رصدت صحيفة "التايمز" البريطانية، الأجواء داخل الملجأ الحربي السري للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بالعاصمة كييف، كاشفة عن الاستعدادات الأوكرانية لصد الهجوم الروسي المتوقع خلال الربيع القادم.
داخل بنكوفا
يطلق على المجمع اسم "بنكوفا"، وهو كتلة خرسانية من المكاتب المحاطة بحلقة من الفولاذ، وحوله تصطف نقاط التفتيش مع حراس مسلحين لا يسمحون بدخول أي شخص سوى من لديهم تصريح بذلك.
ولا يمكن للسيارات المدنية الاقتراب من المجمع، ويطلب الجنود من المشاة كلمات مرور سرية تتغير يوميا، وغالبا ما تكون عبارات يصعب على الروس نطقها.
وداخل المجمع يسود الظلام بشكل دائم، بسبب إغلاق كل النوافذ بأكياس رملية، للحماية من انفجارات القنابل، وإطفاء الأنوار لتقليل خطر استهداف المبنى بالهجمات الجوية أو القناصة.
ومنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، كانت هناك محاولات اغتيال عديدة لزيلينسكي، وفي مارس الماضي، كشف رئيس مجلس الأمن القومي الأوكراني، أوليكسي دانيلوف، أن زيلينسكي نجا من ثلاث محاولات اغتيال في أسبوع واحد فقط.
وفي 2 مارس 2022، تم إحباط مؤامرة لاغتيال زيلينسكي وتم قتل الجنود الشيشانيين الذين تم إرسالهم من روسيا لتنفيذ المحاولة في ضواحي كييف، وفقا لما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" وقتها.
وداخل المجمع يوجد ملجأ تحت الأرض، وتم استخدام المخبأ مرة واحدة فقط في الأشهر الأخيرة، بعد ورود معلومات استخباراتية خلال الصيف تفيد بأن الروس كانوا يخططون لشن هجوم على مقر الحكومة، بحسب ما ذكره مسؤول حكومي أوكراني لـ"التايمز".
وكان عام 2022 بمثابة اختبار تحمل لزيلينسكي ومسؤوليه، الذين يعملون 18 ساعة يوميا لسبعة أيام في الأسبوع، وغالبًا ما ينامون في المجمع المظلم لحمايتهم، وبالكاد يرون عائلاتهم.
ولا يرى زيلينسكي عائلته سوى مرة واحدة كل عشرة أيام، ويمثل العيش في ظلام المجمع بعيدا عن أسرته "ضغطا كبيرا" على الرئيس الأوكراني، حسب ما ذكره أحد مساعديه.
قصة المخبأ
في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، تم نقل الشخصيات البارزة في الحكومة الأوكرانية على الفور إلى المخبأ الموجود تحت الأرض بأوامر من الجيش الذي طالبهم بالبقاء هناك حتى إشعار آخر.
وقال أحد المطلعين في بنكوفا إن الحياة كانت صعبة: "أنت لا ترى الشمس، ولا تعرف الوقت".
ووفقا لمصدر حكومي، كانت الخطة الأولية هي البقاء في المخبأ لمدة أسبوع، لكن الأحداث في الخارج تسببت في تغيير الخطة.
وعندما استولت القوات الروسية على العديد من البلدات والمدن في كييف وحولها، بدا لعدة أسابيع أن العاصمة أيضًا ستسقط بالتأكيد.
وقضى زيلينسكي وكبار مساعديه قرابة شهرين في العيش تحت الأرض، وظهروا بشكل متقطع لطمأنة الناس بأن الرئيس "لم يفر".
وكان على المدعوين للعيش جنبا إلى جنب مع الرئيس في المخبأ تحت الأرض توقيع اتفاقية عدم إفشاء تمنعهم من مشاركة أي تفاصيل حول تصميم القبو أو موقعه أو وسائل الراحة، ولم يُسمح لهم حتى بالتحدث عن الطعام الذي تناولوه، حسب "التايمز".
وبعد ساعات من الغزو قام الحراس داخل المجمع الآمن بإطفاء الأنوار مع اندلاع معارك بالأسلحة النارية حول الحي الحكومي، وقدموا سترات واقية من الرصاص وبنادق هجومية إلى زيلينسكي وعشرات من مساعديه.
ومع فرار القوات الروسية إلى مواقع دفاعية في شرق أوكرانيا، بدأت مدينة كييف في إعادة فتح أبوابها تدريجياً، لكن العمل داخل "بانكوفا" لم يتوقف.
كيف تستعد أوكرانيا لهجوم الربيع؟
خلال الجولة داخل المجمع، التقت "التايمز"، أندريه يرماك، الصديق المقرب للرئيس ورئيس مكتبه وأكبر مستشاريه، والذي تحدث عن استعداد روسيا لهجوم جديد قريب في الربيع.
ويُشتبه في أن موسكو تستعد لشن هجوم كبير جديد في نهاية الشتاء أو الربيع، بعد أشهر من النكسات العسكرية وبعد عام من بدء غزوها لأوكرانيا، وفقا لـ"فرانس برس".
وبدعم من عشرات الآلاف من جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم في ديسمبر، كثفت موسكو هجماتها في جنوب وشرق أوكرانيا في الأسابيع القليلة الماضية، ومن المتوقع على نطاق واسع أن تشن هجوما كبيرا جديدا مع اقتراب الذكرى الأولى لبدء الغزو في 24 فبراير، وفقا لـ"رويترز".
وتطلب أوكرانيا حلفائها الغربيين بالمزيد من الطائرات المقاتلة والدبابات الحربية المتقدمة قبل هجوم الربيع الروسي المتوقع، حسب "رويترز".
على الرغم من أن يرماك قال إن القوات الروسية الجديدة "ليست منضبطة للغاية"، لكنه اعترف بأن "عدد الأشخاص" يمثل مشكلة.
لمواجهة ذلك، فتحت أوكرانيا خطة تعبئة طوعية جديدة ذات "نتائج جيدة"، وفقا لما ذكره أحد المطلعين في بنكوفا، والذي أكد أن "الكثير من الناس مستعدون للذهاب والقتال".
وقال "لدينا أيضا متطوعون من دول أخرى، لدينا شيشانيون وبولنديون وبيلاروس وليتوانيون ومن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا".
وتطرق يرماك في حديثه إلى "معركة السيطرة على باخموت"، وقال إن أوكرانيا لن تتخلى عنها أبدا".
ومنذ أكثر من ستة أشهر، تحاول مجموعة فاغنر والجيش الروسي السيطرة على باخموت وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية محدودة لكنها اكتسبت أهمية رمزية كبيرة بسبب طول مدة المعارك حولها.
وتحاول القوات الروسية في الأسابيع الأخيرة تطويق باخموت ونجحت في قطع العديد من الطرق المؤدية إلى المدينة الحيوية لتزويد القوات الأوكرانية الإمدادات، وفقا لـ"فرانس برس".
وستمنح السيطرة على باخموت روسيا نقطة انطلاق للزحف نحو مدينتين أكبر هما كراماتورسك وسلوفيانسك اللتين تقعان أبعد باتجاه الغرب في دونيتسك، مما سيعيد إليها الزخم قبل الذكرى الأولى للغزو في 24 فبراير، حسب "رويترز".
وتقول أوكرانيا وحلفاؤها إن الاستيلاء على باخموت سيكون بمثابة انتصار مكلف نظرا للمدى الزمني الذي استغرقه وما يقولون إنها خسائر بشرية فادحة ناجمة عن موجات من الهجمات الروسية.
وتشير "التايمز"، إلى أن المسؤولين في بنكوفا فخوريين بما حققوه في غضون عام، وتقول إن "قلة من قادة العالم اعتقدوا أن أوكرانيا يمكن أن تنجو من الغزو الروسي لفترة طويلة".
بينما يوجه يرماك رسالة قوية لحلفاء أوكرانيا الغربيين، قائلا: "من الممكن إنهاء هذه الحرب في هذا العام، ليس من الضروري إطلاقا أن تكون هناك ذكرى سنوية ثانية، أعطونا كل ما نحتاجه للفوز".
وبعد عام تقريبا على بدء الحرب في أوكرانيا، لا تلوح في الأفق أي بادرة تهدئة على جبهة القتال ويخشى حلف شمال الأطلسي (ناتو) من هجوم جديد واسع تستعد موسكو لشنه قريبا.
وتستهلك أوكرانيا قذائف بوتيرة أسرع مما يمكن للغرب تصنيعها وتقول إنها تحتاج أيضا إلى مقاتلات وصواريخ بعيدة المدى لصد الهجوم الروسي واستعادة السيطرة على المناطق التي خسرتها، وفقا لـ"رويترز".
وتعهدت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بأن الدعم الغربي لن يتزحزح في وجه الهجوم الروسي الجديد الوشيك، حسب "رويترز".
والسبت، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، في كلمة في مؤتمر ميونيخ للأمن إلى "مضاعفة الجهود" لتسريع الدعم العسكري لأوكرانيا لمساعدتها على صد الغزو الروسي.
وقالت فون دير لايين "يجب أن نواصل الدعم الهائل اللازم لهزيمة مخططات (فلاديمير) بوتين الإمبريالية"، مؤكدة أن "حان الوقت للإسراع لأن أوكرانيا بحاجة إلى معدات تؤمن لها البقاء".