بعد توقف دام ستة أشهر، تستأنف أوكرانيا تصدير الكهرباء إلى الدول الأوروبية في أعقاب نجاحها في عمليات إصلاح وتأهيل بنيتها التحتية الطاقية التي تعرضت لهجمات روسية متكررة خلال الأشهر الأخيرة.
وفي أعماق الأرض في جنوب شرق أوكرانيا، يعمل عمال مناجم على مدار الساعة لاستخراج الفحم لدعم المجهود الحربي في البلاد وتوفير الضوء والحرارة.
وقال كبير المهندسين في شركة تعدين في مقاطعة دنيبروبتروفسك لآسوشيتد برس، إن الفحم أساسي لتلبية احتياجات أوكرانيا من الطاقة في أعقاب حملة الجيش الروسي، لتدمير محطات الطاقة والبنية التحتية الأخرى.
وأعلن وزير الطاقة الأوكراني، جيرمان جالوشينكو، الجمعة، أن بلاده تستطيع الآن استئناف تصدير الكهرباء بعد توقف دام ستة أشهر بسبب الضربات الروسية التي استهدفت بنيتها التحتية للطاقة.
"أصعب شتاء"
وأوقفت أوكرانيا صادرات الكهرباء في أكتوبر الماضي، بعد أن بدأت موسكو ضربات بالصواريخ والمسيرات على محطات الطاقة في جميع أنحاء البلاد، عانى خلال الأوكرانيين طيلة فصل الشتاء من انقطاعات مستمرة في التزود بالكهرباء والماء والتدفئة.
وقال الوزير الأوكراني في بيان على موقع الوزارة على الإنترنت "انقضى أصعب شتاء"، مشيرا إلى أن شبكة الكهرباء تعمل بشكل طبيعي منذ نحو شهرين.
وتابع قائلا "الخطوة التالية هي استئناف تصدير الكهرباء وهو ما يتيح لنا الحصول على موارد مالية إضافية لإعادة البناء الضرورية لبنية الكهرباء التحتية التي أصابها الدمار والضرر".
وأشار جالوشينكو إلى أنه وقع على وثيقة تنفيذية تسمح باستئناف صادرات الكهرباء نظرا لوجود فائض في الإنتاج المحلي، موجها شكره للمهندسين والشركاء الدوليين على الجهد الجبار الذي بذلوه في إصلاح النظام.
وبوسع أوكرانيا الآن تصدير 400 ميجاوات بحد أقصى إلى الاتحاد الأوروبي، بحسب المسؤول الأوكراني الذي أشار إلى أن صادرات الكهرباء ستستمر بشرط تزويد المستهلكين الأوكرانيين أولا.
وعبرت أوكرانيا في يونيو الماضي عن رغبتها في تصدير كهرباء بقيمة 1.5 مليار يورو (1.64 مليار دولار) إلى الاتحاد الأوروبي بنهاية العام.
"فشل مساعي الكرملين"
وقال محللون غربيون إن هجوم الكرملين على نظام الطاقة، خلال الأشهر الماضية، كان يهدف إلى تقويض الدعم الشعبي للحرب، في كل من أوكرانيا وأوروبا، من خلال دفع موجات جديدة من الأوكرانيين لطلب اللجوء لدى دول الجوار بحثا عن ملاذ خلال شتاء أوكرانيا القارس.
وبعد ستة أشهر من الهجمات "فشلت هذه الحملة على الأرجح"، وفقا لوزارة الدفاع البريطانية.
وأشار تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن تقديم الدول الغربية لأنظمة دفاع جوي حديثة ساعد الدفاعات الجوية الأوكرانية في التصدي للصواريخ والمسيرات التي تطلقها موسكو لاستهداف البنيات الأوكرانية.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن أوكرانيا تمكنت أيضا من الحصول على بدائل للأجزاء التالفة خلال عمليات إصلاح مجمعات الطاقة التي ضربتها القوات الروسية، مشيرة إلى حصولها على محولات عالية الجهد، تزن أكثر من 100 طن.
وأفادت الوزارة البريطانية بأن الهجمات الروسية على شبكة الطاقة تراجعت خلال الشهر الماضي، غير أنها أشارت إلى تأثير الضربات قصيرة المدى وضعيفة القوة التي تواصل موسكو شنها ضئيل.
"الحياة تبدأ من الصفر"
وقال أولكسندر، كبير المهندسين، الذي تحدث بشرط ذكر اسمه الأول فقط لأسباب أمنية، مثل جميع عمال مناجم الفحم الذين قابلتهم آسوشيتد برس، "اليوم، أصبح استقلال الطاقة في البلاد أكثر من أولوية".
ووصلت المفاوضات لنزع السلاح من محطة زاباروجيا للطاقة النووية، التي استولت عليها قوات الكرملين العام الماضي في بداية الغزو الشامل، إلى طريق مسدود.
ويعارض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أي اقتراح من شأنه إضفاء الشرعية على سيطرة روسيا على المحطة، وهي أكبر منشأة للطاقة النووية في أوروبا.
وفي حالة عملها بكامل طاقتها، تستطيع المحطة أن تنتج 6 ميغاواط من الكهرباء.
وأغلق مشغلو المحطة الأوكرانيون آخر مفاعل في سبتمبر، قائلين إن تشغيله ينطوي على مخاطرة كبيرة بينما تقصف روسيا مناطق قريبة.
ودمر القصف المحطة عدة مرات، ما أثار مخاوف من احتمال حدوث انهيار نووي. كما هددت الصواريخ الروسية خطوط الطاقة اللازمة لتشغيل معدات التبريد الحيوية في زاباروجيا والمحطات النووية الأوكرانية الأخرى.
وقبل الحرب، خططت الحكومة الأوكرانية لتقليل اعتماد البلاد على محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، والتي تساهم في تفاقم أزمة الاحتباس الحراري، على أن تقوم بزيادة الطاقة النووية وإنتاج الغاز الطبيعي.
بيد أن أولكسندر قال إنه عندما دمرت الهجمات الروسية المحطات الحرارية في منتصف الشتاء، ساهم الفحم في الحفاظ على تدفئة المنازل الأوكرانية.
ولا يمكن لعمل عمال مناجم الفحم أن يعوض بشكل كامل فقدان الطاقة من محطات الطاقة النووية، ولكن كل ميغاواط يجري توليده يقلل الفجوات القائمة في الطاقة، وفقا للوكالة.
وبينما انضم الكثير من عمال المناجم من المنطقة إلى القوات المسلحة عندما غزت القوات الروسية ويقاتلون الآن على الجبهة في شرق أوكرانيا، انضم ما يقرب من 150 عاملا مشردا من مناطق أخرى منتجة للفحم في الشرق إلى الفريق في دنيبروبتروفسك.
وغادر يوري بلدة فوهليدار في مقاطعة دونيتسك المحاصرة، حيث عمل كعامل منجم للفحم لمدة 20 عامًا، وقال: ”بالطبع، غيرت الحرب حياتي بشكل جذري.. من المستحيل الآن العيش هناك، وفي المنجم الذي كنت أعمل فيه.. الحياة تبدأ من الصفر".