ظهرت المعلومات المضللة والدعاية كأسلحة رئيسية في ترسانة الكرملين، وذلك خلال العام الذي انقضى منذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، وأصبحت المعلومات سلاحا في الصراع، وفقا لتقرير مطول لأسوشيتد برس.
وردت دول أوروبية أخرى وشركات تكنولوجيا أميركية بتكميم أفواه وسائل إعلام حكومية روسية وإغلاق حسابات مزيفة تسعى إلى نشر مزاعم مضللة بشأن الحرب.
وقبيل بدء الغزو، سعى الكرملين إلى تبرير غزوه وزرع انعدام الثقة بين أوكرانيا وحلفائها،
من خلال نشر دعايته عبر الإنترنت على الهواتف الذكية وشاشات الكمبيوتر.
والآن، مع اقتراب دخول الحرب عامها الثاني، من المتوقع أن تواصل روسيا هجومها الدعائي، رغم أنها لم تنجح حتى الآن في كسر إرادة أوكرانيا.
وبدأ القتال عبر الإنترنت على شاشات الكمبيوتر والهواتف الذكية في جميع أنحاء العالم حيث استخدمت روسيا المعلومات المضللة والدعاية ونظريات المؤامرة لتبرير غزوها وإسكات المعارضة المحلية وزرع الفتنة بين خصومها.
الآن في عامها الثاني، من المرجح انتشار مزيد من المعلومات المضللة عن الحرب، حيث تتطلع روسيا إلى كسر إرادة أوكرانيا وحلفائها.
وقالت سامانثا لويس، محللة استخبارات التهديدات في شركة الأمن السيبراني ريكوردد فيوتشر إن "السؤال الطبيعي هو: ماذا سيأتي بعد ذلك؟، نحن نعلم أن روسيا تستعد لصراع طويل الأمد. ويكاد يكون من المؤكد أن الروح المعنوية الأوكرانية هدف رئيسي للعمليات النفسية الروسية. وهناك خطر التراخي الدولي".
وسلط التقرير الضوء على "حرب التضليل الروسية منذ بدء الصراع" في أوكرانيا.
فرق تسد
بدأت جهود الدعاية التي يبذلها الكرملين ضد أوكرانيا منذ سنوات عديدة وزادت بشكل حاد في الأشهر التي سبقت الغزو مباشرة، وفقا لكسينيا إليوك، الخبيرة الأوكرانية بالتضليل، والمتخصصة بمتابعة الدعاية الروسية.
وصممت روسيا الرسائل لجماهير محددة حول العالم.
وفي أوروبا الشرقية، نشرت روسيا شائعات لا أساس لها من الصحة عن ارتكاب اللاجئين الأوكرانيين لجرائم أو تولي وظائف محلية. أما في أوروبا الغربية، كانت الرسالة مفادها أنه لا يمكن الوثوق بالقادة الأوكرانيين الفاسدين، وأن حربا طويلة يمكن أن تتصاعد أو تؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء والنفط.
وفي أميركا اللاتينية، نشرت السفارات الروسية المحلية ادعاءات باللغة الإسبانية تشير إلى أن غزوها لأوكرانيا كان صراعا ضد الإمبريالية الغربية. وانتشرت رسائل مماثلة تتهم الولايات المتحدة بالنفاق والعداء في آسيا وأفريقيا وأجزاء أخرى من العالم لها تاريخ من الاستعمار.
وأغرقت وكالات الإعلام الروسية أوكرانيا بالدعاية، واصفة جيشها بالضعيف وقادته غير فعالين وفاسدين. وقالت إليوك إنه إذا كانت الرسالة تهدف إلى الحد من مقاومة الغزاة، فإنها تأتي بنتائج عكسية في مواجهة التحدي الأوكراني.
وقالت: "الدعاية الروسية فشلت في أوكرانيا. الدعاية الروسية والمعلومات المضللة تشكل تهديدا بالفعل ويمكن أن تكون معقدة للغاية. لكنها لا تعمل دائما. فهي لا تجد دائما جمهورا".
لوم الضحية
تحاول العديد من التلفيقات الروسية تبرير الغزو أو إلقاء اللوم على الآخرين في الفظائع التي ارتكبتها قواتها.
بعد أن قام الجنود الروس بتعذيب المدنيين وإعدامهم في بوتشا الربيع الماضي، فزعت صور الجثث المتفحمة والأشخاص الذين تم إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة العالم. ومع ذلك، زعم التلفزيون الروسي الحكومي أن الجثث كانت لممثلين وأن الدمار كان مزيفا. وشاهد صحفيو وكالة أسوشيتد برس الجثث بأنفسهم.
احتفلت روسيا في البداية بضربة صاروخية على محطة سكة حديد في بلدة كراماتورسك الأوكرانية، حتى ظهرت تقارير عن سقوط ضحايا مدنيين. وفجأة، أصرت وسائل الإعلام الروسية على أن الصاروخ ليس لهم.
وقال رومان أوسادشوك، المتخصص بالأبحاث الرقمية في المجلس الأطلسي (Atlantic Council)، والذي يتتبع المعلومات المضللة الروسية قبل بدء الحرب: "عندما أدركوا مقتل وجرح مدنيين، قاموا بتغيير الرسائل، محاولين الترويج لفكرة أنه صاروخ أوكراني".
وذكر التقرير "واحدة من أكثر نظريات المؤامرة شيوعا حول الحرب". ووفقا للادعاء الروسي، تدير الولايات المتحدة سلسلة من المعامل السرية للحرب الجرثومية في أوكرانيا - وهي مختبرات تقوم بأعمال خطيرة بما يكفي لتبرير الغزو الروسي.
ومثل العديد من نظريات المؤامرة، فإن الخدعة متجذرة في بعض الحقيقة. مولت الولايات المتحدة أبحاثا بيولوجية في أوكرانيا، لكن المختبرات ليست مملوكة للولايات المتحدة، ووجودها بعيد كل البعد عن السرية.
ويعتبر هذا العمل جزءا من مبادرة "برنامج الحد من التهديدات البيولوجية"، والتي تهدف إلى تقليل احتمالية تفشي الأمراض القاتلة، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان، ويعود إلى جهود الولايات المتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي لتفكيك برنامج الاتحاد السوفيتي السابق لأسلحة الدمار الشامل.
حجب وسائل الإعلام
بينما كانت الحكومات الأوروبية وشركات التكنولوجيا التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها تبحث عن طرق لإيقاف دعاية الكرملين، وجدت روسيا طرقا جديدة لإيصال رسالتها.
في وقت مبكر من الحرب، اعتمدت روسيا بشكل كبير على وسائل الإعلام الحكومية مثل "آر تي" و"سبوتنيك" لنشر معلومات مؤيدة لروسيا بالإضافة إلى الادعاءات الكاذبة حول الصراع.
واستجابت منصات مثل فيسبوك وتويتر، بإضافة تسميات إلى حسابات وسائل الإعلام الحكومية الروسية والمسؤولين الحكوميين.
وعندما دعا الاتحاد الأوروبي إلى حظر وسائل الإعلام الحكومية الروسية، رد موقع يوتيوب بحجب قنوات آر تي وسبوتنيك. وفعلت تيك توك، المملوكة لشركة صينية مقرها الآن في سنغافورة، الشيء نفسه.
ثم تحولت روسيا مرة أخرى للاستفادة من دبلوماسييها، الذين استخدموا حساباتهم على تويتر وفيسوك لنشر روايات كاذبة عن الحرب والفظائع الروسية. وتحجم العديد من المنصات عن فرض رقابة على الحسابات الدبلوماسية أو تعليقها، مما يمنح السفراء طبقة إضافية من الحماية.
وبعد تكميم أفواه وسائل الإعلام الحكومية، وسعت روسيا من استخدامها لشبكات حسابات التواصل الاجتماعي المزيفة. كما تهربت أيضا من الحظر المفروض على حساباتها من خلال إزالة ميزات التعريف - مثل شعار RT - من مقاطع الفيديو قبل إعادة نشرها.
وكانت بعض الجهود معقدة، مثل شبكة مترامية الأطراف من الحسابات المزيفة المرتبطة بمواقع الويب التي تم إنشاؤها لتبدو وكأنها صحف ألمانية وبريطانية حقيقية. حددت "ميتا" تلك الشبكة وأزالتها من منصاتها الخريف الماضي.
كان البعض الآخر أكثر فظاظة، حيث استخدموا حسابات مزيفة تم اكتشافها بسهولة قبل أن يتمكنوا حتى من جذب متابعين.
انتصارات مبكرة
حققت أوكرانيا وحلفاؤها انتصارات مبكرة في حرب المعلومات من خلال التنبؤ بخطوات روسيا التالية والكشف عنها علنا.
وقبل أسابيع من الحرب، علم مسؤولو المخابرات الأميركية أن روسيا تخطط لشن هجوم ستلقي باللوم فيه على أوكرانيا كذريعة للغزو. وبدلا من حجب المعلومات، قامت الحكومة بنشرها كوسيلة لتعطيل خطط روسيا.
ومن خلال "التثبيط المسبق" لمزاعم روسيا، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يحاولون تخفيف تأثير المعلومات المضللة. وفي الشهر التالي، فعل البيت الأبيض ذلك مرة أخرى عندما كشف عن شكوك في أن روسيا قد تسعى إلى إلقاء اللوم على أوكرانيا في هجوم كيميائي أو بيولوجي.
ودفع الغزو شركات التكنولوجيا إلى تجربة استراتيجيات جديدة أيضا. وأطلقت غوغل مالكة موقع يوتيوب، برنامجا تجريبيا في أوروبا الشرقية مصمما لمساعدة مستخدمي الإنترنت على اكتشاف وتجنب المعلومات الخاطئة حول اللاجئين الفارين من الحرب. واستخدمت المبادرة مقاطع فيديو قصيرة عبر الإنترنت تعلم الناس كيف يمكن للمعلومات الخاطئة أن تخدع الدماغ.
وكان المشروع ناجحا للغاية لدرجة أن غوغل تخطط الآن لإطلاق حملة مماثلة في ألمانيا.
وقالت إليوك إنها تعتقد أن هناك وعيا أكبر الآن، بعد عام من الغزو، بالمخاطر التي تشكلها المعلومات المضللة الروسية، وتفاؤل متزايد بإمكانية السيطرة عليها.
وأضافت أن "الأمر صعب للغاية، خاصة عندما تسمع القنابل خارج نافذتك". كان هناك إدراك كبير بأن هذا (التضليل الروسي) يشكل تهديدا. إن هذا شيء يمكن أن يقتلنا حرفيا".