرة، لكن واشنطن تأمل في أن يساعد في زيادة عزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحشد الجهود القانونية لمحاسبة أعضاء حكومته من خلال المحاكم والعقوبات الدولية.

يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة واشنطن وليام لورانس إن الخطوة مهمة من الناحيتين السياسية والقانونية.

ويضيف لورانس في حديث لموقع "الحرة" أن "من الواضح أن ما جرى من جرائم وانتهاكات في أوكرانيا أمر لا يقبل الشك".

ومع ذلك يستدرك بالقول: "لكن التقرير الجنائي الكامل بشأن تلك الجرائم والتحقيق النهائي بشأنها حتى الآن لا يزال مستمرا، ومن الناحية القانونية هي مجرد ادعاءات".

ويوضح لورانس: "في الوقت ذاته فإن هذه الادعاءات جاءت بشأن جرائم مرتكبة، وبعض التحقيقات اكتملت بالفعل، وخاصة ما يتعلق بما جرى في مدينة بوتشا وأيضا استهداف مرافق طبية بالقنابل في مدن أخرى مع بداية الحرب".

ويؤكد لورانس أن " هناك جرائم حرب واضحة جدا، لكن إثباتها في المحكمة يحتاج لاكتمال التحقيقات، التي انتهى بعضها ولا يزال عدد منها مستمرا".

ويواصل لورانس القول إن "المحققين لا يزالون يعملون في أوكرانيا وهم بحاجة لمزيد من الوقت للبحث في الأدلة"، مضيفا "ليس هناك أي شك بشأن وجود أدلة دامغة على ارتكاب هذه الجرائم، لكن السؤال هو كم عددها وكيف يمكن إثباتها من الناحية القانونية؟".

وخلال كلمتها بمؤتمر ميونخ عددت هاريس التجاوزات المنسوبة إلى روسيا فذكرت القصف المنهجي على المدنيين والبنى التحتية الأساسية، وأعمال التعذيب والاغتصاب المنسوبة إلى الجنود الروس ونقل أوكرانيين قسرا إلى روسيا بينهم آلاف الأطفال الذين فصلوا عن عائلاتهم.

ورحب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا بالإعلان الأميركي واتهم موسكو مجددا بشن "حرب إبادة" في أوكرانيا، خلال مؤتمر صحافي عقده على هامش المؤتمر.

لكنه قال إنه يخشى ألا يكون من الممكن جمع ما يكفي من الأدلة لملاحقة "أفراد محددين" ارتكبوا "فظاعات" أمام القضاء.

ودعت كييف إلى إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة كبار المسؤولين الروس، غير أن شكل هذه المحكمة ما زال يطرح أسئلة قانونية معقدة.

على الصعيد السياسي يعتقد لورانس أنه "لا يمكن للولايات المتحدة أن تعلن شيئا مثل هكذا من دون امتلاكها أدلة دامغة على حصول هذه الجرائم".

ويضيف: "بالتأكيد الإعلان سيصب في صالح دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، كما أن توقيته مهم جدا لإنه جاء قبل أيام من الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي".

ويختتم لورانس بالقول إن "روسيا تصرفت بشكل عدائي وغزت جارتها وقتلت آلاف المدنيين، والإعلان الأميركي يصب في صالح إدانة الغزو وفي صالح توفير دعم أكبر لحليفتها أوكرانيا".

وغزت القوات الروسية في 24 فبراير 2022، أوكرانيا في ما كان يُفترض أن يكون عملية خاطفة، لكنها تحولت الى حرب مدمرة.

وبعد مرور عام، ما زالت كييف تقاوم لكن النزاع خلف عشرات الآلاف من القتلى ودمارا هائلا في الاقتصاد والبنية التحتية.

وفي الإجمال، يُقدر أن 30 إلى 40 ألف مدني قتلوا في الحرب، وفقا لمصادر غربية. 

وفي نهاية يناير الماضي، قدرت الأمم المتحدة عدد القتلى والجرحى بنحو 18 ألفا، مع الإقرار بأن "الأرقام الفعلية أعلى بكثير". وقالت كييف إن بين القتلى أكثر من 400 طفل. 

ونُسبت إلى القوات الروسية عمليات إعدام واغتصاب وتعذيب وخطف أطفال، قالت كييف إن أكثر من 16 ألفا منهم نُقلوا إلى روسيا أو إلى منطقة خاضعة للسيطرة الروسية. واتهم محققو الأمم المتحدة في سبتمبر روسيا بارتكاب جرائم حرب "واسعة النطاق".

وفتحت المحكمة الجنائية الدولية في مارس 2022 تحقيقًا في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا.

ويكيبيديا
النسخة الروسية من ويكيبيديا أصبحت محل بجدل بسبب نشرها لدعاية الكرملين

منذ نشأتها في عام 2001، عايشت موسوعة "ويكيبيديا" سلسلة من القضايا الجدلية حول تفاصيل ثقافية وتاريخية متنوعة، قبل أن تتجه نحو مواضيع أكثر حساسية وخطورة، مثل الانتخابات، الاحتجاجات، والحروب.      

ومن أبرز الأمثلة الحديثة، الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تحولت ويكيبيديا إلى ساحة معركة للروايات المتنافسة والمتغيرة باستمرار، وفق تقرير جديد لمجلة "فورين بوليسي" بعنوان "كيف غزت روسيا ويكيبيديا". 

تُعتبر النسخة الروسية من ويكيبيديا واحدة من أكبر ستة مواقع ويكيبيديا في العالم، وكانت حتى وقت قريب مصدرا رئيسيا للمعلومات في روسيا.

ولكن، خلال العقدين الماضيين، أصبحت تلك النسخة محاطة بالجدل بسبب تورطها في نشر الدعاية الموجهة من قبل الكرملين الذي استغل المنصة للترويج لرواياته السياسية.

تعتمد العديد من المقالات في النسخة الروسية من ويكيبيديا على المصادر الحكومية ويتم تحريرها بواسطة محررين روس يتبنون الروايات الرسمية للكرملين، وفق المجلة. 

وتشير "فورين بوليسي" إلى أن هذا التحيز برز بشكل واضح في تغطية النسخة الروسية للحرب على أوكرانيا.

على سبيل المثال، بينما تؤكد النسخة الإنكليزية من ويكيبيديا على الطبيعة غير القانونية لضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، تشير المقالات الروسية إلى هذا الحدث بشكلٍ يبرّر التدخل الروسي.

كما تقلل النسخة الروسية من دور الجيش الروسي في الصراع وتصور منطقة دونيتسك كجمهورية منفصلة عن أوكرانيا.

في قضية أخرى مثيرة للجدل، تتباين النسختان الإنكليزية والروسية حول حادثة إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية MH17 عام 2014، فبينما تُقر النسخة الإنكليزية بأن الطائرة أُسقطت بواسطة صاروخ أطلقه الجيش الروسي، تُشير النسخة الروسية إلى الحادثة بأنها "كارثة" دون الإشارة إلى المسؤولية الروسية، مما يعكس التأثير الكبير للروايات الحكومية الروسية على المحتوى، وفق تعبير المجلة.

وكانت رحلة الخطوط الجوية الماليزية "إم إتش17" في طريقها من أمستردام إلى كوالالمبور عندما كانت تحلق يوم 17 يوليو 2014 فوق المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون شرق أوكرانيا، حيث تعرضت لصاروخ أرض جو روسي الصنع انطلق من قاعدة عسكرية روسية يديرها المتمردون المدعومون من موسكو، وفق فريق تحقيق دولي.

تحديات قانونية

واجهت مؤسسة "ويكيميديا"، التي تدير ويكيبيديا، تحديات قانونية في روسيا، حيث تم تغريمها عدة مرات بسبب المحتوى المتعلق بالحرب على أوكرانيا.

وتشير تقارير إلى أن مجموعات من الحسابات المنسقة، تُعرف بـ"حسابات دمى الجوارب" (Sock puppet) قامت بتنسيق جهود لتحرير الصفحات المتعلقة بالعلاقات الروسية الأوكرانية لصالح الرواية الرسمية الروسية.

هذه المجموعات تعمل على تقويض المصادر الأوكرانية والغربية، وتدعم بدلاً من ذلك الروايات المدعومة من وسائل الإعلام الحكومية الروسية.

وفي خطوة أخرى لتعزيز السيطرة على الفضاء الرقمي، أطلقت روسيا في وقت سابق هذا العام منصة بديلة لويكيبيديا تُسمى "روويكي" (Ruwiki)، بقيادة فلاديمير ميدييكو، المدير السابق لمؤسسة ويكيميديا الروسية.

بدأت هذه المنصة كنسخة طبق الأصل من النسخة الروسية من ويكيبيديا، مستفيدة من طبيعة اتفاقية المصادر المفتوحة لويكيبيديا.

تحتوي "روويكي" الآن على ما يصل إلى مليوني مقال باللغة الروسية، بالإضافة إلى 12 لغة إقليمية أخرى تُستخدم في روسيا، وهي تعمل خارج نطاق سيطرة مؤسسة ويكيميديا.

منصة بديلة

تختلف "روويكي" عن نموذج ويكيبيديا الأصلي الذي يسمح لأي مستخدم بإنشاء وتحرير المقالات، حيث يخضع  المحتوى المضاف لمراجعة مجموعة ضيقة من الخبراء المعتمدين من قبل الحكومة.

هذه الآلية تسمح للحكومة الروسية بفرض رقابة صارمة على المحتوى المقدم وضمان توافقه مع الروايات الرسمية، خصوصا في القضايا المعقدة مثل الغزو الروسي لأوكرانيا.

أدى إنشاء "روويكي" إلى خلق نسخة رقمية منعزلة تعكس رؤية الكرملين للأحداث. ففي هذه النسخة، يتم إنكار أحداث تاريخية كبرى مثل مجاعة "هولودومور" التي أودت بحياة ملايين الأوكرانيين في عهد الرئيس السوفييتي جوزيف ستالين، ويتم الترويج لفكرة أن حلف "الناتو" هو المسؤول عن استفزاز روسيا لشن غزوها لأوكرانيا.

وهذه المحاولات لعزل الفضاء الرقمي الروسي عن بقية العالم تندرج ضمن مفهوم "تجزئة الإنترنت" أو "السبلينترنت"، وفق "فورين بوليسي" وهي ظاهرة تتجسد في قيام الدول بتقييد وصول مواطنيها إلى الإنترنت العالمي وتوجيههم نحو منصات رقمية محلية تخضع لرقابة الدولة، مما يحد من حريتهم في الوصول إلى معلومات غير محكومة بالروايات الرسمية.